اعرف أسعار الذهب اليوم 25 أبريل وتوقعات السعر الأيام المقبلة    أخبار مصر: زيادة أسعار سجائر وينستون وكامل وجولدن كوست، محافظة جديدة تنظم لمقاطعة الأسماك، وقف خدمات الكاش بشركات المحمول    نمو إيرادات فورد وتراجع أرباحها خلال الربع الأول    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على رفح الفلسطينية    وصول 162 شاحنة مساعدات لقطاع غزة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم البري    موعد مباراة أهلي جدة والرياض اليوم في دوري روشن السعودي والقناة الناقلة    اليوم.. طقس شديد الحرارة نهارًا ورياح مثيرة للرمال وأتربة عالقة    شكرًا على حبك وتشجيعك.. ريهام عبدالغفور ترثي والدها الفنان الراحل بكلمات مؤثرة    ضرب نار في أسعار الفراخ والبيض اليوم 25 أبريل.. شوف بكام    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    حزب الله يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية مختلفة    ارتفاع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 25 إبريل 2024    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    «عمال البناء والأخشاب» تهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة بذكرى تحرير سيناء    اضبط ساعتك.. موعد بدء التوقيت الصيفي في مصر 2024| وطريقة تغيير الوقت    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    "شياطين الغبار".. فيديو متداول يُثير الفزع في المدينة المنورة    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    ب86 ألف جنيه.. أرخص 3 سيارات في مصر بعد انخفاض الأسعار    محافظ المنيا: 5 سيارات إطفاء سيطرت على حريق "مخزن ملوي" ولا يوجد ضحايا (صور)    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    حزب المصريين: البطولة العربية للفروسية تكشف حجم تطور المنظومة الرياضية العسكرية في عهد السيسي    «الاستثمار» تبحث مع 20 شركة صينية إنشاء «مدينة نسيجية»    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يعلن الترشح لفترة رئاسية ثانية    تدريب 27 ممرضة على الاحتياطات القياسية لمكافحة العدوى بصحة بني سويف    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    الهلال الأحمر: لم يتم رصد أي مخالفات داخل شاحنات المساعدات في رفح    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجدى زين الدين يكتب: النحاس زعيماً للوفد
ثورة 1919 نهضة أمة وكفاح شعب (31)
نشر في الوفد يوم 03 - 04 - 2019


عمل فى اتجاهين.. التصدى للقصر والحفاظ على الدستور
عندما قال الزعيم: تفصل يدى ولا أمضى وثيقة فصل السودان عن مصر
حكومة النحاس الثالثة جاءت بأغلبية كاسحة فى الانتخابات
حماية مصالح الأمة والمحافظة على حقوقها شعار النحاس
القصر يوجه ضربة إلى النحاس بمباركة الملك فاروق ودهاء أحمد حسنين
ملخص الحلقة الماضية
تناولت الحلقة الماضية الدور الوطنى لحزب الوفد فى مفاوضات الجلاء، وسفر الزعيم خالد الذكر سعد زغلول الى لندن بصفته الشعبية وليس الحكومية، وبمعنى أوضح ان سعدا اعتمد على التوكيل الشعبى فى الدفاع عن حقوق الوطن كما أن تأليف الوزارة الدستورية استند الى التأييد الشعبى الكاسح.
نتناول هذه الحلقة فى سلسلة الحلقات التى عرضتها طوال الشهرين الماضيين، إثر قيام ثورة 1919، انتقال زعامة الوفد من الزعيم خالد الذكر سعد زغلول الى الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس، وتبدأ مرحلة جديدة من كفاح الوفد من اجل جلاء المستعمر البريطانى وتشكيل الحكومات الوفدية، واستكمال المسيرة التى بدأها سعد ورفاقه، على يد النحاس، ومن خلال رؤية الدكتور عبدالمنعم الجميعى وآخرين تدور الحلقة، واعتمدت الدراسة على عدة مراجع فى هذا الشأن أبرزها كتاب طارق البشرى شخصيات تاريخية وصراع سعد فى أوروبا للكاتب محمد كامل سليم السكرتير الخاص للزعيم سعد وتاريخ المفاوضات المصرية الأوروبية للكاتب محمد شفيق غربال.
وبعد أن انتقل سعد الى جوار ربه تبوأ مصطفى النحاس باشا رئاسة حزب الوفد فى 19/9/1927م، كما انتخب رئيساً لمجلس النواب خلفاً لسعد زغلول وكان قد اشتهر بقوة وطنيته ونزاهته ونظافة يده وقربه من قلوب الجماهير، وقد جعل النحاس نصب عينيه العمل فى اتجاهين الأول هو ضرورة التصدى لأوتوقراطية القصر، والحفاظ على الدستور من تدخل الملك وعبث حكومات الأقلية، والثانى كان السعى الى استكمال استقلال مصر بإبرام معاهدة تحالف مع بريطانيا، وحول الاتجاه الأول ذكر النحاس: «إن سياسة الوفد فى الداخل ترمى الى صيانة الدستور، وتوكيد الوحدة والمحافظة على الائتلاف أما الدستور، فإننا نعتبره الثمرة الأولى التى جنيناها من جهادنا والتى يجب علينا ان نحرص عليها كل الحرص، خصوصاً وقد كان فى وقت من الأوقات غرضاً لعبث العابثين ونعده أداة عملية لتوطيد سلطة الأمة، ووسيلة نستخدمها فى كسب استقلالنا الحقيقى التام، وليس معنى ذلك أننا ننزل عن مطالبنا فى الاستقلال التام لأن هذا الاستقلال هو غايتنا والعمل له هو موضوع جهادنا، وهو الذى أكدنا عليه عهدنا».
وبالنسبة للاتجاه الثانى فقد ذكر النحاس أنه يأمل فى الوصول الى اتفاق مع بريطانيا يقوم على الاحترام المتبادل، والحقوق المشروعة لكلا الطرفين والتى لا تتناقض مع الاستقلال وانه بصفته ممثل الشعب يعرف ما يقبله الشعب وما لا يقبله.
وعلى أثر استقالة عبدالخالق ثروت فى 4 مارس 1928م عقب فشل مباحثاته مع «تشمبرلين» فى الوصول الى تسوية للمسألة المصرية كلف الملك مصطفى النحاس بتأليف وزارته الأولى، فتم تشكيلها فى 16 مارس 1928م،. ولكنها لم تستمر طويلاً لرفضها للمطالب البريطانية الخاصة بضرورة تنفيذ الالتزامات المتولدة عن تصريح 28 فبراير، ولاعتراضها على سحب المشروع الخاص بقانون الاجتماعات من البرلمان.
وفى أعقاب اقالة النحاس، كلف الملك «محمد محمود باشا» بتأليف الوزارة الجديدة وكان أول عمل قام به هو حل البرلمان بمجلسيه. كما كلفه بالسفر الى انجلترا للمفاوضة فى المسألة المصرية، وقد أسفرت هذه المفاوضات عن مشروع معاهدة عرفت بمشروع «محمد محمود هندرسون». وأبرز ما فيها انها تهدم الاستقلال الحقيقى اذ تتضمن بقاء القوات البريطانية فى مصر، وبقاء السودان منفصلاً عنها، ولما عرض هذا المشروع على حزب الوفد رفض النظر فيه الا بعد عودة الحياة الدستورية واستقالة الوزارة وتأليف وزارة محايدة تكفل حرية الانتخابات وقد قبلت الحكومة البريطانية شروط الوفد، وسحبت تأييدها لوزارة محمد محمود، وتألفت وزارة حيادية برئاسة «عدلى باشا يكن» فى أكتوبر 1929م وكان أول عمل لها هو اعادة الحياة الدستورية، واجراء الانتخابات التى فاز فيها الوفد فوزاً كبيراً اذ نال من المقاعد 212 مقعداً من «235» وفى أعقاب ذلك استقالت وزارة عدلى، وعهد الملك الى مصطفى النحاس فى أول يناير 1930م بتأليف وزارته الثانية باعتباره زعيم الأغلبية وقد قوبل تأليف هذه الوزارة بالابتهاج الشعبى خاصة أنها وليدة الانتخابات العامة التى تمثلت فيها ارادة الأمة وخلال ذلك قرر مجلس النواب والشيوخ فى 6 فبراير 1930م تفويض وزارة النحاس فى التفاوض مع الحكومة البريطانية فى مقترحاتها للوصول الى «اتفاق شريف وطيد يوثق عرى الصداقة بين البلدين»، ولما كان الانجليز لا يستطيعون ابرام معاهدة مع مصر لا يوافق عليها حزب الأغلبية الشعبية، ولا خيار لهم سوى مفاوضة الوفد فقد رحبوا بذلك وسافر النحاس باشا ومن اختارهم لهذه المهمة وفى مقدمتهم مكرم عبيد سكرتير الوفد ووزير المالية وافتتحت المفاوضات فى 31 مارس 1930م بقاعة «لوكارنو» بوزارة الخارجية البريطانية.
وفى الجلسة الافتتاحية للمحادثات بدأت مناقشة عامة بين وفدى المفاوضات أوضح خلالها النحاس ان مصر متمسكة بحرياتها الدستورية وأنه
موفد من قبل الشعب المصرى لإقامة علاقات بين البلدين، وعقد معاهدة بين ندين أو دولتين ذات سيادة، وفى أعقاب الجلسة الافتتاحية دارت المفاوضات التى اتفق على عدم تسريب أى أخبار عنها، وقد تركز موقف مصر حول انهاء الاحتلال، وقبول مبدأ المحالفة بين البلدين ومسألة الدفاع عن القناة، حق مصر المطلق فى حماية الأجانب والغاء الامتيازات الأجنبية ومساعدة بريطانيا لمصر فى دخول عصبة الأمم، ومباشرة مصر للإدارة المشتركة فى السودان.
وخلال ذلك اتفق الطرفان لأول مرة على المبادئ الأساسية للقضية المصرية، وحصل المفاوض المصرى على مكاسب استطاع أن يحققها لأول مرة مثل الغاء وظيفتى المستشار المالى والقضائى وادارة الأمن العام الأوروبية، ومثل التمسك برفض المقترحات البريطانية بشأن تدريب الجيش المصرى على يد بعثة عسكرية بريطانية، وحصر وجود القوات البريطانية فى منطقة القناة ومع ذلك فقد فشلت المفاوضات بسبب تعثر الاتفاق على موضوع السودان نظراً لتمسك النحاص بالمشاركة فى حكم السودان مما دفع الوفد المصرى الى مغادرة لندن والعودة الى مصر وهكذا قدم النحاس أوراقه بمهارة شديدة وأثبت قدرته وخبرته فى مناقشة الخبراء الإنجليز فى جميع المجالات وكان يعلم تماماً أين يقف لذلك فقد رفض تقديم تنازلات بشأن السودان حتى لا تهتز صورته كزعيم وطنى وأعلن قولته المشهورة «تقطع يدى ولا أمضى وثيقة يفصل فيها السودان عن مصر» وكان يعنى بذلك انه على استعداد لأن يضحي بكل شىء وحتى بكرسى الوزارة ويترك الحكم على أن يقبل بتسليم السودان مما أثار اعجاب الجماهير التى استقبلته بحفاوة كبيرة بعد عودته الى القاهرة.
وما إن قطعت المفاوضات حتى بدأ الاحرار الدستوريون تدبيرهم لإسقاط الوزارة وقد استجابت السراى لهم، فأخذت تعطل أعمال الوزارة البرلمانية وتمتنع عن امضاء المراسيم لتشل عملها وتضطرها الى الاستقالة، وكان مما اشتد الخلاف حوله بين الملك والوزارة هو اصرار الوزارة على تقديم مشروع قانون محاكمة الوزراء الذين يعتدون على الحياة الدستورية الى البرلمان بهدف حماية النظام الدستورى من العبث بحيث يعاقب الوزراء الذين يعملون على قلب الدستور أو حذف حكم من أحكامه أو تغييره أو تعديله أو مخالفة حكم من أحكامه، ورفض السراى توقيع المرسوم لعرضه عى البرلمان هذا الى جانب الخلاف بين الوزارة والسراى على تعيينات الشيوخ بدل الذين سقطت عضويتهم بالقرعة مما ادى بمصطفى النحاس الى التفكير فى الاستقالة. وعلى الرغم من تجديد البرلمان ثقته بالنحاس ومظاهرات الجماهير بحياة النحاس والدستور ومطالبة الملك بعدم قبول استقالة النحاس فقد وافق الملك فؤاد على قبولها فى 19 يونيو 1930 وعهد الى اسماعيل صدقى بتأليف الوزارة الجديدة التى لم تنعم فيها البلاد بالاستقرار وصارت اراقة الدماء أمراً عادياً طوال فترة حكمه بعد أن حل مجلس النواب وألغى دستور 1923 واستبدل به دستور 1930، واصدر قانوناً جديداً للانتخابات، فقد حث الوفد العمد والمشايخ على مقاطعة هذه الانتخابات موضحاً ان الحياة النيابية لن تدوم بمقتضى هذا القانون، كما حث العمال والطلاب للتظاهر ضد حكومة صدقى مما زعزع الثقة بهذه الوزارة وأدى فى النهاية الى اسقاط الدستور الذى اتت به وخلال ذلك صدر الأمر الملكى الى توفيق نسيم باشا الذى كان يتمتع وقتئذ بتأييد الوفد، بتشكيل الوزارة فألفها فى 15 نوفمبر 1934 كما تمت اعادة دستور 1923 تحت ضغط من النحاس، وبعودة دستور 1923 كان من المتوقع ان تجرى الانتخابات التى ستعود بحكومة وفدية الى الحكم مع اغلبية ساحقة، كما بدأ انشاء تنظيم جديد من داخل الوفد وبتشجيع من النحاس وهو رابطة الشبان الوفديين والتى كانت البداية لجماعة القمصان الزرقاء التى ضمت الطلاب الوفديين المتشبعين بمبادئ وروح ثورة 1919.
وبعد استقالة وزارة نسيم كان من المتوقع ان تحل محلها وزارة ائتلافية تشرف على الانتخابات ولكن النحاس رفض ان ينضم الى وزارة اتلافية، خاصة بعد تجربة وزارته الائتلافية الأولى التى خذله خلالها وزيران من الأحرار الدستوريين مما ادى الى استقالتها واصر على وزارة وفدية، وسرعان ما جرت مفاوضات بين كل الاحزاب توصلت الى اتفاقية تتمثل فى تعيين الملك وزارة محايدة، وتحدد موعد لإجراء الانتخابات فى مايو 1936 واختير على ماهر رئيس الديوان الملكى لرئاسة وزارة مؤقتة، وخلال ذلك توفى الملك فؤاد فى 28 ابريل 1936 وتولى ابنه
فاروق القاصر العرش تحت اشراف مجلس للوصاية.
وتمخضت الانتخابات عن اغلبية للوفد، وعن تشكيل النحاس لحكومته الثالثة، وخلال ذلك تسارعت خطورة الأحداث العالمية بعد ظهور المانيا الهتلرية، وبدايات الصراع بين القوى العظمى، لذلك رأى النحاس باشا أنه من المناسب عقد محالفة مع بريطانيا تحقق استقلال مصر وتصون المصالح البريطانية التى لا تتعارض مع الاستقلال، ونتيجة لذلك اجتمعت كلمة الأمة واتحد زعماؤها وألفت جبهة وطنية من مختلف الهيئات والأحزاب السياسية وشكل الوفد الرسمى للمفاوضات برئاسة مصطفى النحاس، كما أعلنت الحكومة البريطانية عن استعدادها لعقد معاهدة وفتح باب المفاوضات على أن تسبقها مناقشات مبدئية مع الحكومة المصرية فى المسائل العسكرية.
وفى الثانى من مارس 1936م عقدت جلسة افتتاح المحادثات بقصر الزعفران بالقاهرة بحضور جميع أعضاء الهيئتين المصرية والبريطانية، وفيها ركز النحاس على ارتباط التسهيلات التى تمنحها مصر لبريطانيا فى حالة الحرب بمسألة سيادة مصر.
وفى التاسع من مارس بدأت جلسات العمل بحضور الاعضاء واتفق الطرفان على أن المعاهدة المراد ابرامها كل لا يتجرأ، وان كل اقتراح يعرض ويوافق عليه الطرفان يكون خاضعاً فيما يتعلق بصحته لتمام الاتفاق على جميع النقاط ثم توالت الجلسات فى الاسكندرية بقصر انطونيادس حتى يوليو 1936م وخلالها اصر النحاس على رفض وجود قوات بريطانيا فى كل من القاهرة والاسكندرية وتحديد أماكن وجودها فى منطقة القناة فقط، وبعد الاتفاق على نصوص المعاهدة والخريطة الملحقة بها عقد الوفدان اجتماعاً فى «قصر الزعفران» فى24 يوليو تم خلاله التوقيع على ما تم الاتفاق عليه، وبعد ترتيب نصوص المعاهدة فى شكلها النهائى تم التوقيع عليها فى 26 اغسطس 1936 بقاعة لوكارنو بوزارة الخارجية البريطانية.
والمعاهدة تنهى احتلال مصر عسكرياً وتنص على تعيين سفراء معتمدين لدى البلدين، وفيها قبلت بريطانيا التخلى عن فكرة حماية الاقليات والاجانب التى كانت ضمن نقاط تصريح «28 فبراير الأربع وقبلت صيغة الاتفاق مع مصر على أساس مبدأ المساواة، والند للند، وان تتنازل عن ان يكون لممثلها فى مصر مركز ممتاز ليصير سفيراً كغيره من السفراء من الوجهة الرسمية وان تساعد مصر فى التخلص من الامتيازات الاجنبية، والى جانب ذلك وافقت بريطانيا على دخول مصر عصبة الأمم، وان يتعاون البلدان معاً فى حالة اشتراك احدهما فى حرب بصفته حليفاً بتقديم جميع التسهيلات والمساعدات بما فى ذلك استخدام موانيه ومطاراته وطرق المواصلات وان تتواجد القوات البريطانية بمنطقة القناة لحمايتها، على أن يبحث الطرفان بعد انقضاء عشرين عاماً على تنفيذ المعاهدة فيما اذا كان وجود القوات البريطانية لم يعد ضرورياً إذا اصبح الجيش المصرى فى حالة يستطيع معها بمفرده الدفاع عن حرية الملاحة وسلامتها فى قناة السويس.
وبعد عودة النحاس الى مصر استقبل استقبالاً حافلاً، وقدر عدد المصريين الذين استقبلوه فى شوارع القاهرة بستمائة الف وقد القى مصطفى النحاس رئيس مجلس الوزراء بياناً فى مجلس النواب فى «2 نوفمبر 1936م» ذكر فيه أن خطة الوفد كوكيل للأمة كانت منذ اليوم الأول لتأليفه حماية مصالح الأمة والمحافظة على حقوقها، بالاتفاق مع بريطانيا اتفاقاً يحقق استقلال البلاد التام ويصون المصالح البريطانية التى لا تتعارض مع الاستقلال وهى خطة املتها الحكمة والوطنية الصادقة معاً، وانعقد اجماع الشعب المصرى على تأييدها كما أوضح ان امال مصر منذ بداية حركتها الاستقلالية هى زوال الاحتلال والتمتع بالحرية والاستقلال.
وقد دعا البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ الى عقد اجتماع غير عادى فى 2 نوفمبر 1936م للنظر فى مشروع قانون بالموافقة على هذه المعاهدة وانتهى مجلس النواب بالموافقة بأغلبية كبيرة اذ بلغ عدد اصوات الموافقين عليه «202» صوت وعارضه «11» صوتاً.
كما اقر مجلس الشيوخ اقرار المشروع بموافقة «109» اصوات ومعارضة «7» أصوات ثم ارسل الى رياسة مجل الوزراء فرفعته الى مجلس الوصاية فصدق عليه وصدر به القانون رقم «80 فى 20 نوفمبر 1936م» وبعيداً عن روح الحزبية التى اعترضت على المعاهدة يمكن القول انه اذا وجد طرفان متفاوضين، ووجهتان للنظر ورأى عام يرتبط به كل من الطرفين فلن يستطع أى طرف أن يحصل على كل ما يطلبه، لذلك فمن الصعب القول ان هذه المعاهدة حققت كل مطالب مصر القومية المشروعة بصورة نهائية بل كانت هذه المعاهدة خطوة نحو تحقيق هذه المطالب، ومن هنا فان لهذه المعاهدة مزايا كما ان لها مساوئ.
أما عن المزايا فإنها فتحت امام مصر باباً ظل مغلقاً للسير فيه لاستكمال متطلباتها فقد نصت المعاهدة نصاً صريحاً بانتهاء الاحتلال والغاء الامتيازات الاجنبية والمحاكم المختلطة وكان ذلك أمنية وطنية، وقفت حجر عثرة فى سبيل تقدم مصر فضلاً عما فيه من مساس بسيادتها وكرامتها.
ومن مساوئها أن بها نقاطاً تتنافى مع استقلال مصر منها أنها توجب على مصر أن تقدم لانجلترا المعاونة اللازمة فى حالتى الحرب وخطر الحرب من تسهيلات فى موانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها للقوات البريطانية كما انها تبيح سماء مصر للطيران الحربى البريطانى وتفرض على مصر انشاء طرق حربية للقوات الانجليزية كلما لزم الأمر، وهذه القيود تتنافى جزئياً مع الاستقلال.
ومع ذلك فمما لاشك فيه ان المفاوضين المصريين وعلى رأسهم مصطفى النحاس قد بذلوا فى لباقة وطول أناة وجلد وعناية عظيمة مجهودات ضخمة ومحاولات كبيرة فى سبيل تحقيق بعض الآمال المرجوة وانهم استطاعوا الحصول على أقصى ما يمكن الحصول عليه من الإنجليز فى ظل ظروف دولية معقدة.
ومما سبق يتضح ان المفاوضات السابقة والمحادثات بين مصر وبريطانيا أخفقت كلها لان وجهة النظر التى ذهب اليها الجانب البريطانى لصيانة مصالحه فى مصر تعارضت مع استقلال البلاد ولم تصل بنتيجة ترضى المصريين.
أما معاهدة 1936 فإنها واءمت بين المطالبين اذ انها اعطت لمصر العديد من المزايا فى نظير موافقة مصر على المصالح البريطانية والترخيص لبعض القوات البريطانية بالبقاء مؤقتاً فى منطقة القناة، وعلى أى حال فإنه تنفيذاً للمعاهدة قدمت الحكومة المصرية طلب الانضمام لعصبة الأمم، ووافقت الجمعية العمومية على قبول مصر بإجماع الآراء فى جلسة 26 مارس 1937م، كما انه بهذه المعاهدة انتهى أجل المحاكم المختلطة بانتهاء فترة الانتقال المحددة يوم 15 أكتوبر 1949، وانتقل اختصاصها الى المحاكم الأهلية، وبهذا زال تماماً نظام الامتيازات الأجنبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.