من العجيب أن تجد الأبطال والرموز في كل مهنة وقد وضعهم النظام السابق على الهامش، ولا سيما أولئك الذين ضحوا بدمائهم وحياتهم بالكامل من أجل تحرير الوطن، وصنعوا بدمائهم انتصار مصر العظيم في حرب أكتوبر 1973 .. ومن بين هؤلاء الأبطال المحارب القديم فؤاد حسن سالم الذي شارك على مدار 11 سنة في خدمة القوات المسلحة، وذاق بنفسه مرارة الانسحاب والهزيمة في 1967 ثم شارك في صنع انتصارات أكتوبر 1973 ومن قبلها بطولات حرب الاستنزاف . ذهبنا إلى عمو فؤاد، كما يناديه الجميع ، والبالغ من العمر 68 سنة.. في محل إقامته بمنطقة النورة بعزبة النخل، وعلى خلاف جميع التوقعات وجدناه فى كشكه الصغير يبيع الشاى لسائقى عربات النصف النقل التي تنقل المواطنين من وإلى البلدة ، رأيناه بجسده النحيل وقد كسا البياض شعر رأسه وذقنه ليميز بشرته السمراء التي تطل من خلال جلبابه الأبيض وطاقيته البيضاء فتزيده هيبة وبهاءً. ثمن البطولة..! بدأ الحوار مع عمو فؤاد ليحدثنا عن معاناته على مدار 38 سنة منذ إنهائه الخدمة العسكرية في العاشر من يونيو 1974 وحتى الآن ، حيث أهمله النظام السابق وفشل في عودته لعمله بمعهد بحوث الإسكان والبناء بسبب ظروفه المرضية ،التي أقعدته عن العمل، ليصبح معاشه 40 جنيها فقط لا غير..هو كل دخله الذي لا يكفي لشراء علبة دواء واحدة لزوجته المريضة.. اضطر المحارب القديم للوقوف بكشك الشاى سعيا على " أكل عيشه "، وقد حول هذا الكشك إلى متحف من الصور التى تحكى بطولاته في حرب أكتوبر، وذكرياته ولقاءاته مع رفقاء السلاح وقادته وعلى رأسهم الفريق عبد المنعم رياض الذي خدم معه. يقول عمو فؤاد : التحقت بالخدمة العسكرية في 30 /9/1964 ، وبعد 3 سنوات تعرضنا لهزيمة 67 التى لم نشارك فيها ، حيث جاءت التعليمات بالانسحاب وهو ما اضطرنا للسير لمدة 23 يوما في الصحراء حتى وصلنا إلى جزيرة البلاح بالإسماعيلية، كانت أياما مريرة لم يمحها شئيا سوى حلاوة النصر في حرب الاستنزاف وحرب اكتوبر. ويضيف : كان لى شرف المشاركة ،مع زملائي بالكتيبة، في قتل 168 جندى وضابط إسرائيلى في معركة السويس الكبرى في 24 أكتوبر ، وظللت بالقوات المسلحة حتى أنهيت الخدمة في 10/6/1974 . ظروف صعبة وهنا بدأ عم فؤاد في البكاء قائلا : لم أكن أتخيل ان الدولة ستعاملنى بهذه الطريقة ، فقد أهملتنى في كل شئ.. المعاش ضعيف، والمسكن غرفة وصالة تحت السلم في بيت آيل للسقوط أقيم فيه مع زوجتى وأبنائي.. لم أجد سبيلا لزيادة دخلي سوى كشك الشاى وهو أفضل عندى من التسول.. ورغم قلة الدخل من وراء بيع الشاى ، إلا أن عم فؤاد يقول في رضا "مستورة والحمد لله" ويشير بزهو ،ونحن داخل الكشك المتهالك صغير المساحة، إلى لوحة خشبية بها تفاصيل حياته العسكرية وبطولاته وقد كتبها بخط يده، وصور من شهادة العبور وتكريم القوات المسلحة له بعد الحرب، وقصاصات من بطولات الفرقة 19 التى خدم فيها وكذلك سلاح المدفعية ، بخلاف صوره وهو يرتدى الزى العسكرى والخوذة على رأسه، وصور أخرى قام بتعليقها للفريق عبد المنعم رياض والمشير الجمصى والفريق واصل والفريق سعد الدين الشاذلى والمشير أحمد بدوى ليقول عنهم في فخر : هؤلاء هم أبطال مصر الحقيقيون، ومعهم كل جنود وضباط القوات المسلحة التى أشرف بأنني كنت يوما جنديا من جنودها . ويتابع : طرقت أبواب جميع المسئولين في عهد النظام السابق طالبا زيادة المعاش الذي ثبت عند مبلغ 40 جنيها، وعلاجى وزوجتى على نفقة الدولة، بالإضافة للحصول على رخصة كشك وتوظيف ابنى الكبير، وكذلك كالحصول على شقة بدلا من الحجرة الضيقة التى أسكن فيها والتى لا يدخلها شمس ولا هواء ، ورغم ذلك لم يلب المسئولون بالنظام السابق طلبا واحدا من تلك المطالب، وهو ما جعلنى أشعر بأن المواطن في هذا البلد بدون كرامة ، فما بالنا بأحد صناع نصر أكتوبر.. وهنا ردد المحارب القديم ( حسبى الله ونعم الوكيل فيك يا حسنى مبارك انت والفاسدين في عهدك ) . رحيل الديكتاتور سألت عم فؤاد عن رأيه فيما يحدث الآن في محاولة لإخراجه من أحزانه فرد قائلا : الحمد لله إن الثورة قامت ورحل الطاغية الديكتاتور، ورحمة الله على شهداء ثورة 25 يناير في أيامها الأولى وحتى تنحى المخلوع، ولكننا للأسف بعد خلعه دخلنا في صراعات مع بعضنا البعض، وانتشرت الفوضى وبدأ كل واحد يزايد على الثانى بعبارة أنا مع الثورة وانت ضدها ، بخلاف التطاول على الجيش وإهانة رموزه وقادته والاعتداء على منشآت الدولة. وبسؤاله عن مرشحه في الرئاسة قال: سأنتخب الفريق أحمد شفيق ، أنا معرفش الدكتور البرادعى ومش هنتخب عمرو موسى. وعندما سألته مندهشا عن سبب اختياره لشفيق وهو المحسوب على نظام مبارك ، أجاب: ( مش كل واحد كان شغال في عهد مبارك وحش ، طب ما المشير أبو غزالة عمل مع مبارك وكان راجل أمريكا بتعمل له ألف حساب، وكمان المهندس حسب الله الكفراوى وزير الإسكان اشتغل مع مبارك وبعد كده استغنوا عنه، هم دول وحشين؟ ويكمل : البلد كانت فيها ناس كويسة ومش واخدين حقهم وانا منهم، وكمان الفريق أحمد شفيق راجل عسكرى وشارك في نفس الحروب التى شاركت فيها.. وعندما قلت له "وماذا لو تمت إدانته في مسئوليته وهو رئيس وزارة عن موقعة الجمل؟" أجاب: مش هانتخبه وساعتها مش هانتخب حد تانى ! شاهد الفيديو: