أحمد طه فرج قال أهل العلم القلب الخاشع هو المنكسر لله تعالى، والشعور بأن الله يراقب الإنسان، فيفر من كل ما يغضب الله، والانكباب والاعتكاف على كل ما يحبه الله، ولا يمكن أن يتمكن الخشوع من القلب إلا إذا أحب الإنسان الله وشعر بوجوده معه فى كل كلمة ينطقها أو همسة يشير بها أو إطراقة أو إشارة بطرف العين؛ إن الإنسان تتغير صفاته حين يكون مع من يحب، فيجهد نفسه بالتحلى بجمال الصفات وحسنها، ويداوم على إظهار ما يرغب به المحبوب وإخفاء ما يبغضه، فكيف إذا صار هذا الشعور إلى القلب مع الله مالك الملك الذى بيده كل شىء، لا شك أن الأثر سيكون عظيماً لأن المحبوب عظيم، تظهر علامات الخشوع على الإنسان في كل جزئياته مهما صغرت، فتصرفاته محكومة ومضبوطة بحكم الله وشرعه، إذ يظل يتذكر أنه مراقب وأنه يفعله للخير وقيامه بحق الله عليه سينال الرضا من ربه الذى يحبه، وبإقدامه على ما يعصى به الله ويغضبه فسيصيبه غضب الله عليه وهذا ما لا يطيقه، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى وفى صدره أزيز كأزيز الرحى أى الطاحون من البكاء، وهذا من العلامات التى تظهر فى أداء الفرائض كما كان يكثر من الاستغفار فى اليوم وهو النبى الذى عصمه الله من الزلل، والذى لو أراد من الله ما أراد لأجابه فكيف بالبشر الذين جبلوا على الزلل والخطأ، لا شك أن هذا أدعى أن يلتزم الناس بالاستغفار الدائم الذى يدل قطعاً على حسن الخشوع واستقراره فى القلب، ومثلما حث القرآن والسنة الشريفة على الخشوع فقد حذر النبى من عدم الخشوع، فاستعاذ من القلب الذى لا يخشع، وللخشوع فوائد جمة، فهو يجعل الإنسان منشغلاً بإرضاء الله عز وجل دائم العمل دون فتور أو أناة لا يهدأ له جفن، يسعى إلى التزود من الأعمال الصالحة، التى يقتنع بأنها الرصيد الوحيد الذى عليه أن ينميه ويزيد فى كنزه ويودع منه قدر الاستطاعة عند رب السماوات والأرض الذى يضاعف تلك الأعمال، وعنده الحسنة بعشر أمثالها، ولا خسارة فى التجارة مع الله جل جلاله، والخشوع يخلق الحرص الشديد عند الإنسان بأن يشتغل بالعلم النافع والعمل الصالح، فهناك دافع عظيم يقوى من صلابته وعزيمته على النهل من العلم والتزود بالعمل الخير المفيد له وللمجتمع أجمع، كما أن الخشوع ينأى بالإنسان ويصعد به بعيداً عن الكبر والرياء والغرور، فيبدد ضباب نفسه الذى قد يتراكم نتيجة عدم خشوعه، ويحل محله النور والضياء والصفاء، فترتاح النفس، وترى كل ما حولها جميلاً يدعو للتفاؤل والإقبال على الله، والخشوع سبب النفس، وترى كل ما حولها جميلاً يدعو للتفاؤل والإقبال على الله، والخشوع سبب فى رقة القلب وبعده عن القسوة فقد قال تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون». وهذه القسوة المتأتية من ضعف الخشوع أو انعدامه تؤدى إلى الفسق والخشوع سبب فى الفلاح بنص قوله تعالى: «قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم فى صلاتهم خاشعون»، ولفرط أهمية الخشوع فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: «أول ما يرفع من الناس الخشوع»، أما مواطن الخشوع فهى فى كل صغيرة وكبيرة، ولكنه ارتبط بالصلاة أكثر من غيرها لأنها تتضمن الكثير من الأعمال كالذكر، والدعاء، وقراءة القرآن والركوع والسجود فهى أم الأعمال، فلم يعف منها نبى، وورد ذكرها ووجوبها على كل الأنبياء وهى فريضة دائمة تجعل العبد على اتصال دائم غير منقطع بربه؛ لذلك تساهم الصلاة بدرجة كبيرة فى زيادة الخشوع فى القلب وتضمن احتفاظه به دائماً، فكلما تسرب أو تسلل إلى النفس الهوى والشهوة سارعت الصلاة فى تنبيه الخشوع وحضوره إلى القلب ليطرد الشهوة شر طردة ويثنى النفس والجسد عن شر كاد يحيق به.