استطاعت "مبادرة خريطة التحرش" التي انطلقت منذ عام ونصف أن تحصد جائزة أفضل موقع إلكتروني في العالم يستخدم التكنولوجيا في القضايا الاجتماعية ، وذلك في مسابقة "البونز" الألمانية لعام 2012 وسط أكثر من 3000 موقع عالمي لأفضل المدونات والمواقع الإلكترونية في العالم . إنجي غزلان ،من مؤسسي المبادرة، ترى أن الفوز سيمنحها فرصة تكوين شراكات مع مبادرات شبابية أخرى على مستوى العالم ، وقالت إن المبادرة تلقت بالفعل طلبات من مجموعات شبابية في عدة دول (تركيا ولبنان واليمن والبرازيل والهند) للمساعدة في تكرار التجربة ونقل الخبرة إليهم. وأكدت أن المبادرة قامت بها 4 فتيات في شهر ديسمبر 2010 على أمل أن يعود الشعور بالأمان إلى كل فتاة تسير بمفردها. وأشارت ،في حديثها لمجلة آخر ساعة، إلى أن الخريطة تضم معلومات عن الأماكن التي حدث بها تحرش وأن المناطق الأكثر معاناة هي وسط البلد والدقي والمهندسين ومدينة نصر ، لافتة أن المناطق التي يمارس فيها التحرش هي باب الشعرية وميدان الجيزة وشبرا الخيمة والحوامدية والقاهرةالجديدة والسيدة زينب والدمرداش والدرب الأحمر والمقطم وساقية مكي وامبابة. وتهدف المبادرة إلى توفير طريقة آمنة للإبلاغ عن وقائع التحرش بتخصيص رقم هاتف محمول (01069870900 ) ، حتى تتمكن أي فتاة من الابلاغ عن طريق رسالة تقول فيها تفاصيل ما حدث لها ومكان التحرش دون ذكر أسماء ، في محاولة لكسر حاجز الصمت لدى الفتاة التي دائما ما تخجل من ذكر مثل هذه الحوادث. الضحايا يتكلمون وكان العديد من الفتيات قمن بنشر قصصهن على موقع الخريطة .. فهناك من تريد أن تنتقم ممن هتك طفولتها من خلال تحرشاته الجنسية بها إلا أنه هددها إذا كشفت هذا السر لأحد .. وتكتب: " هو صديق والدى ووالدتى الذي يتردد علينا من حين لآخر ، تحرش بى جسدياً وكنت وقتها طفلة صغيرة لا أعلم ماذا أفعل، واضطررت إلى السكوت ولكنه آذانى نفسياً أكثر من الأذى الجسدى لأنه جعلنى لا أثق بالبشر وزرع فى داخلى الخوف والقهر وبسببه لم أتزوج حتى الآن رغم أن عمري اقترب من الأربعين ولا أعرف ماذا أفعل؟" " كان يجلب لى الألعاب التى أحبها وكنت أقفز إلى صدره فرحة دون إدراك لما يفعله.. فهو أحد الأقارب ".. هذا ما قالته ( أريج .م 30 عاماً) التى يبدو أنها كانت منهارة عند كتابتها ما تعرضت له، فهى لم تستطع أن تبوح به إلا من خلال الانترنت وكتبت: " لم أدرك أن خلف كل تلك الألعاب البريئة يدا ملوثة تحاول أن تمتد لى لتلمس أى جزء فى جسمى تدنس عالمى وتريد قتل طفولتى معى، لأن تلك اليد تحديداً دمرت طفولتى وجعلتنى أكبر بسرعة وبخوف من الغد مع أن عمرى حينها لم يتجاوز السابعة " مؤكدة: " لم أستطع البوح بهذا السر لأحد لمعرفتى بحب عائلتى لهذا القريب، وهو استغل هذا الحب وتمادى فى ارتكاب جريمته من سنة إلى سنة كانت يداه تطولان قدر ما استطاع من مناطق فى جسدى إلى أن تزوج شقيقتى، وبالفعل أختى لا تعرف ما قام به معى فالخوف جعلنى لا أفكر أن أبوح بهذا الكلام لأحد". وتروى رانيا ، وهى طالبة فى جامعة القاهرة، حكايتها مع التحرش قائلة : أثناء سيرى فى أحد الشوارع ،حيث كنت عائدة إلى منزلى شعرت بأن هناك شخصاً ما يقترب منى ويحاول الاحتكاك بى ، أحسست بأن قلبى وقع فى رجلى وبدأت أمشى بسرعة. حاولت رانيا الاستعانة بأحد الأشخاص فإذا به يعرض عليها الصعود معه إلى سيارته مردداً ألفاظا تخدش الحياء. وتقول أخرى إنه أثناء ركوبها" الميكروباص" بدأ الشخص الذى كان يجلس بجوارها فى الاقتراب منها بصورة غريبة، "كان بيقرب لدرجة أنه التصق بى فجبت الدبوس وشككته به فقام بسرعة من جنبى ونزل من الميكروباص" أما سها فتقول :" أشعر بالخجل عند الحديث عن هذا الأمر ،لما كنت ماشية فى الشارع جه ولد راكب عجلة وضربنى من الخلف بمنتهى قلة الأدب وحسيت وقتها بالاشمئزاز، وأصابني الموقف بحالة بكاء هستيرى حتى أنه عندما حاول المارة مساعدتى لم أكن أعلم ماذا أقول لهم". وأضافت أنها حصلت على حقها بعد لجوئها إلى مبادرة خريطة التحرش، وقام عدد من المتطوعين فى منطقة عين الصيرة ،وهي المنطقة التى تعرضت فيها للتحرش، بإلقاء القبض على المتحرش ،على الرغم من مرور أكثر من يومين على الحادث، إلا أنهم تمكنوا من خلال علاقاتهم بشباب المنطقة والذين تعرفوا عليه بإلقاء القبض عليه وتم عمل محضر بالواقعة ولم أتخوف مطلقاً عندما ذهبت إلى القسم ووجهت له الاتهام. نتعامل مع المشكلة ازاى؟ ولاتكتفي المبادرة بعرض تجارب الضحايا مع التحرش ولكنها توفر شبكة إلكترونية لتبادل الأفكار حول كيفية التعامل مع المشكلة ، وتعليم الدفاع عن النفس وتفنيد الأعذار الشائعة التي تبرر تلك الفعلة الشائنة، بالإضافة إلى دعم عمل المنظمات غير الحكومية الناشطة في هذا المجال عن طريق تزويدهم ببيانات وافية وفورية عن التحرش ، ودعم مجهودات الشرطة عن طريق إرشادهم إلى مناطق المشكلة لتكثيف الحماية بها. وتؤكد غزلان أنه تم جمع متطوعين من الأحياء الأكثر معاناة من التحرش وتدريبهم على التواصل المباشر مع ساكني الحي، وذلك باستخدام الخريطة كدليل لشرح المشكلة ليكونوا أكثر يقظة ضد التحرش ، وكذلك إعطاؤهم نصائح حول كيفية التدخل عندما يرون المضايقات ولكن بطريقة غير عنيفة، بهدف خلق بيئة مجتمعية لا تتسامح مع التحرش وتُشعِر مواطنوها بالمسئولية الاجتماعية.