تحقيق: رحمة محمود / إشراف: نادية صبحي منذ عام 2014 والحديث لا يتوقف عن إحياء الأصول العامة المهجورة، التى توقف العمل بها وهى الأصول التى تتجاوز قيمتها 150 مليار جنيه، وبقاؤها مغلقة دون الانتفاع العام بها، يلحق أضراراً بالغة بالقطاع العام، فضلاً عن إهدار الآلاف من فرص العمل التى يمكن توفيرها فى حال عودة هذه الأصول للعمل مرة أخرى، وذلك بخلاف مساهمتها فى الإيرادات العامة للدولة. فى يونيه الماضى، فتح عدد من نواب البرلمان ملف أصول الدولة المهجورة وطالبوا بتكثيف جهود الحكومة لحصر هذه الأصول، وإنشاء لجنة تابعة لوزارة التخطيط لهذا الغرض. قال النائب طلعت خليل، عضو لجنة الخطة والموازنة، بمجلس النواب،إنه من ضمن الأصول المهجورة، استراحة السادات فى السويس، التى يقدر المتر فيها بنحو 50 ألف جنيه، وغيرها من الاستراحات على خليج السويس، فضلاً عن أملاك وأراض لا يتم الانتفاع منها، تقدر بالمليارات. وأوضح: «أن الأصول غير المستغلة تشمل عدداً كبيراً من الشركات، التى يصل عددها إلى 100 شركة، مشيرًا إلى أن الدولة بحاجة إلى استغلال كل هذه الموارد والتى سوف تسهم فى استقرار الاقتصاد. وفى السياق ذاته، هاجم النائب حسن السيد، عضو لجنة الشئون الاقتصادية، بمجلس النواب، تقاعس الحكومة خلال السنوات الماضية بالاهتمام بأصول الدولة غير المستغلة، مشيرًا إلى أن حجم خسائر الدولة من هذه الأصول يقدر بالمليارات. وأشار إلى أن مدينة الزقازيق يوجد بها العديد من الأصول غير المستغلة، إذ تمتلك نحو 10 أفدنة دون الاستفادة منها، إضافة إلى مصنع آخر خاص بإنتاج الكتان والزيوت متعطل أيضًا، ومحكمة الزقازيق الابتدائية القديمة التى توقفت منذ 15 سنة دون أى استفادة. البداية كانت بداية الحديث عن محاولة اتخاذ قرارات فعالة لاستغلال الأصول المهجورة، فى نوفمبر 2014، فى عهد حكومة المهندس إبراهيم محلب، حيث قال وقتها الدكتور هانى قدرى، وزير المالية ، إن هيئة الخدمات الحكومية، بدأت بحصر العقارات والأراضى المملوكة للوزارات والمحافظات، وتوقع وقتها تحقيق 130 مليار جنيه حصيلة لإعادة استغلال هذه الاصول وإعادة الانتفاع بها. وفى أكتوبر من عام 2015، قرر وزراء التخطيط والمالية والاستثمار والتنمية والمحلية، تشكيل لجنة لحصر الأموال، ولكن لم يتم تفعيلها، فعدل رئيس الوزراء هذا القرار فى 16 يونيه 2016، ونص على الآتى: تشكيل لجنة وزارية لحصر أصول الدولة غير المستغلة فى الوزارات والمحافظات والهيئات والجهات التابعة لها بعضوية كل من وزراء التخطيط والإسكان والاستثمار والتنمية المحلية والعدل والمالية وقطاع الأعمال العام وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية». ورغم تعديل القرار، فإنه لم يتم تفعيل هذا اللجنة ولم تقم بالدور المنوط بها، فصدر قرار آخر فى نوفمبر 2017 بتشكيل لجنة لحصر جميع أراضى ومخازن ومستودعات الدولة غير المستغلة، المملوكة للوزارات والمحافظات والهيئات والجهات التابعة لها، وشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام، ووضع تصور للاستفادة منها بشكل عام وبخاصة كمناطق لوجستية وإدارية وفقًا للقواعد والضوابط المقررة فى هذا الشأن. وشكلت اللجنة برئاسة كل من وزير الأوقاف، الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، المالية، الموارد المائية والرى، قطاع الأعمال العام، السياحة، التنمية المحلية، الزراعة واستصلاح الأراضى، التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى «ويكون مقرراً للجنة، وزارة النقل». وحسب القرار تولت اللجنة التنفيذية إعداد حصر كامل وقاعدة بيانات لأصول الدولة غير المستغلة: أراض، عقارات، أطيان، مخازن، مستودعات، وغيرها، بالتنسيق مع الجهات المعنية، وإعداد تقييم مالى لتلك الأصول، وإعداد قاعدة بيانات لأصول الدولة غير المستغلة متضمنة نماذج وبرامج موحدة لحصر وتوحيد قاعدة البيانات بالتنسيق مع إدارة نظم المعلومات بالقوات المسلحة. ووفقًا للقرار، فإن اللجنة التنفيذية يتم دعوتها من رئيسها كل خمسة عشر يومًا وكلما دعت الحاجة لذلك، بمقر وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، ويدعى لحضور اجتماعاتها أعضاء الأمانة الفنية، كما يجوز دعوة ممثلى الجهات الإدارية المعنية فى الدولة لحضور اجتماعاتها. ورغم اللجان التى تم تشكيلها بقرارات وزارية، فلن يتم تفعيل أى منها، وعندما جاءت حكومة شريف إسماعيل أعادت فتح الملف مرة أخرى، واتخذت عدة قرارات لحصر أصول الدولة غير المستغلة فى الوزارات والمحافظات والهيئات والجهات التابعة لها، شملت وضع خطة متكاملة للاستغلال الأمثل لتلك الأصول لتحقيق أكبر عائد ممكن منها، وفقاً لعمليات الحصر الدقيق الذى أجرته الأمانة الفنية للجنة حصر الأصول غير المستغلة. وحتى رحيل حكومة إسماعيل وتسلم حكومة مصطفى مدبولى رئاسة الوزراء، لن تقوم كل اللجان التى تم تشكيلها، بأى عمل يذكر لعوة ممتلكات الدولة غير المستغلة وإعادة تشغيلها. وفى هذا الشأن، قدمت العديد من طلبات الإحاطة، لاسترداد هذه الممتلكات، فقدم عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، أحمد المشنب، طلب إحاطة لوزير الرى، على خلفية وجود منشآت مهجورة تتبع الوزارة، يصل سعرها ملايين الجنيهات، دون استفادة، وكشف عن إغلاق متاحف القناطر الخيرية التابعة للرى، برغم إنفاق أكثر من 40 مليون جنيه على تطويرها. وقال عصام الفقى، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، إن عدداً كبيراً من الممتلكات غير المستغلة لم تفعل الدولة شيئًا لاستردادها، من بينها استراحات مخصصة لمسئولين فى عدد من المحافظات، يبلغ أسعارها ملايين الجنيهات. وأكد محمد فؤاد، عضو لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، أن أصول الدولة العقارية، يمكن استغلالها من خلال إقامة مشاريع خدمية للمواطنين، كفصول لمحو الأمية أو مدارس ووحدات صحية ومكاتب بريدية، وتكون بذلك وفرت على الدولة مخصصات إقامة تلك المشاريع داخل القرى والأحياء المحرومة. وأوضح خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، أن الحكومة لا بد أن تستغل أصولها العقارية المنتشرة داخل القرى والنجوع والأحياء، بما فيها من قصور ومنازل ذات تراث تاريخى وفريد، فمثل هذه المنشآت تدر دخلاً كبيرًا، عند حسن استغلالها، ووضع آليات لبيعها أو إيجارها، خاصة أن هناك بعض رجال الأعمال يشترون تلك الأصول بمبالغ زهيدة لبيعها بملايين الجنيهات. وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن الحكومة لا تتخذ خطوات فعالة لحل أزمة الأصول المهجورة، مقترحًا أن تطلب الحكومة من كليات إدارة الأعمال أن تكلف طلابها فى سنة التخرج وبالتعاون مع طلبة هندسة لإعداد دراسة اقتصادية لإحياء هذه الأصول بعد تزويدهم بكل البيانات المطلوبة مع تقديم اقتراحات محددة لحل مشكلاتها الفنية واحتياجاتها التمويلية، حيث يمكن مثلاً تكوين صندوق مالى عبر الاكتتاب العام بالبورصة، ولا شك أن هذا الاقتراح يشجع شبابنا على الانخراط بقوة فى حل مشكلات المجتمع، ولا يكلف الخزانة العامة شيئاً، وهو أفضل من الاعتماد على بيوت خبرة تقدم دراسات لا تنفذ. وتابع عماد مهنى، الخبير الاقتصادى، أن العديد من الأصول المهجورة تتبع الوزارات لم تلتفت الدولة إليها أو تسعى لاستعادتها، حيث تمتلك على سبيل المثال وزارة الرى أصولاً بمعظم مراكز الجمهورية، منها استراحة نجع حمادى الكبرى، وفيلا واقعة فى سوهاج، تطل على النيل مباشرة، كان يسكنها مسئول سابق بالوزارة، لا يوجد بها حاليًا سوى الحارس، إضافة لامتلاك الرى عقارات يسكنها موظفون سابقون، ورغم تقاعدهم، فإنهم يشغلونها حتى اليوم. المبانى والمنشآت المهجورة تمتلك مصر العديد من المنشآت والمبانى الحكومية، غير المستغلة للغرض رغم إنفاق الملايين على تشييدها وتجهيزها بالآلات والمعدات، ما جعل بعضها مُعرضه للبلطجية والخارجين عن القانون. رصدت إحدى الدراسات الحديثة عشرات المبانى والمنشآت المهجورة فى كل القطاعات، ففى القطاع الصحى، هناك عشرات المبانى مهجورة، فمستشفى قرية منشأة الحجازية، أحد مستشفيات التكامل، الموجود بمركز الحسينية فى محافظة الشرقية، والمكون من 3 طوابق، تم إنشاؤه على مساحة نصف فدان، وبأحدث طراز؛ لخدمة أهالى القرية والقرى المجاورة، ومنذ تاريخ إنشائه عام 1990، لم يتم تشغيله، ليصطدم الأهالى بمبنى مقام دون جدوى. وأصبح مستشفى قرية البرامون بمحافظة الدقهلية منذ أكثر من 10 أعوام خاوياً من كل محتوياته، ورفضت الحكومة اقتراحات ومطالب قدمها الأهالى، للاستفادة من المبنى كمدرسة ثانوية فنية للتمريض. كما أغلقت مديرية صحة قنا مستشفى الحلفاية منذ عامين، ونقلت أجهزته إلى الوقف الأميرى، بعدما أنفقت الوزارة 4 ملايين جنيه على إنشائه، ليخدم 90 ألف مواطن داخل 5 قرى، وأصبح المبنى خاليًا، تسكنه الزواحف والكلاب الضالة، وتقدم الأهالى بعشرات الشكاوى لمحافظة قنا مطالبين بإعادة فتح المستشفى، نظرًا لبعد مسافة مستشفى الوقف الأميرى. أما مستشفى الصحة النفسية الذى يطل على نيل مدينة سوهاج مباشرة، فمنذ إنشائه عام 2009، لم يتم استغلاله حتى اليوم، كما لم تطرح الحكومة فكرة بيعه أو إيجاره للقطاع الخاص، وقد وصلت قيمته السعرية إلى أكثر من 30 مليون جنيه، وهو ما أكده النائب أحمد المشنب. وحسب ما توصلت إليه الدراسة، فإن حملات إزالة التعديات على عدد من ممتلكات الدولة من عقارات وفيلات واستراحات ومبان تمتلكها وزارة الرى، قدرت بمليارات الجنيهات، لا يوجد بها سوى الخفراء فقط.