أصابت الحيرة الكثيرين وهم يسمعون تصريحات المسؤولين المصريين والتي تعززها البيانات الرسمية، عن نمو الصادرات المصرية بنسبة 18% خلال العام الماضي بالمقارنة للعام الأسبق، بسبب المشهد العام خلال السنة الماضية المتمثل في الاضطرابات الفئوية وتوقف الإنتاج في كثير من المنشآت والتعطل الجزئي لحركة الشحن بعض الوقت. إلى جانب الصعوبات التي واجهها المنتجون في تدبير التمويل لمستلزمات الإنتاج خلال عام قيام الثورة المصرية، إلا أن التدقيق بالبيانات يشير إلى أن رقم الصادرات يعبر عن قيمة تلك الصادرات وليس كميتها، وأن هذا النمو في القيمة يعود إلى الارتفاع العالمي لأسعار كثير من المنتجات المصرية التي تم تصديرها. حيث شهد سعر البترول دوليا ارتفاعا واضحا من حوالي 79 دولارا للبرميل إلى 104 دولارات خلال العام الماضي، كذلك زادت أسعار الألومنيوم وخام الحديد والقطن وهي سلع رئيسة بالصادرات المصرية، وتسببت الأحداث المصاحبة للثورة بالفعل في تراجع كميات كثير من السلع التي تم تصديرها ما بين العامين الماضي والأسبق. منها النفط المكرر والغاز الطبيعي المسال وسماد اليوريا والترباين والسجاد، والكابلات والقطن والبصل الطازج المبرد والعنب الطازج والبطاطس والأدوية، والمنتجات النسيجية وفوط وحفضات الأطفال، وسكر القصب المكرر والمنتجات المصنوعة من الحديد والصلب وغيرها من السلع. إلا أن الأمر لم يخلُ من سلع مصرية زادت الكميات المصدرة منها خلال العام الماضي عن العام الأسبق منها البترول الخام والبرتقال الطازج والقمصان والبناطيل والأثاث والألومنيوم. وإذا كان ارتفاع أسعار السلع الأولية دوليا هو السبب الرئيس لارتفاع قيمة الصادرات المصرية، فلقد كان هو السبب الرئيس في ارتفاع قيمة الواردات السلعية المصرية بنسبة 23 %، رغم انخفاض كميات استيراد عدد من السلع بسبب صعوبات تدبير الائتمان وتراجع التصنيف الائتماني لمصر والركود المخيم على الأسواق مما قلل الطلب من بعض السلع. حيث زادت الأسعار الدولية للقمح من 223 دولارا للطن إلى 316 دولارا خلال العام الماضي، كما زاد سعر الذرة من 186 دولارا إلى 292 دولارا للطن، وزيت النخيل من 860 دولارا للطن إلى 1077 دولارا للطن إلى جانب ارتفاع أسعار السكر والنحاس، واللحوم إلى جانب البترول في ضوء تحول مصر إلى دولة مستوردة صافية للبترول. وكانت النتيجة استمرار العجز المزمن ما بين قيمة الصادرات البالغة أقل من31 مليار دولار، والواردات البالغة 62 مليار دولار ليصل العجز إلى أكثر من 31 مليار دولار، لتصل نسبة تغطية الصادرات للواردات 49 %، ورغم حدوث فائض معتاد في التجارة الخدمية المصرية إلا أن حجمه قد تراجع مع نقص الإيرادات السياحية. ورغم زيادة قيمة التحويلات المالية من قبل المصريين العاملين بالخارج، إلا أن تلك الفوائض الخدمية ومن التحويلات لم تعوض العجز الكبير بالميزان التجاري، مما أسفر عن عجز بالميزان الكلي للمدفوعات المصرية زاد عن 18 مليار دولار خاصة مع نقص إيرادات الاستثمار الأجنبي بنوعية المباشر وغير المباشر. وهكذا يتسبب العجز التجاري في تآكل قيمة الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والضغط على سعر صرف الجنيه المصري إزاء العملات الأجنبية، ويصبح علاج ذلك العجز من القضايا الجوهرية لعلاج مشكلات الاقتصاد المصري، إلا أن الأمر يحتاج لجهد كبير في ظل النمو المستمر للسكان وتزايد حجم الاستهلاك المحلي الذي يستوعب غالب الإنتاج المحلي. إلى جانب خفض تكلفة المنتجات وزيادة الإنتاجية وتحسين مهارات العمالة وتيسير الائتمان، وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي المتدنية من السلع الغذائية خاصة القمح والذرة الصفراء وفول الصويا والسكر وزيوت الطعام واللحوم والأسماك نقلا عن صحيفة الشرق القطرية