بعض الأنظمة تلزم الموظفين بالولاء لها عن طريق أداء القسم الولاياتالمتحدة تحظر على موظفيها الانتماء لأى تنظيم يعارض الدولة إنجلترا تفرض على الموظف الولاء للوطن ونظام الحكم وضع جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب يستوجب فصل أعضائها من الهيكل الإدارى للدولة لا شك أن إدارة أى جهاز إدارى من أجهزة الدولة ترتكز على دعامتين، الأولى: بناء تنظيمى محكم، يستمد أصوله وقواعده من طبيعة الجهاز الإدارى نفسه وأهدافه، والثانية: جهاز مدرب على النهوض بأعباء ذلك الجهاز فى إطار ذلك التنظيم، وكانت كل دعامة من هاتين الدعامتين لا غنى لها عن الأخرى، ومن ثم فإنه وجب على الدولة أن تعنى بسير كافة الأجهزة الإدارية والمرافق العامة لتجعل من كل منهما اداة فعالة قادرة على الانطلاق، وتحقيق الأهداف المرجوة منها، وأن تختار أو تبقى العاملين فيها من المشهود لهم بالكفاءة، وحسن الخلق؛ حتى يعملوا على تحقيق الأهداف التى جاءت من أجلها المرافق العامة والأجهزة الإدارية ككل. ويتجاذب تنظيم الوظيفة العامة اتجاهان: أحدهما يسود الولاياتالمتحدةالأمريكية، والثانى تأخذ به فرنسا، والنظام الأول يؤسس على أن شغل الموظف لوظيفة محدودة تدخل فى مجال تخصصه، ويظل فيها مدة قصيرة، ولا تعتبر الوظيفة فى النظام الأمريكى مهنة دائمة، وإنما تعتبر عملاً عارضاً، لا تختلف عن الأعمال التى تؤديها المشروعات الخصة، كما أن علاقته بالإدارة غير تعاقدية؛ حيث يعمل لدى الإدارة لمدة محدودة لا يتمتع فى غضونها بما يتمتع به الموظف العام فى فرنسا وفى مصر، فليست له امتيازات معينة كالترقية أو العلاوات أو البقاء فى وظيفته بصفة مستمرة، وإنما يجب أن يعود إلى الحياة العامة عقب فترة محدودة، مزوداً بخبرته التى اكتسبها أثناء عمله الحكومى، فيزداد ولاؤه للوطن، كما يجوز له إعادة التعيين فى الوظيفة العامة من جديد، مما يجعل الوظيفة العامة ليست دائمة بالنسبة لشاغلها، ذلك لأن هذا النظام يعتنق مبدأ الدورية فى الوظائف العامة، ويرى أنه يحقق المساواة بين المواطنين فى تقلد الوظائف. وهذا النظام يتطلب قدرة رئيس الجهاز أو المنوط به رئاسة المرفق على تغيير العامل فى أى وقت ولأى سبب، وقدرة هذا الأخير على ترك الخدمة لأى سبب، وبذلك لا تتميز الإدارة العامة عن المشروعات الخاصة بأى ميزة؛ لأن الإدارة تخضع فى هذا النظام لأحكام القانون الخاص ولذات المحاكم التى يحتكم إليها الأفراد. الوظيفة مهنة!! أما النظام الأوروبى - المأخوذ به فى مصر - فإن الوظيفة العامة فى نظره هى مهنة، ينخرط فيها الموظفون فى بدء حياتهم الوظيفية، وينقطعون لها مدى الحياة، ويجوز للإدارة أن تستفيد منهم فى أى عمل آخر، على أن يصعد من الدرجات الدنيا لكى يتبوأ الدرجات العليا، فهذا النظام يقوم على فكرة دوام الوظيفة، فالوظيفة فى مصر عمل يتصف بالدوام وعلاقة الموظف بالدولة علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، والموظف فى هذا النظام خاضع للسلطة الرئاسية، ولا يتطلب فيمن يشغل الوظيفة العامة أن يكون من ذوى التخصصات الدقيقة فى بعض الأمور، إنما يكتفى بالتخصص العام كشرط لشغل الوظيفة، كما يعتد بالاعتبار الشخصى لشاغل الوظيفة؛ حيث يركز على مؤهلات شاغلها العلمية والعملية، وعلى تلك الظروف توضع الأحكام المتعلقة بالوظيفة!! وبذلك يكون الموظفون العموميون هيئة مستقلة بحيث يكون تعيين موظفين جدد فيها بمثابة تكملة لها تتعرض له تلك الهيئة من نقص؛ بسبب الوفاة أو بلوغ السن المقررة لترك الخدمة، أو بقصد التوسع فى الخدمات العامة أو بسبب تزايد حجم العمل أو إنشاء إدارات جديدة أو توسيع الإدارات القائمة، دون أن يرتبط الموظف بوظيفة محددة، وإنما يمكن نقله إلى وظيفة أخرى، بشرط مراعاة الضمانات التى تقررها القوانين واللوائح!! ومن هنا استقر القضاء على أنه لكى يعتبر الشخص موظفاً عاماً خاضعاً لأحكام الوظيفة العامة التى مردها إلى القوانين واللوائح، يجب أن تكون علاقته بالحكومة لها صفة الدوام والاستقرار فى خدمة مرفق عام تديره الدولة بالطريق المباشر أو بالخضوع لإشرافها. والموظف العام يخضع فى علاقته بالإدارة لأحكام الوظيفة العامة بما تتضمنه من حقوق، وما تفرضه من التزامات مستمدة من القوانين واللوائح المنظمة لها، فمركز الموظف العام من هذه الناحية هو مركز قانونى عام يجوز تغييره فى أى وقت، ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانونى للتعديل والتغير وفقاً لمقتضيات العامة. مبدأ الطاعة وإذا كانت الوظيفة العامة لا تستطيع أن تحقق رسالتها فى خدمة الصالح العام إلا بالعاملين الذين يتوقف على تفاعلهم وإخلاصهم حسن سير العمل ودوام انتظامه، فإنَّ هؤلاء العاملين أصبحوا، أيضاً، يعتمدون على تلك الوظيفة، ويرتبون نظام عيشهم على خيراتها، وطالما هؤلاء العاملون ينعمون بمغانم الوظيفة العامة وخيراتها فإنهم يتحملون كذلك أعباءها ومغارمها وهى الواجبات الوظيفية. ويحتل واجب الطاعة مكان الصدارة من تلك الواجبات، ويعنى انقياد المرؤوس للأوامر الصادرة له من السلطة الرئاسية، ويعمل على تنفيذها، ذلك لأن واجب الطاعة هو عصب كل جهاز إدارى وأساس سيره بانتظام واطراد. ولا شك أن مجرد أداء العمل مع طاعة الرؤساء يجعل من الموظف العام آلة صماء، فى حين أن الإخلاص فى العمل هو الذى يبث الروح، ويدفع الحماس فى عمل الموظف، ويجعل من الموظفين جماعة متساندة تعمل لتحقيق هدف مشترك. وإذا كان هذا المعنى مطلوباً فى كل جهاز إدارى، فإنَّ الحاجة إليه أكثر فى الدول التى تتبع أسلوب التخطيط الشامل الذى يربط أجهزة الدولة بأهداف موحدة خلال فترة معينة من الزمن. وإذا كان من السهل وضع ضوابط واضحة لكيفية أداء العمل، فإنَّ أهم واجب من الواجبات ما يمكن أن أطلق عليه الجانب الأخلاقى فى أداء العمل، وليس معنى ذلك أننا نحاسب الموظف عن قواعد الأخلاق بالمعنى المطلق لهذا الاصطلاح، ولكننى أعنى به أن ممارسة الوظيفة العامة كأى مهنة أخرى يجب أن تخضع لمجموعة من المبادئ. وإذا كان من السهل على البرلمان أو الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وضع ضوابط واضحة لكيفية أداء العمل، فإنَّ هذا الواجب الذى أتعرض له هو أكثر اتصالاً بفكر الموظف وبضمير الموظف منها بالقواعد المحددة التى يفرضها التشريع الوضعى، والواجب الذى أتحدث عنه أهم من كل هذا وذاك، هو واجب الولاء السياسى. فالمعروف أن الموظف هو أداة الدولة، وهو المنفذ لمشيئتها، وأن التنفيذ يسبقه رسم السياسة التنفيذية من قِبل السلطات المختصة فى الدولة، فبعد أن تصدر هذه السلطات قراراتها، يقوم الموظفون كل فى مجال تخصصه بوضعها موضع التنفيذ، ومن اللازم أن يجىء التنفيذ مطالبًا لتلك السياسة، وهنا أصل إلى أدق جوانب هذا الواجب الذى أسميه الولاء لنظام الحكم. الولاء للوطن ويعنى هذا الواجب وجوب الالتزام بواجب الولاء لنظام الحكم التام، وقد اتفقت جميع نظم الحكم المتباينة فى اتجاهاتها السياسية على أمر واحد هو عدم سماحها للمواطنين عمومًا وللموظفين على وجه الخصوص بانتقاد نظام الحكم القائم أو التحرك لتغييره. وتقوم غالبية نظم الحكم بالنص صراحة فى الدساتير أو قوانين العقوبات أو قوانين التوظف على واجب الولاء لنظام الحكم، وتلجأ بعض النظم بإلزام الموظفين بالولاء لها عن طريق أداء قسم باحترامه والدفاع عنه. ولا يلتزم الموظفون فى فرنسا بشكل عام، بأن يظهروا ولاءً إيجابيًا لنظام الحكم، فالتزامهم فى هذا المجال التزام سلبى، بمعنى أنهم ملزمون بالامتناع عن كل ما من شأنه إظهار عداء سافر للنظام، وتطبيقًاً لذلك عاقب مجلس الدولة الفرنسى مدير مدرسة لتعبيره عن آرائه بحدة داخل وخارج نطاق العمل لسياسة التعاون مع ألمانيا، وعاقب أيضًا على تمنى انتصار ألمانيا رغم أن ذلك كان خارج نطاق العمل. وتحظر الولاياتالمتحدةالأمريكية على الموظفين بمقتضى القانون الصادر سنة 1939 الانتماء إلى أى تنظيم يعارض النشاط الاجتماعى للدولة، وفى إنجلترا تتضمن المبادئ الأساسية للائحة العامة للخدمة المدنية أن يتصف الموظفون دائماً بالولاء لوطنهم ونظام الحكم، ويبذلون كل ما فى وسعهم من أجل خدمته. وقد ذهب المشرّع المصرى إلى تحريم أى تصرف ضد النظام، فالباب الثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات مخصص لتحديد الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل، وتشمل محاولة قلب نظام الحكم، أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهورى أو شكل الحكومة بالقوة. ومن هنا، فإن الموظف العام ملزم بالولاء للدولة، ولنظام الحكم القائم، وأن تكون أعماله وتصرفاته وسلوكه مطابقة لهذا الالتزام، وذلك يفرض عليه عدم مهاجمة نظام الدولة وفلسفتها الاجتماعية فى الاجتماعات العامة والخاصة، وعدم القيام بتصرفات تسىء إلى نظام الدولة وسمعتها فى الداخل أو الخارج أو تجريح النظام بما يؤدى إلى النيل منه، وخروج الموظف على هذا الالتزام يوجب مساءلته تأديبياً دون إخلال بالمساءلة الجنائية. وقد قضى مجلس القضاء الأعلى الإيطالى بجلسة 19-11-1982 فى الدعوى رقم 430 لسنة 1981 بأنه يقع على عاتق القاضى بمقتضى المادة 54/2 من الدستور واجب الولاء للدولة، شأنه فى ذلك شأن أى مواطن أسندت اليه وظيفة عامة، وبالتالى يرتكب مخالفة تأديبية القاضى الذى يبدى آراء مفادها السماح بالعنف كوسيلة لتحقيق المآرب، دون أن يعتبر ذلك منه حرية فى الإفصاح عن الفكر، إذ إن هذه الحرية مقيدة بحدود الولاء للقيم المعترف بها فى نظام الدولة. كما قضى أيضًا بأنه يشكل مخالفة تأديبية انضمام القاضى إلى جمعية سرية لأن هذه الجمعية محظورة بنص الدستور، وإن كان حق تشكيل جمعيات من الحقوق المباحة بشرط أن تكون هذه الجمعيات علنية. ومن أهم المحاكمات المتعلقة بالولاء لنظام الحكم فى تاريخ القضاء المصرى، تلك التى مثل فيها الشيخ على عبدالرازق، القاضى بمحكمة المنصورة الشرعية سنة 1925 بسبب ما تضمنه كتاب «الإسلام وأصول الحكم» الذى تحدى به الملك ونظام حكمه. وقد صدر عليه حكم من هيئة علماء الأزهر برئاسة شيخ الأزهر بإخراجه من زمرة العلماء، وتجريده من شهادته، وقد صدر حكم بفصله من وظيفته، وكان لهذه المحاكمة صداها فى الأوساط القضائية فى مصر والعالم العربى. وبذلك فإنه يجب النص فى قانون الخدمة المدنية وكافة القوانين المشابهة على وجوب التزام الموظف بالولاء لنظام الحكم، وأن يفرض عليه أداء قسم باحترام النظام والدفاع عنه وعدم هاجمته، كما يجب عليه أيضًا أن يلتزم بعدم القيام بأية تصرفات تسىء إلى نظام الدولة أو تجريح نظام الحكم، أو الإساءة إليه، وأن خروج الموظف على هذا الواجب يشكل مخالفة تأديبية فى حقه تكون عقوبتها الفصل من الخدمة. الموظف والحكومة! وإذا كان الموظف العام ملزماً بالولاء لنظام الحكم، فهل يحق للحكومة أن تلزم موظفيها بمساندتها فى سياستها، وهل يمكن أن يفرض على الموظف ممارسة حقوقه وحرياته العامة فى إطار سياسة الحكومة؟! وللإجابة عن هذا السؤال، فإنه يتعين ابتداءً التأكيد على أن هذا الموظف هو فى الأصل مواطن له كافة الحقوق العامة، خاصة حرية الرأى والفكر والعقيدة، وهذه الحريات فى جميع أنحاء العالم حريات أساسية، ومعظم الدساتير تكرس هذه الحريات، ولا يتضمن أى دستور أى إنكار لحق الموظف فى التمتع بهذه الحريات بعبارات مطلقة أو محددة. وإذا كانت هناك ثمة نظم تحرّم حرية الرأى لموظف الدولة، ونظم أخرى تطلق لهم هذه الحرية، فإن مبدأ الحياد السياسى يعد موقفًا وسطًا بين النظامين. وإذا ما طالعنا الدستور الفرنسى الصادر سنة 1946 نجد أن من أهم الحقوق التى نصت على حق الموظف فى ممارسة حقوقه العامة، وفى دستور سنة 1958 نص فى مقدمته على أنه لا يجوز أحد أن يضار فى عمله أو وظيفته بسبب آرائه السياسية أو الفلسفية أو الدينية. فإذا كان الأصل هو أن الموظف يتمتع بحقوقه العامة، فإن المشرع الفرنسى استثنى بعض فئات من الموظفين من ذلك، فحرم عليهم الاشتغال بالأمور السياسية أو إبداء الآراء السياسية، فهؤلاء ملزمون بالولاء للحكومة لأنهم يعينون فى مراكزهم نظرًا لإخلاصهم وولائهم الخاص للحكومة، وبالتلى لا يمكن لمثل هؤلاء الاستمرار فى وظائفهم دون أن يلتزموا بالولاء التام لسياسة الحكومة، والعمل ضمن إطارها، لذلك فإن للحكومة سلطة تقديرية مطلقة فى تعيين وإقالة هؤلاء الموظفين. كما أن للدولة الحق فى أن تطلب من موظفيها الامتناع عن أى عمل قد يؤدى إلى الشك، ليس فقط فى حياده، ولكن فى ولائه للنظام، بل وحتى مراعاة الطاعة الرئاسية تجاه الحكومة. أما فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد جاءت وثيقة إعلان الاستقلال الصادرة فى 24 يوليو سنة 1776 وثيقة تاريخية تقيم من فلسفة المذهب الحر، ومن نظرية الحقوق والحريات قاعدة الأساس للنظام الدستورى الأمريكى. ففى أمريكا لا يجوز للموظفين أن يشتركوا فى التدابير الحزبية أو الحملات الانتخابية، وتوجب قوانين الخدمة المدنية على جميع العاملين بالخدمة المدنية الولاء الدستورى للدولة، وأن يقسموا يمين الإخلاص. ويحكى لنا زميلنا الدكتور عبدالفتاح مراد أنه فى سنة 1921 أقيمت حفلة تكريم لمعالى سعد باشا زغلول بفندق أعدها بعض الموظفين، ومنهم صادق بك حنين وسلامة بك ميخائيل القاضى، وأحمد بك خشبة وكيل النيابة، ومحمود فهمى النقراشى، ونجيب إسكندر، ووليم مكرم عبيد، وزكى جبرة وفؤاد شيرين وحسين فتوح، وألقى كل من الثانى والثالث والسادس خطبة معبراً فيها عن آرائه وقد أحيلوا إلى مجلس تأديب بتهمة الاشتراك فى تنظيم حفلة لرجل سياسى يجهر بالولاء لحكومة بلاده، وأنه توجه فعلاً إلى هذه الحفلة، ولم يتردد فى هذا العمل بالرغم من أن ذلك الرجل السياسى كان قد ألقى قبل ذلك بقليل خطاباً مهيناً للحكومة على ملأ من الناس. وبجلسة 9 مايو سنة 1921 أمر مجلس التأديب بوقف القاضى سلامة بك ميخائيل عن عمله وأقام المجلس حكمه على أنه وإن كانت حرية الرأى لا تجيز لأى موظف أن يتخذ هذا الموقف العدائى للحكومة فإن ما أتاه القاضى المحال يعد إخلالاً بنظام الموظفين، وبما هو مفروض عليهم من طاعة الحكومة واحترامها. ولكن الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف قضت بإلغاء هذا الأمر، وأبرأت ساحة القاضى من التهمة المسندة إليه، وأشارت فى حكمها إلى أن حرية الرأى حق طبيعى للموظف، بشرط أنه لا يتعارض فى استعمال هذا الحق مع واجب وظيفته، وألا يتعدى الحدود التى رسمتها القوانين. كما قضى مجلس التأديب ببراءة أحمد بك خشبة وكيل النيابة لأنه لا يوجد فى القوانين المصرية تحديد واجبات الموظفين فى الأحوال السياسية، ولأن ما هو محظور على الموظف العام هو الطعن فى شكل الحكومة والقدح فى قاعدة من قواعد نظامها، وأن الخطبة التى ألقاها حضرته لم تتضمن اعتداء ولا إهانة لأحد، وخلت من أية مطاعن على شكل الحكومة أو نظامها. التطهير وقد أحيل رئيس محكمة السويس للمحاكمة التأديبية لاستغلاله وظيفته بسامى شرف، وتوثقت بانضمامه عضواً فى تنظيم سرى فى 1965 فبدأ فى تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح فى تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية، ومارس نشاطه مع هذه التنظيمات، وقد انتهت هذه الدعوى باستقالة المتهم. والمعروف أنه بتاريخ 26-12-2013 أعلنت الحكومة المصرية وضع جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وقررت حظر جميع أنشطة الجماعة، وأنشأت الحكومة لجنة للتحفظ ومصادرة كافة أموال وشركات الجماعة وقياداتها. وإذ كانت اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية تحظر على الموظف ممارسة أى عمل حزبى أو سياسى أو جمع تبرعات أو مساهمة لصالح أحزاب أو جماعات أو نشر الدعاية أو الترويج لها، كما تحظر عليه مباشرة أى نشاط أو إتيان أى سلوك من شأنه تكدير الأمن العام أو التأثير على السلام الاجتماعى، أو أى فعل يفقده حسن السمعة وطيب السيرة اللازمين لشغل الوظائف العامة أو الاستمرار فيها. ومن ثم فإن هناك التزاماً على وزارة الداخلية - بأجهزتها المعنية - أن تعد قاعدة بيانات بأسماء موظفى الدولة ممن كانوا ينتمون للإخوان من قريب أو بعيد، والمتعاطفين معهم، ومن صدرت ضدهم أحكام فى وقائع إرهابية، ومن أدرجوا على قوائم الإرهاب، ومن تورطوا فى عمليات إرهابية سواء ضد المدنيين أو العسكريين أو ضد المنشآت الحيوية، وكل من تورط فى قضايا عنف أو تحريض عليه لفصلهم من الخدمة. ويجب ألا ينتهى الأمر عند هذا الحد فإن وزارة الداخلية مكلفة بأن تضمن هذه القائمة بياناً بأسماء موظفى الدولة من الخلايا النائمة ذلك لأن هذه الخلايا أكثر خطورة وأكثر ضراوة من الخلايا الناشطة. كما يجب أن تتضمن أيضاً هذه القائمة بخلاف موظفى الجهاز الإدارى للدولة، بيانا بأسماء كل من ينتمى للإخوان فكرا وعملاً ممن يتربعون فى باقى الهيئات والمرافق من غير الخاضعين لقانون الخدمة المدنية والذين تنظم علاقتهم بجهات عملهم قوانين خاصة. ولا يغير مما تقدم ما قد يقال إن بعض الجهات طهرت نفسها بنفسها ذلك لأن بعض هذه الجهات احتفظت بهم وأبرأت ساحتهم من ثمة مخالفات نسبت إليهم، ذلك لأن بعض القائمين على هذه الجهات كانوا ممن ينتمون فكراً وعملاً إلى هذه الجماعات، بل منهم من كان متواجداً فى ميدان رابعة العدوية وكان يلقى كلمات المدح والثناء على الفكر الإخواني! إننا لا يمكن أن نفكر أن من أخطر الفتن التى عصفت بمصير المسلمين عبر القرون، تلك الفتن التى تسترت وراء شعارات دينية، رفعها مروجو هذه الفتن ليظهروا للناس حرصهم على الدين بينما يبطنون الأغراض السياسية التى لا تمت للدين بصلة، ويتعمد أصحاب هذه الفتن إلباسها ثوب الدين ليضمنوا حماس المسلمين الذين يندفعون وراءهم وهم يحسبون أنهم جنود للحق، طامعون فى ثواب الدنيا والآخرة، بينما واقع الأمر أنهم ليسوا إلا وقوداً لنار الفتن التى تهدر فيها وتسفك فيها دماء المسلمين وغير المسلمين بأيدى المسلمين، وتتفتت قواهم وتتنازع وتفشل وتذهب ريحها. نعم لقد لبس هؤلاء دعواهم السياسية ثوب الدين، ولكنها ما فرطت فى عثراتها ونكباتها، أصبحت معروفة لا يخطئها مبصر، وجميع الشعارات التى رفعوها كان يراد بها باطل من قائليها، لأنهم يريدون بها فرض وصايتهم على تدين الناس، ويعطون لأنفسهم الحق فى إرهاب الآخرين والبطش بهم إذا ما رفضوا وصايتهم. وهم لا يبالون فى ذلك بسفك الدماء، وانتهاك الحرمات، وإشاعة الفوضى، وإطلاق الشائعات وحين وصلوا إلى السلطة انتقموا من مخالفيهم أبشع انتقام بما لا يقره دين، وفرضوا على الناس أوضاعاً وأحكاماً لا يبالون فيها بمخالفة دين الله فى قليل أو كثير. إن الإرهاب كان ثمرة مريرة لمناخ كان شديد المرارة، وشديد الكآبة، مناخ صنعه تعليم متخلف وازداد تخلفاً، وتسلل متطرف إلى مدارسنا ومناهجنا وتربع فى أجهزتنا التعليمية والإدارية وفى كل مرافقنا، إرهاب صنعه إعلام كان يمالئ التطرف، وفتح له ألف باب كى يطل منه فأفسد فى الناس أفكارهم ومعتقداتهم ووطنيتهم. والحل يجب أن نتبع ما نصت عليه الولاياتالمتحدة فى قانونها الصادر سنة 1939 حين حظرت على الموظفين الانتماء إلى أى تنظيم يعارض النشاط الاجتماعى للدولة وأن نفصل بقانون كل الموظفين الذين انتموا إلى هذا التنظيم.