انطلاق حملات التوعية بالممارسات الخاطئة في ذبح الأضاحي وكيفية التعامل مع المخلفات في الجيزة    بعد الارتفاع الأخير.. خبير اقتصادي يكشف توقعات أسعار الذهب الفترة المقبلة (فيديو)    تراجع سعر الجنيه الذهب في ختام تعاملات اليوم الجمعة (آخر تحديث)    إسرائيل تهدد حماس بقبول صفقة المحتجزين أو مواجهة التصفية    ثلاثي بشتيل يقترب من الدوري الممتاز    مقتل شاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالصف    محمد ممدوح وطه الدسوقي في فيلم "دافنينه سوا" بعد العيد    إكسترا نيوز تطلق تجربة جديدة.. مذيعات بالذكاء الاصطناعى عن مستقبل السينما    وزير التعليم يبحث مع «جوجل» تعزيز دمج التكنولوجيا في تطوير المنظومة التعليمية    "قبل نهائي الأبطال".. تاريخ مواجهات إنتر ميلان وباريس سان جيرمان    أحمد عاطف يعلن رحيله رسمياً عن مودرن سبورت    13 لقبا في 35 ظهور.. ريال مدريد يعلن رحيل فاييخو    بتواجد ثلاثي ليفربول.. محمد صلاح يتصدر فريق الجماهير في الدوري الإنجليزي    زيادة ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى    مصرع شابين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم دراجتين بخاريتين ببني سويف    "مصر وبوينج" تبحثان تعزيز السلامة الجوية والتحول البيئي في الطيران المدني    تطرق أبواب السياسة بثقة :عصر ذهبى لتمكين المرأة فى مصر.. والدولة تفتح أبواب القيادة أمام النساء    من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟    العشر من ذى الحجة    بالمجان| الكشف الطبى على 800 مواطنًا خلال قافلة طبية بعزبة 8 في دمياط    حسام موافي يحذر من أعراض الأنيميا.. وعلاجها بشكل فعّال    وزير الخارجية يلتقي بسفراء الدول الأوروبية المعتمدين في القاهرة    المفتي مكرما حفظة القرآن بالشرقية: لا ينبغي أن يقتصر الحفظ على التكرار والترديد    محمد شريف: وقعت للزمالك سابقًا.. ولكن الأهلي حسم الصفقة في 48 ساعة    ضوابط صارمة لمنع الإخلال بالنظام خلال امتحانات الشهادة الإعدادية في شمال سيناء غدا    4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة «بلدك معاك» لدعم الأسر الأولى بالرعاية    برنامج توعوي مخصص لحجاج السياحة يشمل ندوات دينية وتثقيفية يومية    حملة مكبرة لرفع الإشغالات بشارع 135 بحي غرب شبرا الخيمة - صور    عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف    ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة    ماكرون: إذا تخلينا عن غزة وتركنا إسرائيل تفعل ما تشاء سنفقد مصداقيتنا    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    أزمة تايوان تتفاقم.. واشنطن تعيد تشكيل الردع وبكين تلوّح بالرد    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    ديو "إهدى حبة" يتصدر التريند.. ديانا حداد والدوزي يشعلان الصيف    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    مصرع طفل بصعق كهربائى داخل منزل أسرته بجرجا فى سوهاج    طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هيام عبدالهادى صالح ابنة صعيد مصر إلى القاهرة: أحبطتنى فعزفت عنكِ
نشر في الوفد يوم 04 - 09 - 2018


حوار: نهلة النمر
ظلت مسألة الأجيال فى الحياة الأدبية فى مصر هى العناوين الأبرز فى الدراسات النقدية لسنوات طويلة. كأن نقول «جيل الستينيات» و«جيل السبعينيات».. ونحمّل كلاً منها ملامح خاصة وربما جينات تفصله عمن سبقه أو من يليه. فتظل هزيمة 1967 رفيقة درب لكتابها، ويبقى جيل الثمانينيات عالقًا فى المنطقة الرمادية التى طالما وصفوه بها.
وعلى الرغم من أن العالم اتفق على أن عمر الجيل ثلاثة وثلاثون عامًا، إلا أن تقسيم الأجيال الأدبية فى مصر جاء بالعشرات، وهو ما يمكن أن نعده أمرًا ساذجًا. ومن يتابع المشهد الأدبى فى مصر الآن، يلحظ أن ثمة تجاورًا وروابط مدهشة قائمة بين الأجيال من المبدعين. فى مشهد يكرس لأن البقاء للأجمل، وللقدرة على تقديم إبداع عمره جديد وليس عمر صاحبه. فيمكن أن يظل كاتب واحد يتصدر المشهد لعقود بناء على قيمة ما يقدمه، بينما يمكن أن يظل المشهد فارغًا لعقود طويلة، ما دام لم يظهر كاتب تتوافر لديه أدوات الكتابة التى تساعده على البقاء، لذلك سيظل كل من هو موجود على الساحة فى مصر يكتب ويبدع هو من كتاب الألفية الثالثة، الذين سوف نحاول أن نقدمهم هنا فى سلسلة حوارات لا تهتم سوى بما يكتبون، بداية من الذين بدأوا بعد 1967 والكتّاب الأحدث والكتّاب الذين يكتبون فقط منذ أعوام.
الفاشلون دومًا يبحثون عن أسباب فشلهم على أكتاف الناجحين؛ والفاشلات أيضًا يفعلنْ! وفشلنا الأعظم يمكننا دائمًا وضع ظل له بعيدًا عنا يحمل براءتنا منه، إذا ما نجحنا فى إيجاد الضحية المناسبة التى يمكنها تقبل مبرراتنا وتحمل أوزارنا، والتى غالبًا ما تكون هى الكائن الأضعف فى أى تجمع، والمجتمع لن يجد كائنًا مناسبًا لهذه المهمة أكثر من المرأة، ليس فقط لأنها امرأة، لكن لأنها امرأة مختلفة ومتحققة. فى هذه اللحظة.. الظلم الذى قد يقع عليها لن يقتصر على الرجل وحده، إنما يتخطاه إلى ظلم المرأة للمرأة؛ ليجد المجتمع كله حينها لحظته المناسبة ليصب عليها الفشل والسقوط اللذين يغلفانه.
وعلى الرغم من أن هذا هو ما تعيشه المرأة بشكل عام، لكن هناك نساءً يعشن حياةً أكثر حسرة وألمًا، خطيئتهن كانت أنهن ابتعدنْ عن نقطة الارتكاز واقتربنْ من منطقة الإبداع. ففى صعيد مصر ومن أقصاه إلى أقصاه تعيش كاتبات بذلن كثيرًا من الجهد، وطورن أنفسهن مما أعطاهن أحقية الوصول لرحاب أكبر كمبدعات، لكن الأصوات تختلط حولهن منتجة لغطًا يؤكد أنه أبدًا لن يكون الطريق سهلًا. ولعل هذا ما دفع كاتبة رائعة مثل جمالات عبداللطيف والتى حاولتُ كثيرًا العثور عليها ولم أنجح إلى الانزواء، وهى التى كانت تكتب من الصعيد وتقطن إحدى قراه، فتصف التنكيل الذى تتعرض له الكاتبات هناك من قبل الذين قيّموا أنفسهم حراسًا على التقاليد والأعراف بجملتها الأكثر حسرة: «إن الكاتبة فى صعيد مصر يُضرب حولها حصار أكثر قسوة من حصار الشوك لزهور الصبار البرى، وهو حصار يرهبها ويجبرها على الانزواء والهبوط إلى قيعان التردى، والخضوع والركود والتخبط فى ظلمات كهوف الماضى البائد».
ومن مبدعات الجنوب هناك الكاتبة هيام عبد لهادى صالح، والتى كثيرًا ما يذكر اسمها فى فعاليات ثقافية على أنها صاحبة تجربة متفردة فى الكتابة، وأنها خاضت مناطق إبداعية جديدة وتحدثتْ عما لم يتحدث عنه غيرها من قبل؛ لذلك بحثت كثيرًا عن هيام صالح لكن الوصول إليها لم يكن متاحًا، فطلبت المعاونة، حتى استطعتُ الوصول إليها بمساعدة الكاتبة الرائعة أبدًا منى الشيمى. تحدثنا كثيرًا أنا وهيام صالح وطال بنا الحديث ليكتب حوارًا.
وهيام صالح كاتبة من أسوان لها العديد من الكتابات والمؤلفات التى تؤكد أنها كاتبة موهوبة، لديها أسلوب مميز ولغة خاصة يجعلانها فى مرتبة الكاتبات المحترفات، يظهر ذلك جليًا بعد إصدارها ست روايات وثلاث مجموعات قصصية كان أهمها: «البحيرة وسنينها» و«الدهابة». بجانب أعمال أخرى منها: «أنت وحدك السماء»، « شارع تحتمس»، «عيناه ترحل بعيدا للقمر»، «للجبل أغان ِأخري»، «زهر الحناء»، «بلون الخوف أحيانا.. بلون الموت أحيانا» و«همسات امرأة مختلفة».
بداية؛ لدى رغبة كبيرة فى أن أعرف أكثرعن هيام عبدالهادى صالح، التى استطاعت أن تحفر لنفسها مكانًا مميزًا بين كتاب الألفية الثالثة، جعل اسمها يتردد على موائد المثقفين إذا ما ذكر الأدب المميز؟!
أنا قاصة وروائية و طبيبة بيطرية من أسوان وأعيش وأعمل فيها. كتبت ست روايات وثلاث مجموعات قصصية برغم ضغوط العمل والالتزامات الأسرية، ونشرتها جميعا على نفقتى. فزت بالعديد من الجوائز كان آخرها الثالث فى مسابقة كتاب الجمهورية 2012 عن مخطوط رواية «شارع تحتمس»، تم اختيارى للتكريم عن أديبات مصر فى مؤتمر أدباء مصر والذى أقيم فى شرم الشيخ يناير 2013. وتم اختيارى أول أمين لمؤتمر إقليم
جنوب الصعيد والذى أقيم فى أسوان فى يونيو 2013. بدأت التردد على نوادى الأدب فى أغسطس 1997. وفى فبراير 1998 نشرت أول قصة لى فى «إبداع» ثم توالى النشر بعدها فى عدة جرائد.
الإبداع إبداع، ليس له أرض ولا جنسية، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر مركزية القاهرة الأدبية، والظلم الذى قد يقع على أصحاب الكتابات البعيدة. ما شعورك تجاه العاصمة؟ وما حجم علاقتك بها؟ وكيف استطعت الانتصار عليها؟
مازال أمامى الكثير والكثير، وعلاقتى بالقاهرة جيدة فى البداية، وكل عمل يصدر لى أرسل للجرائد والمجلات والصفحات الأدبية نسخة ومعظمها يُكتب خبر عنه. وكنت أتردد على معرض الكتاب سنويا وأحضر بعض المنتديات، ونوقشت لى عدة روايات فى المعرض، وأخرى فى ورشة الزيتون وفى قصر ثقافة مصر الجديدة، لكن قلة عدد الحضور بمصر الجديدة والمعرض أصابنى بالإحباط، أما ورشة الزيتون برغم جمهورها الكبير فكان معظم الحضور لم يقرأ روايتى باستثناء النقاد المناقشين وأصدقائى، فعزفت عن مناقشة أعمالى بالقاهرة عشر سنوات باستثناء وحيد، منذ عامين ناقشت روايتى «البحيرة وسنينها» ضمن احتفالية جميلة لتسليط الضوء على عدد من كتاب الجنوب فى المجلس الأعلى للثقافة وكتبت الدراسة عنى الدكتورة سلوى بكر وناقشتها صديقتاى الجنوبيتان الدكتورة هالة البدرى والدكتورة عزة بدر وحضر معظم أصدقائنا الأدباء المقيمين بالقاهرة.
سمعت مثقفين كثيرين يتحدثون عن روايتك الآخيرة «الدهابة»، ويقدمون لها باعتبارها كتابة متفردة فيما يمثل الكتابات التى تخص الأماكن، وكان منهم الكاتبة الجميلة سلوى بكر، لقد حاولت كثيرًا أن أبحث عن الرواية ولم أجدها، ورغم زحمة المواقع الأدبية بأخبار المبدعين، إلا أننى لم استطع العثور حتى على غلاف الرواية. ربما يكون هذا أمرًا محزنًا لكنه واقع. لذلك أطلب منك أن تحدثينى عن «الدهابة»، متمنين أن نجد حلًا لمركزية القاهرة الظالمة فى السنوات المقبلة للإبداع المميز الذى يطلقون عليه ظلمًا «إقليمى».
رواية «الدهابة» طبعت 300 نسخة فقط فى دار العبير بالشرقية، وتركت لمديرها خمسين نسخة والباقى معى أهديه وكاد ينفد، مثلما لم يبق من «البحيرة وسنينها» سوى خمس نسخ فقط. و«الدهابة» تدور فى صحراء وجبال البحر الأحمر، فالأبطال يبحثون عن الذهب هناك، وكل الدهابة يتعرضون للموت فى كل لحظة؛ إما من رصاص جنود حرس الحدود أو من حراس الشركات أو من الخارجين على القانون، أو من دواب الصحراء؛ عقاربها وثعابينها، أو من انهيار الجبل أو الرمال فوقهم.
«أنا إنسانة لى جسد يصرخ بحاجته بكتمانه بحرمانه، لم أعد أغضب من التى تخطئ فى أفلام السينما كما تربيت صغيرة، أدركت أخيراً أنها تخطئ فى لحظة ضعف، لحظة حاجتها للتوحد بكائن آخر». هكذا تصرخ «الطاهرة» فى أهل القرية بعد أن هجرها زوجها «جابر»؛ سفرا لإحدى الدول الأجنبية فى روايتك «أنت وحدك فى السماء». لا أتصور أن جملة مثل تلك مرت على قلمك بسلام، هذه الكتابة الجارحة لفضح ما يعيشه سكان المجتمعات المغلقة فى تواطؤ وسرية. هل هيام عبدالهادى سقطت فى بئر الاتهام بالجرأة مثلما عانت كل الكاتبات الجنوبيات؟ وما حجم الصعوبات الاجتماعية التى قد تكونين قد واجهتها؟ وكيف واجهتها؟
«أنت وحدك فى السماء» كانت رواية فريدة وتجربة لم تتكرر ناقشتها بمعرض الكتاب، وكتب فيها الناقد الصديق «سمير الفيل» أجمل دراسة حينها وتمت مناقشتها بمنتدى الكتاب العربى على الإنترنت، إذ طرحتها الصديقة «أمانى أمين» ككتاب الشهر وتلقيت دراسات وقراءات كثيرة عنها، ولم يفهمها البعض بسبب أن القارئ التبست عليه بعض الشخصيات خاصة النسائية منها. وبالطبع الجرأة التى تناولت بها بعض الفقرات سببت لى بعض المعاناة لأسباب تخص من هاجموا الرواية.. منهم أحد أقاربى الذى قام بتحريض آخرين ضدى، لكن وقوف أمى وأسرتى معى كان حائط صد، كما هاجمها ناقدان آخران؛ أحدهما رفضت الزواج منه، فكتب دراسة نشرها وأسقط معاناة البطلة وحرمانهاعلى الكاتبة، أما الثانى فلم يعجبه ماقالته البطلة عن الرجل، فهاجم الرواية فى جلسة بمؤتمر محلى، وطالنى بعض اللمز والغمز من زميلات عمل، وكان من الممكن أن تزيد معاناتى لولا أن الناس لا تقرأ. وواجهت كل
هذا النقد بالتجاهل.
فى الرواية ذاتها «أنت وحدك فى السماء» كان الجبل هو البطل الحقيقى للرواية، فهو الذى يطل على المشهد الإنسانى طول الوقت، كذلك فى رواية «البحيرة وسنينها» تظل البحيرة هى البطل فى النص. ما السطوة التى يمارسها المكان على قلمك حتى تحتفى به كل هذا الاحتفاء؟
أنا أسكن بيئة ثرية جدا والمكان له سطوة رائعة على قلمي؛ النيل وبحيرة ناصر، وجبال تضم آثارا وذهبا يجعل معظم الأبطال يحفرون سرا تحت منازلهم فى «للجبل أغان أخرى»و «شارع تحتمس»، وعلنا فى جبال البحر الأحمر فى «الدهابة» بحثا عن الثروة والغنى السريع. مناطق بكر لم يسبقنى أحد فى الكتابة عنها، كالصيادين فى بحيرة ناصر. وقد عملت أكثر من عشرين عاما فى الكشف على الأسماك فى الميناء وسمعت عشرات الحكايات من الصيادين والموظفين وحتى رجال الشرطة بالميناء. قصص مذهلة؛ فمن يظن مثلا أن رخصة الصيد للبعض ستار للبحث عن الآثار فى جبال البحيرة، أنا جمعت الحكايات من شيوخ القبائل؛ بشارية وعبابدة. نحن فى الصعيد أسعد حظا بالأماكن الثرية التى يمكن الكتابة عنها.
فى روايتك «البحيرة وسنينها» يبدو العنوان هادئًا، يُمنى القارئ بمجرد المرور عليه بقراءة غير مربكة، ربما يكون ذلك سببًا فى اختيارها من بين عشرات العناوين للقراءة، وأكثر من ذلك ربما اصطحبها معه فى إجازة كى يقضى معها وقتًا ممتعًا على شاطئ البحر. لكن ما يحدث مع أولى صفحات الرواية مخالف لهذا الأمل تمامًا، فالرواية دسمة تحمل الكثير من الأسئلة الوجودية، وتناقش فلسفة الموت، وأيهما الأصل فى الحياة وأيهما الهامشى؛ الموت أم الحياة؟ لتكون الرسالة الأكثر حضورا فيها: صوت الراوى حين يقول: «كلنا غرباء على ضفاف البحيرة.. نرى الموت يمر على أحبائنا يحصدهم أو يداعبهم ويتركهم ولكنه الموت»، والتيمة الثانية الأكثر تكرارا فى عناوين الفصول هى: «اللهم لا تمتني». ما الذى يدفع شابة مثلك مازال أمامها الكثيرأن تناقش الموت بكل هذه الملحمية؟
مازال أمامى الكثير ولكنى لم أعد شابة. وددت لفت الانتباه لمعاناة بعض المهن مثل صائدى السمك ببحيرة ناصر، وكيف يواجه الصياد الموت مع التماسيح ومن العقارب والثعابين ومن الموج حين يرتفع فى الليالى الباردة. فالأبطال كانوا يبحثون عن مقبرة فرعونية فى البحيرة مع مجرم متخفٍ، فطبيعى أن يكون الموت هاجسهم «إلى أين من قدرك تفر؟ ومن الموت لا ينج الحذر».. وبطل الدهابة يقول «هل ترى هذه الحدأة التى تحوم فى السماء تنتظر فريسة؟. الموت هكذا حولنا يتربص بنا، ينتظر فى ركن ويراقبنا بربع عين وفى لحظة يأتينا ينقض علينا.. يخطف من يخطفه من بين الجمع فى غمضة عين. حينها ستشعر أن ليتك ما أغضبت من أغضبته! حينها ستقول هل تستحق الدنيا كل هذا؟ كما أننى عند كتابة رواية لا أرتب مصير الأبطال، لكننى فى هذه الرواية تحديدًا أشفقت على البطل القعيد، ووجدت أن الموت أكثر رحمة له خاصة أننى أحببت هذه الشخصية.
فى أغلب كتاباتك تأخذين القارئ إلى القرى المسكونة بالخرافة، والتى يرضخ الناس فيها لتيار سرى سفلى وقدر كبير من الغيبيات، ومع ذلك أنت تقدمين فى السياق ذاته إشارات ضمنية تنفى الايمان بهذه المعتقدات، ألم تخشِ أن يتهمك النقاد بالمباشرة فى السرد، باعتبارك تقدمين نصًا تنويريًا واضح الأهداف؟
عند الكتابة أكتب عما أعرفه أو ما سمعت الحكايات عنه، ولا أضع الناقد أو القارئ فى ذهنى، ولا أضع حكاياتى عن الجن والخرافات لإدهاش القارئ، فحين جعلت القط بطلاً فى «زهر الحناء» يخطف العروس ليلة زفافها ويبحث عنها عريسها وابن عمها طول الرواية بنهاية مفتوحة.. القصة كانت تراثية سمعتها وأنا فى الثانوى بمعالجة تخصنى، لأجعل القارئ يفكر معى فيما حدث ولأتحدث عن المسكوت عنه فى بعض قرى الصعيد، من قصص الحب بين فتاة القرية والوافد إليها والأعراف والتقاليد، وإجبار الفتيات على الزواج بابن العم أو غيره. هناك بعض القصص نظنها خيالاً ولكن هناك إجماعًا عليها، خاصة القصص التى سمعتها ممن يبحثون عن الآثار، مثل الجعران الذى تعصر عليه الليمون فيدور فى المقابر المكتشفة ولمرة واحدة فقط، ويتوقف بعد وضع فوطة فوقه، أو الرصد الذى يحرس المقابر الفرعونية.
أنت ابنة أسوان بالميلاد والنشأة، سكنتِ بلاد مصر القديمة بكل جلالها، وبالطبع عشتِ ما عاشه المصريون من مد دينى أصولى طالها منذ عقود، كيف استطعت أن تتحملى هذا الانفصال بين حضارتين فرعونية وإسلامية والتداخل بينهما حولك؟
أنا متدينة بطبعى وأديت العمرة منذ عامين وعاشقة للتراث الفرعونى بشكل لا يمكن تصوره، وكنت فى صغرى عند زيارة المعابد أجد بعض الأبواب المغلقة فأتصور نفسى أميرة فرعونية أعيش خلف هذه الأبواب، ويسرح خيالى.
وأتصور أنه لا يوجد معبد أو متحف فى مصر لم أره حتى سيوة، وأنا شديدة الفخر بأننى مصرية حفيدة المصريين القدماء أول موحدين فى التاريخ، كذلك النبى إدريس ثالث الأنبياء بعد آدم و«شيث» وهو مصرى وهو من علمهم الزراعة والفلك. يؤلمنى كثيرا أن بعض المثقفين لا يعرفون هذه المعلومة ولا يذكرون إلا فرعون موسى. أما عن المد الدينى الذى طال مصر فهو- من وجهة نظرى- أثر فى ملابس المصريين فقط، أما الأخلاق فهى فى تدنٍ.
ما أحلام وطموحات هيام صالح الأدبية؟
أظننى أكتب بشكل جيد وبإصرار ومنذ 1998 نشر لى أول قصة فى «إبداع» أى منذ 20 عاما فأتمنى أن يسلط الضوء على كتاباتى بشكل أكثر. أحلامى كثيرة منها أن تتحول «البحيرة وسنينها» لفيلم بطولة «أحمد السقا» فيلم حركى رائع ويصلح لعدة أفلام والدهابة أيضا. كذلك أنا نشرت 6 روايات و3 مجموعات جميعها على نفقتى، وأتمنى أن تطبع «البحيرة وسنينها» أجمل رواياتى فى سلسلة حكومية أو مكتبة الأسرة بسعر معقول، ليقرأها الناس خاصة أننى لا أملك منها سوى ست نسخ، وعلمت أنها نافست على التشجيعية للحظة الأخيرة العام قبل الماضى. كذلك نفس الحلم للدهابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.