لا يمكن أن تستقر الأوضاع وتتحقق الأهداف المرجوة.. مادام قد استمر هذا الأداء السياسى المعيب لبعض القوى والتيارات السياسية.. فالبعض يسكت على المقدمات.. ثم يعترض على النتائج إذا لم تأت على هواه أو لم تحقق مصالحه.. فقد رضينا بالاحتكام إلى «الصندوق» فى الانتخابات الرئاسية.. ولكن عندما خسر بعض المرشحين- وهو أمر طبيعى ومتوقع فى كل انتخابات- قادوا المظاهرات احتجاجا على نتائجها.. وأيضا تابعنا جميعا قضية الرئيس المخلوع وأعوانه.. وعندما صدر الحكم.. رفضناه وتظاهرنا ضده. والمشكلة أن الجميع تحولوا بعد الثورة إلى سياسيين.. وبعد الحكم إلى قانونيين.. فالكل يفتى فى كل شىء.. والخطورة أن بعضهم أصحاب مصلحة.. منافسا فى الانتخابات.. أو محاميا لأحد أطراف القضية.. أو كان مدعيا بالحق المدنى فيها.. وهو أمر لا يستقيم.. بل يثير بلبلة الرأى العام. فمن الطبيعى جدا أن تأتى الأحكام- مثلها مثل الانتخابات- على غير هوى البعض.. ولكن هناك طرقا قانونية للطعن عليها أمام المحكمة الأعلى لتعديلها أو إلغائها.. ولا يجوز لمن لم يطلع على الأوراق أو يستمع لأقوال الشهود أو يفحص الأدلة ويمحصها أن يفتى فى الحكم فى صحيفة أو قناة فضائية وقد لا يكون له علاقة بالقانون من قريب أو بعيد. وقد اعترف المستشار الجليل رئيس المحكمة بأنه لا الأدلة ولا شهادة الشهود ولا الأحراز أسعفت المحكمة للحكم بالإدانة على جميع المتهمين فيها.. ومع ذلك فقد لجأ إلى ما يسمى بالمواءمة.. حيث لجأ إلى قاعدة فقهية مهجورة قضائيا.. وهى العقاب على القرار السلبى.. فالجرائم المعاقب عليها جنائيا لابد أن يتوافر فيها ركنان الأول معنوى.. وهو نية ارتكاب الجريمة، والثانى مادى وهو الفعل سواء كان أصليا أو بالاشتراك أو بالتحريض أو بتسهيل ارتكاب الجريمة.. وهو ما لم يتوافر فى حق الرئيس المخلوع ووزير داخليته.. طبقا لما استخلصته المحكمة من الوقائع وشهادة الشهود والأدلة.. فلم تكن لديهم نية لقتل المتظاهرين.. ولم يقوموا بقتلهم.. ولم يشتركوا فى ذلك أو يحرضوا عليه.. ولكنهما -وبصفة الأول رئيس السلطة التنفيذية فى البلاد، والثانى المسئول الأول عن الأمن- لم يقوما بواجبهما فى حماية المتظاهرين من القتل، ومن ثم عاقبتهما المحكمة- بأشد العقوبات المقررة فى القانون وهى المؤبد- لموقفهما السلبى والمتمثل فى عدم حماية المتظاهرين من القتل والإصابة. وبهذه المناسبة أعود لنشر ما كتبته فى هذا الموضوع فى شهر سبتمبر الماضى بدون إضافة أو حذف.. لعله يوضح وجهة نظرى فى القضية وملابستها «لقد أشار البعض إلى أن هناك قصورا فى قرار الإحالة.. واكتفائه بالتحريض والاشتراك فى قتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام والتربح واستغلال النفوذ، ومدى علمى أن النيابة العامة بذلت جهدا جبارا فى تجميع الأدلة والسماع للشهود فى ظل الانهيار الأمنى الذى ساد البلاد بعد 25 يناير، أى فى ظل غيبة مأمورى الضبط القضائى «ضباط الشرطة» المنوط بهم تحرير المحاضر وجمع الأدلة وإثبات شهادة شهود العيان للوقائع التى حدثت من قتل وإصابة للمتظاهرين. ثم هل كان يعتقد أحد إمكانية قيام هؤلاء المتهمين من قيادات الجهاز الأمنى بتقديم أدلة إدانتهم؟.. بل لا أستبعد قيام البعض منهم بعكس ذلك.. ولعل هذا ما يفسر قلة عدد الأحراز فى القضية والمتمثلة فى عدة أسطوانات قدمها متطوعون أو مجنى عليهم للنيابة العامة.. مع ملاحظة أنه من حق المحكمة.. طبقا لما يسمى بحق التصدى.. أن تعيد توصيف الاتهام وتعديل وصف التهمة.. ويجوز لها إدخال متهمين جدد فى القضية وندب أحد أعضائها للتحقيق معهم أو إحالتهم إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيق معهم.. وإحالتهم للمحاكمة إذا توافرت أدلة الاتهام ضدهم». هذا ما كتبته قبل أن يصدر الحكم بحوالى عام كامل.. ولكن بعد أن صدر الحكم فلا تعليق عليه.. والأمر الآن معروض على محكمة النقض لتقرر ما تراه بشأنه.. فقد ترى الموافقة عليه.. أو قد ترى أن هناك فسادا فى الاستدلال أو قصورا فى التسيب وتعيده إلى دائرة أخرى لإعادة المحاكمة.. مرة أخرى. ولكنه فى كل الأحوال نحن أمام حكم واجب النفاذ.. ولا عبرة لما يقال الآن من إعادة المحاكمة مرة أخرى عن ذات الوقائع بغير الطريق السابق- الطعن بالنقض- ومنها ما دعا إليه أحد النواب المحترمين من أنه يدرس تشكيل لجنة قانونية ذات صفة قضائية للحق والعدل والإنصاف تهدف لإعادة التحقيق مع الرئيس المخلوع!.. فهذا مجرد خيال قانونى لا سند له فى الواقع. --- يرتبط بما تقدم وهو السكوت على المقدمات ثم الاعتراض على النتائج.. ما حدث من المرشحين الذين خسروا انتخابات الرئاسة فى الجولة الأولى.. حيث دفعوا بأنصارهم للتظاهر فى ميدان التحرير اعتراضا على نتيجة فوز كل من المرشحين د. محمد مرسى ود. أحمد شفيق ودخولهما وحدهما مرحلة الإعادة فى الجولة الثانية.. وهو أمر غير مفهوم لأنه يتعارض مع إرادة من صوتوا فى الجولة الأولى.. أى الإرادة الشعبية المتمثلة فى الناخبين الذين شاركوا فى تلك الجولة.. هذا مع أنهم هم الذين أوصلوا أنفسهم لتلك النتيجة.. حيث رفض كل منهم التنازل للآخر، بهدف توحيد جهود ممثلى التيار الثورى.. ليس ذلك فقط.. بل إن أحدهم تصرف بشكل آخر، ورفع قضية أمام القضاء الإدارى يعترض فيها على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات. والمعنى أن هؤلاء المرشحين السابقين تسببوا فى شحن الشارع.. ومن ثم عندما جاء الحكم فى قضية الرئيس المخلوع وأعوانه على غير هوى البعض.. كان الشارع مستعدا لمزيد من الشحن والاعتراض والتظاهر فى أكثر من ميدان وفى أكثر من مدينة مصرية.. والمشكلة أن هذه المظاهرات قررت العودة إلى نقطة البداية ومن أول السطر.. حيث رفعوا شعارات عدة منها تشكيل مجلس مدنى رئاسى.. وإعادة المحاكمة للرئيس المخلوع.. والإسراع فى تطبيق قانون العزل.. وعزل النائب العام. وبعض هذه الشعارات يمكن مناقشته وبعضها فات أوانه تماما وبعضها الآخر لا محل له من الإعراب، ولنبدأ بإعادة المحاكمة. حيث إنه طلب مشروع.. ولكنه يجب أن يتم من خلال الطريق الذى رسمه القانون لذلك كما أوضحنا من قبل.. أى من خلال الطعن على الحكم أمام محكمة النقض- وهو ما تم فعلا من قبل النيابة العامة - وهنا يجوز لمحكمة النقض أن تعيد الحكم لدائرة أخرى لإعادة المحاكمة عن ذات الوقائع. وبالنسبة لتطبيق قانون العزل على أحد المرشحين فى جولة الإعادة.. فنحن فى انتظار حكم الدستورية العليا والذى من المتوقع أن يصدر فى يوم 14 من الشهر الجارى أى قبل إجراء انتخابات الإعادة بيومين. وفى تلك الحالة سوف نكون أمام عدة احتمالات منها: الأول.. أنه قد ترى المحكمة الدستورية أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ليست مختصة بإحالة قانون العزل إلى المحكمة باعتبارها وكما وصفها الإعلان الدستورى «لجنة قضائية» وليست «هيئة قضائية» وهو ما يجيزه قانون المحكمة الدستورية ذاته، ولست أعلم هل يجوز للمحكمة فى تلك الحالة التصدى للقانون والإقرار بدستوريته من عدمه أم تمتنع عن النظر فيه لأنه لم يصلها بالطريق القانونى السليم؟ وثانيا: قد ترى المحكمة الدستورية أن اللجنة العليا للانتخابات مختصة بالإحالة.. ومن ثم تنظر فى القانون وتقضى بدستوريته من عدمه.. وهنا سوف نكون أمام احتمالين الأول: أن تقضى المحكمة بعدم الدستورية.. ومن ثم لن تكون هناك مشكلة فى استكمال الانتخابات وإجراء جولة الإعادة بين كل من د.مرسى ود.شفيق. والثانى: أن تقضى بدستورية قانون العزل.. وهنا لا مناص من إعادة الانتخابات مرة أخرى بين جميع المرشحين الذين خاضوا انتخابات الجولة الأولى بعد استبعاد شفيق لأن الخمسة ملايين صوت التى حصل عليها كان من الممكن أن تذهب لأحد المرشحين المتنافسين.. وقد تمكنه من الفوز بالمقعد الرئاسى من الجولة الأولى. هذا وهناك رأى آخر يقول به بعض فقهاء القانون الدستورى وهو عدم انطباق قانون العزل على المرشح أحمد شفيق.. لأنه صدر بعد فتح باب الترشح وتسلمه الرمز الانتخابى.. وهو ما يعنى أنه أصبح يمتلك مركزا قانونيا لا يجوز سحبه منه.. على أية حال.. لا نملك سوى انتظار حكم الدستورية ومن بعده قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.. فالمسألة معقدة قانونا ومربكة سياسيا. --- تبقى الإشارة لمسألتى المجلس الرئاسى وعزل النائب العام، والأولى فات أوانها تماما.. ولا سند لها من الدستور أو القانون فى مصر، وطبق فى دولة واحدة فى العالم هى «تشيكوسلوفاكيا» والتى تفككت إلى أكثر من دولة بعد حدوث حرب أهلية بين أطرافها. أما قضية عزل النائب العام.. فهذه مزايدة سياسية لا أساس لها أيضا من القانون.. فالرجل غير قابل للعزل.. ليس لشخصه، ولكن لمنصبه.. ثم إنه لم يدخر جهدا فى مباشرة عمله، فضلا عن أنه صاحب تاريخ طويل فى هذا المجال يشهد له بالكفاءة والجدية، ولكن الظروف لم تكن مواتية فى تلك القضية تحديدا.