ربما تكون المادة (60 مكرر 1) بالإعلان الدستوري التكميلي هي العقبة الرئيسية أمام اللجنة لكتابة الدستور القادم، حيث سندور في ساقية اعتراضات رئيس الجمهورية أو المجلس العسكري أو رئيس الحكومة أو المجلس الأعلى للقضاء، في حالة عدم رضا أحدهم نص أو فقرة بمادة من المواد، يظن المجلس العسكري أو المجلس الأعلى للقضاء أن هذه المادة أو تلك تتعارض مع مبادئ الثورة؟ ، أي ثورة؟، وأى مبادئ؟، الله أعلم، هل المبادئ التي تنادى بها الجماعة السلفية أو جماعة الإخوان أو المطالب التي يرفعها بعض الشباب والائتلافات أم المطالب التي تفرضها أجندات النخبة السياسية؟، المبادئ بعد عام ونصف العام من قيام الثورة أصبحت كثيرة ومتنوعة وتختلف من فصيل سياسي إلى آخر، ويصر كل طرف ويحال الاختلاف للمحكمة الدستورية، وتفصل المحكمة بعد أسبوع وينشر القرار فى الجريدة الرسمية، ويعترض بعض الأعضاء على القرار ويؤكدون أن قرار المحكمة غير ملزم. وقد يعترض المجلس العسكرى أو مجلس القضاء الأعلى على احدى الفقرات ظنا أنها تتعارض مع ما تواتر من الدساتير السابقة، مثل: كأن تحاول المجموعة الإسلامية باللجنة ان تلون مواد الدستور بخطابها الدينى، أو أن تعطى للرئيس المنتخب سلطة التغول على السلطات الأخرى، او ان يتم استبعاد الأقباط من تولى مناصب قيادية، أو ان يصر الأقباط على بعض المطالب التى تؤكد المساواة ومدنية الدولة، تماما مثلما حدث خلال اعداد دستور 1923. قبل 90 سنة من اليوم كانت مصر على موعد لوضع أول دساتيرها، دستور، وكانت البلاد تعانى من احتلال عسكرى بريطانى، وحكم ملك لا يملك، وشعب أكثر من 70% من سكانه يعانون الفقر والأمية، يومها أثير سؤال على جانب كبير من الأهمية، كان سيطيح بكتابة الدستور، وهو: ما هو وضع الأقليات العرقية والدينية فى نصوص الدستور؟. أثار مشكلة الأقليات الدينية توفيق بك دوس، حيث طالب بتحديد تمثيل الأقباط في البرلمان دستوريا، وقال إنه لا يقصد بهذا التمثيل والنص عليه في الدستور خلق امتيازات للأقباط أو لغيرهم من الأقليات الدينية، بل لكي أسقط حجة الإنجليز بحماية الأقليات، وهو ما احتفظوا به فى تصريح 28 فبراير، فإذا نص الدستور - حسب كلام دوس - على تمثيلهم سقطت هذه الحجة، وتجنبنا تدخلهم في الحياة السياسية، فضلا عن أن تمثيلهم - والكلام مازال لدوس - لا خطر منه، خاصة وأن عددهم ضئيل لا يبلغ عشر عدد السكان، فإذا مثلوا في البرلمان بضعف نسبتهم لم يغير ذلك من سلطان الكثرة، كما أن تمثيل الأقليات سيكفل عدم تذمرها، ويكفل حسن علاقتها بالكثرة (المسلمون) على مر الأيام». الملك فؤاد سمع بهذه المشكلة وانزعج بشدة، لأنها سوف تعمل على تقسيم المصريين إلى طوائف دينية، فاستدعى قلينى باشا فهمي وطالبه بأن يثنى متبنيها عن إثارتها أو التمسك بها، لأن هذا - حسب رواية قلينى باشا - يعد تمييزا وتشجيعا على انقسام المصريين إلى طوائف، عقب المقابلة كتب قلينى باشا مقالا نشره في جريدة الأهرام، عارض فيها الفكرة المقترحة فى لجنة الدستور، وأكد فى المقال أنه من الخير للبلاد أن يظل أبناؤها جميعا خاضعين لقانون واحد وسلطة واحدة حرصا على وحدتها القومية. بالطبع تم بحث هذا المطلب فى اللجنة، لكنها انتهت بالإجماع إلى رفض فكرة تحديد التمثيل للأقباط أو غيرهم بالدستور، لأن الفكرة السائدة بين أعضاء اللجنة، وكانوا من المسلمين والأقباط واليهود، أن الدستور ينص على حرية الاعتقاد وحرية الرأي، وعلى المساواة بين المصريين جميعا، وتحديد نسب للأقليات في الدستور يهدم هذا المبدأ، كما أنه يوحى بأن هذه الأقليات غير مندمجة فى الأمة الاندماج التام الذي يجعل من هذه الأمة وحدة متماسكة الكيان، إضافة إلى هذا أن الدساتير المدونة في الأمم المتحضرة لم تنص على تمثيل الأقليات حتى يتخذ حجة. صالح لملوم باشا اثار مشكلة العربان، حيث كان حكام مصر قد منحوهم عدة امتيازات لدفاعهم عن حدود مصر، وكان أهم هذه الامتيازات عدم تجنيد شبابهم بالجيش المصري، لملوم باشا طالب خلال الاجتماعات بان ينص الدستور على إعفائهم من الجندية، وبالطبع تم رفض هذا الطلب لأن البدو لم يعودوا يقيمون فى الصحراء على الحدود، وأن معظمهم أصبح يعيش فى المدن والقرى، والنص على إعفائهم من الجندية فيه انتقاص لوطنيتهم، إضافة إلى أن الجندية ستكون إجبارية، حيث يتساوى الجميع فى الدفاع عن كل شبر من أرض الوطن.