مسنة ل محافظ قنا من أمام إحدى لجان الإعادة: "أنا جاية أنتخبك يا باشا"    سعر الدينار الكويتي اليوم الأربعاء 3 ديسمبر 2025 بمنتصف التعاملات    مصر واليونان تتفقان على تعزيز الاستثمارات المشتركة في الطاقة والزراعة والنقل    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    وزير قطاع الأعمال: الروابط الراسخة بين مصر والإمارات ركيزة أساسية للتنمية والاستثمار    وزير الدفاع ورئيس الأركان يعقدان عدد من اللقاءات الثنائية مع قادة الوفود العسكرية    مصادر: الأمم المتحدة توسع مسار دورياتها في جنوبي سوريا    زيارة دبلوماسية يابانية إلى فلسطين لتعزيز جهود الإعمار وتحقيق حل الدولتين    إسرائيل تعلن مشاركتها باجتماع مع جهات حكومية بلبنان    الصافي تتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع لتسويق وتصدير الحلول التكنولوجية    وسط أفراح صدارة الليجا.. صدمة في برشلونة بسبب نجم الفريق    تعرف على التشكيل المتوقع لريال مدريد أمام أتلتيك بلباو    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    التعليم تعلن وضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت الإشراف المالي والإداري    تحرير857 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار المرتقبة على محافظات الجمهورية    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    القومي للسينما يقدم عروض نادي سينما الإسماعيلية    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    «مشوفتش رجالة في حياتي».. أبرز تصريحات زينة    زينة تثير الجدل بتصريح غريب عن الرجال.. اعرف التفاصيل    وزير الصحة خلال لقائه وفد جمجوم فارما: نعمل على تعزيز التصنيع المحلي ودعم برامج الكشف المبكر للأمراض    تحذير هام من وزارة الصحة.. أدوية ممنوع السفر بها لتجنب المشكلات القانونية    حزمة إجراءات لرفع كفاءة الخدمات بوحدات الرعاية الأولية بالجيزة    إنقاذ مريضة في السبعينات بعد بلعها ملعقة صغيرة في المنوفية    محافظ قنا يتفقد عدداً من مقار اللجان في جولة إعادة انتخابات النواب    الإدارية العليا تواصل تلقى طعون نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    «التعليم» تعلن وضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت الإشراف المالي والإداري للوزارة    انقلاب ميكروباص بطريق أسيوط الغربي بعد الفيوم الجديدة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    انقلاب ميكروباص وإصابة 7 أشخاص في مدينة 6 أكتوبر    وضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت إشراف مالى وإدارى بعد تعدى عامل على التلاميذ    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    وزير الخارجية يلتقي مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الألماني    العربية للتصنيع توقع مذكرة تفاهم واتفاقية تعاون مع شركة "Sofema" الفرنسية في صيانة وعمرة محركات الطائرات    مذكرة تفاهم بين غرفة صناعة الملابس الجاهزة والوكالة الألمانية لدعم تطوير القطاع الصناعي    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    موعد صلاة الظهر.... مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    3 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    دخل تاريخ الدوري الإنجليزي.. هالاند أسرع لاعب يصل ل100 هدف    سليمان: فيريرا رجل سيء.. وما قاله ليس صحيحا    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    «غني بالمعادن ومضادات الأكسدة».. الفوائد الصحية للعنب    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    تشكيل آرسنال المتوقع أمام برينتفورد في البريميرليج    «الشؤون النيابية» تحيي اليوم العالمي لذوي الإعاقة: قيمة مضافة للعمل الوطني    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    بعد لقائهما المسلماني.. نقيبا السينمائيين والممثلين يؤكدان تعزيز التعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام    توجيه تهم القتل والاعتداء للمشتبه به في حادث إطلاق النار بواشنطن    الرئيس الكولومبي يحذر ترامب: مهاجمتنا تعني إعلان الحرب    فيدرا تعيش وسط 40 قطة و6 كلاب.. ما القصة ؟    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البابا كيرلس الرابع.. «أبوالإصلاح الوطنى»
نشر في الوفد يوم 31 - 10 - 2018


أخمد فتنة الإنجليز للوقيعة بين مصر وإثيوبيا
عندما أشاعوا عنه رفضه تجنيد الأقباط قال: «لا أجرد أبنائى من محبة وطنهم»
منع الرهبان من مغادرة الأديرة إلا للضرورة.. وحذر من زواج القاصرات
شجع التعليم بالمجان لجميع أبناء مصر.. وأنشأ أول مدرسة لتعليم البنات
عرف قدر العلم والتعليم منذ أن كان راهباً بسيطا فى ديره، وعندما جلس على الكرسى المرقسى رفع شعاره الشهير: «بناء المدرسة قبل الكنيسة»، اشترى مطبعة من إيطاليا، وعندما وصلت ميناء بولاق، كان يومها فى دير الأنبا أنطونيوس، فكتب إلى وكيل البطريركية بالقاهرة بأن يستقبلها فى زيه الكهنوتى ويكون الشمامسة بملابسهم الكهنوتية، ويسيرون أمام المطبعة مرددين ألحان الفرح، فانتقده البعض على ذلك، فأجابهم بثقة «لو كنت حاضراً فور وصولها لرقصت أمامها كما رقص داود النبى أمام تابوت العهد»، لتصبح المطبعة الثانية التى تشهدها مصر بعد مطبعة بولاق الأميرية.
وكان وطنيًا غيورًا جدًا وقد دافع عن وطنيته هو والأقباط عندما أشاعوا أنه طلب من الخديو إعفاء الأقباط من الخدمة العسكرية، وقال «حاشا أن أكون جبانًا بهذا المقدار حتى لا أعرف الوطنية أو أفترى على أبنائى الأقباط بتجردهم من محبة وطنهم وعدم الميل لخدمته والدفاع عنه وحماية حدوده وأرضه فليس هذا ما طلبته ولا ما أطلبه».. إنه أبوالإصلاح البابا كيرلس الرابع الوطنى الغيور على مصر.
داود بن توماس
البابا كيرلس الرابع كان اسمه بالميلاد قبل رهبنته داود بن توماس بن بشوت بن داود، ولد فى عام 1816 م، بقرية نجح أبو رزقالى - أخميم، سوهاج، كان أبوه أمياً، إلا أنه اعتنى كثيرًا بتعليم ابنه، ولما كبر داود اشتغل مع أبيه بالزراعة، وفى هذه الأثناء اختلط بالعربان المجاورين لقريته، فتعلم منهم الفروسية وركوب الخيل والجمال، كان تقيًا وَرِعًا محبًا للفقراء.
حبه للرهبنة
وفى الثانية والعشرين من عمره أحب الرهبنة وذهب إلى دير القديس أنطونيوس حيث توجه إلى عزبة الدير، وقابل القمص أثناسيوس القوضى رئيس الدير وطلب منه الرهبنة، ظل فترة تحت الاختبار، ولما نجح فى هذا الاختبار انضم إلى رهبان دير الأنبا أنطونيوس بجبل العربة بالصحراء الشرقية، اشتهر بالذكاء والورع والميل لدراسة الكتاب المقدس، ولما ذاع صيته بين الرهبان ووصل إلى آذان البطريرك البابا بطرس السابع «بطرس الجاولي»، استدعاه إليه ورسمه قسًا.
وبعد أن تنيَّح القمص أثناسيوس القوضى رئيس الدير، ورغم حداثة عهد داود بالرهبنة، إلا أن الرهبان اجمعوا على تزكية رئيسًا للدير، ورفعوا الأمر إلى البابا بطرس فوافق على ذلك، وفور توليه رئاسة الدير وضع نظامًا منع الرهبان مغادرة الدير إلا لضرورة قاطعة.
ترشيح القس داود للبطريركية
عاد القس داود «البابا كيرلس الرابع» إلى القاهرة من رحلته الأولى للحبشة بعد نياحة البابا بطرس الجاولى باثنين وسبعين يومًا، ووجد الشعب انقسم حول اختيار بطريرك جديد، وعندما اشتد الخلاف بين أنصار كل مرشح تم الاتفاق برسامة القس داود مطراناً عاماً باسم الأنبا كيرلس، فإن ثبتت كفاءته قلدوه البطريركية.
بعد أن استقر الأنبا كيرلس فى منصبه كمطران عام بدأ فى تنفيذ مخططه الإصلاحى، فأصدر منشورا فى 23 أغسطس 1853 يوصى فيه بمنع الكهنة من عمل عقد أملاك عند إجراء الخطوبة حتى تترك فترة للتعارف، وحذر الكهنة من تزويج البنات القاصرات وأيضاً منع تزويج النساء المترملات المتقدمات فى السن من الشباب، كما اشترط أخذ رضاء وموافقة الزوجين قبل الإكليل المقدس.
ووجه اهتماما كبيراً إلى نشر التعليم بين أبناء شعبه، وكان أول عمل باشره هو بناء المدرسة الكبرى للأقباط، وهى أول مدرسة أهلية للأقباط فى القطر المصرى، ضمّت تلاميذ من كل المذاهب والأديان بلا تميّز، الأمر الذى خلق ارتياحًا عامًا وسط الشعب، بل فى الجو الحكومى وشعر الكل بصلاحيته لمركز البطريركية.، ورسم بطريركاً ولقب بكيرلس الرابع فى 1854 م.
وبدأ فى تنظيم إدارة البطريركية والأوقاف، وأتم بناء المدرسة ليجعل التعليم فى متناول الجميع بعد أن كان قاصرًا على مدارس الدولة التى كان قد أنشأها محمد على واقتصرت على أبناء الوجهاء، وكان يقوم بكل مطالب التلاميذ من دفع مرتبات المدرسين، وجعل فيها التعليم والكتب والأدوات بالمجان، وكان يقوم هو نفسه بإلقاء بعض الدروس، ثم أنشأ مدرسة بحارة السقايين، وتخرج من هذه المدارس عدد كبير، وتم توظيف الكثير منهم مصلحة السكك الحديدية بمصر والتى تم أنشاؤها مع افتتاح تلك المدارس، وعملوا فى البنوك لمعرفتهم باللغات الأجنبية.
جاء فى كتاب مصباح السارى ونزهة القارى لإبراهيم الطبيب ببيروت عام 1282ه، فى حديثه عن مصر ومدارسها: وفى حارة الأقباط مدرسة عظيمة يعلمون فيها اللسان القبطى القديم والتركى والإيطالى والفرنساوى والإنجليزى والعربى، وهم يقبلون فيها من جميع الطوائف وينفقون على التلاميذ من مال المدرسة، وهذه بناها البطرك كيرلس القبطى، وأنفق عليها نحو ستمائة ألف قرش، وكل هذا بخلاف ما تعهده فى بلادنا من الإكليروس وأوجه الشعب.
دور المرأة
أدرك البابا أهمية دور المرأة خاصة
فى تربية الجيل الجديد، اهتم بتعليم البنت كأُم للمستقبل، فأنشأ أول مدرسة للبنات فى حارة السقّايين، وذلك قبل أن يدعو قاسم أمين إلى تعليم المرأة بنصف قرن، وانضمّت إلى المدرسة بنات من الأقباط والمسلمين واليهود فهو أب للجميع.
كان البابا كيرلس الرابع هو أول من سنَّ قانونًا يحدد سن زواج البنت، إذ قرر عدم تزويجها أقل من 14 سنة، فى ذاك العصر الذى كانت فيه الفتاة تتزوج فى الحادية عشر من عمرها، وكان بذلك أيضاً سابقاً فى مجال القوانين المدنية والتشريع المدنى، وأنشأ مجلسًا لحل المشكلات الأسرية.
كما أنه كنسيًا اشترط اعتراف العروسان اعترافًا صريحًا وشخصيًا أمام الكاهن بالرضا والموافقة على الزواج قبل إتمامه، كما أنه اشترط أن تكون هناك فرصة قبل الزواج يدرس فيها الطرفان بعضهما البعض، فإن اتفقا يُعقَد الزواج وعقد الأملاك.
إنشاؤه المطبعة
عندما انتظمت مدارس البنين والبنات التى أنشأها، رأى أن رسالتها لا تكتمل إلا بوجود مطبعة تتولى طبع الكتب المدرسية، فكلف صديقًا له يدعى رفلة عبيد الرومى بشراء مطبعة من أوروبا، وقد علّق البابا على هذه المطبعة وعلى استقبالها بقوله: «لست أُكرِّم آلة من الحديد ولكنى أُكرِّم المعرفة التى ستنتشر بواسطتها».
التجنيد الإجبارى
ولما صدر الفرمان السلطانى فى 18 فبراير سنة 1856 بمساواة كل المواطنين والتمتع بكافة الحقوق، قام البابا كيرلس الرابع وتقدم إلى الوالى يطلب منه تطبيق نصوص الفرمان على جميع المصريين فوعده الباشا بذلك، ولكن عندما رآه يماطل فى تنفيذه استاء وَتَوَجَّه إلى دير الأنبا انطونيوس، ومكث هناك قرابة ستة أشهر، فانتهز قنصل فرنسا هذا الخلاف وعرض على البطريرك تسوية الأمر بينه وبين أمير البلاد شريطة أن يسمح للرهبان اليسوعيين بتأسيس مراكز تبشيرية فى الحبشة إلا أن البابا رفض هذه الوساطة.
عندما تولى سعيد باشا الحكم جعل التجنيد إجبارياً على كل المصريين، وَشَنَّ نظامًا للاقتراع يدعى بموجبه كل المصريين بلا فارق بينهم لحمل السلاح حتى الأقباط، وقد رحب البابا كيرلس بهذا ليكون القبطى مواطنا لأخيه المسلم، وان كان الأقباط قد خافوا ووقعوا ضده فى هذا، إلا أنه استمر فى موقفة وشجع سعيد باشا على هذا، ليكون للمسيحى شرف الجندية وشرف المواطنة كمصرى.
سفره الأول إلى الحبشة
سافر إلى الحبشة «إثيوبيا» مرتين، فى المرة الأولى عندما اختلف الأحباش فى بعض القضايا الدينية مع مطرانهم الأنبا كيرلس، حتى اغتاله رجل اسمه سبغيدس فى مدينة عدوة بالحبشة، فأرسل البابا بطرس السابع إليهم مطرانا آخر هو الأنبا أندراوس الذى وجد المشكلات التى تركها الأنبا كيرلس متفاقمة، فكتب للبطريرك بطرس السابع يسأله المعونة، فأرسل إليه القس داود «البابا كيرلس الرابع» رئيس دير الأنبا انطونيوس وقتئذ وحمله رسالتين واحدة للمطران والأخرى للشعب الإثيوبى «الحبشى» فسافر القس داود الصوامعى سنه 1851، الذى حاول أن يحل المشكلات العقائدية القائمة، وأن يضع حدًا حاسمًا لمشكلة دير السلطان الذى تتنازعه الكنيستان، إلا أنه لم يتوصل إلى تسوية قاطعة فى كلا الأمرين، وكان للقنصل الإنجليزى يدًا فى هذا النزاع، لدرجة أنه أثار النجاش عليه فأخر موعد عودته إلى مصر وضايقه إلى حد ما، ثم سمح بعد ذلك بالسفر، فعاد إلى القاهرة فى 17 يوليو 1852 بعد أن قضى هناك سنة وبضعة أشهر، وفيما بعد نقم الأحباش على الأنبا أندراوس فأودعوه السجن حيث ظل فيه إلى أن تنيَّح 1867.
سفره الثانى إلى الحبشة
وبعد تولى البابا كيرلس الرابع كرسى البطريركية حدث خلاف بين مصر والحبشة بسبب تعيين الحدود بينها، وقيل أن السلطان عبدالمجيد العثمانى هو الذى أوعز إلى سعيد باشا خديوى مصر بأن يرسل بطريرك الأقباط إلى البلاد الحبشة لعقد اتفاق بينه وبين ثيودور ملك الحبشة الذى كان قد تعدى على بعض نقاط الحدود، فجهزت له باخرة، وقام البطريرك بهذه المهمة، وسافر البابا كيرلس الرابع، وكان يرافقه اثنان من أغوات المنزل «جمع أغا»، فانتهز فرصة طول السفر وتعلم منهم التركية.
ولما علم النجاش بقدوم البابا خرج لملاقاته بموكب حافل على مسيرة ثلاثة أيام من عاصمة مملكته، وطلب منه أن يمسحه ملكا بحضور جميع ملوك الحبشة، وكان فى الحبشة بعض من المرسلين الإنجليز من «جمعية التبشير بالإنجيل» لبث التعاليم البروتستانتية بين الأحباش، وقد
تقربوا من النجاش بعمل المدافع وصنع الأسلحة لجيشه، وتعليمهم فنون الحرب والقتال، حتى سأل إليهم وأعطاهم الحرية ليجولوا فى كل مكان، فكانوا ينتقدون فى وعظاتهم الكنيسة القبطية، وفشل مطران الحبشة فى مقاومتهم، فانتهز فرصة وجود البطريرك ورفع أمرهم إليه، فبعد انقضاء الأفراح طلب البطريرك من النجاش أن يرد لبلاد مصر ما أخذه منها، فأجابه إلى طلبه بسرور زائد، ثم كلمه بشأن المرسلين الإنجليز وطلب منه ترحيلهم، فاعتذر بكونهم يعلمون جنوده فنون الحرب، فأفهمه أن الحال غير داعية للحرب، فأمر النجاش بإخراج المرسلين من بلاده، فحقدوا على البطريرك وعملوا على الانتقام منه ودبروا له مكيدة، كان البطريرك قد بعث يطلب من سعيد باشا أن يسير إليه بعض الصناع والمعلمين، فأشاع قنصل الإنجليز إلى سعيد باشا بأن كيرلس يريد أن يسلم مصر إلى النجاش، فقام سعيد باشا إلى الخرطوم بجيش عظيم، وفى نفس الوقت كان الإنجليز يشيعون لدى النجاش بقية مؤامرتهم ضد كيرلس، فقالوا له أنه قدم لطرد الإنجليز الذين كانوا يعدون الآلات الحربية لتصبح الحبشة ضعيفة أما جيش سعيد باشا ويقوم البابا بتسليمها لوالى مصر منه، وأضافوا بأن البابا كيرلس حمل للنجاش من قبل سعيد باشا زياً مسموما إذا ما لبسته مات، وكان فعلا من بين الهدايا التى قدمها البابا كيرلس للنجاش برنسا مزركشا بالجواهر الكريمة، فهاب النجاش الأمر، خاصة لما علم بقدوم سعيد باشا بجيشه إلى الخرطوم، فأمر بسجن البابا كيرلس وضيق عليه الخناق، وخشية من أن يفلت البطريرك، ويمسح ملكا آخر للحبشة سواه، اصطحبه معه، فكان يسوقه أمامه فى كل مكان يحل به محاطا بالحراس وكان إذا جلس يقف أمامه، ويبكته بأغلظ الألفاظ.
تمكن البابا من أن يصل إلى والدة النجاش، وكانت تقية ورعة، وأفهمها بحقيقة الأمر، فتوسلت إلى ولدها من جهته، فسمح له أن يدافع البابا عن نفسه، فتمكن من إقناعه بجليل مقاصده، ومن ثم طلب أن يلبس الثوب الذى أشاعوا عنه أنه مسموماً، فلبس البابا كيرلس الثوب مدة يومين دون أن يصاب بأذى، ولبسه رجل محكوم عليه بالإعدام مدة ثلاثة أيام فلم يصبه سوء، فعفى النجاش عن البابا، وأرسل البطريرك إلى سعيد باشا أن نجاحه متوقف على رجوعه من حيث أتى، فرجع سعيد باشا إلى مصر بجيشه من الخرطوم، وهنا عرف النجاش حقيقة الموقف، واعتذر للبابا برفع حجر على رأسه كعادة الأحباش وكان قد مر أكثر من سنه منذ خرج الأنبا كيرلس من مصر ولم يرد عنه خبر، وكان الناس قد قلقوا عليه، وبعد سنة وأربعة أشهر جاءت رسالة بأن البابا كيرلس وصل إلى الخرطوم ومعه اثنان من رجال حكومة الحبشة، أحدهما قسيس الملك والثانى وزيره، فسر الشعب، وقد استقبل استقبالا عظيماً لدى عودته إلى القاهرة.
الزى البدوى
ارتدى البابا كيرلس الرابع زياً بدوياً فى عدة مناسبات وقد حاول البعض مهاجمته قبل تنصيبه بطريكا بالقول بأنه بدوى الأصل، وقد اعتمدوا على صورته المشهورة وهو راكب الجمل بزى بدوى، ويروى توفيق إسكندر فى كتابه «نوابغ الأقباط ومشاهيرهم فى القرن التاسع عشر.. الجزء الثانى» ثلاث حوادث تقترن بهذا الزى البدوى، نذكر منها أنه لما احتاج وهو رئيس لدير الأنبا أنطونيوس لشراء مواشى من جهة المنيا، فاصطحب بعض الأعراب وارتدى زيّهم وقصد تلك الجهة وبعد شراء المواشى عرج على ياكوبوس أسقف المنيا ليؤوى عنده الأعراب، وقيل إن هذا الأسقف كان جباراً شديداً لكن جاءه الأعراب فقابلهم بالترحاب ظنًا أنهم جميعًا أعراب وذبح لهم وأكرمهم، وبعد انصرافهم قال القس داود إلى الأسقف «أنا داود بقيت لأشكرك». فهاج الأسقف جدًا واستنجد بخدمه لكن القس داود لحق بأصحابه وسار جمعيهم معًا، حدث آخر فبعد إقامته بطريركًا نزل فى دار ابن عمه ببلده بوش ويدعى المعلم أنطونيوس عبدالملك، فجلس يوما بفناء الدار وكان يرتدى ملابس الأعراب وإذا بجماعة جاءوا إلى المعلم أنطونيوس وادعوا أنهم قسوس كنائس معينة وإذا رأوا الجالس ضيفا إعرابيًا صاروا يتحدثون معه وادعوا أنهم أصدقاء البابا البطريرك وأنه يجلهم ويحترمهم فسألهم أن ينتظروا قليلًا وظنوا أنه قام ليحضر لهم ما تجود به نفسه لخيرهم، ثم عاد إليهم بملابسه البطريركية وهو يقول لهم: «هأنذا صديقكم البطريرك».
سبب كراهية الإنجليز له
اتفق أن خرج البابا كيرلس مع بطريرك الروم والأرمن الأرثوذكس إلى دير أنبا أنطونيوس، فوصلوا إلى بوش بالقرب من بنى سويف، ليقضوا أياما حتى تأتى القافلة فينطلقوا إلى الدير، وعقد أول اجتماع مع بطريرك الروم وبطريرك الأرمن الأرثوذكس فى دير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس، وكان بمثابة الخطوة الأولى فى طريق وحدة الكنائس العالمى والتى سعى إليها جاهدا البابا كيرلس لإيجاد سبيل إلى تحقيقها وهو الأمر نفسه الذى أدى إلى خوف الإنجليز منه ومن إصلاحاته التى يقوم بها سواء وحدة الكنائس الأرثوذكسية أو وحدة الكنائس العالمى، لذلك بعد اجتماعه الأخير فى بنى سويف استغل جنرال مرى قنصل إنجلترا الفرصة وسار إلى مقر سعيد باشا ليبث فتنة جديدة ضده بأنه يجتمع مع هؤلاء طمعاً فى حماية روسيا.
لم ينسَ الإنجليز له مواقفه ضد خططهم الاستعمارية سواء ببث الفتن بين الدول أو باختراق الشعب المصرى خلف ستار الإرساليات التابعة لهم، كما اشتد غيظ الإنجليز عندما علموا أنه ينوى توحيد الكنائس الأرثوذكسية، ويقال إن وفاته كانت عبارة عن مكيدة بأن تم دس السم له فى دواء أثناء مروره بأزمة صحية، وكثرت الأقاويل عن من دبرها ولكن يظل سؤال «لماذا» ليضع أكثر من جهة وراء تلك المكيدة.
تنيج عام 1861 م، ودفن بقبره الذى كان قد بناه لنفسه بالكنيسة الكبرى، كانت سنوات جلوسه على الكرسى المرقسى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لا تتعدى سبع سنوات منها سنتان بالحبشة بعيداً عن كرسيه، ورغم قصر فترته ولكنها كانت البذرة الأولى للإصلاح، قدم للكنيسة ولمصر كل هذه الأعمال الجليلة والإصلاحات الكبيرة ومن ثم دعى (أبو الإصلاح)، البابا كيرلس الرابع هو نموذج حى من التاريخ لما يحدث الآن من محاولات إصلاحية يقوم بها قداسة البابا تواضروس الثانى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.