كأن الزمن لم يمر علي مصر وكأنها لم تتطور ثقافياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً عن قرن ماضٍ. المشاكل التي تواجه اعداد الدستور اليوم المتمثلة في اللجنة التي ستضع الدستور وفي مشكلة غير المسلمين أو علي وجه التحديد الاقباط والاقليات العرقية متمثلة في أهل النوبة هي نفسها المشاكل التي مرت بها مصر عام 1922 عندما فكرت مصر في وضع أول دساتيرها دستور سنة 1923 وكأننا لم نبرح فترة الملك فؤاد ولم ندخل عصر وسائل الاتصال قبل 90 سنة من اليوم كانت مصر علي موعد لوضع أول دساتيرها دستور 1923 في ظل ظروف حكم عسكري (بريطاني) وملك يملك ولا يحكم وشعب أكثر من 70٪ من سكانه يعانون الفقر والامية يومها أثير سؤالان علي جانب كبير من الاهمية، الأول: من الذي يضع الدستور؟، والثاني: ما هو وضع الاقليات القبطية في نصوصه؟، المشكلة الاولي أثيرت بعد عبدالخالق ثروت باشا رئيس الحكومة لجنة من ثلاثين شخصية عامة وقانونية بعض الاحزاب والشخصيات العامة رفضوا الاشتراك في اللجنة، لماذا؟ لانهم اختلفوا حول من يضعه حيث رأوا أن وضع الدستور من اختصاص جمعية وطنية تأسيسية تماماً مثلما يحدث اليوم وهذه المشكلة لم تكن عقبة كبيرة أمام وضع الدستور، كما انها لم تعطل صدوره، لان المعترضين اكتفوا بالانسحاب وعدم المشاركة. المشكلة الثانية التي واجهت دستور 1923 ظهرت خلال اعداده وتمثلت في وضع الاقليات العرقية والدينية في الدستور وفي الحياة النيابية وقد أثارت مشكلة الاقليات الدينية توفيق بك دوس حيث طالب بتحديد تمثيل الاقباط في البرلمان دستورياً وقال انه لا يقصد بهذا التمثيل والنص عليه في الدستور خلق امتيازات للاقباط أو لغيرهم من الاقليات الدينية بل لكي أسقط حجة الانجليز بحماية الاقليات وهو ما احتفظوا به في تصريح 28 فبراير فاذا نص الدستور - حسب كلام دوس - علي تمثيلهم سقطت هذه الحجة وتجنبنا تدخلهم في الحياة السياسية فضلاً عن أن تمثيلهم - والكلام مازال لدوس - لا خطر منه خاصة أن عددهم ضئيل لا يبلغ عشر عدد السكان فاذا مثلوا في البرلمان بضعف نسبتهم لم يغير ذلك من سلطان الكثرة، كما ان تمثيل الاقليات سيكفل عدم تذمرها ويكفل حسن علاقتها بالكثرة (المسلمين) علي مر الايام. الملك فؤاد سمع بهذه المشكلة وانزعج بشدة لانها سوف تعمل علي تقسيم المصريين الي طوائف دينية فاستدعي قليني باشا فهمي وطالبه أن يثني متبنيها عن اثارتها أو التمسك بها لان هذا - حسب رواية قليني باشا - يعد تمييزاً وتشجيعاً علي انقسام المصريين الي طوائف عقب المقابلة كتب قليني باشا مقالاً نشره في جريدة الاهرام عارض فيها الفكرة المقترحة في لجنة الدستور، وأكد في المقال انه من الخير للبلاد أن يظل أبناؤها جميعاً خاضعين لقانون واحد وسلطة واحدة حرصاً علي وحدتها القومية. بالطبع تم بحث هذا المطلب في اللجنة لكنها انتهت بالإجماع الي رفض فكرة تحديد التمثيل للاقباط أو غيرهم بالدستور لان الفكر السائد بين أعضاء اللجنة وكانوا من المسلمين والاقباط واليهود ان الدستور ينص علي حرية الاعتقاد وحرية الرأي وعلي المساواة بين المصريين جميعاً وتحديد نسب للاقليات في الدستور يهدم هذا المبدأ كما انه يوحي بأن هذه الاقليات غير مندمجة في الامة الاندماج التام الذي يجعل من هذه الامة وحدة متماسكة الكيان اضافة الي هذا أن الدساتير المدونة في الامم المتحضرة لم تنص علي تمثيل الاقليات حتي يتخذ حجة. صالح لملوم باشا أثار مشكلة العريان حيث كان حكام مصر قد منحوهم عدة امتيازات لدفاعهم عن حدود مصر وكان أهم هذه الامتيازات عدم تجنيد شبابهم بالجيش المصري، لملوم باشا طالب خلال الاجتماعات بأن ينص الدستور علي اعفائهم من الجندية وبالطبع تم رفض هذا الطلب لان البدو لم يعدوا يقيمون في الصحراء علي الحدود وأن معظمهم أصبح يعيش في المدن والقري والنص علي اعفائهم من الجندية فيه انتقاص لوطنيتهم اضافة الي أن الجندية ستكون اجبارية حيث يتساوي الجميع في الدفاع عن كل شبر من أرض الوطن.