علي الرغم من أن الدعوة إلي التظاهر والنزول للشوارع قد ظهرت في أوائل يناير علي بعض قنوات نشر المحتوي بالإنترنت وخاصة الفيسبوك, فإننا لم نرصد علي يوتيوب أي أفلام تدعو إلي التظاهر والثورة خلال الفترة من10 إلي14 يناير. لكن فيما يبدو أن هروب الرئيس التونسي بن علي في الرابع عشر من فبراير قد أجج المشاعر.وكان نقطة فارقة لدي ثوار مصر, بل يمكن القول أن هذا الحدث ألهب المشاعر وكان الشرارة التي دفعت بفعاليات الثورة الأولي للوصول إلي يوتيوب, ففي اليوم التالي لهروب بن علي الخامس عشر من يناير ظهر مقطع فيديو علي يوتيوب بعنوان25 يناير يوم الثورة علي التعذيب والفقر والفساد, وكانت مدته2.3 دقيقة, وشوهد52 ألفا و938 مرة مشاهدة. وفي اليوم التالي 16 يناير ظهرت7 مقاطع فيديو دفعة واحدة, وكانت مدتها29.2 دقيقة, وحظيت بمرات مشاهدة وصلت إلي377 ألفا و987 مرة مشاهدة, وهو متوسط يقترب مما حققه الفيديو الأول, لكن هذه الطفرة لم تتواصل, حيث عاد الهدوء النسبي إلي يوتيوب في الأيام الأربعة التالية 17 إلي20 يناير حيث تراوحت مقاطع الفيديو التي ظهرت خلالها بين مقطع و4 مقاطع, بإجمالي9 مقاطع مدتها الإجمالية55.6 دقيقة, وعدد مرات مشاهدتها392 ألفا382 مرة. وبدءا من يوم21 يناير بدأ حضور الثورة علي يوتيوب يميل للاتساع, حيث ارتفع معدل تحميل مقاطع الفيديو من مقطعين في يوم20 يناير إلي10 مقاطع يوم21, كانت مدتها46.6 دقيقة, وحظيت بمرات مشاهدة بلغت208 ألفا و174, وتلاحقت الأمور بعد ذلك, ففي يوم22 ارتفع الرقم إلي15 مقطعا بمدة زمنية وصلت إلي89.5 دقيقة وعدد مرات مشاهدة وصل إلي320 ألفا و163, وقفز العدد يوم23 إلي19 مقطعا مدتها90.1 دقيقة, بعدد مرات مشاهدة وصل إلي73 ألفا و323 مرة مشاهدة. بحلول يوم24 يناير قبل مظاهرة الثلاثاء العظيم أحدث الشباب تغييرا نوعيا في طبيعة المقاطع المبثوثة علي يوتيوب, فوضعوا في هذا اليوم18 مقطعا جديدا مدتها144.4 دقيقة, وبسبب تميزها حظيت بعدد مرات مشاهدة وصل إلي364 ألفا و953, وهو مستوي مشاهدة لم يتحقق خلال الأيام السابقة جميعا, ويعادل ثلاثة أضعاف مرات المشاهدة في اليوم السابق عليه, علي الرغم من التقارب الشديد في عدد مقاطع الفيديو, وهنا يمكن القول إن فيديوهات يوم24 عكست حالة من الحماس الشديد, والرغبة العارمة في التجاوب مع طلب التظاهر في اليوم التالي, مما يجعلنا نقول أنها كانت من العوامل المؤثرة في تحضير ذخيرة حية عريضة النطاق من المتظاهرين لليوم التالي. شكل يوم الثلاثاء العظيم 25 يناير الذروة الأعلي من حيث استخدام الشباب ليوتيوب, ففي هذا اليوم تحول يوتيوب بحق إلي تليفزيون الثورة الحر, وقد بدأ منحني استخدام اليوتيوب يميل للانخفاض في اليوم التالي للثلاثاء العظيم, حيث انخفض عدد اللقطات التي ظهرت علي الموقع يوم26 يناير إلي112 مقطعا, مدتها543.7 دقيقة, لكنها حظيت بمعدل مشاهدة وصل إلي509 ألفا و.427 وقد كانت الأيام التالية هي الأيام العجاف في عمر يوتيوب كتليفزيون للثورة, فقد تم قطع خدمة الإنترنت, ولذلك هبطت المقاطع الجديدة إلي22 مقطعا فقط يوم27 يناير, ثم توقفت عن3 مقاطع يومي28 و29 يناير, وكانت في معظمها لقطات مسجلة من الفضائيات ووجدت طريقها ليوتيوب عبر مصريين بالخارج, ومع عودة خدمة الإنترنت يوم2 فبراير دبت الحياة مرة أخري, واستقبل يوتيوب10 مقاطع في ذلك اليوم, تميزت بطول مدتها نسبيا, حيث وصلت إلي91.8 دقيقة, وفي اليوم التالي ارتفع الرقم إلي19 مقطعا, حظيت بنسبة مشاهدة77 ألفا و787 مرة مشاهدة. في الأيام التالية تصاعد الإقبال علي يوتيوب من جانب الثوار مرة أخري وبصورة مشابهة لما حدث قبيل مظاهرة الثلاثاء العظيم, وخلال يوم الأربعاء الدامي9 فبراير الذي شهد موقعة الجمال والبغال الشهيرة, وصل الرقم إلي131 مقطعا شوهدت25 ألفا و646 مرة, أما اليوم الأخير من فترة الرصد, والذي انتهي في الثانية و48 دقيقة ظهر10 فبراير فشهد19 مقطعا مدتها109.7 دقيقة وشوهدت78 ألفا و49 مرة. نستخلص من هذا التسلسل الزمني لإنتاج وبث ومشاهدة مقاطع الفيديو خلال فترة الرصد أن سلوك الثوار في استخدام يوتيوب اعتمد علي التمهيد التدريجي البطئ نسبيا في البداية, ثم تصعيد الاستخدام بصورة متسارعة ومكثفة قبيل الوصول لنقطة الذروة التي يريدونها, بحيث يصلون إلي قاعدة عريضة من الشباب والمستخدمين الآخرين للشبكة في توقيت حاسم, يجعلهم أميل للانتقال من حالة التفاعل في الفضاء الإلكتروني مع الحدث, إلي المشاركة فيه علي الأرض. لم ينظر الثوار إلي يوتيوب كقناة للتعبير عن الرأي والمشاهدة والفرجة والتنفيس عن الغضب أو الكشف عن العنف كما هو الحال في الأحوال العادية فقط, بل تعاملوا معه كأداة من أدوات الثورة الفاعلة علي الأرض, عبر ما يمكن بثه من معاني ومعلومات وأفكار تحدث تأثير في عقول ووجدان الجماهير, يترجم نفسه في سلوك بالميدان, وقد تجلي ذلك فعليا في ظهور أربعة مجالات أو مسارات لاستخدام يوتيوب كأداة ثورية محركة للجماهير. ومن خلال مراجعة وتحليل الأفلام التي جري تسجيلها وبثها علي اليوتيوب خلال الفترة الزمنية المذكورة, يمكن القول إن المسارات الأربعة التي استخدمها الثوار هي: أداة الدعوة والحشد كما سبقت الإشارة من قبل فقد ظهر أول فيديو علي يوتيوب يدعو للثورة والتظاهر يوم15 يناير, وكان عنوانه25 يناير يوم الثورة علي التعذيب والفقر والفساد, وكانت مدته2.3 دقيقة, ودعي الجماهير إلي النزول للشوارع يوم25 يناير,وفور ظهوره أثار حالة من الجدل, حيث كان أول تعليق علي هذا الفيديو يقول احزروا الفتنة.. اليهود وراء كل ده, لكن التعليق الثالث كان يكاد يستشرف ما حدث, وكتب صاحبه يقول السعودية في انتظارك يا مبارك, وخلال فترة وجيزة للغاية حظي هذا الفيديو بعدد مرات مشاهدة وصلت إلي52 ألفا و938 مرة مشاهدة. والملاحظ أن مستوي المشاهدة المرتفع نوعا ما لهذا المقطع قد أغري بعض الثوار للانتباه أكثر ليوتوب, ومنذ اليوم التالي 16 يناير توالي بعد ذلك الأفلام التي تستهدف الدعوة والتخطيط والحشد حتي ما بعد يوم25 يناير حتي بلغ عددها24 فيلما, مدتها الإجمالية115.26 دقيقة, وشوهدت172 ألفا و715 مرة. وقد انقسمت أفلام التنظيم والحشد إلي ثلاثة أنواع: الأول يحذر من المظاهرات ويحمل عليها بشدة ويصفها بالكارثة علي مصر الثاني يدعم الدعوة للتظاهر وكان هو الاتجاه الغالب, ووصل الأمر إلي بعض التعليقات التي كانت مرتبطة بما يجري علي الأرض أثناء اشتعال المظاهرات ووضع رسائل للدعم اللوجستي للمتظاهرين ضمن التعليقات علي الأفلام. الثالث كان من أنصار النظام العاديين وكان يدعو إلي التهدئة والحديث عن المصاعب التي يمكن أن تتعرض لها مصر في حالة رحيل مبارك, مثل الفراغ الدستوري وغيره. ذراع إعلامي للثورة علي الرغم من أن استخدام الثوار لليوتيوب كذراع إعلامي للثورة تم بصورة عفوية وبلا قيادة منظمة ومعروفة, فإن هذا السلوك العفوي انقسم قسمين, كل منهما استخدم تكتيكا مناسبا, فالقسم الأول اهتم بنقل وقائع الثورة وتقديمها للجماهير أولا بأول من قلب الأحداث, وبصورة مؤثرة للغاية, وقد ظهرت لقطات وأفلام انفرد بها المواطنون والشباب ونقلتها الفضائيات وبلغت735 فيلما, مدتها4042 دقيقة, وقد توزع هذا الرقم الكبير من الأفلام واللقطات علي أربعة مجموعات رئيسية, الأولي ضمت أفلاما إخبارية حاول من خلالها الثوار والجمهور نقل الأحداث لحظيا, والثانية ركزت علي إبراز أخطاء النظام الحاكم ومظالمه ضد الشعب, والثالثة رصدت شجاعة الثوار أمام الأمن في التعبير عن رأيهم وفي تحمل عبء التظاهر سلميا, والرابعة رصد وحشية الأمن في التعامل مع المتظاهرين. وقد اهتم قسم من هذه الأفلام بمتابعة ما ينشر ويذاع عن الثورة في القنوات التليفزيونية والفضائيات, وهنا كان لأداء الثوار وجهين ينمان عن ذكاء ووعي واضحين, فهم من ناحية سجلوا لقطات من المحطات الفضائية التي استطاعت نقل صور للثورة ووقائعها من أماكن كان لها ميزة معينة, او قدمت تحليلات ومتابعات وحوارات داعمة للثورة,, كما تتبع شباب الثوار هجمة الإعلام الرسمي علي الثورة وما بثته من مغالطات وقاموا بتسجيلها وبثها مصحوبة بردود وتعليقات قاسية, وأحيانا كانوا يعرضون لقطات تمثل سقطات مهنية لمن هاجموا الثورة والرد عليها بتسجيلات حية تثبت عكس ما يقوله بلطجية الإعلام, كما حدث مع برنامج48 ساعة علي قناة المحور. حفظ الروح المعنوية للثوار والجماهير بأحاديث الدعاة وبث الأغاني والقصائد والشعر.. حاول الثوار استخدام يوتيوب كوسيلة لبث الحماس والحفاظ علي الروح المعنوية للثوار والجماهير عالية متقدة طوال أيام الثورة, فقد شكل المزيج الرائع الذي قدمه الثوار من كلمات الشعراء وأغاني المطربين وأحاديث الدعاة وقودا ألهب نفوس الجميع, وحائط صد استند إليه كل من تسرب إلي نفسه اليأس, أو الملل أو ساوره الشك في نجاح الثورة, خاصة في الأوقات التي اشتد فيها عناد النظام ومراوغته, واشتدت فيها بلطجة الإعلام, وتقول الأرقام في هذا الصدد أن الأفلام التي حاولت حفظ الروح المعنوية وشحذ همم الثوار بلغت إجمالا75 فيلما, مدتها387.6 دقيقة, كان نصيب الاغاني34 فيلما مدتها214 دقيقة, وأحاديث الدعاة26 فيلما مدتها81.4 دقيقة, أما الشعر والقصائد فكان نصيبها15 فيلما مدتها91.65 دقيقة, جميعها يضم لقطات لقصائد تلقي بصورة مصحوبة بصور متحركة إما من الميادين أثناء المظاهرات, او لأصحابها وهم يلقونها عبر الفضائيات. الوفاء للثورة لجأ شباب الثورة إلي يوتيوب من أجل تقديم لمسة وفاء للثورة, من خلال إبراز شهدائها ونشطائها وتقديمهم للأمة, وفي هذا الصدد كان الاحتفاء بالشهداء ءضعاف الاحتفاء بالناشطين الأحياء, فقد بلغ عدد الأفلام التي اهتمت بالشهداء وعرضت صورهم وأعمالهم ووثقت لقاءات مع ذويهم118 فيلما, مدتها599.8 دقيقة, بلغ عدد الأفلام التي تناولت النشطاء24 فيلما فقط مدتها,125 دقيقة. وقد عكست عناوين الأفلام ومحتواها الحرص الشديد من قبل معدي الأفلام علي قيمة الوفاء في هذه الثورة تجاه شهدائها, وقد اتخذ هذا الوفاء عدة صور, يمكن استشفافها من عناوين الأفلام والتعليقات الكثيرة التي كتبت عليها, فهناك مجموعة من الأفلام عكست عناوينها حرص أصحاب هذه الأفلام علي التعبير عن مشاعرهم تجاه الشهداء, ومجموعة أخري من الأفلام حرص معدوها ومنتجوها علي تخليد الشهداء وتعريف الجماهير بهم وبأسمائهم وصورهم, والإشارة إلي بعض مما قدموه خلال الثورة وما تحلوا به من شجاعة وإقدام, اما المجموعة الثالثة من الأفلام فحرصت علي التضامن مع أمهات وأهالي الشهداء, ولفتت الانتباه إلي معاناتهم وضرورة مشاركتهم أحزانهم, ودعوتهم للصبر والصمود, وارتكزت هذه الأفلام بالأساس إلي لقطات مسجلة من لقاءات تليفزيونية مع أهالي الشهداء.