تعد ذكرى استقلال دولة الكويت، التى صادفت الثلاثاء، نقطة تحول محورية تتجدد سنوياً، ولا سيما بعد أن أصبحت الكويت لاعباً أساسياً وتؤدى دوراً حيوياً فى المنطقة، ولها بصمات واضحة على المستوى العالمى فى شتى المجالات. فبعد مرور 57 عاماً على توقيع وثيقة استقلال البلاد وإلغاء اتفاقية الحماية مع حكومة بريطانيا يمكن القول إن الكويت نجحت فى تحقيق نجاحات على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية. ولا يخفى على أحد الدور الكبير الذى تؤديه الكويت فى تحقيق المصالحات بين الأشقاء وتقديم الدعم والإغاثة للمحتاجين من مختلف الأعراق والأديان والبلدان، وجاء التكريم من منظمة الأممالمتحدة بتسمية أمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (قائداً للعمل الإنسانى) ودولة الكويت (مركزاً للعمل الإنسانى). كما نجحت الكويت من خلال عضويتها غير الدائمة حالياً فى مجلس الأمن فى إصدار عدد من القرارات التى تحمل طابعاً إنسانياً بامتياز وتدعو إلى تخفيف الحصار عن المحاصرين وتقديم الإغاثة والغذاء للمحتاجين وخصوصاً الأشقاء السوريين. وفى تقرير صدر أخيراً حققت الكويت ترتيباً متقدماً فى مؤشر السلام العالمى لعام 2018، إذ احتلت المركز الأول فى الشرق الأوسط وشمالى أفريقيا من خلال دبلوماسية عمرها 70 سنة كان يشرف على صياغتها الشيخ صباح الأحمد. ومنذ فجر الاستقلال وعلى مدى 57 عاماً أنجزت الكويت الكثير على طريق النهضة الشاملة بتعاون أبنائها وصولاً إلى القيادة الحكيمة لسمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وسمو ولى العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح. ويعتبر ال 19 من يونيو عام 1961 الذى أعلن فيه الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح انتهاء معاهدة الحماية البريطانية من خلال توقيع وثيقة استقلال البلاد مع المندوب السامى البريطانى فى الخليج العربى السير جورج ميدلتن نيابة عن الحكومة البريطانية يوماً مفصلياً فى عمر الدولة وغايتها فى تحقيق التنمية الشاملة على مختلف الصعد. وتركت الكلمة التى وجهها الشيخ عبدالله السالم للشعب الكويتى بعد توقيع الوثيقة وقال فيها: «شعبى العزيز..إخوانى وأولادى فى هذا اليوم الأغر من أيام وطننا المحبوب..فى هذا اليوم الذى ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى من مراحل التاريخ ونطوى مع اشراقة صبحه صفحة من الماضى بكل ما تحمله وما انطوت عليه لنفتح صفحة جديدة تتمثل فى هذه الاتفاقية التى نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة» أعظم الأثر فى نفوس الكويتيين نحو بناء غد مشرق وتحقيق الطموحات. وشكلت وثيقة الاستقلال نقطة تحول حاسمة فى تاريخ الكويت المعاصر، إذ تم إلغاء اتفاقية الحماية التى وقعها الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع للكويت مع بريطانيا عام 1899 لحماية البلاد من الأطماع الخارجية. علم ودستور وفى عام 1963 صدر مرسوم بدمج العيد الوطنى بعيد الجلوس، وهو ذكرى تسلم الشيخ عبدالله السالم الصباح مقاليد الحكم فى البلاد والذى يصادف 25 فبراير من كل عام. وسبق التوقيع على وثيقة الاستقلال خطوات مدروسة من قبل الشيخ عبدالله السالم الصباح منذ توليه مقاليد الحكم عام 1950، إذ عمل على تحقيق الاستقلال وإعلان الدستور خصوصاً أن البلاد كانت فى تلك الفترة مهيأة للتطور والنهضة فى مختلف المجالات. وشهد عام الاستقلال صدور مرسوم أميرى بشأن العلم الكويتى، وهو أول علم يرفع بعد الاستقلال وتم تحديد شكله وألوانه، وجاءت الخطوة التالية عقب الاستقلال بتقديم الكويت طلباً لجامعة الدول العربية، إذ تم قبول عضويتها فى 16 يوليو 1961. وفى 26 أغسطس عام 1961 صدر مرسوم أميرى فى شأن إجراء انتخابات للمجلس التأسيسى تحقيقاً لرغبة الشيخ عبدالله السالم بإقامة نظام حكم قائم على أسس واضحة ومتينة وإصدار دستور يستند إلى المبادئ الديمقراطية، إذ أنجز المجلس المنتخب مشروع الدستور الذى يتكون من 183 مادة خلال تسعة أشهر. واتسم دستور الكويت بروح التطور التى تعطى للشعب الكويتى الحلول الديمقراطية للانطلاق فى درب النهضة والتقدم والازدهار، والذى مكن البلاد من انتهاج حياة ديمقراطية سليمة مستمدة من دستورها المتكامل الذى أقر من قبل مجلس تأسيسى منتخب من الشعب. وكان عهد الشيخ عبدالله السالم الذى امتد 15 عاماً من السنوات البارزة فى تاريخ الكويت، وأطلق عليه لقب «أبو الاستقلال» و«أبو الدستور» نظراً إلى جهوده المضنية وتضحياته وحكمته لنيل هذا الاستقلال. تنظيم الإدارات الحكومية وبدأت الكويت فى تلك الحقبة وضع القوانين والأنظمة مثل قانون الجنسية وقانون النقد الكويتى وقانون الجوازات وتنظيم الدوائر الحكومية، وكلها خطوات على طريق الاستقلال التام، وتم إنجاز نحو 43 قانوناً وتشريعياً مدنياً وجنائياً. كما صدر مرسوم أميرى بتنظيم القضاء وجعله شاملاً لجميع الاختصاصات القضائية فى النزاعات التى تقع فى البلاد بعد أن كانت بعض القضايا تنظر أمام هيئات غير كويتية. ونالت الكويت عضوية العديد من المؤسسات الدولية، منها المنظمة الاستشارية البحرية والاتحاد الدولى للمواصلات السلكية واللاسلكية، وبعد ذلك نالت عضوية الاتحاد البريدى العالمى ومنظمتى الصحة العالمية والأغذية والزراعة (فاو). وانضمت الكويت أيضاً إلى منظمتى الأممالمتحدة للتعليم والبحث العلمى والثقافة (يونسكو) والدول المصدرة للبترول (أوبك). ولم تكن الكويت فى ذلك الوقت بعيدة عن التفاعل والمشاركة فى العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية العربية. وأيضاً كانت البلاد زاخرة بالعديد من الإدارات المنظمة جيدا والمهيأة على مستوى البنية الهيكلية لمزيد من التوسع والتطوير كإدارات الأشغال العامة والصحة العامة والمطبوعات والنشر وأملاك الدولة المالية إضافة إلى المعارف والبلدية والبريد والبرق والهاتف والكهرباء والماء والغاز والشئون الاجتماعية والأوقاف العامة والإذاعة والتلفزيون. إنجازات متلاحقة وشهدت السنوات التى أعقبت الاستقلال العديد من الإنجازات، فعلى الصعيد الدبلوماسى جاءت الخطوة الأولى بإنشاء وزارة الخارجية بإصدار مرسوم أميرى فى 19 أغسطس 1961 يقضى بإنشاء دائرة للخارجية تختص دون غيرها بالقيام بالشئون الخارجية للدولة. ونص المرسوم فى مادته الثانية على دمج سكرتارية حكومة الكويت بدائرة الخارجية التى تحولت فى أول تشكيل وزارى إلى وزارة الخارجية، وبعد صدور مرسوم إنشاء الدائرة صدر مرسوم أميرى بتعيين أول مسئول عن الشئون الخارجية عقب الاستقلال وهو الشيخ صباح السالم الصباح وذلك فى عام 1961. وفى عام 1962 عين الشيخ صباح السالم وزيراً للخارجية فى أول تشكيل وزارى وأعقبه الشيخ صباح الأحمد فى التشكيل الوزارى الثانى عام 1963. وعلى المستوى الدولى بدأ مجلس الأمن الدولى النظر فى طلب الكويت الانضمام إلى منظمة الأممالمتحدة بعد استقلالها إلى أن نالت الكويت عضويتها فى 14 مايو 1963. وسارت الكويت بخطى ثابتة تجاه النظام العالمى الجديد والشرعية الدولية برفض العدوان وحماية حقوق الإنسان والمحافظة على خصوصية الدول وعدم التدخل فى شئون الدول الأخرى، كما آمنت بدور الأممالمتحدة فى الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين. روح انسانية وتجسد استضافة الكويت عدداً من المؤتمرات الدولية لدعم اللاجئين والمنكوبين خاصة من الأشقاء السوريين بالإضافة إلى مشاركة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد فى مؤتمرات عدة لدعم القضية الفلسطينية ونزع فتيل الأزمات فى المنطقة دليلاً واضحاً على استمرار النهج القديم الذى أسست عليه الدولة. كما مثلت استضافة الكويت لمفاوضات السلام بين الفرقاء اليمنيين فى محاولة جادة لإنهاء الأزمة فى البلد الشقيق تأكيداً لمبادئ الدستور الكويتى فى احترام حقوق الشعوب فى الحرية والديمقراطية وحل المشكلات بالوسائل السلمية، ولا ننسى الدور الكبير لسمو الأمير ودولة الكويت بشأن الحرص على لم الشمل الخليجي. وبناء على ما سبق أيضاً فإن الكويت كانت وستبقى (درة الخليج) من خلال خطة التنمية التى تسعى إلى تحقيقها (كويت جديدة 2035) عبر استقطابها الاستثمارات الخارجية وتحقيق النهضة الشاملة فى جميع المشروعات المتضمنة فى الخطة.