شهدت السنوات الخمس الأخيرة تغييرا جذريا في تاريخ السلفية المصرية نتيجة ظهور الفضائيات الدينية والحضور المكثف لمشايخ التيار السلفي فيها بعد ان ظلت السلفية لفترة طويلة أسيرة لخطاب دعوي ضيق المحيط والتأثير لا يتعدى محيط المساجد التابعة لجمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية والتي غالبا ما يكون روادها من السلفيين أنفسهم. وعقب سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك أثارت مواقف السلفيين المتباينة من الثورة المصرية الكثير من الجدل خاصة مع التحول المفاجئ والسريع لأطيافها الأساسية بعدما كان الرفض والانعزال هو سيد الموقف وذلك لأسباب كثير ة، فلم يكن للسلفيين يد قوية في إنجاح الثورة أو المساهمة الفاعلة فيها بل كانت التهدئة هي الحالة الأبرز بين كافة تياراتهم لكن عقب سقوط النظام لم يواصل السلفيون بكافة فصائلهم خمولهم فرأينا نشاطا ملحوظا ومحاولة فاعلة للاستفادة من كل كبيرة وصغيرة في ظل انهيار جهاز أمن الدولة والذي طالما عانوا من ممارساته القمعية لعقود، فسعى السلفيون إلى تجاوز هذا الموضوع سريعا والتفاعل مع المتغيرات وظهروا فجأة كفصيل سياسى حقق ما لم يتوقعه أحد فى أول انتخابات بعد الثورة وهو الأمر الذي جعل السلفيين في مصر تحت الأضواء والنيران أكثر من أي وقت مضى. وقد جاءت واقعة البلكيمى لتهز كيان السلفيين نظرا لمساسها بجوهر فكرهم إلا ان قرار الفصل اعاد لهم التوازن ثم جاءت واقعة رفض بعض نواب حزب النور السلفى الوقوف دقيقة حداداً على روح البابا شنودة لتؤكد ان التزمت من خصالهم وانهم ما زالوا فى مرحلة البداوة السياسية، وطوال الفترة الماضية حاول السلفيون الخروج من عباءة الإخوان باتخاذ مواقف منفردة يظهرون بها كفصيل سيد قراره ولنضرب أمثلة على ذلك منها رفض النواب السلفيين بمجلس الشعب مطالب زملائهم أعضاء لجنة الشئون العربية ب«التعامل مع السعودية بأسلوب الضغط» من أجل الإفراج عن المعتقلين المصريين وذلك برفض حق السعوديين في التملك وعدم تقديم أي تسهيلات لهم في مصر، وقال النواب السلفيون خلال اجتماع للجنة الشئون العربية بالمجلس إن وضع مصر لا يحتمل ذلك ولكن يجب أن نشكل هيئة مصرية سعودية لإعادة صياغة العلاقة بالشكل المناسب . ورغم اتفاقهما على اسس لجنة المائة ونجاح القائمة المتفق عليها الا ان الدكتور عادل عفيفى، رئيس حزب الأصالة السلفى حمل مسئولية أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور لحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان وقال: عليه أن يجد حلاً فوراً لإنهاء تلك الأزمة التى صنعها بنفسه، فهو الذى حضر العفريت وعليه أن يصرفه، وأضاف أن حزب الحرية والعدالة يستخدم أغلبيته فى إقصاء الأحزاب الليبرالية وبعض الأحزاب الإسلامية من تشكيل هذه الجمعية، وللأسف ورط معه حزب النور فى تلك الأزمة مما جعل الشارع فى حالة غضب من الإسلاميين، محذراً من أن إلغاء تلك الجمعية سيكون فضيحة كبيرة لمجلسى الشعب والشورى، وسيفقد الشارع الثقة فى البرلمان وعلى حزب الحرية والعدالة أن يصدر بياناً يوضح فيه طريقاً آخر للخروج من الأزمة التى وضعنا فيها. ولا يقف الخلاف بين الفصيلين عند هذا الحد، فبينما يهتم الإخوان بزيادة صلاحيات البرلمان وعودة جنرالات المجلس العسكرى لثكناتهم، يبقى السلفيون داعمين لجدول أعمالهم والذى يرى أنه لا يجب الخروج على الحاكم، حتى أن البعض يتوقع أن يستغل المجلس العسكرى وجود السلفيين كثانى أكبر كتلة فى البرلمان للحد من سيطرة الإخوان، وهو نفس التكتيك الذى نجح نظام مبارك فى تطبيقه من قبل. وقد اتخذ حزب النور موقفا مغايرا للاخوان فى قضية سحب الثقة من حكومة كمال الجنزوري، وراح أعضاؤه يبذلون جهودًا كبيرة لإقناع حزب الحرية والعدالة بعدم سحب الثقة، وقال هشام أبو النصر عضو الهيئة العليا لحزب النور وأمين عام الحزب بمحافظة الجيزة: «إن حزب النور يتشاور مع جميع القوى السياسية والحرية والعدالة ويدعونهم لعدم سحب الثقة من حكومة الدكتور كمال الجنزوري، نظرًا لأنه لو تم تشكيل حكومة جديدة لن تستطيع فعل أي شيء لأن الوقت المتبقي من الفترة الانتقالية ضيق جدًّا». وأكد الدكتور عماد عبد الغفور رئيس حزب النور - أن البلد ملتهب ولا يتحمل أي تغيرات، ورغم الأداء السلبي للحكومة، إلا أنهم يرفضون سحب الثقة بسبب ضيق الوقت المتبقي من الفترة الانتقالية، وقال يسري حماد عضو الهيئة العليا لحزب النور: «رغم أنه لا يوجد أي دور للحكومة في محاربة الفساد داخل أجهزة الدولة، إلا أن حزب النور مازال مصرًّا على موقفه، وهو أن الوقت ليس مناسبًا لسحب الثقة من الحكومة»، مشيرًا إلى إمكانية الجلوس مع الدكتور كمال الجنزوري لوضع أطر لحل القضايا العاجلة، وتعديل أداء الحكومة، بما يضمن تحقيق مطالب الشعب المصري، وقد عبر السلفيون عن موقفهم الرافض لسحب الثقة فى تقرير الرد على بيان الحكومة والذى أعلن الإخوان لجان المجلس ال19 رفضته إلا أن الواقع يختلف عندما تقرأ الرد فاللجان التى يترأسها الإخوان سردت اسباب الرفض وكتبت فى نهاية التقرير ان اللجنة ترفض البيان شكلا وموضوعا ما عدا اللجنة الدينية التى يترأسها الشيخ سيد عسكر واللجنة التشريعية التى يرأسها المستشار الخضيرى فقد شاركت السلفيين قرار الرفض ففى اللجنة التشريعية جاء فى بيانها «توصى اللجنة بسرعة اعداد مشروعات القوانين الواردة ببيان الاستاذ الدكتور رئيس الوزراء التى تتطلبها المرحلة الحالية التى تمر بها البلاد واعداد التعديلات اللازمة على القوانين السارية وعلى رأسها مشروع قانون بتعديل بعض احكام قانون السلطة القضائية وقانون العقوبات والإجراءات الجنائية.. الخ وجاء فى ختام بيانها توصية بسرعة ورود مشروعات القوانين التى تهدف الى تعزيز مسيرة الديمقراطية ورعاية حقوق المواطنة وكفالة ممارستها فى مناخ من الأمان والحرية. وجاء تقرير لجنة الاقتراحات والشكاوى التى يرأسها السلفى طلعت مرزوق قصيرا جدا إذ جاء به ضرورة ان يكون لدى ممثلى الحكومة الذين توجه إليهم الدعوة لحضور لجنته سلطة اتخاذ القرارات عند بحث مشروعات القوانين وكذلك التنسيق بين الوزارات فى سرعة الرد الحاسم وحسم الشكاوى المتعلقة بمشاكل المواطنين التى تحيلها اللجنة الى هذه الوزارات والأجهزة لبحثها، ولم تذكر اللجنة ما يفيد رفضها لبيان الحكومة، وهكذا الحال فى لجنة الزراعة والرى برئاسة محمود هيبة حيث قدمت مقترحات واختتمت تقريرها بأمنية وهى إعادة النظر فى التشريعات الأخرى التى لم يشملها البيان لدورها فى دفع عجلة التنمية الزراعية وهى القانون رقم 53 لسنة 1966 بإصدار قانون الزراعة، والقانون رقم 124 لسنة 1983 بشأن صيد الأسماك والأحياء المائية، والقانون رقم 143 لسنة 1981 الخاص بالحفاظ على الأراضى الزراعية ولم تأت جملة الرفض على الإطلاق، وسارت على نفس الدرب لجنة التعليم والبحث العلمى برئاسة شعبان عبد العليم حيث جاء بها ان البيان لم يتضمن خططا لمواجهة مشكلات ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس وانتشار الدروس الخصوصية وقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 ومشكلة البحث العلمى وكيفية تطوير المعلم ماديا وفنيا وأسباب تدهور التعليم الفنى ، ولم تعلن اللجنة رفضها صراحة، ولم ترد جملة الرفض أيضا فى بيان لجنة الإدارة المحلية التى يترأسها السلفى صابر عبدالصادق وجاء به ان البيان هزيل وضعيف وخال من المضمون ولم يحدد جدولا زمنيا أو تفاصيل تنفيذية لكثير من القضايا ولذلك توصى اللجنة بضرورة الانتهاء من اعداد مشروع الادارة المحلية والتأكيد على ما جاء فى البيان من تعزيز اللامركزية وتفويض المحافظين فى بعض سلطات الحكومة المركزية، ووضع سياسات قومية واضحة تحدد دور الوحدات المحلية فى التنمية وضرورة استكمال مشروعات الصرف الصحى ومياه الشرب وزيادة الاعتمادات لمشروع الاسكان الاجتماعى وضرورة تنمية الصعيد واستكمال المشروعات المتوقفة به.