يتساءل الكثيرون من حجاج بيت الله الحرام دوماً عن أسرار الكعبة المشرفة، وما فى داخلها، ومتعلقاتها، لإشباع فضولهم من أسئلة طالما ألحت عليهم. وقبل سنوات، تمكنت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، من تنظيم أول معرض دائم لعمارة الحرمين الشريفين، يضم أهم متعلقات البيت العتيق التاريخية منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا، وفقاً لشبكة «سكاى نيوز» الإخبارية التى قامت بجولة فى المعرض الذى أضحى مقصداً للحجاج والمعتمرين، ممن يريدون معرفة تفاصيل كل جزء وقطعة من الكعبة المشرفة ومتعلقاتها التاريخية. وينقسم المعرض إلى 7 أقسام تضم قاعة استقبال، وقاعة للمسجد الحرام، وقاعة للكعبة المشرفة، وأخرى للصور الفوتوغرافية، إضافة إلى قاعات المخطوطات، وقاعة المسجد النبوي، وقاعة زمزم. ومن أبرز مقتنيات المعرض سارية للكعبة المشرفة، وهى عبارة عن عمود بقاعدة وتاج من الخشب يعود إلى سنة 65 للهجرة النبوية، إضافة إلى باب الكعبة المشرفة الذى أمر بصناعته مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز عام 1944. وتبرز بين مقتنيات المعرض قطع تاريخية عتيقة، مثل مفتاح نادر للكعبة يعود لعهد السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى سنة 1891، إضافة إلى مقتنيات تاريخية لبئر زمزم، وميزاب لتصريف مياه الأمطار يعود لسنة 1891. ويحتوى المتحف الذى أصبح قبلة للحجاج، مقتنيات كثيرة تشرح تاريخ الحرمين الشرفين عبر مراحل متعددة من التاريخ، نجحت فى إزالة الغموض عن مراحل بناء الكعبة المشرفة، وكنوزها وأسرارها التى طالما أضحت لغزًا للكثيرين. ومعروف ان الخلفاء والملوك عبر التاريخ تسابقوا على تزيين بيت الله الحرام «الكعبة المشرفة» بهدايا متعددة، بداية من باب الكعبة الداخلى والخارجى، وكذلك طوق الحجر الأسود والميزاب وكسوة الكعبة، وشاذروان الكعبة، إضافة إلى زينة داخلية. وفى هذا الصدد، أوضح محيى الدين الهاشمى، الباحث فى شئون الحرمين الشريفين، أن الكعبة المشرفة لها أهمية كبرى لدى الحكام والأمراء الذين تعاقبوا فى فترات التاريخ، مشيراً إلى وجود قناديل معلقة هى من هديا الخلفاء والحكام وتصل أعدادها إلى 100 قنديل مختلف، من النحاس والحديد والفضة والزجاج المعشق، كما لا تزال هناك قطعة رخامية داخل الكعبة المشرفة نقش عليها اسم «أبو جعفر المنصور» الذى أعيد بناء الكعبة فى عهده. ويعد باب الكعبة من أهم ما يميز البيت الحرام، وقد مر بعدة مراحل على مر العصور، حتى أصبح بشكله الحالى فمنذ بنائه الأول على يد ابراهيم عليه السلام، حيث لم يجعل له أبواباً بل بنى له مدخلين شرقياً وغربياً. وظلت سنين طوالاً على هذه الحال، حتى جاء الملك تبع، فجعل لها أبواباً ومفتاحاً وكسوة وهو أول من فعل ذلك فى التاريخ وكان ذلك فى زمن قبيلة جرهم التى كانت تتبع لمملكته. وبقيت كذلك حتى عهد قريش فلما تهدمت الكعبة بسبب الحريق والسيل أرادوا إعادة بنائها، سدو بابها الغربى وظل بابها الشرقى فقط وجعلوا له مصراعين بطول 11 ذراعاً. وفى العهد السعودى، أمر الملك الراحل عبدالعزيز بصناعة باب للكعبة من الألمنيوم المغطى بالفضة المطلية بالذهب وكان سمكه 2.50 سم وبطول 3.10 متر وقد تم تركيبه على الكعبة المشرفة يوم الخميس الموافق 10 ذو الحجة 1366 للهجرة ولا يزال الباب موجوداً فى متحف الحرمين الشريفين. فيما صنع الباب الثانى فى العهد السعودى فى عهد الملك خالد حينما دخل الكعبة المشرفة فى إحدى المناسبات وشاهد بعض الخدوش فى الباب، حيث أمر بصناعة بابين للكعبة المشرفة أحدهما الباب الخارجى والآخر باب التوبة المؤدى لسطح الكعبة من الداخل وأوكلت المهمة لشيخ الصاغة أحمد إبراهيم بدر فى عام 1397 للهجرة حيث تمت صناعة الباب من خشب التيك بعرض 10 سم والصقت شرائح الذهب على الباب بمادة خاصة حيث بلغت كلفة الباب أكثر من 13 ميلون ريال ولا يزال الباب موجودا على الكعبة المشرفة حيث تم تركيبه قبيل عام 1399 للهجرة. طوق الحجر الأسود مصنوع من الفضة الخالصة، ومرّ هذا الطوق عبر العصور بعدة مراحل وأول من عمل هذا الطوق هو عبدالله بن الزبير عام 64 للهجرة وذلك للحفاظ على الحجر الأسود وتجميله وتزيينه. فى حين أمر الخليفة هارون الرشيد عام 189 للهجرة بعمل طوق جديد للحجر الأسود بعد ما تعرض الطوق السابق لبعض الأضرار. بعد الحادثة الشهيرة للحجر الأسود على يد القرامطة، صُنع طوق جديد من الفضة من قبل سدنة البيت الحرام من بنو شيبة عام 339 للهجرة وبقى حتى عام 1079 للهجرة حيث قاموا بنو شيبة بتغيير الطوق. وصنع السلطان عبدالمجيد خان، طوقاً جديداً، عام 1268 ه، من الذهب الخالص، ونقشت عليه آية الكرسى وكان هذا الطوق الوحيد على مر التاريخ المصنوع من الذهب الخالص وظل على الكعبة 13 عاماً حتى تم تغييره من قبل السلطان عبدالعزيز خان عام 1281 ه، بآخر «فضى». وأشار الهاشمى إلى أنه ذكر فى التاريخ أن آخر من وضع طوقاً للكعبة المشرفة على الحجر الأسود من العثمانيين هو السلطان محمد رشاد عام 1331 للهجرة وظل على الكعبة حتى العهد السعودى. فى عهد الملك عبدالعزيز عمل إصلاحات للطوق عام 1366 للهجرة بالإضافة لبعض الموجودات فى الكعبة المشرفة. وفى عهد الملك سعود تم تغيير الطوق ووضعه بنفسه فى مكانه يوم الأربعاء الموافق 22 شعبان من عام 1375 للهجرة قبيل صلاة المغرب ولا يزال الطوق موجوداً حتى الآن حيث تم ترميمه بأمر من الملك فهد فى عام 1422 للهجرة. ميزاب الكعبة أحد أجمل القطع والحلى الموجودة فى الكعبة المشرفة وهو الميزاب الخاص بتصريف مياه الأمطار التى تسقط على سطح الكعبة المشرفة وقد ذكر فى التاريخ أن أول من وضع ميزاب للكعبة هم قريش، حينما أعادوا بناء الكعبة بعد تهدمها بفعل السيل والحريق قبيل بعثة الرسول بخمس سنوات وقد شاركهم فى البناء الرسول الكريم محمد. كسوة الكعبة تعد كسوة الكعبة من أهم ما يميز ويلفت الانتباه لبيت الله الحرام وقد تسابق الملوك والحكام على كسوة الكعبة المشرفة. ويعد أول من ألبس الكعبة كسوة هو الملك تبع اليمانى وقد كساها بالخصف وكساها بعده كثيرون وصولا ل «قصى بن كلاب» الذى جمع القبائل على التعاون على السقاية والرفادة والكسوة وظلت الكسوة كذلك حتى عهد قريش. وبعد فتح مكة من المسلمين فى عام 8 ه قام النبى الكريم صلى الله عليه وسلم بكسى الكعبة بالثياب اليمانية وقد استمر الخلفاء من بعده بكسوة الكعبة. وفى عهد الدولة الأموية كانت تكسى الكعبة مرتين فى العام أحدهما فى يوم 10 محرم والثانية فى آخر شهر رمضان المبارك وكانت تصنع الكسوة فى حينها فى منطقة فى أطراف دمشق تسمى الكسوة نسبة لكسوة الكعبة المشرفة. يذكر فى التاريخ أن حكام الدولة العباسية أول من كتب على الكسوة، حيث كتب على الكسوة اسم الخليفة وتاريخ ومكان صناعتها وكانت تصنع فى مصر فى ذلك العهد فى مدينة تسمى تنيس اشتهرت بفنون الحياكة والتطريز. وفى عهد الدولة العثمانية، كانت الكسوة تصنع فى مصر وكانت ترسل عن طريق المحمل وتودع وتستقبل باحتفالات فى مصر والحجاز فى ذلك الوقت وظلت حتى عام 1345 للهجرة حيث توقفت الحكومة المصرية عن إرسال الكسوة فأمر الملك عبدالعزيز بعمل كسوة الكعبة المشرفة من الجوخ الفاخر والمبطن بالقلع القوى وكساها فى العاشر من ذى الحجة عام 1345 للهجرة وقد تم تنفيذها فى عدة أيام فقط. وفى عام 1346 ه، أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء مصنع لكسوة الكعبة توقف لسنوات ومن ثم عاد للعمل حتى الآن. ويقوم مصنع الكسوة بصناعة الكسوة مرورا بعدة أقسام ومراحل وهى الصباغة والنسيج الآلى والمختبر والطباعة والتطريز وأخيراً الخياطة والتجميع ويستخدم فى صناعة الكسوة أجود أنواع الحرير الإيطالى الجاكارد وخيوط من الفضة المطلية بالذهب.