تحقيق - إسلام أبوخطوة / إشراف: نادية صبحي الكثيرون يحسدون أصحاب السيارات الملاكى على أساس أنهم بعيدون عن «البهدلة» فى المواصلات العامة، والغريب أن أصحاب السيارات الملاكى يحسدون - هم أيضاً - ركاب المواصلات العامة.. والسبب الجراجات! فوجود مكان ل «ركن» السيارة فى شوارع العاصمة يعد حلماً مستحيلاً لا يفوز به ذو الحظ العظيم.. وعندما يتحقق حلمه هذا يجد نفسه فى حلقة نارية من ابتزاز «السايس». وهكذا تتواصل المعاناة اليومية لقائدى السيارات فى البحث عن مكاناً لركن سيارتهم فى شوارع القاهرة، خاصة أن كثير من ملاك العقارات يفضلون إنشاء محلات تجارية أو مخازن بدلاً من الجراجات كنوع من الاستثمار والربح. وطبقاً لآخر الأرقام الرسمية المعلنة فإن عدد الجراجات التى تستقبل السيارات 3914 من إجمالى عدد الجراجات 5550 جراجاً، فيما تحول الباقى إلى مشروعات استثمارية لأصحاب العقارات، وهو ما يعنى 1636 جراجاً تحول إلى محلات تجارية. وبحسبما أشار إليه عدد من أصحاب السيارات فإن طمع أصحاب العقارات ورغبتهم فى تحقيق الربح المادى من الجراجات، تسبب فى حدوث الاختناقات المرورية أمام العقارات فى ظل غياب قانون المبانى الذى ينص على ضرورة وجود جراج أسفل كل عقار خاص بالسكان. الأمر لن يتوقف على المناطق الشعبية أو شوارع وسط القاهرة إنما نجد فى المدن الجديدة أيضاً تغيب القانون تسبب فى ارتفاع نسبة الإشغال فى الشوارع إلى 40% وتحولت إلى ساحات لانتظار السيارات على الجانبين بعد غلق الجراجات. (جشع أصحاب العقارات «نفض جيوبنا» وخرب بيوتنا).. جملة أجمع عليها عدد كبير من قائدي السيارات في المناطق الشعبية ووسط القاهرة، وقال أحمد عبدالعزيز، موظف، قاطن بمنطقة أرض اللواء: إنه يدفع شهرياً قرابة 400 جنيه لركن السيارة فى جراج خاص بالمنطقة، وفى الصباح يخرج بها ليذهب إلى عمله ويدفع مبلغاً آخر للسايس للحفاظ على السيارة فى الشارع نظراً لعدم وجود جراج أسفل العقار. وأشار «عبدالعزيز» إلى أن تكاليف ركن السيارة مع تكاليف البنزين وغيرها من المصاريف الشخصية أصبحت أعباء ثقيلة على كاهل رب الأسرة، فكثير من قائدى السيارات أصبح لا يخرج بسيارته إلا فى الخروجات الطارئة فقط، فيما يفضل الباقى اللجوء إلى المواصلات العامة. الأمر نفسه أكدته «هيام. أ. ف»، موظفة، وقالت إنها تعانى بشكل يومى من ركن السيارة سواء أمام منزلها فى أرض اللواء أو أمام عملها، مشيرة إلى إشكالية أخرى وهى التعرض للبلطجية فى الشوارع أثناء رغبتها في ركن السيارة، فكثيراً ما يتعرضون لها حال رفضها دفع مبالغ مالية لحماية سيارتها لحين قضاء حاجتها. بغضب شديد استهل رامى عزام، قائد سيارة ملاكى، حديثه وقال: إن الشوارع تحولت لجراجات وأصبح المرور عذاباً، خاصة فى المناطق الشعبية، فتنشب العشرات من المشاجرات بشكل يومى وتتعرض السيارات المركونة للتهشيم فى بعض الأحيان. وأشار «عزام» إلى أن أصحاب العقارات فى السنوات الأخيرة أصبحوا يستثمرون الجراجات كمشروع استثمارى من خلال تحويله لمحلات تجارية أو مخازن للمحلات الملابس وغيرها، ما أجبر أصحاب السيارات بتحويل الشوارع إلى جراجات. قال الدكتور محمود عبدالحى، خبير التخطيط العمرانى: إن جميع الجراجات المبنية غير مطابقة للمواصفات الدولية، فضلاً عن كونها قليلة جداً ما تسبب فى أزمة كبيرة بالشوارع، فمع زيادة أعداد السيارات أصبحت الحاجة للجراجات كبيرة، ومع تفضيل أصحاب العقارات المشروع الاستثمارى عن إنشاء جراج أشعل الأزمة خلال السنوات الماضية. وأضاف خبير التخطيط العمرانى، أن الدول الأوروبية تستخدم التكنولوجيا الحديثة فى إنشاء الجراجات المتعددة الطوابق، مما يفى باحتياجات السكان. وطالب خبير التخطيط العمرانى بالتوسع فى إنشاء جراجات على مساحات كبيرة فى كل منطقة لتجنب نشوب الحوادث اليومية، وتجنب السرقات وانتشار البلطجة والحد من نشاط السايس، مشيراً إلى أن الجراجات بمحافظة القاهرة لا تستوعب سوى 10% من إجمالى عدد المركبات. من ناحيته، قال الدكتور رأفت شميس خبير بمركز بحوث البناء والإسكان: إن أزمة الجراجات زادت فى الفترة الأخيرة مع غياب قانون البناء، واستغل أصحاب العقارات مساحة الجراجات كمحلات وغيرها من الأنشطة التى تربحهم مكاسب مالية، ولهذا فعلى مسئولى المحافظات المتابعة مع بعض الإدارات الهندسية بالأحياء، خاصة أن عدداً كبيراً من أصحاب العقارات تحايلوا على القانون بعد حصولهم على رخصة ببناء العقار والجراج أسفله، كما قاموا بالتلاعب فى مواصفات الجراج نفسه. بأمر القانون: كل مبنى مساحته أكبر من 250 متراً.. يلزمه "جراج" تنص المادة 108 من اللائحة التنفيذية لقانون البناء الموحد على وجوب تخصيص أماكن لإيواء السيارات يتناسب حجمها ومساحتها مع طبيعة المبنى، ويستثنى من ذلك المبنى الذى لا يتجاوز مساحته 250 متراً مربعاً فقط. فيما تحدد المادة «132» من ذات القانون الاشتراطات الفنية لتصميم الجراجات، فلا يقل الارتفاع عن 2.20 متر، ولا يقل عرض بوابة الدخول أو الخروج عن 3 أمتار ولا يقل ارتفاعها عن 2.20 متر، على أن يزود الجراج الذى لا تتجاوز مساحته 250 متراً مربعاً ببوابة واحدة على الأقل، ويزود الجراج الذى تزيد مساحته على 250 متراً مربعاً ببوابتين على الأقل يفتح كل منهما على طريق أو على ممر خاص. كما لابد أن يتوافر للجراجات منحدرات للدخول والخروج لا يقل عرضها عن 3 أمتار ولا يزيد ميلها على 18%، وفى حالة زيادة الميل عن 10% يتم عمل منحدرات تحويلية أعلى وأسفل المنحدر بميل يعادل نصف الميل الرئيسى وبطول لا يقل عن 2.5 متر، وأن يتم فصل الجراجات بالكامل عن مناور المبنى، أما الجراجات التى تزيد مساحتها على 1000 متر مربع، فيجب تجنب استخدام مسارات مسدودة النهايات، وفى حالة الاضطرار إلى استخدامها يجب ألا يزيد طولها على 6 أماكن انتظار على الجانب الواحد وأن يكون هناك مكان يسمح بمناورة السيارة للخروج. مملكة السايس: ادفع الإتاوة وإلا سيارتك تتكسر تصدت وزارة الداخلية خلال الفترة الأخيرة لممارسات «السايس» غير القانونية مع قائدى السيارات وإجبارهم على دفع نقود لحماية سيارتهم لحين قضاء حوائجهم، وخصصت الداخلية رقماً للإبلاغ عن المضايقات. ولفظ «السايس» قديماً كان يطلق على راعى الحمير والأحصنة، أما فى الوقت الحالى فبات «السايس» هو راعى مواقف السيارات، ومع زيادة ممارساتهم الخارجة على القانون مع أصحاب السيارات وفرض رسوم أشبه ب «الإتاوات»، أطلق عليهم المواطنون «البلطجية». وأشار عدد من قائدى السيارات إلى أن السايس مازال يمارس عمله فى بعض المناطق برغم تحذيرات وزارة الداخلية ضدهم، وبالرغم من وجود عدة جراجات فى منطقة وسط القاهرة إلا أنها لم تكف أعداد سيارات المواطنين ولهذا يحتاجون إلى السايس لحماية سيارتهم لحين قضاء عملهم. أحمد مراد، قائد سيارة ملاكي، قال: إن محل عمله فى وسط القاهرة وكثيراً ما يعجز فى الحصول على مكان داخل جراج حكومي، ولهذا يبحث عن مكاناً آخر بعيداً عن عمله لركن السيارة وبالتالى يحتاج لشخص يحمى سيارته لحين قضاء عمله، فيلجأ إلى السايس يدفع له بعض المال مقابل حماية سيارته. «كتير بلاقى عربيتى فيها تكسير».. بهذه الكلمات استهل طارق على، موظف، حديثه وقال: إنه حال ترك سيارته بدون سايس يحميها قد يعرضها للتكسير من المارة لأى سبب كان، مشيرا إلى أن الداخلية كثيراً ما حذرت من السايس والإبلاغ عن ممارساتهم إلا أنهم فى كثير من الأحيان نحتاج إليهم. فكرة تستحق أن تدرسها الحكومة المصرية النقل الحضرى.. قضى على أزمة المرور فى أوروبا الجراجات ليست مشكلة مصرية فقط، بل تعانى منها الدول الأوروبية ولكن مع حسن الإدارة تحولت مشكلة الجراجات إلى مصدر ربح مع تحسين مستوى الخدمة، وكانت بريطانيا أبرز الدول التى تغلبت على تلك المشكلة بعدما عانت طويلاً من منظومة النقل والمواصلات. وفى عام 2000 طبقت بريطانيا نظام النقل الحضرى، وأسندته إلى القطاع الخاص تحت رقابة الدولة فتوقف نزيف الخسائر والحوادث، وصارت الجراجات مصدراً مهماً للدخل القومى البريطانى، نظام النقل الحضرى (الجماعى) يقضى على عشوائية المواصلات والفوضى فى الشارع، ويتضمن أيضاً التكامل بين وسائل النقل كلها، بحيث يتمكن المواطن بنفس التذكرة من أن يتنقل بين أكثر من وسيلة (من القطار للمترو إلى الأوتوبيس). كما أسهم نظام النقل الحضرى، فى القضاء على أزمة الانتظار الخانقة فى الشوارع، فكل أوتوبيس نقل جماعى حل محل 50 سيارة خاصة.