رصدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية احتداد أجواء المظاهرات في إيران مع اقتراب تطبيق العقوبات الأمريكية التي أعاد فرضها الرئيس دونالد ترامب عقب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الايراني في 15 مايو الماضي. وشارك المئات في مظاهرات في مدن بأنحاء مختلفة من البلاد بينها طهران وأصفهان وكرج احتجاجا على ارتفاع التضخم لأسباب من بينها تراجع قيمة الريال بسبب مخاوف إعادة فرض العقوبات الخانقة في السابع من أغسطس الجاري، كما أظهرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي. وستعيد الولاياتالمتحدة في السابع من أغسطس فرض العقوبات على شراء إيران للدولارات، وعلى التجارة الإيرانية في الذهب والمعادن النفيسة وتعاملاتها في مجالات المعادن والفحم وبرامج الكمبيوتر المرتبطة بالصناعات. كما ستعود العقوبات على الواردات الأمريكية من السجاد الإيراني والمواد الغذائية المصنعة وبعض المعاملات المالية المرتبطة بذلك. وقد تتراجع صادرات إيران النفطية إلى ما يصل إلى الثلثين بحلول نهاية العام بسبب العقوبات الأمريكية مما سيضع أسواق النفط تحت ضغط هائل وسط انقطاع المعروض في أماكن أخرى بالعالم. في ذلك الإطار، قالت الصحيفة أن المظاهرات، على ما تبدو، مرضية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعتقد أن العصيان المدني سيضغط على قادة إيران ويحسن من سلوكهم. وانتشرت فاعليات المظاهرات عبر المواقع والصحف الناطقة بالفارسية، بعدما جرت في المدن الايرانية: آراك وأصفهان وكرج وشيراز، مرددين هتافات "الموت لارتفاع الاسعار". قال بهمنوي مموري ، وهو ناشط سياسي مشهور أمضى عدة فترات في السجن بسبب أنشطته: "لا توجد رؤية، ولا قيادة، والاحتجاجات لن تؤدي إلى أي رد فعل في هذه المرحلة"، مضيفا :"علي أن أعترف بأن الدولة، وأجهزتها الأمنية والدعائية، قادرة على هندسة الرأي العام بنجاح كبير وإقناع السكان الأوسع بأن الوضع الراهن في صالحهم وسيكون التغيير مكلفًا للغاية". وتشير المقابلات التي أجريت مع المحتجين في طهران إلى أنهم يشعرون بالغضب من عدم الكفاءة الاقتصادية للحكومة وانتشار الفساد، في نفس الوقت عبر بعض المواطنين عن قلقهم ازاء التظاهرات وأثرها على الاقتاصد المتعثر فعليا بفعل العقوبات الامريكية وانسحاب واشنطن من صفقة النووي في مايو الماضي. قال المتظاهر "حسن السيدي"، وهو سمسار في سوق "علاء الدين" للإلكترونيات في طهران: "لقد تلقينا أخباراً سيئة لأيام، وكانت قلوبنا مليئة بالغضب". وفي الأشهر الأخيرة، كان أغلق "السيدي" ومجموعة من زملاؤه متاجرهم بشكل عفوي ورددوا شعارات ودخلوا في صدامات مع الشرطة الايرانية، حيث أغلق التجار الآخرين متاجرهم للتضامن وتظاهروا أمام مبنى البرلمان بعبارات: "الموت لجنود الشخصيات البارزة!"، ولكنه ندم بعد ذلك على قرار الاحتجاج. تابع "السيدي" قائلا في حديثه للصحيفة: "لم أعد اتحمل المظاهرات في ظل ايجار شهري يزيد عن 3100 دولار، أنا بحاجة للعمل للحصول على أي أموال ولا أهتم بالمظاهرات الأن". من ناحية أخرى، أكد حميد رضا تاراجي، وهو محلل سياسي ايراني ومنتقد قوي للاحتجاجات الايرانية: "يخرج حوالي مائة شخص إلى الشوارع، من مدن يسكنها خمسة ملايين شخص"، حيث اتهم أعداء إيران، ولا سيما الولاياتالمتحدة وإسرائيل ، بمساعدة جماعات المعارضة الأجنبية لخلق المشكلات والازمات الاقتصادية لطهران. فيما أفاد حجت كالاشي، وهو عالم اجتماع مُنع من مغادرة البلاد بسبب كتاباته: "هناك عدم كفاءة على جميع المستويات.. فالمسؤولون يواصلون بث الأمل في إحراز انجاز دولي من خلال اتفاق (الاتفاق النووي) الذي من وجهة نظرهم سيحل كل شيء، لكنهم في حقيقة الامر لا يملكون أدنى شكل من اشكال الاستراتيجية الواضحة". وفي سوق طهران الكبير، عادت الأمور إلى طبيعتها بعد الاحتجاجات والإضراب الشهر الماضي. اعترف التاجر مصطفى عرب زاده في منطقة تجارة الذهب، بأنه أغلق محله خلال المظاهرات الحالية "لحماية ممتلكاتي الثمينة"، قائلا أنه يكره المحتجين ويشعر بأنهم يتكاتفون مع أعداء إيران، معللا تلك الكراهية بأن: "المحتجون ينسون أن لدينا شيء واحد لا تملكه بقية المنطقة: السلام والاستقرار" ، مضيفاً "علينا أن نعتز بذلك". في حين أن كثيرا من الناس عبروا للصحيفة عن اتفاقهم حول استمرار الاحتجاجات والإضرابات بشكل أو بآخر، حيث رجح الناشر، أبو القاسم جولباف، أن ينضم الطلاب والأساتذة إلى المظاهرات بعد عودة المدارس، مما قد يشكل تحدياً جديداً لقوات الأمن.