يري البعض أن نظرية النخبة لا تتفق مع الديمقراطية باعتبار الأولي تؤكد علي تميز وتفاوت القدرات الفردية، في حين تؤكد الثانية علي المساواة، غير أن مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية تؤكد علي حتمية قيام «نخبة» في المجتمع السياسي، خاصة في ظل المجتمع الجماهيري المعاصر. غير أن النخبة السياسية في الدول النامية، ومن بينها مصر، تتمحور حول مصالحها الذاتية، الأمر الذي جعلها قاصرة عن قراءة خريطة القوى السياسية وتقدير أوزانها النسبية، وقد تكون زاهدة في التعرف علي تفضيلات الرأي العام. لعل هذه المقدمة النظرية تفيد في تحليل واقع النخبة السياسية المصرية، بحثاً عن سبيل آمن ينهي اغتراباً بين المجتمع المصري ونخبته السياسية. وفي سبيل تقييم دور النخبة في الحياة السياسية، يمكننا الاستناد إلي مجموعة من المعايير المتعارف عليها في هذا الصدد. تأتي «الاستجابة» كمعيار أولي، ذلك أن النخب السياسية في النظم الديمقراطية تتميز بحساسيتها تجاه تفضيلات الرأي العام، فلا ينبغي أن تنفصل عن الرأي العام، بل هي وثيقة الصلة به، صادقة في التعبير عنه، داعمة لطموحاته. وواقع الأمر أن النخب السياسية المصرية، بكافة مستوياتها وشرائحها، واجهت رغبات وطموحات ثورة 25 يناير بكثير من التشرذم والتناحر والتعسف، وكان العنوان الأبرز في هذا الشأن هو إصرار قيادات جماعة الإخوان علي بسط سيطرتها علي المشهد السياسي، وهو ما أدى إلي العديد من الإشكاليات التي باتت تهدد صميم الأمن القومي المصري، ما بين معضلة وضع دستور يترجم آمال الشعب المصري، وحكم قضائي يترتب عليه انعدام مجلس الشعب، وسيلحق به بالتبعية مجلس الشورى، باعتبار أن الانتخابات للمجلسين تمت بقانون واحد قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته. أما المعيار الثاني فهو «المسئولية»، ذلك أن مواقف النخبة من رغبات وطموحات الناس ينبغي أن تحكمها الموضوعية والعقلانية، بحيث يقيمونها ويستبعدون منها ما لا يتفق ومصالح الوطن دون مزايدة ومتاجرة يحسبونها إضافة لرصيدهم في صندوق الانتخابات. وفي هذا الصدد يتعين علي النخب السياسية، التي تحول الكثير منها إلي نخب إعلامية، أن توضح للرأي العام ما قد يخفي عنه من معلومات، لا أن تُزايد حتى علي أرواح الشهداء. وأخيراً تأتي «المساءلة» كمعيار أخير لدور النخبة السياسية المصرية، وذلك باعتبارها من القيم المجتمعية المرتبطة بديمقراطية المجتمع، وفي هذا السياق تأتي المساءلة علي عدة مستويات، فعلي مستوى «المحاسبة المؤسسي» تعرف الدول الديمقراطية، ومن بينها الولاياتالمتحدة، توازن السلطات والرقابة المتبادلة بينها، لذلك فإنه ما كان ينبغي اعتبار حكم المحكمة الدستورية، والذي ترتب عليه انعدام مجلس الشعب، تغولاً من السلطة القضائية، وعلي مستوى «المحاسبة الانتخابية» فإن صندوق الانتخابات لا يمكنه القيام بهذا الدور في ظل تشويه الآخر، والدفع بأكياس السكر والأرز في مواجهة قوة المنافس، وعلي مستوى «المحاسبة الداخلية» فإن النخب السياسية ينبغي أن تتحلي بقيم وقناعات ذاتية لا تحيد عنها أمام مُغريات السلطة والغلبة، وفي هذا الشأن يتبادر إلي الذهن أن جماعة تقوم علي مبدأ الطاعة العمياء يمكنها أن تقود مجتمعاً نحو تحقيق مطالب الثورة التي قامت في مواجهة نظام سلطوي. وعلي ذلك، فإلي أي شيء تستند النخبة السياسية فيما يصدر عنها من ضجيج لا ينتج أثراً يلبي طموحات ثورة 25 يناير؟!، أغلب الظن أنه منطق «الأبوة السياسية» الذي لا تخلو منه حياة سياسية فاسدة. آخر الكلام: يأتي منطق الكاريزما استناداً إلي سمات شخصية للقائد، فإذا لم تتوفر، تُتبع عدة استراتيجيات لتخليق الكاريزما، أشهرها وأكثرها انتشاراً في الدول النامية صناعة «أزمة دائمة وهمية» تنتج عنها سلسلة من المعارك المستمرة يبدو فيها الرئيس كبطل قومي يجذب طموحات الشعب وتتعلق به الآمال، وفي سبيل ذلك يبذل الغالي والنفيس، فتسقط قيم، وتنهار قمم، ويُقاد شعب لمواجهة قضائه وأمنه وجيشه.!!! بقلم: سفير نور مساعد رئيس حزب الوفد