تحدثنا في المقال السابق عن فلسفة العملية التعليمية وقلنا ينبغي لنا أن نحدد المطلوب من نظام التعليم وما الأهداف التي ينبغي تحقيقها عن طريق إعداد وتربية الأجيال وما هي متطلبات المجتمع في المدي القريب، ثم أضفنا أن العملية التعليمية لها حدان - المعلم والتعليم - ومن الطبيعي أن يكون إصلاح المعلم هو إحدي الركائز التي تقوم عليها أي نهضة تعليمية، ونضيف أنه قد جاء وقت كان لا يلتحق بكليات التربية ومعاهد المعلمين إلا ذوو المجموع الضعيف، كما كان يسمح للراسبين في السنوات النهائية بهذه الكليات بالتدريس سداداً للنقص في أعداد المعلمين كما كانت هناك نظرة خاصة لمعلمي المرحلة الابتدائية أدت إلي تدني نوعية المقبلين علي هذا العمل، سواء من الناحية العلمية أو الشخصية، ولكن هناك بادرة أمل في تغير هذه الأوضاع، فقد لوحظ في السنتين أو الثلاث الأخيرة أن كليات التربية أصبحت تحتل القمة في نتائج القبول بالجامعات كما يظهر في التنسيق. كما أن هناك الكثير من الخطط لتحسين أوضاع معلمي المرحلة الابتدائية والارتفاع بمستواهم ولا يفوتني أن أذكر هنا أن بعض مدارس اللغات تعرف قدر وأهمية هذه المرحلة في بناء شخصية الأطفال، فيوكلون مهمة التدريس فيها إلي أساتذة حاصلين علي درجة الماجستير بل الدكتوراه. ومن البديهيات أن ينظر في أمر الأحوال المادية للمعلم حتي نوفر له الراحة الجسدية والنفسية لكي يتمكن من أداء مهمته برضاء وثقة ولا يقع فريسة لضغوط الحياة التي تضطره إلي الانحراف برسالته ليصبح «تاجر شاطر» وليس رسولاً. فإذا انتقلنا إلي «المتعلم» فإن أول ما يقال هو أن نوعية الأطفال تختلف من جيل إلي آخر خاصة في هذه الفترة التي تتطور فيها الأمور وتتغير بصورة مذهلة وتترك آثاراً واضحة علي شخصية الأفراد خاصة الصغار. فما كان يعلم ويدرس للأجيال السابقة قد يبدو غير مناسب للأجيال الحالية والأجيال القادمة، وعلينا أن ندرس التكوين النفسي لهذه البراعم ونرويها بالقدر المناسب من العلم، وفي نفس الوقت يجب أن ندرك أن التغييرات التكنولوجية التي تحيط بنا تجعل عقول الأطفال تتفتح بسرعة وإدراكهم يتطور فلا نستهين بهم ونلقنهم التافه وغير المنطقي من المعلومات. أما العنصر المادي فهو في حاجة شديدة للمراجعة، فالكتب والمناهج والوسائل القديمة أصبحت غير مناسبة وظهرت علي الساحة مستحدثات تجعل من الضروري غربلة كل ما هو موجود الآن. ومن ناحية أخري، فإن الأبنية المستخدمة الآن كدور للتعليم في حاجة هي الأخري إلي ثورة شاملة والكثير جداً منها يفتقد إلي أفنية واسعة ناهيك عن الأثاث المكسر والنوافذ التي بدون زجاج والمعامل الخالية من الأدوات. إننا في حاجة إلي ثورة تغيير شامل وقرارات جريئة ولكن بدون تسرع وبكل تؤدة وروية حتي لا نضطر إلي هدم ما يبني اليوم مع مجيء الغد.