أحزننى جداً الفساد الذى استشرى بجامعة القاهرة، تلك الجامعة التى كانت فى يوم من الأيام قلعة للعلم ومنارة ثقافية كبرى فى الشرق الأوسط.. أحزننى جداً أن يصل الفساد إلى الجامعة الأم التى أتشرف بالانتساب إلى أننى أحد خريجيها، وأفتخر أننى تتلمذت على علماء كبار بها، وكنا نحن الطلبة نزهو ونفتخر على أقراننا بأننا من خريجى هذه الجامعة العريقة لأن علماء كباراً درسوا لنا فيها، وكونوا شخصياتنا ونموا أفكارنا ومبادئنا، وكنا نحزن جداً على الفساد والمحسوبية بالجامعات الإقليمية.. ويبدو أن دوام الحال من المحال، بعدما سارت الفوضى بالجامعة الأم.. وأصبح هَمْ الأساتذة بالدرجة الأولى هو السعى وراء الكسب والمال بطرق مشروعة وغير مشروعة.. الوقائع على الفساد الآن بالجامعة كثيرة وعديدة وأتوجه بها إلى الدكتور حسام كامل رئيس الجامعة لعله يفعل شيئاً حاسماً وحازماً أو يعلن على الملأ أنه لا يقوى على مقاومة هذه المسخرة التى تدور وتحديداً فى الدراسات العليا وخاصة داخل كلية الزراعة.. تلك الكلية التى كانت فى يوم من الأيام صاحبة نهضة كبرى فى مصر الحديثة، التى بدأها محمد على باشا الكبير وتخرج فيها علماء أجلاء لم يعرفوا محسوبية أو كوسة كما هو واقع الحال الآن.. فمن غير المقبول أو المعقول أن تشهد كلية الزراعة التى تأسست قبل مائة وعشرين عاماً، أن تكون الآن مأوى للفاسدين والمفسدين الذين يبحثون فقط عن جلب الأموال على حساب العملية التعليمية.. من العار أن تكون كلية الزراعة بالجامعة الأم، مرتعاً للفساد على يد بعض أساتذة الدراسات العليا! هؤلاء الأساتذة بالكلية الذين تصوروا أنهم آلهة ليس، مع عظيم الأسف فى علمهم، وإنما فى كيفية الثراء على حساب الطلاب راغبى العلم والمعرفة.. فالطلاب مهما كانوا من الباحثين عن المعرفة بإعمال العقل لا مجال لهم فى الكلية إلا إذا ارتضوا برغبات الأساتذة الذين غالباً ما يتغيبون عن المحاضرات، ولا يعنيهم العلم وإنما يعنيهم تحقيق مصالحهم الشخصية بكل الطرق غير المشروعة.. هذه المقدمة الطويلة ليست كلاماً انشائياً ولا افتراء على أحد، انما هى واقع مرير جداً يحدث فى كلية الزراعة بجامعة القاهرة، يعرفه كل طلبة الدراسات العليا الذين يحبسون فى صدورهم آهات وآلاماً من هذه الفوضى العارمة والشديدة، وخيبة الأمل التى قابلتهم عندما التحقوا بالكلية، عندما اكتشفوا أن طريق العلم محفوف بالفساد والمحسوبية والرشوة بكل أنواعها، ومن يستجب تفتح له الأبواب المغلقة ومن يتمسك بالعلم فقط، تصب عليه اللعنات ويصبح غير مرغوب فيه ويرسب أو يرحل! ياسيادة رئيس جامعة القاهرة، الأساتذة الأفاضل بكلية الزراعة يعقدون اجتماعات غريبة وعجيبة لمجلس الكلية لطالبى الالتحاق بالدراسات العليا، فشروط التحاق الإخوة العرب القادمين من الخليج مثلاً تختلف عن شروط قبول أبناء مصر، الإخوة الخليجيون طبعاً لهم مميزات، وأبناء مصر لهم عقبات وأشواك.. أبناء الخليج يتم قبولهم بدون شروط، وأبناء مصر المحروسة توضع أمامهم شروط غاية فى الإجحاف والتعنت.. أبناء الخليج ذيول أمريكا تفتح أمامهم الأبواب المغلقة وأبناء مصر الثورة تغلق فى وجوههم الأبواب المفتوحة.. الوافدون يتم استثناؤهم من كافة الشروط ويتم قبولهم فى أى موعد طالما أن قدم الوافد دخلت الكلية... وابن مصر لابد أن يتم سلخه وإيذاؤه نفسياً. ياسيادة رئيس جامعة القاهرة أتعرف الفرق بين طلبة الخليج أو الوافدين العرب وبين أبناء المصريين؟! الفرق أن المصرى تصور أنه يبحث عن العلم ويريد المزيد من المعرفة، أما الآخرون فجاءوا للبحث عن الوجاهة.. المصريون لا يدفعون، والوافدون عطاياهم كثيرة ومغرية.. وفى المقابل لا يشترط للوافد أن يجرى الاختبارات المؤهلة للالتحاق بالدراسات العليا، والمصريون لابد أن يؤدوها.. والوافدون يتقدمون فى أى وقت.. والمصريون غير مرغوب فى قبولهم.. الوافدون يتم استثناؤهم من تقديم الأبحاث وينجحون بل ويتفوقون.. والمصريون يكدون ويشقون ويرسبون.. الأساتذة ليس كلهم طبعاً يرحبون بحوارات الوافدين المحملين بالعطايا، والمصريون لا يطيق الأساتذة سماع صوتهم. ومن يتجرأ من المصريين على رفض هذا الواقع الأليم والمقرف، يعلُ صوت الأستاذ بالقول «ارفع قضية».. ولأن الرقابة على أستاذ الجامعة غير موجودة أصلاً، لذا وجدنا أساتذة يتصرفون كالدهماء والغوغائيين مستندين إلى أن طالب العلم لن يفعل شيئاً وليس أمامه إلا السكوت وكتم الأنفاس وتخزين الحزن فى الفؤاد.. فهل وصل بنا الحال إلى هذه الدرجة الشاذة والغريبة والعجيبة؟!.. هل قلاع العلم والمعرفة وخاصة فى كلية الزراعة المنوط بها أن تكون الأكثر وعياً والتزاماً بالعلم والأخلاق يجوز أن يحدث بها كل هذه المهازل والفوضى؟! هل يجوز لعلماء الزراعة بكل تخصصاتهم المنوط بهم أن يكونوا اكثر الناس قرباً من الله أن يفعلوا ذلك.. وهم الذين يرون صنع الله فى الأرض والنبات والهواء والماء؟!. لقد انتفى عن هؤلاء الأساتذة قول الله تعالى «انما يخشى الله من عباده العلماء» ولأنهم باعوا أخلاق العلم وظلموا أبناء جلدتهم المصريين على حساب العرب الوافدين من أذناب أمريكا، وكان الأولى بهم على الأقل أن يساووا الوافدين بالمصريين أم أن هؤلاء العرب على رأسهم ريشة، وهذه الريشة غير موجودة عند المصريين، الأمر بخلاف ذلك كله.. هو المنفعة التى تعود من وراء الدارس فقط ولا غير. ويبقى أن نتحدث عن وقائع فساد أخرى فى الأيام القادمة إن شاء الله.