ملف أعده: مجدى سلامة - اشراف: نادية صبحى حوالى 6 ملايين مصرى يعملون فى الجهاز الإدارى للدولة، وهو عدد يفوق سكان دول كبيرة، والمفاجأة أن هذا الجيش الكبير من الموظفين والعاملين لم يشاركوا حتى هذه اللحظة فى الحرب على الإرهاب! خلال سنوات الحرب مع إسرائيل كان عمال مصر وموظفوها يعملون عدداً من الساعات أسبوعياً فوق ساعات العمل الرسمية، ويخصصون أجر هذه الساعات للمجهود الحربى. وخلال أيام حرب أكتوبر لم يشهد المجتمع المصرى كله أية جريمة، أو حتى مخالفة مرورية، طوال أيام المعركة التى بلغت 20 يوماً، ولم يحرر المصريون طوال هذه الأيام سوى محضر واحد حرره مواطن ضد جاره بسبب معركة نشبت بين ابنه وابن الجيران، وبعدها بساعات عاد ذات المواطن بنفسه ليتنازل عن المحضر، وقال ما معناه إنه «اتكسف من نفسه» عندما وجد الدولة بكل أجهزتها تخوض حرباً مع العدو، بينما هو مشغول بتحرير محضر ضد جاره، ولما سأله ضابط الشرطة الذى حرر المحضر عما فعل مع جاره الذى كان قد شكاه، فقال إنه اعتذر له بنفسه و«باس راسه» وعزمه وأولاده على العشاء، تكفيراً له عن إقدامه على تحرير محضر ضد ابن بلده فى وقت الحرب. هكذا كان يفعل المصريون خلال سنوات وأيام الحرب.. والآن.. يخوض الجيش المصرى والأجهزة الأمنية حرباً ضارية مع جماعات إرهابية تمولها دول تعادى المصريين، وأجهزة مخابرات تسعى بكل قوتها لإسقاط الدولة المصرية، ورغم هذه الحرب المستعرة، لم يدخل موظفو مصر هذه الحرب، فلا هم قدموا مجهوداً إضافياً فى عملهم لدعم المجهود الحربى، والأغرب أنهم لم يقفوا على الحياد فى تلك الحرب، فلا هم يقومون بعملهم بالشكل المطلوب، ولا هم يحرصون على تجويد عملهم وتحسينه، واكتفى الغالبية العظمى منهم بالعمل لمدة 30 دقيقة فى اليوم، رافعين شعار «على أد فلوسهم»، ولا تزال إنتاجية الموظف المصرى واحدة من أقل المعدلات العالمية، فلا تتجاوز إنتاجية المصرى 1600 دولار سنوياً.. ولا يزال موظفو مصر يستمتعون ببهدلة كل من يتردد عليهم طالباً خدمة أو حتى طارحاً سؤالاً!.. ولا يزال نسبة غير قليلة من موظفى مصر يقضون ساعات العمل الرسمية فى الأكل والشرب وتبادل الأحاديث، وألعاب الإنترنت، والتزويغ!. لماذا غاب الموظفون عن المشاركة فى الحرب على الإرهاب؟.. وما الذى تخسره مصر من هذا الغياب؟.. وكيف يقضى موظفو مصر ساعات العمل الرسمية؟.. الإجابة فى هذا الملف. الحضور والانصراف على الورق فقط .. ساعات العمل الحكومية.. لغز يحير المواطنين فى مصر نكتة شهيرة يضحك عليها كل من يسمعها، رغم أنها فى الحقيقة مأساة تستحق البكاء وليس الضحك.. تقول النكتة: «أى مصلحة فى مصر لو رحت لها بدرى تلاقيها لسة ما فتحتش.. تروح لها متأخر تلاقيها قفلت.. تروح لها بين بدرى ومتأخر تلاقى الموظفين بيفطروا». وهذا بالفعل ما يحدث فى أغلب الجهات والمصالح الحكومية، حيث يبدأ العمل مع دقات الثامنة صباحاً.. ولكن هذه البداية، تكون على الورق فقط، فلا تدور عجلة العمل الفعلى إلا بعد ساعة كاملة -على الأقل- من موعدها الرسمى. هذه الساعة التى تمثل 14.3% من ساعات العمل اليومية، يقضيها أغلب الموظفين والعمال فى أشياء ليست لها علاقة بالعمل ولا بالإنتاج، وإنما ترتبط بأشياء أخرى تشمل تناول «ساندوتشات» الصباح، واحتساء القهوة وشرب الشاى، ورواية ذكريات الليل ومتاعب الأطفال والأزواج ومسلسلات الأمس، ثم الشكوى من زحام الشوارع ومتاعب مواصلات الصباح.. وهناك مواقف بلا حصر تحمل تفاصيل غاية فى الغرابة، تكشف كلها المناخ السائد فى دواليب العمل الحكومى.. الحكاية الأولى بطلها المحاسب عماد عبدالله، وكان طرفها الثانى موظفى الوحدة المحلية بطحانوب التابعة لمحافظة القليوبية.. الحكاية يرويها بطلها قائلاً: «فى المحليات العمل يبدأ من الثامنة صباحاً، لهذا توجهت إليهم، فى الثامنة والنصف صباحاً لاستكمال أوراق خاصة باستخراج تراخيص توصيل مرافق لمنزلى، ولما وصلت لمقر الوحدة المحلية، وجدت المكاتب مفتوحة، فاستبشرت خيراً، ولكن استوقفنى أن المكاتب كانت خالية من الموظفين، سوى موظف واحد، بمجرد أن رآنى بادرنى قبل أن أنطق بكلمة، قائلاً: «لسه ما بدأناش الشغل، تعالى بعد شوية».. لم أكذب خبراً -يواصل المحاسب عماد- توجهت لمقهى قريب وجلست فيه لأكثر من نصف ساعة، وعدت للوحدة المحلية، فلم أجد سوى ذات الموظف، الذى تملكه الغضب بمجرد أن رآنى هذه المرة وقال غاضباً: «ما تهدى على نفسك شوية، مش قلت لك استني شوية»، فقلت ما أنا استنيت والساعة عدّت 9، فازداد الموظف غضباً وقال: «أنت جاى لنا من الفجر قلت لك استني شوية»! وعندها قلت -والرواية لا تزال على لسان صاحبها المحاسب عماد عبدالله- طيب أنا ممكن أجيلكم آخر النهار، بس انتو شغالين لحد الساعة كام؟، فأجاب الوظف بحزم: «لحد الساعة 12.. فقلت 12 الظهر، فعقب ساخراً أمال 12 بالليل؟!». واقعة ثانية بطلها الطبيب محمد عبدالفتاح، ووحدة تراخيص السيارات بقليوب، والتى يبدأ العمل بها فى الثامنة والنصف، وبالفعل فى هذا التوقيت يتم فتح جميع شبابيك التعامل مع الجمهور، ولكن المفاجأة - كما يقول «محمد» أن الشبابيك المفتوحة تكشف عن مكاتب خاوية لم يحضر إليها الموظفون بعد، وما على الجميع إلا أن ينتظر حضورهم، ثم لا يبدأ العمل الفعلى إلا فى التاسعة والنصف وتحديداً بعد أن يحضر الموظفون ويتناولوا إفطارهم». ويضيف: «اضطررت لانتظار هذا الوقت رغم كل ما أحتاجه هو الحصول على خطاب موجه للنيابة لكى أتمكن من استخراج شهادة مخالفات ودفع غرامة المرور، ثم الحصول على شهادة براءة.. والكارثة أن هذا الأمر استغرق منى يومين كاملين، ليس فقط بسبب تأخر عمل الموظفين، ولكن لأن الحصول على الخطاب يستلزم منى التوجه إلى قليوب، ثم الذهاب إلى نيابة المرور فى شبرا الخيمة، ثم العودة للمرور لتجديد رخصة السيارة فى يوم آخر.. والغريب أن يحدث هذا كله، ونحن قد تجاوزنا نصف الربع الأول من القرن الحادى والعشرين، فالمنطقى أن أحصل شهادة المخالفات مباشرة من النيابة ما دمت مالك السيارة ومعى رخصتها.. ولكنه الروتين الحكومى الذى لا يزال يعشش فى عقول كثير من الموظفين فى مصر يجبرنى أن أقضى يومين كاملين للحصول على ورقة لا يستدعى استخراجها سوى بضع دقائق». واقعة ثالثة عاشها عماد الخولى -صاحب ورشة أحذية- مع ضرائب الوايلى بالقاهرة ويرويها قائلاً: «ذهبت لضرائب الوايلى فى حوالى الساعة الثامنة والنصف صباحاً، ووجدت هناك شعار رفعه فى وجهى كل من قابلتهم من عمال وموظفى الضرائب، وهى عبارة «مفيش عمل قبل الساعة 9» فقلت بس معادكو الرسمى 8، وكان الرد هنبدأ الساعة 9 على ما نجهز أوراقنا».. وعندها اضطررت للانتظار، وبالفعل بدأ المواطنون يترددون على منطقة الضرائب بعد التاسعة صباحاً، وكأن الجميع كان عارف إنه مفيش شغل قبل 9 الصبح، والغريب أن أحد المترددين حذرنى من أن أكون أول من يدخل على الموظفين صباحاً وقال: «يا ويل اللى هيدخل على الموظفين الأول، لأنهم هيزلوه ويعذبوه».. وتطبيقاً لهذه النصيحة غادرت المكان وقررت أن أعود إليه بعد الظهر علشان الموظفين يكونوا أخدوا راحتهم شوية، وبالفعل عدت فى حوالى الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، فكان فى انتظارى مفاجأة لم أتوقعها وهى أن الخزينة تغلق أبوابها وتوقف التعامل مع المواطنين فى الثانية عشرة ظهراً، وغلق الخزينة الساعة 12 ظهراً. واقعة أخرى بطلها أحمد السيد -محام- وطرفها الثانى تأمينات شرق القاهرة، التى يبدأ العمل بها فى التاسعة صباحاً وتتوقف عن التعامل مع المواطنين فى الواحدة ظهراً.. يقول «أحمد» يبلغ عدد المترددين على تأمينات شرق أكثر من 100 مواطن يومياً، وإتمام أى أمر فى مكتب التأمينات، يمر بسلسلة من الخطوات، تبدأ بتسلم استمارة يملاها طالب الخدمة، ويختمها موظف وتحال للمراجعة، وفى المراجعة يتم تسليم الاستمارة والانتظار حتى يراجعها الموظف من خلال الملفات الموجودة عنده، ولأنه عمل يتطلب بحث فى ملفات ثم تدقيق البيانات، والتوقيع عليها، يحتاج الأمر لساعات طويلة، خاصة أنه لا يعمل فى قسم المراجعة بتأمينات شرق القاهرة سوى 3 موظفات فقط! المهم أنه بعد المراجعة يتم تقدير مبلغ التأمين والذى يجب سداده فى الخزانة، وفى الغالب لا يمكن إتمام كل ذلك فى يوم واحد خاصة أن الخزانة تغلق أبوابها فى الواحدة ظهراً، وهذا ما حدث معى فاضطررت للذهاب فى اليوم التالى لسداد المبلغ التأمينى، المطلوب منى وكانت قيمته المبلغ التأمينى الذى سأسدده هو 6607 جنيهات، وهو مبلغ تأمين على مبنى، والكارثة التى عرفتها بعد سداد المبلغ أنه كان يتعين علىٌ سداد 6607 جنيهات و25 قرشاً، وعلى الفور توجهت، مسرعاً إلى الخزانة لسداد ربع جنيه، ولكنى وجدتها قد أغلقت أبوابها فقد تجاوزت الساعة الواحدة ظهراً، فعدت مرة أخرى لذات الموظفة واستحلفتها بكل الأيمان أن تنهى لى أوراقى وأترك لها جنيهاً تسدده فى صباح اليوم التالى فى الخزانة، ولكنها رفضت بشدة وأصرت على أن أحضر فى يوم آخر لسداد ربع جنيه فى الخزانة قبل أن تسلم لى شهادة التأمين على المبنى. دراسة علمية: 30 دقيقة.. إجمالي عمل الموظف المصرى فى دراسة علمية يؤكد الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية أن معدل إنتاجية الموظف الحكومى العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص من أقل المعدلات على مستوى العالم .. ويقول: «متوسط إنتاج العامل المصرى يبلغ 30 دقيقة يومياً فى حين يبلغ متوسط إنتاج العامل العربى بشكل عام ما بين 18 و52 دقيقة يومياً، وتبلغ القيمة الإنتاجية للعامل المصرى ب1600 دولار سنوياً فى حين تصل القيمة للعامل الأمريكى 44 ألف دولار والتركى 8 آلاف دولار بما يعكس مدى انخفاض القيمة الإنتاجية للعامل المصرى، مقارنة بدول أخرى وفوق هذا، فإن الاقتصاد المصرى يخسر سنوياً ما يقرب من 1.5 تريليون جنيه سنوياً بسبب ضعف إنتاجية العامل المصرى وانخفاض معدل الإنتاج والجودة وبالتالى فجميع أطراف المنظومة خاسرون: الموظف والعامل والدولة والاقتصاد». وأرجع الدكتور «عامر» إلى 6 عوامل مسئولية تراجع إنتاجية العامل والموظف المصرى، تشمل انعدام التدريب وعدم حصول العامل المجتهد على مميزات حقيقية وإن حصل عليها فهى قليلة ولا تلبى احتياجاته الأساسية، فضلاً عن البيروقراطية والبطالة المقنعة وبيئة العمل التى لا تشجع على مزيد من الإنتاج، إضافة إلى أن قوانين العمل حملت ثغرات كثيرة انتفى معها بشكل كبير مبدأ الثواب والعقاب، والعامل الأخير هذا تم الانتباه إليه وتداركه بشكل كبير فى قانون الخدمة المدنية الذى صدر مؤخراً. وأكد الدكتور عادل عامر أن إنتاجية العامل العربى من أقل العاملين فى العالم إنتاجية، إذ يبلغ متوسط ساعات العمل الحقيقية التى يؤديها 18 دقيقة فى اليوم، مقارنة بأكثر من 7 ساعات فى الدول المتقدمة اقتصادياً.. ويقول: «يعتبر معدل إنتاجية العامل العربى هو من أقل المعدلات فى العالم، بسبب التخلف الاقتصادى، فساعات العمل الحقيقية للعامل أو الموظف العربى خلال الدوام اليومى لا تزيد على 18 دقيقة، إذا طرح من ساعات الدوام الرسمى الوقت الضائع، فمتوسط إنتاج العامل المصرى 30 دقيقة فى اليوم، والجزائرى 22 دقيقة، والسودانى 20 دقيقة، وفوق هذا فإن الدراسات أكدت أن 35% من العاملين فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير منتجين وأن 55 منهم يفتقدون الحافز، وهو ما اعتبر أعلى نسبة فى العالم، وفى المقابل وبإطلالة سريعة على متوسط ساعات العمل فى دول العالم وأكثر 10 دول فى عدد ساعات العمل تأتى المكسيك فى المركز الأول بأكبر عدد ساعات عمل فى العالم بمتوسط يصل إلى 2237 ساعة سنوياً، وحلت فى المركز الثانى كوريا الجنوبية بمتوسط 2163 ساعة سنوياً، ثم اليونان بمتوسط 2037 ساعة، تليها روسيا ب1980 ساعة وبولندا فى المركز الخامس ب1918 ساعة، تليها المجر بمتوسط 1883 ساعة، وفى المركز السابع إستونيا بمتوسط 1868 ساعة، تليها إسرائيل فى المركز الثامن بمتوسط 1867 ساعة، ثم تركيا وإيرلندا فى المركزين التاسع والعاشر ب1832 و1815 ساعة عمل سنوياً، وفى المركز العاشر، كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يعمل الموظفون بها 1788 ساعة عمل سنوياً، بينما نجد عدد ساعات عمل الموظف اليابانى 2000 ساعة فى السنة، أى أكثر من نظرائه فى ألمانيا وفرنسا ب400 ساعة، والغريب أن العامل اليابانى يعمل كل تلك الساعات رغم متوسط عمل المواطن اليابانى «قانونيا» يبلغ 8 ساعات و40 دقيقة يومياً. وأضاف: «يضيع العمال العرب وقت العمل فى الوصول المتأخر إلى مكان العمل، والخروج المبكر منه، وقضاء الوقت فى المحادثات الهاتفية والدردشة غير الضرورية، وتصفح شبكة الانترنت والمواقع الاجتماعية لأسباب لا علاقة لها بالعمل، والتدخين المتكرر، والخروج لتناول الطعام أو القهوة». وقال الدكتور عامر: «الإنسان المصرى أو العربى لم يخلق كسولاً، بل البيئة المحيطة به هى ما قتلت فيه الحماسة والنشاط، لأنه لا يرى حافزاً يدفعه للإنتاجية، فهو يلاحظ أن المتراخين والمتزلفين والمتملقين وأصحاب الحظوة هم من يصعدون السلم الوظيفى بسرعة البرق ولذا، لا بد من إعادة النظر فى آلية التقييم، للوصول إلى الحد الأدنى من تقويم الأداء العادل، وفق إحدى الطرق العلمية الحديثة، ولا بد من أن يدرك الموظف أن إنتاجيته هى استثمار فى شخصيته ومستقبله، وأن كل الضغوط التى يتحملها تقويه وتصقله للمرحلة التالية، وهذه هى مسيرة الحياة، لأن الله عز وجل قال: «لقد خلقنا الإنسان فى كبد»، أى تعب ومشقة، ولكنه لا بد من أن يفرق بين «الجهد المبذول» و«المخرجات أو النتائج». وأضاف: «تدنى إنتاجية الموظفين والعمال، مأزق لا يمكن الخروج منه إلا باتباع سياسات وخطط تتبناها إرادة جادة من الدولة نفسها، تتضمن تدريب الموظفين والعمال واستخدام تكنولوجيا المعلومات والحكومة الإلكترونية لأن دولاً عربية عدة، مثل الإمارات والسعودية وتونس والأردن قطعت خطوات جادة وناضجة فى مجال زيادة الإنتاجية للموظف والعامل وزيادة الإنتاجية ستتم اذا توافر للعامل الحافز الإنتاجى وتحققت عدالة الدخول وتوفير بيئة عمل مناسبة ونظام رعاية صحية للعامل خاصة فى مواجهة مخاطر العمل وتوفير نظام تأمين اجتماعى مناسب له ولأسرته». خبير مكافحة فساد: شباب الموظفين والمرأة.. الأبرز فى قائمة «التزويغ» على مدى سنوات طويلة رصد د. على صديق، خبير مكافحة الفساد، يوميات الموظفين فى مصر، ولخص ما رآه فى عدة عبارات موجزة، فقال «الموظف يبدأ العمل فى الصباح بتلاوة الأذكار الصباحية، وقراءة بعض من القرآن الكريم، والدعاء للمولى بتسهيل الأمور، وعقب انتهائه من تناول إفطاره، يبدأ فى تبادل الأحاديث العامة مع زملائه، وعندما يبدأ عمله، تكون البداية بزجر أحد المواطنين عندما يسأله عن طلب قدمه.. ثم يقوم للوضوء لصلاة الضحى.. وأحياناً يصيبه صداع شديد من ضغط العمل، فيكتب خط سير (مأمورية عمل)، وينصرف (يزوغ) من الشغل، مردداً الجملة المشهورة: «على أد فلوسهم».. هكذا لخص خبير مكافحة الفساد أحوال أغلب موظفى مصر، وكان الحوار التالى.. ما أكثر القطاعات إهداراً لوقت العمل؟ - أكثر القطاعات الوظيفية إهداراً لوقت العمل، المحليات، يليها قطاع الصحة ثم التعليم. ما أكثر المحافظات إهداراً لوقت العمل؟ - محافظات الوجه القبلى، وعلى رأسها محافظة أسيوط. ما أفضل المحافظات فى الحفاظ على وقت العمل؟ - القاهرة. ما أكثر طرق إهدار أوقات العمل؟ - أحدث السلوكيات التى تهدر أوقات العمل هو استخدام الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعى بصورة سلبية وخاطئة، بعكس الهدف من استخدامها فى إنجاز الأعمال وسرعة الوقت. - يقضى الموظفون أول ساعة فى العمل فى سرد مشاكلهم الخاصة، وتناول وجبة الإفطار فى مقر عملهم، بالإضافة إلى تبادل الأحاديث حول ظروف الحياة الصعبة، وضعف الرواتب وزيادة الأسعار، وبالمناسبة ربما يكون ضعف الرواتب وزيادة الأسعار له مردود نفسى سلبى على الموظف فى الحفاظ على أوقات العمل، والقيام بواجباته على أكمل وجه. أيهما أكثر إهداراً لوقت العمل.. شباب الموظفين أم الأكبر عمراً؟ - شباب الموظفين هم الأكثر إهداراً لأوقات العمل؛ نظراً إلى العديد من الأسباب، منها التطور التكنولوجى، وشبكات الإنترنت، والحالات المعيشية الصعبة، وما يترتب عليها من مبررات لإهدار أوقات العمل، وعدم الإحساس بروح الانتماء، وحب العمل، والسعى خلف المكاسب المادية على حساب أوقات العمل. هل الموظفون أكثر إهداراً لأوقات العمل أم الموظفات هن الأكثر إهداراً لوقت العمل؟ - الموظفات هن الأكثر إهداراً للوقت؛ نظراً إلى طبيعة المرأة، ومدى تأثرها بما تواجهه من مشاكل سواء داخل العمل أو مشاكل أسرية، ما ينعكس بطبيعة الحال على مدى حفاظها على أوقات العمل الرسمية. ماذا تخسر مصر بسبب إهدار الموظفين أوقات العمل؟ - حجم الخسائر الاقتصادية كبير؛ بسبب إهدار بعض الموظفين أوقات العمل؛ حيث يعد هذا الإهدار من أكثر طرق الفساد شيوعاً بين الموظفين، ما يترتب عليه خسائر اقتصادية للدولة. من المسئول عن إهدار الموظفين لأوقات العمل؟ - المسئول الأول عن ظاهرة إهدار الموظفين أوقات العمل هو الموظف نفسه، وهذا انعكاس لسلوكه وضميره، وقد يكون للمدير المسئول فى بعض الوظائف دور كبير فى إهدار موظفيه أوقات العمل. كيف نواجه هذه الظاهرة؟ - لمواجهة هذه الظاهرة يجب أن يتوافر العديد من العوامل، منها على سبيل المثال، اختيار قيادات ذات كفاءة وخبرة، وإعادة هيكلة إدارية للكثير من النظم الوظيفية، ووضع ضوابط قانونية وإدارية محددة وصارمة فيما يتعلق بتنفيذ وإنجاز العمل المطلوب. هل سيحدث قانون الخدمة المدنية الذى صدر مؤخراً أثراً سلبياً أم إيجابياً فيما يتعلق بإهدار أوقات العمل؟ - سيكون له آثار إيجابية بالتأكيد، وبالفعل قلل القانون بعض الشىء فيما يتعلق بوقت العمل المهدر، وعندما يتم تفعيل التسويات والترقيات واستمارات تطوير الأداء، حسبما جاء فى قانون الخدمة المدنية، فسيتم تقليل إهدار أوقات العمل إلى أقصى درجة ممكنة. مفاجأة: القانون لا يعترف بأوقات الأكل وتغيير الملابس ساعات العمل يتم تحديدها طبقاً للقواعد التى أقرتها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهى القواعد التى وافقت عليها جميع الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية، والتزمت بها، وطبقاً لتلك القواعد التى تلتزم بها مصر ويقرها قانون العمل المصرى، فإنَّ الأوقات التى يقضيها العامل أو الموظف فى تغيير ملابسه أو فى تناول الطعام لا تحتسب من ساعات العمل، وحددت قوانين العمل 9 قواعد رئيسية تحكم ساعات العمل الرسمية، وحسب تلك القواعد فإنَّ الحد الأقصى لساعات العمل اليومى هو 8 ساعات، أما أقصى ساعات العمل أسبوعياً فيبلغ 48 ساعة. وتنص ذات القواعد على أن الوقت الذى يقضيه العامل فى تغيير ملابسه لا يعد من ساعات العمل، كما يخرج من ساعات العمل، أيضاً، أوقات الراحة أو الفترات المخصصة لتناول الطعام. ولا يجوز للمنشآت الصناعية تشغيل العاملين بها تشغيلاً فعلياً أكثر من «42» ساعة فى الأسبوع طبقاً لقانون تنظيم الصناعة، ويجوز لوزير القوى العاملة تخفيض الحد الأقصى لساعات العمل إلى سبع ساعات بالنسبة لبعض «فئات العمل» أو فى بعض «القطاعات» أو «الأعمال». ويجب أن يتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام أو الراحة وألا تقل فى مجموعها عن 8 ساعات، وألا يعمل العامل أكثر من 5 ساعات متصلة، ويمنح القانون لوزير القوى العاملة تحديد الحالات أو الأعمال التى يتم استمرار العمل بها دون راحة، وتحتسب فترة الراحة من ساعات العمل فى الأعمال الصعبة والمرهقة «يحددها وزير القوى العاملة بقرار منه». خبير تنمية مستدامة: إهدار 60٪ من الوقت فى المأموريات الوهمية وألعاب الإنترنت قال الحسين حسان، خبير التنمية المستدامة ومؤسس حملة «مين بيحب مصر؟» فى معظم الدول العربية: يبلغ عدد ساعات العمل الرسمية حوالى 40 ساعة أسبوعياً مع وجود راحة أسبوعيّة لمدة يومين، أما فى الدول الغربية فإن عدد ساعات العمل لا يتجاوز 37 ساعة أسبوعية مع راحة يومين أيضاً والمشكلة لدينا هى القوانين التى تُنظم سير العمل. فلا يوجد ضوابط تحدد معايير الإنتاج خلال ساعات العمل إلا فى القطاع الخاص، أما فى الجهات الحكومية، فلا يوجد مثل هذا الأمر، ولهذا نجد جزءاً من الوقت يهدر أمام عربات الفول من بعض الموظفين حيث لا يوجد فاصل راحة فى العمل وإن وجد فإنه يستغل استغلالاً آخر، الأمر الذى يؤثر على معايير الإنتاج». وأضاف «حسان»: أغلب أسباب هدر الوقت تكمن فى الفساد الإدارى، ففى ببعض القطاعات خاصة فى مناطق الصعيد والريف والمناطق النائية تجد مصطلح «وقع لى معاك» حيث الموظف لديه موعد آخر خارج العمل فيقوم زميله بالتوقيع عنه. وأشار «حسان» إلى أن المأموريات والإنترنت هما أشهر طرق ضياع أوقات العمل الرسمية.. ويقول «المأموريات وأغلبها تكون واهية هى كلمة السر فى ضياع أوقات العمل، ففى الغالب يقوم المدير بالموافقة للموظفين على بند المأمورية خارج العمل وأغلبها يكون باباً خلفياً للخروج من العمل، وأيضاً المحمول يسبب ضياع جزء كبير من وقت الموظف فى مصر سواء فى ألعاب الإنترنت أو فى الفيس بوك، فلا يوجد قدسية للعمل أو وقته، فضلاً عن عدم وجود رقابة على الموظف». ويضيف «أكثر من 60% من وقت عمل الموظف المصرى مهدر فى المأموريات الوهمية وألعاب الإنترنت، والفيس بوك والسبب عدم وجود معايير إنتاجية فى قوانين العمل». وأشار حسان إلى ضبط عدد غير قليل من موظفات الحكومة، وهن يعددن السَلَطات فى مكاتب العمل، كما تم ضبط موظفات وهن يجهزن طعام الغداء لأسرهن داخل مقار أعمالهن، فبعضهن كن يجهزن البامية وأخريات كن يجهزن البسلة، والباذنجان، واعترف أحد وكلاء وزارة الإدارة المحلية السابقين أن بعض الموظفات كن يجهزن «الفشة والممبار» داخل مقرات العمل!