التعليم الجامعي.. والرسالة الغائبة! منذ سنوات ونحن نجتر مرارة الحزن والألم بسبب ما أعلن عن عدم وجود أي جامعة مصرية ضمن قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم مما فتح الباب لروايات واجتهادات بعضها يتحدث عن زحف الفساد إلي الجامعات المصرية والبعض الآخر يتحدث عن تدني مستوي الخريجين وتراجع مستوي البحوث العلمية مما أفقد الشهادات والدرجات العلمية قيمتها ولكن الأمر في اعتقادي أبعد وأشمل من ذلك بكثير. إن جوهر ولب الأزمة كما عايشته بنفسي لأكثر من عشر سنوات عندما كنت عضوا بمجلس كلية الزراعة جامعة القاهرة يرجع إلي مسخ فكرة التعليم الجامعي ورسالته منذ حقبة السبعينيات في القرن الماضي حيث جري- لاعتبارات سياسية- تحويل المعاهد العليا إلي كليات جامعية رغم الفارق الكبير بين جوهر رسالة التعليم الجامعي ورسالة المعاهد العليا. وكنتيجة طبيعية لهذا المسخ والتشويه في رسالة التعليم الجامعي بدأت عملية التوسع غير المحسوب في إنشاء الجامعات الإقليمية دون أن تتوافر الاعتمادات المالية الكافية والمعامل البحثية والكوادر القادرة علي إدارة العملية التعليمية وفق القياسات العالمية للتعليم الجامعي وبدلا من الحفاظ علي الجامعات كحاضنة لصفوة الأساتذة من ذوي المكانة العلمية الرفيعة تسللت إلي الجامعات مئات وربما آلاف الكوادر غير المؤهلة للتدريس في الجامعات وإنتاج البحوث العلمية. والحقيقة أن الجامعات لم تنشأ أساسا من أجل تخريج مئات الألوف من الموظفين والمهنيين والدفع بهم إلي سوق العمل وإنما الرسالة الأساسية للتعليم الجامعي كانت ومازالت وسوف تظل هي البحث العلمي وإفراز القيادات القادرة علي إدارة الشأن العام المصري في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعندما تستعيد الجامعات المصرية من جديد مكانتها التي تمكنها من اداء رسالتها الأساسية ويدرك المجتمع أهمية توفير جميع الإمكانيات التي تمكنها من أداء دورها العلمي والمجتمعي كمراكز للإشعاع قادرة علي تقديم الرأي الصائب لأصحاب القرار السياسي علي كل مستويات العمل الوطني فإن عورة الغياب عن قوائم التصنيف العالمي سوف تختفي تلقائيا! خير الكلام: لا معني للاعتراف بالخطأ إذا تأخر موعده أو جري في غير موضعه! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله