إدارة صيدليات 19011 تستغيث بالرئيس السيسي من مسئول يتعنت ضدهم بعد إعادة تشغيلها    رئاسة الجمهورية تؤكد الالتزام الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين وعدم المساس بها.. وتؤكد أن الحكم القضائي الصادر مؤخرا يرسخ هذه الثمة    محمود مسلم: مقترح ويتكوف يتسم بالجدية ومصر ليست مجرد وسيط بل المدافع الأول عن الفلسطينيين    "أونروا": غزة تحولت من جحيم إلى مقبرة بسبب تزايد القصف الإسرائيلي    بعد غرامة المليون جنيه، إمام عاشور يعتذر للشناوي على الهواء    السيطرة على حريق داخل مبنى السموم بمستشفى قصر العيني دون إصابات    حماية المستهلك: رقابة مشددة على الأسواق وزيارة 190 ألف منشأة خلال الفترة الماضية    تامر حسني يحتفل بالعرض الخاص لفيلم ريستارت بالإمارات (صور)    حماس: المقترح الأمريكي الذى وافقت عليه إسرائيل حول غزة لا يستجيب لمطالبنا    بسبب صاروخ حوثي.. سكان تل أبيب يختبئون في الملاجئ وتوقف حركة الطيران وإجلاء رئيس إسرائيل    «العقل لا يستوعب».. أول تعليق من أكرم توفيق بعد رحيله عن الأهلي    مصطفى كامل يطرح ثاني أغاني ألبومه بعنوان «كتاب مفتوح» (فيديو)    تناولها بانتظام.. 6 فواكه غنية بالألياف وتساعد على فقدان الوزن    6 اختبارات منزلية لاكتشاف العسل المغشوش.. خُذ قطرة على إصبعك وسترى النتيجة    أحمد السعدني عن حصد الأهلي لبطولة الدوري: "ربنا ما يقطعلنا عادة    كلمات تهنئة للحجاج المغادرين لأداء فريضة الحج    القبض على عامل خردة بتهمة قتل زوجته في الشرقية    مطار سفنكس يستعد لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير    دعاء تهنئة بعيد الأضحى المبارك 2025.. أفضل الأدعية    والدة غادة عبد الرحيم: يجب على الجميع توفير الحب لأبنائهم    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    صدمته سيارة.. تشييع وكيل الإدارة العامة للمرور في مسقط رأسه بالمنوفية (صور)    تقارير: مانشستر سيتي يبدأ مفاوضات ضم ريان شرقي    "حقيقة المشروع وسبب العودة".. كامل أبو علي يتراجع عن استقالته من رئاسة المصري    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    الحكومة: استراتيجية لتوطين صناعة الحرير بمصر من خلال منهجية تطوير التكتلات    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    إحباط تهريب صفقة مخدرات وأسلحة في نجع حمادي    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع للبنك التجاري ومجموعة أي أف جي    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    مجلس حكماء المسلمين يدين انتهاكات الاحتلال بالقدس: استفزاز لمشاعر ملياري مسلم وتحريض خطير على الكراهية    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    نائب رئيس الوزراء: قصر العينى أقدم مدرسة طبية بالشرق الأوسط ونفخر بالانتماء له    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    لحج آمن.. 7 نصائح ذهبية للحماية من الشمس والجفاف    «أوقاف الإسكندرية»: تجهيز 610 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى 2025    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    وزير الزراعة يشهد تخرج متدربين صوماليين ضمن برنامج إدارة التربة    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بوحدة طوسون    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



5 ملايين عامل في مهب المهن الخطرة
نشر في الوفد يوم 28 - 11 - 2018

أكثر من 5 ملايين عامل، شاء لهم القدر أن يواجوا الموت من أجل لقمة العيش..
يعملون فى مهن خطرة، مفتقدين أدنى وسائل الحماية أو السلامة المهنية.
أغلبم يدفع حياته كلها ثمناً لأى خطأ مهنى، ولو بسيطاً، والأفضل حظاً ينجو من الموت ليعيش حياته، مفتقداً جزءاً من جسده، فيقضى باقى حياته قعيداً، أو عاجزاً، ومقطوع الأيدى أو الأقدام.
بعضهم ابتلعته بيارات الصرف، فمات غريقاً، وآخرون انصهرت أجسادهم، وذابت عظامهم فى أفران الحديد، وفريق ثالث مات مدفوناً تحت تلال الطوب المنهار.. وآخرون مزقت قطع الزجاج الملقاة فى القمامة أيديهم، وهم يحملون فيروسات كل الأمراض بأيديهم العارية، وآخرون يقضون يومهم بين السماء والأرض، من أجل «محارة» جدار، أو يمسكون بأيديهم «الكهرباء» لتصعقهم ما شاء لها.
ورغم الآلام والمعاناة التى يعيشها هؤلاء جميعاً.. فإنهم لم ينقطعوا يوماً عن عملهم، ولم يتوقفوا أبداً عن ممارسته، وحلمهم الوحيد هو أن يعيشوا حياة أفضل حتى لو كانت فى أحضان الموت.
«إبراهيم»: أشتغل ويدى مكسورة.. و«صلاح»: حياتى على كف عفريت
حكايتان مختلفتان فى طريقة المعيشة، وحياتهما الاجتماعية، لكن الرابط المشترك بينهما المهنة؛ حيث يعملان بوحدة الميكانيكا بأحد مصانع الطوب بمنطقة البدرشين، حتم عليهما القدر المصير والمعاناة نفسيهما، بعد سقوط عمود ماكينة على يد إبراهيم سليمان «41 عاماً»، جعلته يفقد بعض أصابع يده اليمنى، بينما حُشرت أصبع صلاح قناوى «53 عاماً» بين ذراعى كرسى حديد تسببت فى بتر طرفى إصبعيه.
«لدى أربعة أولاد وزوجة.. ويُوميتى 80 جنيهاً شاملة مصاريف الأكل والشرب والمدارس والدروس الخصوصية، ولو بطلت عمل لمدة يوم واحد أسرتى هتتشرد ومش هنلاقى نجيب العيش الحاف».. بهذه العبارات، وصف إبراهيم سليمان أحواله المعيشية، فرغم ما أصاب أطراف أصابعه جراء عمله، فإنه يواصل العمل ليلاً نهاراً من أجل حياة كريمة لأسرته.
يقول «سليمان»، أُقيم فى منطقة «طموه» بالبدرشين، وبعد إصابتى فى العمل، عانت أسرتى فترات طويلة حتى تم شفائى، مشيراً إلى أنه لم ينفق عليه أحد مليماً واحداً خلال فترة مرضه، واستدان من جميع الأهل والجيران؛ ليغطى تكاليف علاجه، وحتى يستطيع الإنفاق على عائلته.
ويضيف: «اضطررت للعمل فى بعض الأحيان، ويدى مكسورة، وتحملت الآلم من أجل 120 جنيه فى اليوم»، لافتاً إلى أن المُسكنات كانت الدواء المثالى؛ لكى لا يشعر بالألم والمعاناة، ويستطيع مواصلة عمله الذى يستمر لأكثر من 12 ساعة فى اليوم؛ حيث يبدأ العمل عند السابعة صباحاً، وينتهى السابعة مساءً.
فى المأساة نفسها، يتشارك معه صلاح قناوى من منطقة البدرشين، فرغم عمره الذى تجاوز الخمسين عاماً، فإنه يعمل ليلاً ونهاراً، لا يكل ولا يمل من أجل الإنفاق على أسرته بثمن يُوميته والتى تصل ل80 جنيهاً بعد عمل متواصل لأكثر من 12 ساعة فى اليوم.
يقول «قناوى»: «نفسى بس أبطل أخاف، وأعيش زى البنى آدميين، بدل ما حياتى على كف عفريت، محدش ضامن حاجة، النهاردة بصحة جيدة وأستطيع العمل، بكرة الله أعلم»، مشيراً إلى أنه مُعرض فى أى وقت للإصابة أو للموت كغيره من العاملين، ويبقى مصير أسرته مجهولاً فى الحالتين.
وتابع: «لو فرد منا تعرض للخطر صاحب العمل غير مسئول، ويتحمل العامل جميع مصاريف علاجه، مشيراً إلى عدم وجود مؤسسة أو قانون يحمى حقوقهم، ويوفر لهم الرعاية حال تعرض أحدهم للمخاطر، لذلك سيظل الخوف من العجز أو الطرد من العمل محور حياتهم».
ويشير إلى أن العمر لم يعد به الكثير ليحاول البحث عن مهنة أخرى، خاصةً بعدما تخطى الخمسين عاماً، لافتاً إلى أن «كل الناس يأتى يوم ويرتحوا من شقاء العمل بعد وصولهم لسن المعاش، ولكن كتبت علينا الظروف وحتم علينا القدر يظل الشقا حليفنا للأبد».
ولفت إلى أن عشرات العمال فقدوا حياتهم أثناء عملهم، والعديد أصيبوا، ما جعلهم غير قادرين على العمل، مشيراً إلى أن أحد زملائهم كان يعمل فى الفرن المسئول عن تسوية الطوب، فاختل توازنه وسقط فى النيران، ما تسبب فى حرق جسده بالكامل، ومات عقب هذه الحادثة بثلاثة أيام، بينما أسرته تعيش على الإعانات من أصحاب القلوب الطيبة.
واختتم «قناوى» حديثه قائلاً: «كل العمال لا يتمنون أكثر من أن يعودوا لأسرهم سالمين دون إصابة تشوه أجسادهم وتجعلهم عايشين عالة على غيرهم»، لافتاً إلى أنهم يضعون أرواحهم على أيديهم من أجل لقمة العيش وحتى لا تشرد عوائلهم، وأنهم لا يخشون الموت بقدر ما يخشون حياة تعجز أجسادهم عن العمل فيها.
«طايع»: أنطق الشهادتين قبل صعود السقالة
عامل سقالة أو «مبيض محارة».. تسميات مختلفة لشخص يحمل روحه على كفه، ويصعد بها فوق لوح خشبى مثبت على أعمدة طولها يتعدى عشرات الأمتار للوصول إلى قمة المبنى، حاملاً أدواته المكونة من جردل به مجموعة دهانات تستخدم لطلاء وجهات العمارات والمنازل.
«أنطق الشهادتين قبل صعودى على الألوح الخشبية لكى أبدأ عملى».. بهذه الجملة بدأ محمد طايع «27 عاماً» حديثه لنا، مشيراً إلى أنه حاصل على الشهادة الابتدائية، لكنه لم يُكمل تعليمه؛ نظراً إلى فقر أسرته، وشدة احتياجهم للمال، لذلك فضل تعلم مهنة «المحارة» ليسترزق منها، رغم خطورتها وزيادة احتمال تعرض العامل للسقوط فى أى لحظة.
وتابع: «ليس لدىَّ بديل آخر، أفراد أسرتى يعملون فى هذه المهنة، لذلك تعلمتها لكسب العيش»، مشيراً إلى أن عمله يبدأ من 7 صباحاً، وينتهى عند 4 مساءً، ويُوميته تقدر بحوالى 170 جنيهاً شاملة تكاليف الأكل طيلة النهار، لافتاً إلى أنه رغم حبه الشديد للمهنة وحرصه على مواظبة عمله، فإنه تأثر نفسياً بعد موت العديد من أصدقائه، إثر سقوطهم من فوق السقالة، لافتاً إلى أن صاحب العمل فى النهاية لا يهمه إلا مصلحته والانتهاء من العمل، أما صحة أو حياة العامل، فلا ثمن لها، ومن يموت أو يصاب يأتى غيره.
ويشكو «طايع» عدم وجود نقابة تحفظ حقوقهم، وتضمن لهم معاشاً عند كبرهم، مشيراً إلى أنه فى الوقت الحالى يستطيع العمل وتحمل الضغوط والمتاعب الجسدية، ولكن من سيتحمله أو ينفق عليه بعد كبر سنه وانتهاء فترة شبابه، فضلاً عن أنه وقتها سيكون لديه أسرة فمن سينفق عليه.
ولفت إلى أنه رغم المكاسب البسيطة التى يتحصلون عليها من مهنتهم، فإنَّ المهنة عمرها وعمر من يعمل بها قصير، لا يتعدى بضع سنوات، والمحظوظ فقط من يعيش.
واختتم حديثه، قائلاً: «نفسى أتزوج، لكننى أخشى أن يصيبنى مكروه، فتُشرد أسرتى للأبد وتعانى، خاصةً أنه لا يوجد تأمين ينفع أولادى ولا معاش أنفق به على أسرتى عند موتى أو إصابتى» بصدور قانون يحفظ لهم حقهم فى العلاج حال إصابتهم ويضمن لأولادهم معاشاً بسيطاً ينفقون منه حال وفاة أو تقاعد رب الأسرة.
«أيمن»: قدمى تشققت من تنظيف الشوارع
ثلاثة ملايين.. عدد عمال النظافة، 25% منهم يعملون بالقطاع العام، والباقى بالقطاع الخاص كشركات النظافة الأجنبية، حسب ما
قاله أمين حسن، النقيب العام للعاملين بهيئة النظافة والبيئة؛ حيث أشار إلى أنهم يعملون دون وسائل وقاية مثل الجوارب والكمامات، فضلاً عن أن بدل العدوى المخصص لهم مبلغ هزيل للغاية يقدر بحوالى 30 جنيهاً حال تعرض أحد العمال للإصابة.
«أيمن» شاب لايتجاوز عمره 27 عاماً، واحد من ضمن 18 ألفاً يعملون بهيئة النظافة والتجميل، التابعة لمحافظة القاهرة، بوت بلاستيك، يرتديه فى قدمه ليحميه من قسوة الأرض، ووجه أحرقه لهيب الشمس وصبغته بالأسود، وأيدى يتخللها الشروخ والجروج، يمسك بمكنسة عبارة عن عصا، وفى آخرها حزمة من جريد النخل مخصصة للتنظيف، ويتجول بالشوارع والكبارى القريبة من جامعة القاهرة.
يستيقظ يومياً قرب صلاة الفجر، يصلى ثم يستعد للخروج لعمله الذى يبدأ من ال6 صباحاً وينتهى الثانية ظهراً، يستمر طيلة هذه الفترة فى تنظيف الشوارع، وتجميع القمامة لرميها فى الصناديق المًخصصة لها، وبعد انتهاء عمله يعود إلى منزله مُتسخاً وفوق عينيه تتراص كتل من الأتربة لدرجة منعه من الرؤية فى بعض الأحيان.
«لا يوجد لدى بديل»، بهذه العبارة لخص «أيمن» سبب اختياره هذه المهنة، مشيراً إلى أنه بحث كثيراً عن وظيفة فلم يجد لعدم حصوله على مؤهل عالٍ، ولكن نصحه أحد أقاربه بالتقديم فى وظيفة بهيئة النظافة والتجميل؛ حيث كانت وقتها فى حاجة لعمال جدد، فسارع بتقديم أوراقه، وبدأ العمل فى اليوم الثانى، براتب يقدر بحوالى 1500 جنيه شهرياً.
وأشار إلى أن مخاطر مهنته لا تعد ولا تحصى؛ حيث أصيبت قدماه بالشقوق والجروح؛ بسبب قِطع الزجاج الموجود بالشوارع وصناديق القمامة، فضلاً عن تعرضه للأتربة وغبار السيارات، وعدم ارتدائه جوارب أثناء عمله، ما يجعله معرضاً فى أى وقت للإصابة بالفيروسات، فضلاً عن ضيق فى التنفس؛ نتيجة استنشاق الأتربة، والتعرض لها فترة طويلة، ما يسبب أضراراً بالغة بجهازه التنفسى، فضلاً عن الأمراض الجلدية والتهابات العين.
وتابع: «كل ما أتمناه أن يتم تعيينى فى الهيئة»، مشيراً إلى أنه حتى الآن يصنف ضمن العمالة غير المنتظمة، أى مُعرض فى أى وقت للطرد من العمل.
ولفت إلى أنه متزوج منذ شهور، ويحلم أن يرزقه الله بطفل، ولكنه يخشى عليه حال تعرضه للإصابة أو للمرض فى أى وقت، فوقتها لا يعرف من سيربى أو يرعى هذا الطفل، لذلك فضل بالاتفاق مع زوجته، أن يُؤخر عملية الإنجاب حتى يستقر بشكل رسمى فى الوظيفة.
«أبواليزيد»: أصارع الموت فى بيارات الصرف الصحى
بثياب متهالكة، وأيدٍ تخلو من جوارب تحميها، وقدم حافية، يغطس فى بالوعات المجارى فى القرى والنجوع لتنظيفها من الرواسب التى تعوق مجرى مياه الصرف، لا يعبأ بمرض أو تلوث يصيبه جراء عمله، كل ما يشغله يوميته التى تقدر بحوالى 50 جنيهاً يتم تجميعها من أبناء القرية.
حسن عبدالتواب، «55 عاماً»، رغم أنه موظف حكومى بإحدى هيئات النظافة، فإنَّ عمله فى بيارات المجارى يسد جانباً من احتياجات أسرته التى لا تنتهى؛ حيث يقول إنَّ مهنته لاتحتاج إلى مهارات بشكل كبير، لذلك لجأ إليها لسد احتياجاته المعيشية، خاصة أن راتبه الشهرى الذى يقدر بحوالى 1500 جنيه لا يكفيه وأسرته المكونة من 5 أفراد.
ومع ان عمال الصرف غير المحسوبين على جهة بعينها عددهم لا يحصى فى القرى، وبالتالى لا يخضعون للمادة 77 من قانون التأمينات لسنة 2003، والتى تنص على ضرورة توفير التدريب والمعدات اللازمة للعمال، فضلاً عن المادة 219 من قانون العمل لسنة 2003 والتى تنص على التزام المنشأة بتوفير واتخاذ التدابير اللازمة لتوفير وسائل وقاية العمال من خطر الإصابة بالبكتيريا والفيروسات، فإنَّ هناك العديد من موظفى الصرف الصحى والتابعين لشركات حكومية، لا يزالون يتبعون الطرق التقليدية والبدائية فى تنظيف البيارات، ولا يختلفون عن غيرهم من العمال غير المنتظمين والتابعين لجهة بعينها، وبالتالى لا تتوفر لهم وسائل الوقاية اللازمة لحمايتهم من الأمراض أو الاختناق الناجم عن تواجدهم لساعات طويلة فى مياه الصرف الصحى.
ورغم هذه المخاطر وعدم اتخاذ التدابير اللازمة للحماية، فإنَّ شركة الصرف الصحى بالجيزة استحدثت قسماً يسمى «غواصى الصرف الصحى»؛ حيث تم ابتكار وسائل حماية لموظفى الصرف وتدريبهم؛ حيث نجح القسم فى تدريب 7 أشخاص على الطرق الحديثة بينما يبقى آلاف العمال متروكين لكى تفتك بهم الطرق التقليدية.
ببدلة مخصصة للغوص، وحبل محكوم حول الجز الأسفل من ظهره، ونظارة تغطى عينيه وأنبوبة أكسجين على أنفه يخرج منها مجموعة من الخراطيم متصلة ب«الكومبوسبور» لإدخال الهواء اللازم للبيارات، يغطس محمود أبواليزيد لعمق يصل ل12 متراً فى البيارة لأكثر من ثلاث ساعات، وينتظره أعلاها حشد من العمال ممسكين طرفى الحبل المربوط أسفل ظهره لشده حين ينتهى من عمله.
يقول «أبواليزيد»، «35 عاماً»: حوداث غرق عمال الصرف حلقة لا تنتهى لعدم توفير وسائل الوقاية اللازمة، فضلاً أن تكلفة تدريب وتجهيز العمال للغطس تكلف الدولة مبالغ كبيرة، لذلك عدد قليل جداً من يتم تدريبهم وتوفير الاحتياجات اللازمة لعملهم، مشيراً إلى أن أحد زملائه غرق فى بيارات الصرف أثنا تنظيفها، ولم يعثروا على جثته؛ لأنها سحبت فى المواسير.
وأكد أنهم يحصلون على حوالى 35 جنيهاً فى اليوم نظير عملهم، ولا يحصلون على بدل عدوى أو تكاليف العلاج حال إصابتهم بالمرض، مشيراً إلى أنهم معرضون حال حدوث خرق فى البدلة أو عدم ارتدائها لمخاطر عديدة؛ أهمها ابتلاع المياه القذرة أو دخولها داخل جوف العامل، أو الموت نتجية استنشاق الغازات السامة مثل ثانى أكسيد الكربون، والميثان، وكبريتيد الهيدروجين، وأكسيد الكبريت.
«يوسف»: عملى فى الإسعاف أصابنى ب«شلل رباعى»
فى ظهر يوم شاق، توجه إلى مدينة نصر بعد إخبارية جاءته عبر هاتف سيارة الإسعاف لنقل مريض مصاب بأزمة قلبية إلى مستشفى مدينة نصر، فأسرع أحمد يوسف بخطواته السريعة عبر سُلم المنزل لإنقاذ مريض أوشكت حياته على الانتهاء، ولكن شاء القدر ألا يُنقل مصاب واحد إلى المستشفى، بل أصبحوا اثنين؛ حيث أصيب «يوسف» بشلل رباعى
نتيجة قطع فى فقرات الظهر والحبل الشوكى إثر انزلاقه فوق السلم بعد حمله المريض على ظهره لنقله للسيارة.
حكاية أحمد يوسف، المُسعف فى هيئة الإسعاف المصرية، نقطة فى بحر المخاطر التى يتعرض لها المُسعفون على مستوى الجمهورية والذين يُقدر عددهم ب5.856 مُسعف، و6599 سائقاً فى 29 فرعاً لهيئة بجميع محافظات مصر، حسب ما قاله نعيم رزق الله، مٌسعف ومشرف عام بالهيئة ل«الوفد»، مشيراً إلى أنه توفى حوالى 6 مُسعفين منذ فبراير 2018 وحتى الآن، بينما وصل عدد المصابين إلى 10 أفراد معظمهم تمت إصابتهم بشلل رباعى أو بتر بالقدم أو الذراع.
وأشار «رزق الله» إلى أن الموظفين بالهيئة حريصون على العمل، رغم المخاطر الشديد التى يواجهونها، لافتاً إلى أنهم يواجهون الموت أو الإصابة فى كل ثانية.
وأشار محمد عبدالسلام، مشرف عام بهيئة الإسعاف المصرية، إلى أن المُسعفين يكونون من الذكور خريجى معهد فنى صحى وخدمات طبية بالمستشفيات، ويتم تدريبهم على جميع الإسعافات اللازمة لحالات المرضى، والإرشادات الواجب اتباعها لكى يضمن سلامته وسلامة المريض، فضلاً أن توفير جميع وسائل الوقاية لهم من الجوارب والكمامات وغيرهما.
ورغم توفير سبل الحماية لهم، لكن لا يمنع هذا من المخاطر التى يتعرضون لها خاصةً بسبب الطرق أو نتيجة حملهم مريضاً زاد الوزن، مشيراً إلى أنه منذ عام 2008 وحتى 2018، توفى حوالى 384 مُسعفاً على مستوى الجمهورية وأصيب 80 آخرون.
وحول طبيعة العمل، لفت «عبدالسلام» إلى أن المُسعفين يعملون 24 ساعة متواصلة، ويحصلون على مثلهم راحة، مشيراً إلى أنه حوالى 2822 سيارة إسعاف تغطى جميع ربوع الجمهورية، وهذا أقل من المعدل العالمى الذى يصل ل4500 سيارة.
وأكد «عبدالسلام»، أن الهيئة استحدثت وحدة تسمى «الدعم النفسى»، لتأهيل المٌسعفين لتأدية الخدمة، فضلاً عن معالجتهم نفسياً من بعض المخاطر التى يتعرضون لها.
«سعيد»: الكهرباء.. مهنة ليس لها صاحب
«صعقة كهرباية قد تعالجك.. وأخرى قد تودى بحياتك»، أيهما سيدفعك إليهما المصير، لا أحد يعلم، ولكن رغم وجود أناس يبتعدون عن الكهرباء، ويخشون التعامل معها أو ملامستها، فإنَّ هناك آخرين لا سبيل لديهم غيرها، فهى مصدر رزقهم الوحيد، لذلك يتفننون فى التعامل معها؛ لكى لا يصيبهم مكروه، وأحياناً يخطئ تعاملهم، وتعكر الظروف صفو علاقتهم بالكهرباء، فيكون مصيرهم الموت.
عصام سعيد، فنى كهربائى، حياته أصبحت مليئة بكتل الأسلاك التى يمر من خلالها التيار الكهربائى، فلا يمر يوم دون الخروج من منزله، حاملاً معه أدواته للذهاب لمكان عمله سواء لتركيب أو إصلاح أعطال كهربائية.
يقول: إنه رغم حرصه الشديد أثناء تعامله مع الأسلاك الكهربائية، فإنَّ ذلك لا يمنع من خطورتها، مشيراً إلى أن الكهرباء مالهاش صاحب؛ حيث تعرض أكثر من مرة للصعق، وكاد يفقد حياته، لولا «ستر ربنا».
وأشار إلى أن عمله يقدر ثمنه حسب ما يدفعه الزبون، خاصةً فى الأعطال البسيطة، إنما أعمال تركيب الكهرباء لها حساب آخر؛ حيث يُحاسب الصنايعى باليومية والتى تقدر بحوالى 300 جنيه، شاملة الأكل والشرب طيلة اليوم؛ حيث يبدأ العمل من الساعة 7 صباحاً وينتهى بعد الخامسة عصراً وأحياناً يتأخر للسابعة مساءً.
ولفت إلى أن مهنتهم لا تخلو من المخاطر اليومية؛ حيث تُحتم عليهم الظروف فى بعض الأحيان الصعود على أعمدة الإنارة؛ لتغيير الأسلاك أو تبديلها، وقد يحدث أن يهتز السلم فالعامل يسقط منه أو تصعقه أسلاك الكهرباء، فضلاً عن مخاطر الصعود على هذه الأعمدة فى الشتاء، وأحياناً تتساقط علينا الأمطار.
وأكد أنهم رغم تعرضهم فى أى لحظة للموت، فإنه مع ذلك لا يوجد قانون يحميهم أو يضمن لأسرهم حياة كريمة بعد وفاتهم، بل محكوم على أسرة كل كهربائى بالتشريد فى حال حدوث أى مكروه لرب الأسرة، مشيراً إلى أن أى عامل يبحث عن أى مهنة يستطيع من مكسبها أن يلبى احتياجات أسرته، وينفق على أولاده، ولا ينظر إذا كانت خطراً أو قد يتعرض للموت، بقدر ما ينظر إلى لقمة العيش وأطفاله.
نائب رئيس اتحاد العمال:5 ملايين عامل فى مهب المهن الخطرة
فى فبراير 2018، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعمل قانون لضمان حقوق العمال والتأمين عليهم، وذلك خلال افتتاحه المرحلة الأولى من مشروع 100 ألف صوبة زراعية بمدينة الحمام بمحافظة مرسى مطروح، ورغم أن كلمة الرئيس فتحت طاقة من النور والأمل أمام العمال الذين استشعروا أن حقوقهم أوشكت أن تعود إليهم، لكن لم يتم اتخاذ إجراء فعلى لتنفيذ ما قاله الرئيس، والإسراع فى سن تشريع لصالح العمالة غير المنتظمة، أو من يطلق عليهم «الموسمية» والذى يعمل الجزء الأكبر منهم فى المهن التى تضع تحت بند «خطر».
يقول مجدى بدوى، نائب رئيس اتحاد العمال: «معظم العمالة الموسمية والذين يعملون فى الصناعات الخطرة والتى قد تودى بحياتهم فى أى وقت، لا يخضعون للإشراف من قبل الدولة؛ حيث لا تتم مراقبة الأماكن التى يعملون بها لمعرفة مدى مطابقتها وملاءمتها للعمل».
وتابع: لا يوجد قانون رسمى يحمى العمال، ولا تأمين صحياً، مشيراً إلى أنهم يعتمدون على اليُومية للإنفاق على أسرهم، والدولة لا تعرف أى شىء عنهم.
وأكد أن الاتحاد لا يعرف جميع المهن التى يشتغل بها العمال، ولا يعرفون عنهم شيئاً، مشيراً إلى أن العمال ليس لديهم ثقافة الاشتراك فى النقابات ولا التواجد فى مؤسسات أو هيئات تضمن لهم حقوقهم، فضلاً عن أن بعضهم يخشى أن يغضب صاحب العمل منه عند اشتراكه فى مؤسسة تضمن له حقوقه، لذلك بعضهم يكتفى بأجرته اليومية للعيش.
فى السياق ذاته، يقول خالد محمد أبوغريب، الأمين العام لنقابة عمال الطوب، إنَّ العمال يعانون، ولا يلتفت أحد لمطالبهم، فضلاً أنهم يفتقرون إلى الثقافة والوعى لمعرفة أن النقابات ستضمن لهم حقوقهم، مشيراً إلى أن عمال الطوب أسسوا من خلال رضا سلام ومجموعة من التيارات العامة والشعبية نقابة للدفاع عن حقوق عمال الطوب فى نوفمبر 2016، ولكن النقابة أصبحت الآن مهددة بالانهيار؛ لعدم وجود دعم مادى أو عينى.
وأضاف: إنهم حاولوا تسجيل هذه النقابة بشكل رسمى لإيجاد حلول لمشكلات عمال الطوب، خاصةً أنهم ليس لهم تأمين صحى، وأن أبناءهم مهددون بالتشريد إذا توفى العامل أو تعرض للإصابة، ولكن إجراءات التسجيل توقفت؛ لأن وزارة القوى العاملة اشترطت وجود 2000 عامل على الأقل لتدشين النقابة، ما جعل من الصعب تسجيلها رسمياً، خاصةً أن عدد الأعضاء فيها لا يتجاوز 15 عضواً.
وتابع: حاولنا مراراً وتكراراً جذب العمال للانضمام إلى النقابة لتدشينها، ولكن لم يستمع إلينا أحد، فالصنايعية لم يعد لديهم ثقة فى أى مؤسسة أو نقابة ستضمن لهم حقوقهم، فضلاً عن أنهم يحاولون توفير الاشتراك الشهرى الذى يقدر ب2 جنيه لشراء أرغفة خبز.
ولفت «أبوغُريب» إلى أن عشرات العمال أصيبوا، وآخرين ماتوا أثناء تأديه عملهم، مشيراً إلى أنه لا يوجد تفتيش على المصانع، ولا نقابة تضمن لهم حقوقهم، ففى حال وفاة أو إصابة أى عامل لا تتم محاسبة صاحب العمل، وتسجل الحالة قضاء وقدراً، أما عائلة المتوفى أو المصاب فلا تصرف لها أى مستحقات مالية وليس لها أى حقوق مادية.
وأكد أن المصانع غير مُهيأة للعمل بها أو للمعيشة اليومية؛ حيث يقيم بها العامل المُغترب لمدة أسبوع أو شهر، مشيراً إلى أن كل خمسة أفراد من العمال يقيمون فى غرفة مساحتها 4 ×4، وتكون مرتبة ومخدة، كل فرد عبارة عن قوالب من الطوب مُتراصة بجانب بعضها البعض، ولا يوجد غطاء على أجسادهم.
وتابع: أغلبية العمالة بمنطقة البدرشين مغتربون؛ حيث إنَّ 1% من العمال من أبناء المنطقة، و99% من محافظات مختلفة كالمنيا وأسيوط وبنى سويف والفيوم والمنصورة وغيرها، وبعضهم يحملون مؤهلات عليا كالبكالوريوس تجارة وآداب وكمياء وجيولوجيا وغيرها.
وعن طبيعة العمل فى المصانع، قال «أبوغُريب»، إنها تعمل بنظام 8 ساعات عمل، وتُقدر أجرة العمل ب80 جنيهاً، أما لو 12 ساعة متواصلة فأجرة العامل تصل ل120 جنيهاً، مشيراً إلى أن العمال ينقسمون إلى فريقين فى المصنع، الأول يحمل الطوب من الخلاطات التى تصنع الطوب، ومنها إلى الفرن لكى يستوى الطوب، ويكون جاهزاً للبيع، أما الفريق الثانى والذى يُفضله أغلب العمال رغم خطورته، فيتمثل فى العمل فى الفرن؛ حيث يحمل العامل الطوب للفرن، ويكون مُعرضاً خلال عمله للسقوط فى أى وقت فى النيران.
وعن سبب تفضيل العمال المهن الخطيرة، أكد «أبوغُريب»، أن المقابل المادى هو الدافع الوحيد، مشيراً إلى أن تكاليف المعيشة أصبحت باهظة للغاية، لذلك فإنَّ العامل يبحث عن مهنة تجلب له أكبر قدر من الأموال ليستطيع الإنفاق على أسرته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.