أنا رئيس جمهورية نفسى.. شعار يرفعه كل المتقدمين للحصول على استمارة الترشح لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية بعد قيام ثورة 25 يناير انفلات «وهيصة وزيطة» تحت مسمى الحرية والمساواة والحق فى الترشح هو السمة الغالبة حتى الآن للحصول على اللقب الرفيع والجلوس على كرسى الرئاسة.. أكثر من ألف مواطن تقدموا للحصول على استمارة الترشح ظهرت من بينهم أشكال وألوان من البشر كل طموحهم الحصول على المقعد الوثير ولقب الرئيس المصرى.. تقدم للترشح تُربى وسمكرى وميكانيكى وموظف وفلاح وعامل وأستاذ جامعة وسياسيون وخارجون على القانون.. ما هذا الزخم وكيف لا يوجد ضوابط ومعايير للتقدم لهذا المنصب. هل حالة الحرية أو بمعنى أصح الفوضى قد بلغت بنا إلى هذا الحد غير المسبوق فى أى مكان بالعالم.. ربما يكون الميكانيكى الذى تقدم للانتخابات ظناً أن مصر سيارة عطلانة وهو الوحيد القادر على إصلاحها وشتان ما بين إصلاح سيارة وإصلاح حال مصر «المايل» منذ عشرات السنين.. هل يعقل أن يتقدم أحد الحشاشين وشاربى البانجو للحصول على استمارة الترشح لرئاسة الجمهورية؟ ما هذه الفوضى وما هذا التبجح والانفلات لدرجة أن يتجرأ هذا الحشاش للدخول إلى مقر لجنة الانتخابات الرئاسية للحصول على الاستمارة، حتى تم الاشتباه به وتفتيشه وإخراج المواد المخدرة من ملابسه؟! لقد انتهينا من «عكة» انتخابات مجلسى الشعب والشورى بما لها وكان حصادنا مراً من خلال «المكلمخانة» التى نتجت عن تلك الانتخابات.. انتخابات لأشخاص لا يعرفهم الناخبون وبالتالى مجلس ثورة يتكلم أكثر مما يعمل وإلا فما هى حجم إنجازاته التشريعية والرقابية بعد شهرين من انعقاده، لقد راح البرلمان ذو الأغلبية الإخوانية والسلفية إلى اقتناص لجنة تأسيسية الدستور لحسابهما الشخصى، فالمادة 60 من الإعلان الدستورى تعطى الحق للبرلمان لانتخاب لجنة المائة.. ولكنهم راحوا ينتخبون أنفسهم باختيار 50٪ من داخل البرلمان و50٪ الآخر، يقومون هم أيضاً بانتخابهم، والنتيجة ستكون برلمان إخوانى سلفى ولا عزاء لمصر ولا للمصريين الذين ثاروا يوم 25 يناير من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. فى المقابل المجلس العسكرى تقوقع فى داخله استعداداً لتسليم السلطة فى نهاية يونيو المقبل، وأصبحت البلاد «تخبط تقلب» بين مجلس عسكرى زهد فجأة فى السلطة وحكومة إنقاذ تحتاج إلى إنقاذ وتأخذ بيد البلاد إلى التهلكة.. فلا هى حققت الأمن والأمان ولا هى أخذت بالاقتصاد إلى بر الأمان، بل أغرقت البلاد فى مزيد من الديون من خلال القروض التى حصلت عليها من البنك الدولى وبنك التنمية الإسلامى وفوق ذلك أضاعت الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية، والتى لم تعد تكفى احتياجات البلاد أكثر من 6 شهور مقبلة، ووسط هذه المهالك تأتى انتخابات رئيس الجمهورية التى ستجرى قبل نهاية مايو المقبل، وتعاد فى منتصف يونيو، فهل كل هذه الأمور تبشر بخير؟ ولأننا فى زمن الفوضى والانفلات فقد أصبح شعار كل مواطن أنا رئيس جمهورية نفسى، وفوضى فى المحليات وعمارات تطاول أعناق السماء فى حوارى ضيقة لا تتجاوز عرضها 6 أمتار، بلطجية يفرضون سيطرتهم على الشارع بالبطش والإرهاب واستعمال القسوة والقوة المغرضة ضد من يحاول التصدى لهم فى ظل محاولات أمنية للعودة.. وفوق ذلك تبجح ضد القانون وتجرؤ عليه بشكل غير مسبوق، وللأسف أصبح شعار المرحلة «حقى بدراعى» فهل يمكن أن يعود الأمن والأمان فى مثل هذه الأجواء؟ وهل يمكن أن يعود الأمن والكل يعمل على تحطيمه والخروج عليه مما أدى لسقوط عشرات من أفراد الشرطة بين شهيد ومصاب أثناء قيامهم بواجبهم المقدس.. واستكمالاً لهذا المسلسل جاء فتح باب الترشح لانتخاب رئيس الجمهورية وأصيب الكثيرون من المتقدمين لسحب استمارة الترشح بعقدة الزعامة، وكانت هذه الأشكال والألوان من البشر لأن الوظيفة الوحيدة المتاحة والفارغة فى مصر هى وظيفة رئيس الجمهورية.. من له مطالب فئوية ذهب للترشح لمنصب الرئيس!! من لم يجد عملاً ذهب لسحب استمارة ترشح!!.. من يريد البحث عن فرصة للظهور الإعلامى أو التسلية ذهب لسحب استمارة ترشح؟ ما هذه «الهوجة» ولماذا تركوا تحت مسمى المساواة وحرية التعبير والترشح لكل من «هب ودب» للإضرار بسمعة مصر وصورتها بين دول العالم؟.. من مهازل المتقدمين للترشح مواطن طاعن فى السن عجزت قدماه عن حمله وطلب مساعدته حتى يحصل على استمارة الترشح!!.. فهل منصب رئيس الدولة يتحمل كل هؤلاء المهرجين؟ وإلى متى يعمل كدابو الزفة لتصدر المشهد السياسى والترشح للرئاسة فى بر المحروسة؟ لا شك أن هناك مرشحون لديهم رؤية واضحة واستراتيجيات وخطط للخروج بالوطن من المستنقع الذى سقط فيه.. ولكن مثل هؤلاء البهلوانات يسيئون إلى الوطن فلا هم قادرون على الحصول على توكيلات من 30 ألف مواطن.. ولا هم قادرون على الحصول على توقيع من 30 عضواً فى البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى، ولا أحد منهم يستطيع أن ينتزع تزكية أحد الأحزاب الممثلة فى البرلمان حتى أصبح الوضع الانتخابى الرئاسى هو مرشح لكل مواطن!! مما يؤدى إلى انقسام الشارع وتفتته وحيرته لمن يعطى صوته، وخاصة أن معظم المرشحين بلا هوية سياسية وبلا رؤية واضحة لحكم البلاد.. لم يقل لنا أحد من المرشحين كيف سيحل مشكلة البطالة من خلال برامج واضحة للتشغيل وكيف سيعمل على جذب استثمارات خارجية حقيقية وليس للمضاربة فى البورصة؟ وكيف سيحل مشاكل الإسكان والصحة والتعليم وقبل كل ذلك كيف سيتعامل مع حالة الانفلات الأمنى الذى طال وأصبح مروعاً لكل المواطنين بعد تزايد حالات الخطف للمواطنين والسياح؟! من غرائب الأمور أن الأحزاب السياسية الرئيسية الممثلة فى البرلمان لم يتقدم أحد منها للترشح للمنصب الرهيب.. لم يقدم حزب الوفد وفدياً للترشح على منصب رئيس الجمهورية، لم يتقدم حزبا «الحرية والعدالة» و«النور» بمرشح لهما كرئيس للجمهورية، ورغم ذلك نجد من يهدد ويتوعد نواب البرلمان فى حالة مخالفة الالتزام الحزبى وترك الأمر لكل نائب لاختيار ما يراه مرشحاً لمنصب الرئيس. هناك ثلاثة تيارات تتنازع عملية الترشح لانتخاب رئيس الجمهورية، فهناك التيار الإسلامى ممثلاً فى حزبى «الحرية والعدالة» و«النور» السلفى ورغم حصولهما على الأغلبية البرلمانية إلا أنهما لم يرشحا أحداً، وكان هناك مرشحون إسلاميون على رأسهم د. عبدالمنعم أبوالفتوح، المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، وهناك الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، الذى يسعى للحصول على ثقة النواب السلفيين، وهناك الدكتور محمد سليم العوا ذو التوجه الإسلامى وآخرون لم يحظوا بشهرة المرشحين المحتملين الثلاثة.. وهناك التيار الليبرالى ويمثله منصور حسن وعمرو موسى وكلاهما إما خارج من عباءة النظام السابق أو النظام الذى سبقه إضافة إلى كبر سنهما.. إضافة إلى الفريق أحمد شفيق الذى كان رئيساً للوزراء أثناء قيام ثورة 25 يناير، إضافة إلى هؤلاء هناك مرشحو التيار القومى مثل حمدين صباحى الذى يرفع شعار نصير الفقراء، وأبوالعز الحريرى، النائب البرلمانى اليسارى، ونضيف إلى هؤلاء مرشحى الشهرة الذين يبحثون عن بصيص للخروج على الشاشات التى احتكرها الكبار منذ قيام ثورة 25 يناير حتى حفظهم الناس وملوا رؤيتهم وكثرة خروجهم صباحاً ومساء عبر الفضائيات!! قد يكون من حق كل مواطن سحب استمارة ترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهى فرصة العمل الشاغرة الوحيدة فى بر مصر الآن.. ولكن لابد وأن يفكر ألف مرة إذا كان جاداً للترشح وكيف سيتحمل المسئولية أمام الله والوطن؟ إذا كانت القوانين عاجزة عن «فلترة» هذه الأعداد المشتاقة للسلطة، فالشعب قادر على الفرز والتجنيب دون استخدام قانون للعزل أو الإقصاء السياسى، ولنا تجربة فلول الحزب الوطنى المنحل فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى الذين أسقطهم المواطنون فى الانتخابات دون استخدام قانون العزل السياسى.. سيخرج المهرجون والمشتاقون والفلول من السباق الرئاسى غير مأسوف عليهم.. فمصر لم تعد فى حاجة لمثل هؤلاء المهرولين والمشتاقين صندوق الانتخاب قادر على الفرز وأن يأتى برئيس يأخذ بين الوطن إلى بر الأمان بعيداً عن العنترية أو التشنج أو استخدام الدين واستغلاله فى غير موضعه.