في الوقت الذي تنفق فيه آلاف الجنيهات من السلطات المحلية في محافظات ومراكز ومدن الجمهورية لصناعة مجسمات فنية غاية في الرداءة والقبح لتزين الميادين الرئيسية في هذه المناطق أو تخلد ذكري الشخصيات الاستثنائية في هذه المجتمعات المحلية، فأن أصحاب الموهبة والمتخصصون في هذه الفنون بأنواعها موقوفون عن ممارسة نشاطهم الفني وموهبتهم المتفجرة. محمد فريز عبد الكريم 24 عامًا وشهرته توفيق فريز، هو واحدًا من هؤلاء الفنانين الشباب ذو الموهبة الفطرية الذين لا يعرفون معلومة واحدة عن مدارس النحت والنسب التشريحية وغيرها من أساسيات النحت ولكنه قادر بسرعة بالغة على تشكيل ونحت التماثيل بأحجامها في وقت قد لا يستغرق الساعة الواحدة لينتج عملًا فنيًا غاية في الروعة بخامات من البيئة المحلية التي يعيش فيها. تفجرت موهبة ذلك الشاب النحيل الأسمر في طفولته حيث يعيش في قرية على ضفاف النيل بمحافظة قنا، إذ كان يمارس نشاطًا مغايرًا لمن هم في عمره، يقول «فريز» ل «الوفد» إنه كان يستخدم الطمي في طفولته ليشكل ما يدور في خياله في صورة تماثيل صغيرة وألعابًا يلهو بها منفردًا كونه يحب العزلة والهدوء. تخرج توفيق فريز من دبلوم المدارس الثانوية الفنية واتجه للعمل في النيل صيادًا يجمع قوت يوم بيوم من حصيلة ما يصطاده ليوفر احتياجاته الضرورية وهو يحب عمله لأنه يمنحه الهدوء الذي يجعله يسبح في خيالاته ويخطط لتشكيلات جديدة من الطين. نصح المتعلمون في قرية توفيق، الفنان الفطري أن يبحث عن من يمد له يد المساعدة ويعينه على إبراز موهبته وإلحاقه بعمل يفجر طاقاته الإبداعية ويكون في نفس الوقت مصدر دخل له، وطرق أبوابًا كثيرة ومنه قصر الثقافة وورش النحت في غرب الأقصر ولكنه لم يجد ضالته. شكل توفيق فريز العشرات من التماثيل بأحجام مختلفة لشخصيات محلية بارزة في قنا مستخدمًا طمي النيل والتربة الزراعية بعد تنقيتها من الشوائب، إلى استطاع شراء كمية محدودة من الطين الأسواني الذي يستخدمه الفنانين في تشكيل التماثيل. يقول قررت أن أشكل تمثالًا كبيرًا للرئيس عبد الفتاح السيسي ولكن كمية الطين التي اشتريتها لم تكف سوي تشكيل الرأس وانتظر لأكمل التمثال بعد توافر النقود لشراء الطين !