كشف ترشيح جماعة الإخوان لخيرت الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية أن ما جرى بين المجلس العسكرى والإخوان فى الأسابيع الماضية، لم يكن طلاقاً أو خلعاً بل محاولات للمناورة وطمس الحقيقة، فالإخوان يستطيعوا الخروج عن طاعة المجلس ومادام ترشيح الشاطر قد مر دون أدنى تعليق من المجلس العسكرى فهو يحمل موافقة ضمنية وربما دعماً دون شك. وبل وكشف حوار ل«ماكين» أنه تقابل مع «الشاطر» قبل شهرين وعندما أبلغه «الشاطر» بنية الجماعة ترشيحه للرئاسة لم يعارض «ماكين».. بل رحب بذلك مادام الرئيس القادم لن يطالب بإلغاء معاهدة كامب ديفيد.. وتلك المقابلة التى سبقت الإفراج عن الناشطين الأمريكيين الذين كانوا ممنوعين من السفر وقتها ربما تفسر الإفراج عنهم وسفرهم بعد ذلك فى صفقة بدأت أسرارها تتكشف للجميع. والمجلس ضالع فى كل ما جرى دون شك، بدليل موافقته على سفر الأمريكان المتهمين بعد دعم الإخوان لذلك، وأيضاً فى منح المجلس العسكرى إعفاء تام ل«الشاطر» يجعل من حقه استعادة حقوقه السياسية ومنها الترشح لرئاسة الجمهورية. إذن كان لكل ما جرى فى المشهد السياسى فى الأسابيع الماضية مرتباً له ولم يكن وليد صدفة أو صدام بين المجلس والإخوان، وقد كان الخلاف المعلن بين الطرفين من قبيل ذر الرماد فى العيون.. ومما لا شك فيه أن الصفقة لم تكتمل حتى الآن، وسيقطع الوقت والأحداث عن باقى تفاصيلها. ومن بعد رفض الإخوان فى مواقف كثيرة معلنة لكل قياداتها لمسألة ترشيح أحد قياديها لمنصب الرئاسة، وصولاً إلى لحس هذه الوعود وترشيح «الشاطر» وقبلها استئثار الإخوان والسلفيين بأغلب أعضاء الجلنة التأسيسية للدستور وتعيين غالبية الجمعية الدستورية من أعضائها، وقبلها لهم على أغلب مقاعد مجلسى الشعب والشورى فإن الإخوان يعملون بمبدأ الجراد السياسى الذى يلتهم كل ما يجده فى طريقه من مناصب سياسية ربما فى انتظار إعلان الدولة الدينية فى مصر، ولتذهب الديمقراطية وحقوق المواطنة إلى الجحيم! وبوادر الدولة الدينية فى مصر تلوح فى الأفق لمن لا يرون أو يتعاملون مع ذلك من رغبة برلمانية فى أن يحتوى الدستور القادم حتى بنوده على أن الشريعة الإسلامية إلى المصدر الوحيد للتشريع، ثم المطالبة بتطبيق حد الردة وبعده مطالبة الأقباط بدفع الجزية وسن قانون للزكاة، وأخيراً فهناك من يطالب بإصدار صكوك إسلامية.. وهكذا تطل الدولة الدينية برأسها دون خشية أو تحرج، انتظاراً لدعم مباركة الرئيس القادم من عباءة الإخوان وربما بدعم من السلفيين أيضاً. وكم عانينا قبل الثورة من رئيس ينتمى للحزب الوطنى ومن مجلس وزراء به عدد لا بأس به من رجال أعمال أتوا على الأخضر واليابس، إلى رئيس ينتمى لحزب الحرية والعدالة يضاف له أنه رجل أعمال أيضاً، وهكذا تطورت الأمور فى مصر من بعد زواج المال والسلطة الذى أفسد كل شىء فى المحروسة إلى تراوج المال والسلطة بل والدين أيضاً وهو أمر غير مسبوق فى العالم كله! فهل هذا هو ما كانت تنشده الثورة والثوار الذين سقطوا بالآلاف بين شهيد ومصاب؟ أم أن ما يحدث فى مصر المروسة الآن هو التطور الحقيقى للحاجة الساقعة؟ وهكذا توشك مصر أن تحصل على رئيس قادم من السجن، فهو ومنذ عام 1992 قد قضى أغلب وقته سجيناً.. وهو لم يسجن فى قضايا وطنية مثل نيلسون مانديلا لنرحب به كزعيم وطنى قادته الثورة من السجن لكرسى الرئاسة، بل إن التهم التى سجن بسببها «الشاطر» هى غسيل أموال. وإذا كان المجلس العسكرى قد ارتضى أن يمنح «الشاطر» عفواً لغسيل السمعة ضد من كل من سجن بتهمة مشابهة، أو غير مشابهة، أن يحصل على عفو عام؟ ولا عجب أن رأينا ممن يذهبون للحصول على استمارة ترشح لرئاسة الجمهورية منهم مدعى نبوة ومنهم من يحمل مطواة أو حشيش، فلم يعد ذلك غريباً ما دام باب الترشح للرئاسة قد صار يحتمل كل ذلك! وأتساءل فى حالة فوز خيرت الشاطر بمنصب الرئاسة، هل ستكون قراراته الرئاسية خالصة لوجه الله أم أنها ستمر على مكتب المشرد العام لتحصل على المباركة والموافقة أولاً، ولا يتبقى ل«الشاطر» غير التوقيع، فالمرشد العام هو أعلى منصب فى جماعة الإخوان المسلمين ولا يجوز لأحد مخالفته، فهل يجرؤ الشاطر على ذلك، وهو النائب السابق للمرشد لعام، خاصة أن إعلان ترشح خيرت الشاطر لمنصب الرئاسة، ثم إعلانه من مقر الإخوان المسلمين وليس من مقر حزب الحرية والعدالة؟ إن ذلك الأمر يثبت يقيناً أن الجماعة والحزب شىء واحد، وأن الحزب يأتمر بأمر الإخوان والمرشد العام، وأى قول بغير ذلك فيه مغالطة كبيرة! وإذا كان المرشد العام ق دانتقد بعض الإعلاميين بأنهم سحرة فرعون بسبب تقدم للجماعة التى لا تحتمل أى نقد يوجه لها، فما رأيه فيما قاله محمد حبيب، نائب المرشد السابق، بأن موقف الإخوان من ترشح الشاطر للرئاسة يفقد الجماعة مصداقيتها أمام الرأى العام، وكذلك اعتراض كمال الهلباوى على الأمر نفسه واستقالته بسببها من الجماعة، وأيضاً هجوم بعض شباب الإخوان على قرار الجماعة؟ وكذلك عصام الإسلامبولى من الجماعة الذى أعلن قدمه عن دفاعه السابق عن جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم كثيرون من رموز التيار الإسلامى الذين أبدوا رفضهم ومعارضتهم لقرار اختيار الشاطر كمرشح رئاسى. فهل هؤلاء أيضاً من سحرة فرعون الذين تحدث عنهم المرشد العام؟ وإضافة إلى ما سبق فقد تداول بعض الناشطين على فيس بوك حالة خيرت الشاطر الصحية فهو يعانى أمراض مثل السكر وارتفاع ضغط الدم والتهاب الأعصاب وحساسية الصدر، ناهيك عن أى مشاكل نفسية قد تواجه شخصاً قضى أغلب العشرين عاماً الأخيرة فى السجن؟ وذلك ما يدفعنا لأن يتضمن الدستور القادم إلزاماً بالكشف الصحى والنفسى عن حالة أى مرشح للرئاسة، حتى لا توضع مقادير البلاد فى يدى من لا يستطيع القيام بها صحياً ونفسياً. لقد اختار الإخوان الجانب الخطأ فى ترشحهم للشاطر ووقفوا فى وجه كل المستنيرين من أصحاب التيار الإسلامى ووقفوا فى وجه الرأى العام الذى لا يعبأون به كثيراً، كما قال أحد قياديهم وهم وإن لفظوا الرأى العام فسوف يلفظهم الرأى العام وسيسقطهم من حساباته واختياراته فى ظل رغبة الجماعة فى الاستحواذ والتكويش على كل المناصب السياسية فى مصر، فإذا كنا قد رفضنا ذلك فى السابق أثناء حكم الحزب الوطنى فمن باب أن نرفضه وبشدة بعد قيام الثورة، أما سياسة العناد التى تنتهجها الجماعة وتصر عليها فهى لن تضر أحداً سواهم فى القادم من الأيام وأفقدتهم الكثير من رصيدهم الشعبى، مع أول ممارسة سياسية حقيقية لهم وسيتأكد لهم أن غلطة اختيار الشاطر.. بألف. ---- بقلم: مجدى صابر