حوار: خيري حسن تصوير: عمرو صلاح عزيزي مصطفي.. تحياتي وأشواقي.. أنت مدعو مني شخصيا، وهذا شرط أساسي، أقطع تذكرة ذهاب وإياب الي الكويت، وستنزل عندي في البيت، وإن كان »فهمي هويدي« ينازعني في هذا.. تحياتي.. الإمضاء »بهاء«.
الراسل هنا هو أحد أعمدة الصحافة المصرية والعربية في القرن العشرين أحمد بهاء الدين والمرسل اليه هو الكاتب الصحفي النبيل علي حد وصف بلال فضل مصطفي نبيل. في ذلك الوقت عندما حل زمن »السداح مداح« علي مصر بعد انفتاح الرئيس السادات وحل علي أحمد بهاء الدين وجع القلب صحيا وسياسيا وصحفيا سافر الي الكويت ليعمل في مجلة العربي ورأس تحريرها مع مجموعة من ألمع الأسماء المصرية في بلاط صاحبة الجلالة. أحمد بهاء الدين كان يعرف من هو مصطفي نبيل، ويدرك موهبته، ونزاهته، وقدرته، وثقافته، وحبه للصحافة التي تعمل علي خدمة الثقافة ومن ثمة خدمة الوطن. في الكويت قضي مصطفي نبيل عدة سنوات مع الراحل أحمد بهاء الدين وعاد للقاهرة ليرأس تحرير مجلة »الهلال« وروايات الهلال ما يقرب من 20 عاما وإن أردت أن تعرف ما الذي قدمه هذا الرجل للصحافة والثقافة في هذه الفترة فعد الي إصدارات تلك المرحلة، وإن كان ذلك شاقا عليك وأظنه كذلك فتابع تلك الإصدارات اليوم وأنت لوحدك كده تعرف الفرق! ذهبت اليه في منزله الذي يحتاج خريطة للوصول اليه وهو بالفعل راسم للمكان خريطة في أول الطريق الصحراوي القاهرة الاسكندرية، بعد ميدان الرماية، المكان دال علي صاحبه، الهدوء سمته، والجمال عنوانه. بعد الاستقبال تركني لدقائق ثم عاد ومعه »صينية« فوقها »كوبتين شاي بالنعناع وعصير« لزميلي المصور وبعض من البسكويت، ثم وضعها علي المكتب ووضع بجوار »الصينية« حالة من الحزن علي حال البلد، لم يفلح »الشاي بالنعناع« ولا »العصير« في إزالتها، أو حتي تخفيفها من بداية الكلام حتي نهايته.. وإلي الحوار: أراك حزينا بعض الشيء.. أليس كذلك؟ بعض الشيء قل كل الشيء عندما تنظر لحال التعليم تحزن ، عندما تنظر في عيون الغلابة تحزن! عندما تتذكر ما حدث للنقابات المهنية تحزن! وعندما تعيد الذاكرة الي انتخابات المحليات.. تحزن! وعندما تتذكر انتخابات مجلس الشعب 2010، وما حخدث لها وبها ماذا تذكر؟ الحزن هنا»مش كفاية« ما حدث في هذه الانتخابات عبث غير مفهوم ولا مبرر.. وساعات أسأل نفسي الناس دول عايزين إيه مننا؟ الناس دول اللي همه مين؟ قيادات الحزب الوطني طبعا. لقد أعادونا بما حدث من تزوير الي سنوات بعيدة كنا اعتقدنا أننا تجاوزناها، وفي رأيي أن التزوير ليس سيئا بل هناك ما هو أسوأ. وهل هناك ما هو أسوأ من التزوير؟ طبعا.. هو أن تزور ثم تحاول وتجاهد وتكتب وتتكلم محاولا اقناعي بأنك لم تزور. رغم أن التزوير حدث وهو شاهد حي بيننا، وشهوده أحياء يرزقون بيننا، ثم تعالي نتكلم عن الانتخابات من فصولها الأولي لأن انتخابات البرلمان هي الفصل الأخير. وما الفصل الأول؟ المحليات.. انظر للانتخابات فيها كيف تمت؟ وكيف نجح فيها كلها الحزب الوطني ولم ينجح أحد من المعارضة، ومن قبل المحليات ارجع للنقابات، وكيف لهذه النقابات من أدوار وطنية أريد لها أي للنقابات، أن تبتعد عنه، ولقد بذل مجهود شديد في أن يكون النقاء موالين للسلطة أو للنظام الحاكم. إذن تم تعطيل النقابات عن دورها السياسي؟ بالضبط كده هل هناك ما هو أهم من دور نقابة المعلمين، أو المهندسين »تلك التي ألغيت بحكم القانون« ولا أحد يتكلم في ذلك وكأننا في وطن بلا ذاكرة. نعود للانتخابات وما حدث لها وما حدث بها؟ الشارع »صدق مين« من يقولون إنها »مزورة«؟ أم من يقولون إنها نزيهة؟ هو انت عندك شك في تزويها؟ أنا معنديش أنا بس أسأل. الصحافة لعبت دورا مميزا في كشف ماحدث وأنت اليوم اذا ما سألت أي مواطن عادي عن هذه الانتخابات سيقول لك »مزورة« أنت الأول عليك أن تسأل يعني إيه انتخابات؟ يعني إيه؟ انتخابات تعني بشرد وأماكن في المدن والقري وناس تذهب الي اللجان لتدلي بصوتها، ومن السهل جدا بالصحافة أو دونها أن تعرف الناس، مدي صحة هذه الانتخابات، وأنا مش فاهم الناس ازاي بتنسي أوعايزنا ننسي، يعني النهاردة المهندس أحمد عز بيكتب مقالات ثلاثة يريد أن يقول لنا فيها في المقالات طبعا: إنه رجل عبقري وأنه قدم وانتصر غفي معركة حقيقية. وهل لم تكن كذلك؟ لا.. دي ناس عايزة تضحك علينا بقي .. بس أنت هتضحك علي مين. يعني الشعب فاهم؟ طول عمر الشعب ده فاهم وإن أردت الضحك عليه، تبقي أنت بتضحك علي نفسك، الناس التي كتبت لها المقالات تلك هي التي ذهبت الي اللجان وجلست علي المقاهي أمامها، وعرفت ما الذي جري فيها وهي التي رأت التزوير ورأت تقفيل اللجان وهي التي طردت وأغلقت في وجهها الشوارع المؤدية للجان. إذن كل شيء معروف وواضح بالنسبة للانتخابات؟ بلا شك ولو عدت للتاريخ ستجد فيه أن عام كذا زورت الانتخابات فيه، وهذا أمر لا يمكن اخفاؤه لأنه علي مشهد من جموع الشعب، ازاي بقي تريد أن تضحك عليه، بأن تكون الانتخابات »مزورة« وأنت عايز تقوله: انها »نزيهة« وأن الذي لا يظهر اليوم بتفاصيله، فالمؤكد ظهوره غدا بكل تفاصيله. معني هذا أن ما حدث في انتخابات برلمان 2010 سيظهر في يوم ما؟ بالطبع لأن التاريخ يؤكد لنا ذلك، وما يهمني هنا هو أن هذا الفصل من حياة مصر السياسية يؤكد علي أن الذين قادوا العملية الانتخابية، ما هم إلا »هواة« لا يعرفون حاضر هذا البلد ولا تاريخه. وهل في التاريخ وقائع مماثلة؟ نعم.. في مرحلة ما أيام حكم حزب الوفد، عندما جاء »صدقي« بحزب الشعب وكذلك حزب الأمة ونجح هذا الحزب باكتساح، الناس يومها كانت تعلم أنها انتخابات »مزورة« والتاريخ يقول لنا إنها »زورت«. إذن التاريخ سيقول في يوم ما أن انتخابات 2010 زورت؟ بدون شك غير أن الكلام عن »تزويرها« من عدمه ليس هو الموضوع إنما الأخطر من تزوير الانتخابات هو إنك تزور علي الناس المعايشين والمعاصرين للحدث. هذه هي القضية؟ طبعا القضية التي قد لا يلتفت اليها أحد هو إنك تريد أن »تزور« علي الناس ما هو »مزور« أصلا. وما دلالة هذا؟ الدلالة واضحة.. وهو الاستخفاف الشديد بالشعب. هل هذا معناه أن الحزب الوطني غير مهتم بوعي الناس؟ هو كان اهتم بماذا حتي يهتم بوعي الناس.. طبعا غير مهتم لو كان مهتما بالناس وما كانت سارت الأمور الي ما صارت اليه. لكن البعض يقول إن العملية الانتخابية برمتها لم تزور، وإن كانت شابتها بعض التجاوزات؟ بعض التجاوزات يا راجل.. طيب يقولوا كلام غير كده. أبلغ ما يدل علي تزويرها، هوسقوط كل الأصوات المعارضة وأقصد هنا بالمعارضة الحقيقية. نترك البرلمان ونذهب الي الصحافة لنقرأ معك مشاهد حضورها اليوم، بعدما فرشت الصحف المستقلة سماء الوطن كيف تراها؟ الصحافة زمان كانت كلها قطاع خاص وقتها »جورج زيدان وتقلا مصطفي وعلي أمين وفاطمة اليوسف وهكذا« ما الذي تجده وأنت تعيد قراءة هذه الصحف الخاصة وقتها ستجد أنها تعطي مساحة كبيرة جدا للسلطة. ألم تكن مستقلة؟ كانت خاصة وكلمة »مستقلة« الاسم أبعد من الواقع، كانت هذه الصحف تعطي مساحة كبيرة للسلطة والسلطة هنا هي الملك والحاشية والأمراء والأميرات وكانت احتفالات جلوس الملك علي العرش تأخذ مساحات كبيرة وكنت تجد أعدادا خاصة من المصور عن الأسرة المالكة.. وهذا كاشف للنفوذ القوي علي الصحف. حتي ولو كانت خاصة؟ طبعا.. وهذا النفوذ يتفاوت من صحيفة الي أخري وأنا رأيي اللي مش هتقدر تكتبه أن الصحافة المستقلة ليست مستقلة. ولماذا هي ليست كذلك؟ لأن السلطة دائما ما تنجح في أن تنشئ الصحافة الخاصة بمعرفتنا طالما أنها ستنشئ وإذا كان هناك ناس مسئولون عن هذه الصحافة فليكونوا رجالنا، وأن يلعبوا دور المعارضة. دي مسرحية بقي؟ أُمّال انت فاكر إيه هذه الصحافة تمثل انها مستقلة، ومن فيه يمثلون أنهم معارضين والسلطة تمثل انها ليست لها سلطان عليها. إذن الموضوع تمثيل في تمثيل؟ طبعا والدلائل علي ذلك كثيرة ويصعب المجال لحصرها. وهل السلطة تحتاج لهذا المسرح ولهؤلاء الممثلين؟ السلطة في أي زمان أو في أي مكان دائما ما تحتاج لكل ذلك؟ طيب واحنا.. الناس.. القارئ.. الشارع؟ يا راجل ياطيب.. الشارع طول عمره بيتمثل عليه.. جات علي الصحافة يعني!