لم ينظر الثوار إلي يوتيوب كقناة للتعبير عن الرأي والمشاهدة والفرجة والتنفيس عن الغضب أو الكشف عن العنف كما هو الحال في الأحوال العادية فقط, بل تعاملوا معه كأداة من أدوات الثورة الفاعلة علي الأرض, عبر ما يمكن بثه من معان ومعلومات وأفكار تحدث تأثيرا في عقول ووجدان الجماهير, يترجم نفسه في سلوك بالميدان, وقد تجلي ذلك فعليا في ظهور أربعة مجالات أو مسارات لاستخدام يوتيوب كأداة ثورية محركة للجماهير. ومن خلال مراجعة وتحليل الأفلام التي جري تسجيلها وبثها علي اليوتيوب خلال الفترة الزمنية المذكورة, وذلك كما جاء فى تقرير نشر بصحيفة الأهرام اليوم ، يمكن القول: إن المسارات الأربعة التي استخدمها الثوار هي: أداة الدعوة والحشد كما سبقت الإشارة من قبل فقد ظهر أول فيديو علي يوتيوب يدعو للثورة والتظاهر يوم15 يناير, وكان عنوانه25 يناير يوم الثورة علي التعذيب والفقر والفساد, وكانت مدته2.3 دقيقة, ودعا الجماهير إلي النزول للشوارع يوم25 يناير,وفور ظهوره أثار حالة من الجدل, حيث كان أول تعليق علي هذا الفيديو يقول: احذروا الفتنة.. اليهود وراء كل ده, لكن التعليق الثالث كان يكاد يستشرف ما حدث وكتب صاحبه يقول: السعودية في انتظارك يا مبارك, وخلال فترة وجيزة للغاية حظي هذا الفيديو بعدد مرات مشاهدة وصلت إلي52 ألفا و938 مرة مشاهدة. والملاحظ أن مستوي المشاهدة المرتفع نوعا ما لهذا المقطع قد أغري بعض الثوار للانتباه أكثر ليوتيوب, ومنذ اليوم التالي 16 يناير توالت بعد ذلك الأفلام التي تستهدف الدعوة والتخطيط والحشد حتي ما بعد يوم25 يناير حتي بلغ عددها24 فيلما, مدتها الإجمالية115.26 دقيقة, وشوهدت172 ألفا و715 مرة. وقد انقسمت أفلام التنظيم والحشد إلي ثلاثة أنواع: الأول يحذر من المظاهرات ويحمل عليها بشدة ويصفها بالكارثة علي مصر الثاني يدعم الدعوة للتظاهر وكان هو الاتجاه الغالب, ووصل الأمر إلي بعض التعليقات التي كانت مرتبطة بما يجري علي الأرض أثناء اشتعال المظاهرات ووضع رسائل للدعم اللوجستي للمتظاهرين ضمن التعليقات علي الأفلام. الثالث كان من أنصار النظام العاديين وكان يدعو إلي التهدئة والحديث عن المصاعب التي يمكن أن تتعرض لها مصر في حالة رحيل مبارك, مثل الفراغ الدستوري وغيره. ذراع إعلامي للثورة علي الرغم من أن استخدام الثوار لليوتيوب كذراع إعلامي للثورة تم بصورة عفوية وبلا قيادة منظمة ومعروفة, فإن هذا السلوك العفوي انقسم قسمين, كل منهما استخدم تكتيكا مناسبا, فالقسم الأول اهتم بنقل وقائع الثورة وتقديمها للجماهير أولا بأول من قلب الأحداث, وبصورة مؤثرة للغاية, وقد ظهرت لقطات وأفلام انفرد بها المواطنون والشباب ونقلتها الفضائيات وبلغت735 فيلما, مدتها4042 دقيقة, وقد توزع هذا الرقم الكبير من الأفلام واللقطات علي أربعة مجموعات رئيسية, الأولي ضمت أفلاما إخبارية حاول من خلالها الثوار والجمهور نقل الأحداث لحظيا, والثانية ركزت علي إبراز أخطاء النظام الحاكم ومظالمه ضد الشعب, والثالثة رصدت شجاعة الثوار أمام الأمن في التعبير عن رأيهم وفي تحمل عبء التظاهر سلميا, والرابعة رصد وحشية الأمن في التعامل مع المتظاهرين. وقد اهتم قسم من هذه الأفلام بمتابعة ما ينشر ويذاع عن الثورة في القنوات التليفزيونية والفضائيات, وهنا كان لأداء الثوار وجهان ينمان عن ذكاء ووعي واضحين, فهم من ناحية سجلوا لقطات من المحطات الفضائية التي استطاعت نقل صور للثورة ووقائعها من أماكن كان لها ميزة معينة, او قدمت تحليلات ومتابعات وحوارات داعمة للثورة,, كما تتبع شباب الثوار هجمة الإعلام الرسمي علي الثورة وما بثته من مغالطات وقاموا بتسجيلها وبثها مصحوبة بردود وتعليقات قاسية, وأحيانا كانوا يعرضون لقطات تمثل سقطات مهنية لمن هاجموا الثورة والرد عليها بتسجيلات حية تثبت عكس ما يقوله بلطجية الإعلام, كما حدث مع برنامج48 ساعة علي قناة المحور. حفظ الروح المعنوية للثوار والجماهير بأحاديث الدعاة وبث الأغاني والقصائد والشعر.. حاول الثوار استخدام يوتيوب كوسيلة لبث الحماس والحفاظ علي الروح المعنوية للثوار والجماهير عالية متقدة طوال أيام الثورة, فقد شكل المزيج الرائع الذي قدمه الثوار من كلمات الشعراء وأغاني المطربين وأحاديث الدعاة وقودا ألهب نفوس الجميع, وحائط صد استند إليه كل من تسرب إلي نفسه اليأس, أو الملل أو ساوره الشك في نجاح الثورة, خاصة في الأوقات التي اشتد فيها عناد النظام ومراوغته, واشتدت فيها بلطجة الإعلام, وتقول الأرقام في هذا الصدد: إن الأفلام التي حاولت حفظ الروح المعنوية وشحذ همم الثوار بلغت إجمالا75 فيلما, مدتها387.6 دقيقة, كان نصيب الاغاني34 فيلما مدتها214 دقيقة, وأحاديث الدعاة26 فيلما مدتها81.4 دقيقة, أما الشعر والقصائد فكان نصيبها15 فيلما مدتها91.65 دقيقة, جميعها يضم لقطات لقصائد تلقي بصورة مصحوبة بصور متحركة إما من الميادين أثناء المظاهرات, او لأصحابها وهم يلقونها عبر الفضائيات. الوفاء للثورة لجأ شباب الثورة إلي يوتيوب من أجل تقديم لمسة وفاء للثورة, من خلال إبراز شهدائها ونشطائها وتقديمهم للأمة, وفي هذا الصدد كان الاحتفاء بالشهداء أضعاف الاحتفاء بالناشطين الأحياء, فقد بلغ عدد الأفلام التي اهتمت بالشهداء وعرضت صورهم وأعمالهم ووثقت لقاءات مع ذويهم118 فيلما, مدتها599.8 دقيقة, بلغ عدد الأفلام التي تناولت النشطاء24 فيلما فقط مدتها,125 دقيقة. وقد عكست عناوين الأفلام ومحتواها الحرص الشديد من قبل معدي الأفلام علي قيمة الوفاء في هذه الثورة تجاه شهدائها, وقد اتخذ هذا الوفاء عدة صور, يمكن استشفافها من عناوين الأفلام والتعليقات الكثيرة التي كتبت عليها, فهناك مجموعة من الأفلام عكست عناوينها حرص أصحاب هذه الأفلام علي التعبير عن مشاعرهم تجاه الشهداء, ومجموعة أخري من الأفلام حرص معدوها ومنتجوها علي تخليد الشهداء وتعريف الجماهير بهم وبأسمائهم وصورهم, والإشارة إلي بعض مما قدموه خلال الثورة وما تحلوا به من شجاعة وإقدام, اما المجموعة الثالثة من الأفلام فحرصت علي التضامن مع أمهات وأهالي الشهداء, ولفتت الانتباه إلي معاناتهم وضرورة مشاركتهم أحزانهم, ودعوتهم للصبر والصمود, وارتكزت هذه الأفلام بالأساس إلي لقطات مسجلة من لقاءات تليفزيونية مع أهالي الشهداء.