وقفت مصر الحبيبة بردائها الأسود يخيم عليها الظلام والحزن والأسي ينتشر الضباب والدخان الأسود في سمائها ويتلون هواؤها، تنظر بحسرة وألم علي أبنائها الذين يتقاتلون علي أرضها حتي أصبحت ساحتها أرضا للمعارك القاسية والظالمة يتساقط أبناؤها تباعا هنا وهناك ليحترق هذا الوطن العزيز وينتشر الخراب والدمار في كل أرجائه، والكل يتساءل كيف وصل هذا الحال السيئ ليتقاتل أبناء هذا الوطن الواحد بعضهم البعض وكيف توجه نيران عناصر وقوات وزارة الداخلية الي صدور الشعب المصري الذي قام بثورته العظيمة البيضاء في 25 يناير 2011 وصارت مفخرة للعالم أجمع.. إنه قصة دامية تناقلتها السطور التالية. إن وزارة الداخلية هي إحدي الوزارات السيادية بالمجتمع المصري التي اذا استقامت استقام المجتمع وصلح حاله وتحقق الاستقرار والأمن والأمان وعلي طول التاريخ ظلت الوزارة وعناصرها مصدر كراهية شديدة من المجتمع بالرغم من كافة الشعارات التي تم رفعها «الشرطة في خدمة الشعب» والواقع العملي تهان كرامة المواطن المصري داخل أقسام الشرطة ويعامل الجميع علي اختلاف مناصبهم ودرجاتهم معاملة سيئة ولا يتم الحصول علي الخدمة إلا بدفع الرشاوي وصار الابتزاز مبدأ قانونيا موحدا يقع علي المواطن ولا يستطيع الانفلات منه مهما كان لديه من فطنة وذكاء حتي إن المواطن المصري أصيب بنوع من الإحباط والانهيار النفسي لأنه أصبح يدرك تماما أن تقديم بلاغ بما وقع عليه من ظلم أو مشكلة الي القسم المعني هو شيء من المعاناة والخيال والجهد النفسي الذي يقع عليه نتيجة لما يلقاه من ظلم بل وصل الأمر الي اعتباره مجرما جاء ليضيع أوقات ضباط القسم وعناصره ويدخلهم في متاهات هم في غني عنها، الأمر الذي يجعله مضطربا لأن حقه قد ضاع ولا أمل لأن الشرطة علي طول التاريخ كانت مسئولة تماما عن حماية تلك الأنظمة الفاسدة التي حكمت مصر منذ عصر الخديوية 1867 الي 1914م. وجاء عصر الملك فؤاد ليبدأ عصرا جديدا من الظلم والغطرسة والظلم من رجال الشرطة الي محمد فؤاد سراج الدين باشا الذي حظي باحترام شديد وحب صادق من جمهور الشعب المصري العظيم لموقفه البطولي إبان أحداث الإسماعيلية وهجوم قوات الاحتلال علي قسم شرطة الإسماعيلية وإعطائه الأوامر بعدم الاستسلام مطلقا حتي لآخر رجل!! وعصر السلطنة حتي سقط آخر جندي دون الاستسلام وصار يوم 25 يناير عيدا وطنيا للشرطة تحتفل به كل عام، ولا أحد ينسي البوليس السري السياسي الفاسد الذي كان يتعاون مع الانجليز ويقوم بالاعتقالات المتعددة وعمليات التعذيب البشعة التي كانت تمارس ضد الشرفاء والوطنيين من الثوار المقاومين لقوات الاحتلال التي كانت تدنس أرض الوطن، وجاء عصر اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية وتولي جمال عبدالناصر رئاسة الوزارة ثم جاء زكريا محيي الدين ليخلفه الرئاسة ثم عصر الزعيم جمال عبدالناصر إثر توليه رئاسة مصر وشلته الفاسدة التي أحاطت به وأفسدت كل شيء فمن زوار الفجر والمزيد من الاعتقالات والزج بهم في السجون الحربية ومعاملة المعارضين للنظام أسوأ عمليات التعذيب الذي يندي لها الجبين الي عصر السادات، حيث أنشأ قوات الأمن المركزي لتكون اليد الساحقة والقوة الضاربة لمعارضي النظام وتنفيذ الاعتقالات وامتلأت السجون بمعارضي النظام ليلقوا أروع عمليات التعذيب الجسدي والنفسي، وجاء في النهاية النظام الحقير للرئيس المخلوع حسني مبارك الذي دمر كل شيء وخرب ونهب هذا الوطن ولذلك نوه النقد اللاذع لتلك الأنظمة الفاسدة التي أساءت الي مصرنا الحبيبة وصار التخلص من هذه الأنظمة الفاسدة هو المعيار الحقيقي الذي أفسد جهاز الشرطة وجعلها سيفا مسلطا علي رقاب الشعب خاصة هذا النظام الأخير الفاسد لحسني مبارك الذي اعتمد كلية علي الأمن المركزي الذي تم التوسع في إنشائه بطريقة استفزازية وصلت الي أكثر من مليون جندي ورصدت له ميزانية ضخمة تعدت أكثر من ميزانية التعليم والصحة مجتمعتين!! كما صار الاعتماد علي جهاز أمن الدولة الذي ضرب بجذوره كل قطاعات الدولة وصارت تقاريره الأمنية هي المصدر الرئيسي والأساسي في تعيين كل موظفي الدولة من أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة الجامعات... الخ حتي التصديق علي السفر لتلك الفئات المتعددة من موظفي الدولة وقادة القوات المسلحة والشرطة والقضاء والمحاكم ....... و إلخ ونظرا لما قام به حبيب العادلي من تدمير لوزارة الداخلية فإننا نعرض خطته لتدمير هذا الجهاز وأيديولوجيته الفاسدة حيث سعي الي ايجاد فاصل كبير وهوة واسعة في التمييز بين ضباط الشرطة وضباط أمن الدولة حيث جعل لضباط أمن الدولة اليد الطولي علي وزارة الداخلية وجعل معظم الضباط مهمشين تماما في أعمالهم إضافة الي أنه خلق الكراهية والحقد بين الضباط وتكليف الرتب العالية من فئة ضابط عظيم بأعمال تافهة كمندوب ترحيلات يقوم بها عقيد أو عميد مع الإخلال في المرتبات وتباينها بين نقيب يخدم في أمن الدولة ولواء يخدم في مصلحة الأمن العام تتساوي مرتباتهما للأسف الشديد ومن المؤسف حقا أن ضابط الشرطة يعمل لأكثر من 16 ساعة يوميا بمرتب يحصل عليه صاحب كشك يبيع السجائر والحلوي في عدة أيام!! وافتقد الوظيفة العامة للشرطة وأصبحت مسئولة عن تنفيذ أمن النظام الفاسد وترك البلاد تعج بالفوضي العارمة وعدم الاهتمام بحقوق المواطنين أو السعي الي المعاملة اللائقة بالأقسام وتاهت التقاليد العسكرية والانضباط بين الرتب الصغري والكبري للأسف الشديد فقد يكون ضابط من أمن الدولة هو المسئول عن تقييم أداء ضابط برتبة لواء أو استمراره في الخدمة والتجديد له وصار الحقد والكراهية هي الشيء البارز والمميز بين فئة الضباط خاصة من يحظون بالاقتراب مع ذلك الوزير الفاشل وعلي الجانب الآخر صار ضباط الصف والجنود عناصر فاسدة لا تجد قيادة صارمة لها لأن الوزير لم يهتم إلا بضباط أمن الدولة وشلته الفاسدة من المساعدين له وترك هؤلاء يسعون الي فرض الاتاوات علي المواطنين البسطاء وتلقي الرشاوي لأن هؤلاء لا خدمة صحية أو طبية لهم، ومرتبات هزيلة ومعاملة سيئة وابتزاز مستمر للمواطنين حتي فقد جهاز الشرطة هيبته وكرامته بل من الغريب حقا أن هذا الجهاز أصبح يعتمد علي البلطجية ومحترفي الإجرام في تنفيذ عملياته الأمنية والانتخابية وصارت المحاضر الكيدية هي الناموس الطبيعي للزج بالشرفاء فقطع المخدرات جاهزة وشهود الزور تحت رحمتهم وكتابة المحاضر الكيدية لها المتخصصون من الفاسدين من المساعدين وضباط الصف وصار تنفيذ الأحكام حبرا علي ورق فالرشاوي جاهزة لتعطيل تنفيذها فورا وصارت الانتخابات لعبة هزلية لا تسمن من جوع. لقد صار القهر النفسي عنوانا مميزا بين الجميع لأن الحقوق تاهت تماما وأصبح المجتمع فاسدا تماما يحتاج الي جراحة عاجلة لاستئصال هذا الطاعون والفساد الذي استشري في المجتمع المصري والعمل علي إعادة بناء رجل الشرطة وحفظ كرامته المفقودة وتحقيق العدالة الغائبة وغرس القيم والمعايير الأخلاقية التي ضاعت وتاهت بالمجتمع المصري والعمل علي ادخال التكنولوجيا الحديثة وتقديم الخدمات العلاجية والصحية لكافة العاملين بجهاز الشرطة وتقديم الاحترام الكامل لهم لأن استقرار المجتمع وإعادة بنائه لن يتأتي إلا بتحقيق الأمن الكامل وغرس المبادئ القيادية والابتعاد عن الظلم والمعاملة الكريمة لضباط الصف وتوفير الرعاية والمرتبات اللائقة التي تغنيهم عن طلب الحاجة من المواطنين الشرفاء. وأقول كلمة أخيرة: إن استقرار المجتمع وانضباطه وملاحقته لعصر العولمة الذي نعيشه لن يتأتي إلا بنزع الحقد والكراهية من المجتمع المصري حتي نعيد بناء مصرنا الحبيبة لتقوم علي أسس جديدة من الصدق والموضوعية والشفافية وإن غدا لناظره قريب مع خالص تحياتي وتقديري لقرائي الأعزاء. --------- مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية