يحتفل العالم غداً، باليوم العالمي للمرأة، وهو احتفال عالمي في اليوم الثامن من شهر مارس من كل عام، وتحصل النساء على إجازة رسمية في بعض البلدان إحتفالًا به، للدلالة على الاحترام العام، وتقدير وحب المرأة، وتسليط الضوء على الإنجازات الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية التي قامت بها النساء على مدار التاريخ. وفي هذا اليوم الخاص، نسلط الاضواء على شخصية مصرية آثرت في التاريخ المصري، وألهمت الآلاف من النساء ليسلكن دروبهن الخاصة في العمل وتحقيق إنجازات في مختلف المجالات وهي السيدة "مفيدة عبد الرحمن" اول محامية في مصر. * والدها مثلها الاعلى: ولدت مفيدة عبد الرحمن يوم 19 يناير سنة1914 في حى الدرب الأحمر، والدها هو المرحوم عبد الرحمن محمد، كان موظفا بالمساحة فرض موهبته في الخط الجميل لكتابة المصحف الشريف بيده لأكثر من ثماني عشرة مرة، ثم أنشأ مطبعة خصصها لطبع المصحف ونشره بملايين النسخ، كما كان رجلا متفتحا سابقا لعصره، فعلم أبناءه الخمسة تعليما راقيا في مصر وفي الخارج، كما كان المثل الأعلى لابنته مفيدة. تمتلك مفيدة أربعة شقيقات، نجحت إحداهما في الحصول على منحة لدراسة الطب في الخارج، لتكون مصدر إلهام لشقيقتها "مفيدة"، التي تمنت أن تصبح طبيبه مثل اختها الكبرى وتسافر للخارج للدراسة. * زوجها أول من شجعها لدراسة القانون: بعد أن أنهت مفيدة امتحانات "البكالوريا"، الثانوية العامة من المدرسة السنية بحي السيدة زينب عام 1934، تم زفافها قبل إعلان النتيجة، لتقرر استكمال دراستها بعد الزواج، خاصة بعد أن شجعها زوجها زوجها الكاتب الإسلامي محمد عبداللطيف ابن الخطيب، لدراسة الحقوق بدلًا من الطب. وبالفعل بدأت مفيدة عبد الرحمن في رحلتها نحو دراسة القانون، وتقدمت بأوراقها للإلتحاق بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة" عام 1935، ولكنها قابلت التقت بأول عقبة بعد ان أصر عميد الكلية على مقابلة زوجها والحصول على موافقة كتابية منه، بعد ما علم أنها زوجة وأم، وهنا ظهر زوجها ليساندها ويبدأ في إقناع العميد الذى إستغرب من إصرار زوجها على دخولها الكلية، وهكذا اصبحت مفيدة عبد الرحمن أول فتاة تدرس الحقوق في مصر، وأيضًا أول أم وزوجة تدخل الجامعة. * بداية الطريق نحو المجد: تخرجت مفيدة عبد الرحمن من كلية الحقوق سنة 1939 وهى زوجة وأم لخمسه أبناء، ولجأت لمحمد على علوبة و قدمت التماس للحصول على وظيفة حكومية، لتكون أول امرأة مصرية تمارس المحاماة في مصر، وكان راتبها الأول 7 جنيه. كانت أولى قضاياها التي ترافعت فيها مفيدة عبد الرحمن هي قضية قتل خطأ، ونجحت وقتها في إقناع رئيسها في العمل بقدرتها على تولى القضية، فأعطاها الفرصة، وكسبت مفيدة القضية وذاع صيتها كمحامية بارعة فأسست مكتب محاماة خاص بها بعد عدة سنوات، وتحقق شهرة واسعة في مجال المحاماة، لتصبح منافس قوي لاكبر وأهم المحاميين الرجال في مصر. * إنجازات تاريخية في حياة مفيدة عبد الرحمن: انضمت مفيدة عبد الرحمن إلى عضوية الاتحاد النسائي المصري مع هدي شعراوي وانخرطت في العمل العام، وكانت أول سيدة تشغل منصب عضو بمجلس إدارة بنك عام 1962 ، وأيضًا تم انتخابها عضوة بمجلس الأمة واستمرت فى هذا المجلس لمدة 17 عامًا متصلة. انخرطت فى الحياة السياسية، وبعد نجاحها فى الدفاع عن بعض القضايا كأول محامية عربية تدخل قاعات المحاكم العسكرية، فقد وقع عليها الاختيار لتتولى منصباً قانونياً دولياً، وهو رئاسة الاتحاد الدولى للمحاميات والقانونيات بالقاهرة لتصبح رائدة المحاميات فى العالم العربي. ساعدها هذا المنصب الجديد لكى تقوم بجولة فى أوروبا بدعوة من هيئة الأممالمتحدة نجحت خلالها فى إعداد دراسة لنظم الأسرة والطفولة، وهذه الدراسة كانت لها فائدتها لدى جميع الجهات المعنية بهذه القضية، وأنشأت العديد من مكاتب توجيه الأسرة والتى اهتمت بالتصدى لمشاكلها، فضلاً عن بيوت الطالبات التى أوت مئات المغتربات من خارج القاهرة. شغلت مفيدة عبد الرحمن عضوية مجلس نقابة المحامين ودربت العشرات منهم أبناؤها وحفيدها، وانتخبت عضوة عن دائرة الأزبكية والظاهر فى البرلمان لدورات عديدة من عام 1960 حتى عام 1976، وشغلت رئاسة جمعية نساء الإسلام منذ عام 1960 حتى رحيلها. * الحب والعطاء عنوان علاقتها بزوجها: تقاعدت مفيدة عبد الرحمن عن العمل عندما بلغت الثمانين، ورغم الحياة العملية القاسية التى اختارتها لنفسها فقد استطاعت أن تحل المعادلة الصعبة التى تعجز معظم السيدات عن حلها، فقد كانت زوجة سعيدة جدا حيث استمر زواجها أكثر من 70 عاما، وكان ملحمة من الحب والتقدير والعطاء وكانت أما لتسعة أولاد. خلال لقاءاتها المتعددة عبرت عن امتنانها وتقديرا لزوجها الذي كان مصدر الدعم والتشجيع الذي دفعها للدراسة ثم العمل وكان السبب الاول فى نجاحها، فحسب ماتقول: "كنت قبل أن أذهب لمقابلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والسادات أمسح حذاء زوجي بيدي قبل مغادرة المنزل"، فبالرغم من وجود الخدم فى منزلها إلا أنها كانت تحب أن تشعر زوجها بأنها زوجة قبل أن تكون محامية مشهورة أو عضوة فى البرلمان. كانت حياتها ملحمة من الكفاح، وواصلت العمل بلا كلل أو ملل واستطاعت أن تحتل مكان الريادة فى أكثر من موقع خلال حياتها العريضة ومارست المحاماة بنبوغ وتميز، علاوة على دورها فى الحياة السياسية، وتوفيت مفيدة عبد الرحمن يوم 3 سبتمبر 2002 عن عمر يناهز 88 عامًا من العطاء. ومن أهم آرائها أن الزوج والزوجة كيان واحد لا ينفصل، وبالتالي فلا تبرير عنها للملل الزوجي أو الخرس الزوجي الذي يحدث لخلل في طباع الزوجين ولابد من إصلاح هذا الخلل. وأنه على المرأة أن تبدأ ببيتها وأسرتها ثم يأتي عملها في المرتبة التالية. وللبيت والأسرة الحق الأول دائما في كل الظروف.