لأول مرة تتوقف مصر عن استيراد الغاز بعد أن تحقق المستحيل وارتفع انتاج حقل «ظُهر» إلى أكثر من مليارى قدم مكعبة. «الوفد» وقفت على هذا المشروع الحلم فى منطقة شاطئ الجميل غرب بورسعيد، وتفقدت المحطة الأرضية للمشروع العملاق التى تمتد لنحو 2٫4 مليون متر مربع وبطول يتجاوز ثلاثة كيلومترات من المساحة الكلية للمشروع وتمتد إلى (190 كيلومترًا) من سواحل المدينة، وفى أعماق تصل إلى 4100 متر تحت سطح البحر. وهناك أدركنا كيف تحول المشروع إلى ملحمة وطنية قدمها قطاع البترول ليتحول حقل «ظُهر» إلى فتح جديد فى الصناعة البترولية، ومن المنتظر أن يقدم لمصر 2٫7 مليار قدم غاز مكعبة يوميًا العام المقبل. كان التحدى الأول أو المستحيل الأول كيفية إنشاء محطة أرضية لاستقبال الغاز الآتى من الآبار البحرية. فمنطقة غرب بورسعيد معروف أن أرضيتها رخوة وناعمة، خصوصًا منطقة التينة التى تقع قبالة الآبار البحرية مباشرة على مسافة 19 كيلومترًا عموديًا، ولا تتحمل وجود معدات ضخمة عليها. وبالفعل قهرت مصر المستحيل الأول وتم رفع أتربة وطمى من منطقة «التينة» بإجمالى 3 ملايين متر مكعب. وجرى دق 14 ألف خازوق أو ما يطلق عليه الأساسات العميقة بارتفاع 60 مترًا للخازوق الواحد وعرض 80 سم، وهكذا تم تغيير طبيعة التربة لتكون قادرة على حمل أضخم المعدات. الرقم القياسى الثانى يتمثل فى حجم الخرسانة التى تم وضعها فى أساسات المشروع إذ جرى صب 850 ألف متر مكعب ما يعنى أن 85 ألف سيارة خرسانة استخدمت فى المشروع، أما حامل المواسير فى المحطة الأرضية العملاقة فيزن 34 ألف طن فى حين يصل وزن المواسير إلى 24 ألف طن. أحد المستحيلات هو المنصة البحرية التى تزن 5 آلاف طن إذ تم تصنيعها فى 11 شهرًا بورش بتروجت فى المعدية، ويمثل عنصر الوقت التحدى الحقيقى الذى تم التغلب عليه. الرقم القياسى الآخر هو عدد شحنات المعدات التى تم جلبها من مختلف أنحاء العالم إذ تم جلب أكثر من 4 آلاف شحنة معدات من 100 مطار بإجمالى 1500 عقد استيراد. أما خطوط الغاز فقد خضع خطان إلى 52 ألف عملية اختبار جودة لجميع أجزائهما فى حين تصل أطوال خطوط العمق إلى 1000 كيلو متر. ويعمل فى هذه المنظومة الجبارة 15 ألف عامل يستخدمون 170 ونشًا ومعدات كثيرة بينها 100 معدة تصنف بأنها «كود» أى شاذة فى إمكانياتها لضخامتها، ومن بين الأرقام القياسية عدد ساعات العمل فى إنجاز المشروع حيث بلغ 65 مليون ساعة عمل. ولا شك فى أن ظهر عامل جذب استثمارى كبير فتلك حقيقة تعكسها مشاركة شركات «بى بى» البريطانية و«روزنفت» الروسية و«مبادلة» الإماراتية مع شركة «إينى» الايطالية فى المشروع. مراحل تطور الإنتاج من حقل «ُظهر» يقول مصطفى عرافية، مدير مشروع حقل «ظُهر» إنه من المعروف عالميًا أن أى مشروع بترولى تصل تكلفته إلى 300 مليون دولار يصبح مشروعًا استراتيجياً.. فما بالنا بمشروع «ظُهر» العملاق الذى تصل تكلفته إلى 12 مليار دولار. وأضاف أن المشروع متنوع ومتخصص وفريد من نوعه وستترك طريقة تنفيذه أثرًا فى علم تنفيذ المشروعات عالمياً. وأوضح «عرافية» أن المشروع الضخم عبارة عن آبار ومعدات بحرية تلتقى عند مجمعات آبار ثم ينتقل الغاز عبر خطوط تمتد مسافة 220 كيلومترًا تصل من الآبار حتى المحطة البرية. وفى المحطة توجد منطقة استقبال تضم 8 خطوط معالجة تم تركيب 5 خطوط ولا يزال العمل جاريًا فى الخطوط الثلاثة المتبقية. وأشار إلى أنه توجد فى المحطة البرية منطقة استقبال ومنطقة خدمات ومنطقة معالجة، ويتم الضخ من الآبار إلى المحطة فى أنابيب طولها 220 كيلومترًا، فى حين ان المسافة المباشرة 190 كيلومترًا مفسرًا بأن حقل «ظُهر» يقع بين جبلين وتوجد مناطق مرتفعة ومنخفضة ولذلك تمتد المسافة حتى الشاطئ إلى 220 كيلومتراً. وحتى يتم إرسال البيانات والكيماويات الخاصة للفحص تم إنشاء منصة على بعد 60 كيلومترًا وعمق مياه 85 مترًا تحمل كل المعدات لمراقبة والتحكم وحماية الآبار. فى المحطة البرية ويوجد كابل كهروهيدروليكى بمثابة الحبل السرى للتواصل بين المحطة والآبار، وحول استراتيجية تنمية حقل «ظُهر» قال «عرافية» إن أهم عنصر هو رفع نسبة المكون المحلى ومساهمته فى المشروع لأقصى درجة. وأضاف أن التحدى الذى واجههم هو عنصر الوقت، فالاتفاقية اعتمدت فى فبراير 2016، وقال المتخصصون حينها إن المشروع لن يتم إنجازه قبل 2023، فى حين قال أكثر المراقبين تفاؤلًا انه لن يكون جاهزًا قبل 2021 فى حين نجحت مصر فى إتمامه 2017 ما يعنى أن «ظُهر» هو مشروع اللامعقول. فبجانب تحدى الزمن كان هناك تحدٍ ثانٍ وهو التكنولوجيا إذ يجرى العمل على عمق 1500 متر وتم تدشين جميع المراحل فى وقت واحد ولا توجد خامة للمواسير على مستوى العالم كانت تناسب ظروف المشروع، ولذلك وللمرة الأولى يتم تصنيع لنقل الغاز من مجمعات الآبار إلى محطة المعالجة فى هذه الظروف. وقال حمدى عبدالعزيز، المتحدث باسم وزارة البترول، إن إدارة مشروع «ظُهر» كانت من أهم عوامل نجاحه، مشيرًا إلى تشكيل لجنة عليا برئاسة المهندس طارق المُلا، وزير البترول، تضم جميع الشركات المعنية وكانت تجتمع دوريًا لإزالة أى عراقيل وتقديم أى مساعدة ممكنة ومتابعة برنامج العمل تنفيذًا لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية. أضاف «عبدالعزيز» أن دعم الرئيس عبدالفتاح السيسى ومتابعته المستمرة للجنة والزيارات الميدانية المتكررة للمهندس طارق المُلا، وزير البترول، إلى موقع العمل وتجاوز عددها 10 زيارات كانت السر فى إنجاز المشروع فى زمن قياسى. وقال المهندس محمد هشام، مدير عام حقل «ظهر»، من داخل غرفة عمليات الحقل انه تم التعجيل ببدء الإنتاج لتبدأ باكورة انتاح الحقل والتشغيل التجريبى فى منتصف ديسمبر 2017 وقبل نهاية عام 2017 بمعدل انتاج مبدئى بلغ 350 مليون قدم مكعبة غاز يومياً، حيث بدأ الضخ الفعلى للغاز الطبيعى من الآبار البحرية للحقل إلى المحطة البرية الجديدة بمنطقة الجميل ببورسعيد لمعالجته وضخه فى الشبكة القومية للغازات، وذلك بعد نجاح اختبارات التشغيل الفنية لوحدات المعالجة وخطوط نقل الغاز من آبار الحقل إلى محطة المعالجة. فى نهاية أبريل 2018 بدأ التشغيل التجريبى للوحدة الثانية فى حقل «ظُهر» بطاقة استيعابية قصوى تصل إلى 400 مليون قدم مكعبة يوميًا ليصل إجمالى الطاقة الاستيعابية للحقل إلى نحو 800 مليون قدم مكعبة يومياً. تم بدء التشغيل التجريبى من الوحدة الثالثة للمشروع بطاقة قصوى 400 مليون قدم مكعبة يوميًا ليصل الإجمالى إلى 1٫2 مليار قدم مكعبة يوميًا قبل منتصف مايو 2018 مع بلوغ الإنتاج الفعلى من الحقل 1٫1 مليار قدم مكعبة غاز يومياً. أضاف «هشام» انه فى يونيه 2018 تم الانتهاء من تشغيل الوحدة الثالثة من محطة معالجة الغازات للمشروع قبل الموعد المخطط ب10 أيام متزامنًا مع تنفيذ خط الأنابيب البحرى بقُطر 30 بوصة من الآبار لمحطة المعالجة البحرية وتم الانتهاء منه فى نهاية يوليو 2018. وفى 15 يوليو 2018 تم تشغيل الوحدة الرابعة من محطة معالجة الغازات بمشروع «ظُهر» لرفع الطاقة الاستيعابية للمحطة إلى 2 مليار قدم مكعبة يومياً. فى أغسطس 2018 بلغت معدلات الإنتاج نحو 1٫750 مليار قدم مكعبة غاز يومياً. فى الأسبوع الأول من سبتمبر 2018 وصل انتاج الحقل إلى 2 مليار قدم مكعبة غاز يومياً. يصل الإنتاج إلى ذروته عند مستوى 2٫7 مليار قدم مكعبة يوميًا فى عام 2019 طبقًا لتوجه الوزارة بالإسراع بالانتهاء من تنفيذ مراحل الانتاج. وقال المهندس السيد بشندى، مدير عمليات حقل «ظُهر»، إن قطاع البترول استطاع تحقيق إنجاز غير مسبوق عالميًا ونجح خلال 22 شهرًا فقط منذ توقيع عقود التنمية فى التعجيل ببدء الإنتاج لتبدأ باكورة إنتاج الحقل والتشغيل التجريبى فى منتصف ديسمبر 2017 بمعدل انتاج بلغ 350 مليون قدم مكعبة غاز يومياً. وأوضح «بشندى» إن اكتشاف الغاز فى هذا التركيب الجيولوجى الجديد الحامل لهيدروكربونات لم يتم اكتشاف الغاز فيها من قبل فى مصر، فضلًا عن أن الكشف يقع على مسافة مائة وتسعين كيلو مترًا من سواحل مدينة بورسعيد وفى أعماق تصل إلى أربعة آلاف ومائة متر تحت سطح البحر بمنطقة امتياز شروق البحرية وهو ما يتطلب استخدام أجهزة حفر ومعدات خاصة، وبفكر ناجح وإدارة واعية تضافرت جهود الشركات البترولية المصرية، وعلى رأسها «إنبى» و«بتروجت» وخدمات البترول البحرية، بالإضافة إلى عشرات من شركات القطاع الخاص الوطنية، وقامت بتنفيذ أعمال التصميمات الهندسية والتصنيع وتركيب وإنشاء المحطة البرية للمعالجة الغازات ومد شبكات خطوط لنقل الغاز من آبار الإنتاج إلى تسهيلات المعالجة. ويبلغ الانتاج من الحقل أكثر من 2 مليار قدم مكعبة غاز يوميًا ومن المخطط أن يصل إجمالى الانتاج إلى ذروته عند مستوى 2٫7 مليار قدم مكعبة يوميًا فى عام 2019 طبقًا لتوجه الوزارة بالإسراع بالانتهاء من تنفيذ مراحل الانتاج على أن يتم توجيه كامل انتاج الحقل من الغاز إلى السوق المحلى.