يتميز الشعب الجزائري خلال شهر رمضان بعادات وتقاليد نابعة من تعدد وتنوع المناطق والقبائل والعروش التي تمثل نسيجه الاجتماعي، وما يملكه من تعدد وتنوع ثقافي تمثله الأكلات التقليدية العريقة في شهر رمضان التي تتنوع من ولاية إلى أخرى، بالإضافة إلى السهرات الرمضانية والقاعدات الشعبية في أحياء مدن الجزائر العريقة والمساجد التي تمتلئ طيلة الشهر لأداء صلاة التراويح. وما يميز شهر رمضان في الجزائر أن جميع السكان يحرصون على النظافة حتى أصبحت قاعدة أساسية وسلوكا لا بد منه مع حلول رمضان، حيث تبدأ النظافة من الذات إلى المحيط، فقبل يوم فقط تتوجه الأسر الجزائرية إلى الحمامات التي تعرف إقبالا كبيرا من العائلات في الأيام الأخيرة من شهر شعبان للتطهر واستقبال هذا الشهر الكريم للصيام والقيام بالشعائر الدينية في أحسن الأحوال. ومن بين الإجراءات التي تدخل في نفس السياق، التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله من خلال ما تعرفه تقريبا كل المنازل الجزائرية من إعادة طلاء المنازل أو تطهير كل صغيرة وكبيرة فيها، علاوة على اقتناء كل ما يستلزمه المطبخ من أوان جديدة وفرش وأغطية لاستقبال هذا الشهر. وتتسابق ربات البيوت في تحضير كل أنواع التوابل والبهارات والخضر واللحوم البيضاء منها والحمراء لتجميدها في الثلاجات حتى يتسنى لهن تحضير لأفراد عائلتهن ما تشتهيه أنفسهم بعد يوم كامل من الامتناع عن الأكل والشرب. ويتم خلال أول يوم من صيام الأطفال الذي يكون حسب ما جرت عليه العادة، اليوم الأول من الشهر الكريم أو ليلة النصف أو ليلة 27 منه إعداد مشروب خاص يتم تحضيره بالماء والسكر والليمون مع وضعه في إناء بداخله خاتم من ذهب أو فضة من أجل ترسيخ وتسهيل الصيام على الأبناء مستقبلا، علما أن كل هذه التحضيرات تجري وسط جو احتفالي، بحضور الوالدين والجد والجدة وأفراد آخرين من الأسرة والأقارب، وهذا تمسكا بعادات وتقاليد أجدادهم والسير على درب السلف. والأطفال الذين يصومون لأول مرة، تقام لهم احتفالات خاصة، تشجيعا لهم على الصوم وترغيبا في الشهر الكريم ويحظون بالتمييز من أجل دفعهم للمواظبة على أداء فريضة الصيام، فالبنات يلبسنهن أفضل ما لديهن من ألبسة ويجلسن كملكات وسط احتفال بهيج بصيامهن وتختلف مناطق الوطن في القيام بهذه العادة وسط جو أسري يحفزهم على المحافظة على فريضة الصوم. وتتفنن ربات البيوت في إعداد مختلف أنواع المأكولات التي تتزين بها المائدة ساعة الإفطار، كما يمكن ملاحظة ظاهرة إيجابية تميز العائلة الجزائرية وتعبر عن أواصر التكافل والترابط الاجتماعيين، وهي تبادل النساء مختلف أنواع المأكولات بغرض تجديد محتويات موائد الإفطار يوميا. ولا يقتصر مطبخ العائلة الجزائرية على الأطباق التي تميز المنطقة التي تنتمي إليها العائلة، بل تشمل أيضا كل أصناف وأنواع الأكلات التي تميز مائدة رمضان في مختلف أرجاء القطر الجزائري. ويعد طبق "الشوربة" كما تسمى في الوسط و"الجاري" في الشرق الجزائري أو "الحريرة" المشهورة في غرب البلاد من الأطباق الضرورية التي لا يمكن أن تخلو منها أي مائدة في هذا الشهر وتتنوع الأطباق الأخرى حسب أذواق ربات البيوت, كما لا يقتصر تحضير العائلة الجزائرية لمائدة الإفطار فحسب، إنما يتم كذلك إعداد أو شراء مختلف المقبلات والحلويات التي تجهز خصيصا لسهرات رمضان، وبهذه المناسبة تتحول جل المطاعم والمحلات التجارية لبيع قلب اللوز والزلابية والقطايف والمحنشة وغيرها من الحلويات، كما تتكفل جمعيات الهلال الأحمر الجزائري في هذا الشهر الكريم، عبر إمتداد البلاد بإقامة موائد الرحمة لكل الفقراء والمساكين وعابري السبيل الذين يتعذر عليهم الإفطار في الجو الأسري المفترض في مثل هذه المناسبة، كما تتكفل الجمعيات الخيرية طيلة الشهر بتوزيع قفة رمضان على الأسر المحتاجة. وبمجرد الانتهاء من الإفطار، تدب الحركة عبر طرقات وأزقة العاصمة، إذ يتوجه البعض إلى بيوت الله لأداء صلاة التراويح ويقبل آخرون على المقاهي وزيارة الأقارب والأصدقاء للسمر وتبادل أطراف الحديث في جو لا تخلو منه الفكاهة والمرح والتلذذ بارتشاف القهوة أو الشاي حتى انقضاء السهرة في انتظار ملاقاة أشخاص آخرين في السهرات المقبلة. ومن العادات التي ما زالت راسخة في المجتمع الجزائري عادة ما يسمى بالبوقالات التي كانت تجمع النساء والفتيات طيلة سهرات رمضان في حلقات يستمعن فيها لمختلف الأمثال الشعبية ساعيات إلى معرفة مصيرهن من خلال ما تحمله هذه الأخيرة من "فال"، وعادة ما تبدأ الجزائريات سهرة البوقالات بجملة "حاجيتك ماجيتك" أو "اعقد وانوي" ويتنافس المسلمون في الجزائر على تأدية الشعائر الدينية، وهذا بالإكثار من الصلوات وتلاوة القرآن أثناء الليل وأطراف النهار، ناهيك عن إعمار المصلين المساجد في أوقات الصلاة وصلاة التراويح وقيام الليل وحتى خارج أوقات الصلاة. ويعد شهر رمضان حسب أغلبية العائلات الجزائرية المسلمة الشهر الوحيد الذي يلتف حول مائدة إفطاره كل أفراد العائلة الصائمين في وقت واحد وفي جو عائلي حميمي لتناول مختلف أنواع المأكولات التي يشتهر بها المطبخ الجزائري. من جهة أخرى، يحظى الأطفال الصائمون لأول مرة باهتمام ورعاية كبيرتين من ذويهم تشجيعا لهم على الصبر والتحمل والمواظبة على هذه الشعيرة الدينية وتهيئتهم لصيام رمضان كامل مستقبلا.