الذي استمع إلى الكلمة التي ألقاها أمس الأول د.محمد مرسى بعد إعلان فوزه بمنصب الرئاسة بنسبة 51.7% ، يكتشف بسهولة العديد من الملاحظات التى تبعث على القلق، نوجز بعضها فى النقاط التالية، أولا: أن الدكتور مرسى استخدم قاموسا يعيدنا إلى عصر البداوة وحياة الصحراء، فقد تعمد مخاطبة الشعب المصري بكلمات «أحبابى» و«أهلى» و«عشيرتى»، والعشيرة حسب كتب الأنساب هم: بنو الأب، وكذلك في معاجم اللغة ( لسان العرب): وعشيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون، وقد ذكرت العشيرة فى القرآن الكريم، قال تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين الشعراء 214»، وقد اختلفوا حول من خاطبهم الرسول، قيل: أهل بيته فقط، وقيل: أهل بيته وأبناء عبدالمطلب، جاء في صحيح مسلم: عن عائشة قالت : لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين )، قام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فقال: «يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم»، وقد اختلف السنة والشيعة حول عشيرة النبي الكريم، أهل السنة والجماعة رأوا أن العشيرة هم: آل عبد مناف بن قصي، والشيعة الجعفرية يرون العشيرة: بنى هاشم. فما هو رأى د. مرسى؟، وماذا يقصد بالعشيرة؟، هل يخاطب عائلته وأبناء عمومته أم يخاطب رفاقه فى جماعة الإخوان أم أهل قريته فى العدوة؟، ولماذا خاطب عشيرته فقط ولم يخاطب الشعب المصرى ككل؟. الملاحظة الثانية في الكلمة التي ألقاها د.مرسى أول أمس: أنه تجاهل تماما الحديث عن الدولة المدنية الديمقراطية التي سبق وأكد عليها فى كلمات سابقة، ولم يذكر كلمة «دولة»، ولا كلمة «مدنية»، ولا كلمة «مواطن»، وعندما تحدث عن مصر قال: مصر الديمقراطية والحرية والعدالة. ثالثا: أن د.مرسى أكد على فصل القضاء عن السلطة التنفيذية ولم يؤكد على استقلالية القضاء وعلى عدم توغل السلطة التشريعية عليه. رابعا: د. مرسى تجاهل تماما ميدان التحرير والمطالب المرفوعة فيه من قبل قيادات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، مثل: مشكلة مجلس الشعب، وأحكام المحكمة الدستورية. خامسا: د. مرسى لم يوضح لنا هل سيؤدى قسم الرئاسة أمام المحكمة الدستورية العليا أم أمام الحشود في ميدان التحرير أم أمام مجلس الشورى كما يقترح البعض أم أمام مجلس الشعب فى الميدان؟ سادسا: د. مرسى انشغل في هذه الكلمة بنقطتين رئيسيتين هما: أن يعترف ويقر أمام العالم أجمع بأنه لن يفكر حتى في إلغاء المعاهدات الدولية التي أبرمت في العقود السابقة، ونعنى هنا معاهدة كامب ديفيد التي عقدها بطل حرب أكتوبر محمد أنور السادات، والنقطة الثانية: إقراره بأن الجيش المصري وظيفته الدفاع عن المصريين فقط، ولن يتورط فى حرب عربية إسرائيلية، أو عربية عربية، أو عربية إفريقية، فالجيش المصري سيظل على حدود مصر ولن يغادرها للدفاع عن الفلسطينيين فى غزة أو لتحرير القدس المحتل أو لمساعدة جماعة الإخوان فى البلدان العربية لتغيير نظام الحكم وإقامة الخلافة الإسلامية الإخوانية. فى ظني أن كلمة الدكتور مرسى التى كانت فى ظاهرها شعبوية تخاطب سائق التوك توك، والميكروباص، والباعة الجائلين، فهى فى الأساس كتبت وتم إلقاؤها كقسم وإقرار لطمأنة الكيان الإسرائيلي بأمر من الإدارة الأمريكية، وقد أقر وأقسم أمام إسرائيل وأمريكا قبل أن يقسم أمام الذين اختاروه، أنه سيلتزم بالمعاهدات والمواثيق الدولية، وأنه لن يدخل أى حرب سوى للدفاع عن حدود مصر، وأنه لن يفكر فى القومية العربية ولا فى مساندة الربيع العربي الإسلامي الإخوانى فى البلدان الشقيقة. على أية حال الذين انتخبوا الدكتور مرسى لم يختاروه لكي يعود بالبلاد إلى عصر البداوة، ولا لكى يقسم البلاد إلى قبائل وأفخاذ وعشائر، بل لكى يحولها إلى دولة مدنية ديمقراطية معاصرة، يتحقق فيها العدل والحرية والتعددية، ولكى نكون منصفين ولا نأخذ بظاهر النصوص وأول الكلام، يجب أن ننتظر ونترك للدكتور مرسى فرصته كاملة دون ان نقيده بأيام أو شهور نطالبه فيها بأن يعدل المعوج بعصاه السحرية، مرسى ليسى بموسى ولا يمتلك عصاه السحرية، بل هو مجرد مواطن سيحاول فى إطار الجماعة والمؤسسات أن يصلح ما أفسده من سبقوه طوال السنوات السابقة، وإن أهمل أو قصر أو حاول إقامة دولة الخلافة أو تحويل مؤسسات وسلطات الدولة إلى إخوانية إخوانية، نقف له ونعزله.