أوشك الفصل الدراسى الأول على الرحيل، ساعات قليلة تفصلنا عن النهاية.. استعد الطلاب لأداء امتحانات فى مواد لم تتعد فى تأثيرها «ذاكرة طيارة» تتبخر بمجرد وضعها على ورقة الإجابة، بعيداً عن المعنى الحقيقى للتعليم والتحصيل. وبشهادة الطلاب.. الحرص على الحضور والانتظام فى المدرسة.. لم يتعد أسابيع قليلة.. بعدها انتشر التلاميذ فى مراكز الدروس الخصوصية يسبقهم المدرسون الذين وضعوا مواعيد الدرس الخاص فى نفس الوقت المخصص للمدرسة. الوزارة من جانبها تفرغت للتصريحات التى لهث وراءها الجميع دون أن يفهموا شيئاً.. بين أنظمة حديثة وأنظمة ملغاة.. ومشكلات مزمنة تتوارثها الأعوام الدراسية دون حل.. تبدأ بمعاناة الوصول إلى المدرسة.. ومروراً بملف التغذية.. وانتهاء بنظام امتحانات غامض ولا يعطى مؤشراً حقيقياً لنجاح العملية التعليمية. «الوفد» استطلعت آراء الطلاب.. ورصدت المشكلات العالقة فى العام الدراسى، الذى يعد «الأقصر» حيث لم يتعد زمنه 13 أسبوعاً تقريباً، إذ بدأت الدراسة فى آخر شهر سبتمبر، لتبدأ امتحانات النهاية فى 31 ديسمبر. فليس من المدهش أن يعرب التلاميذ عن استيائهم بسبب عدم تمكنهم من إنهاء المناهج وإعطاء فرصة للمراجعة.. فضلاً عن عدم الانتظام فى الحضور فى مدارس عديدة أنهت الدراسة «فعلياً» قبل هذا التاريخ بأسابيع، وفضل الطلاب التفرغ للدروس الخصوصية التى سبقها إليهم المدرسون! مع نهاية الفصل الدراسى الأول لعام 2017/2018 ظهرت مشكلات لوزارة التربية والتعليم، وكان على رأسها ملف التغذية المدرسية والدروس الخصوصية والباص المدرسى، وكانت هناك بعض القرارات الإيجابية، بالإضافة إلى عدم شرح جميع أجزاء المناهج الدراسية للطلبة وهناك خطوات إيجابية اتخذتها الوزارة وعلى رأسها التشديد على مراقبة زيادة المصروفات المدرسية للمدارس الخاصة والمقررة 7% سنوياً.. وترصد «الوفد» توابع أهم الأحداث والقرارات فى حصاد الفصل الدراسى الأول لهذا العام. قال يوسف نشأت، طالب بالصف الأول الثانوى: «المناهج لسه فيها حاجات ماخلصتش والامتحانات خلال أيام وبدأنا امتحانات العملى بالفعل وباخد دروس برة عشان أنجح لأن المدرسة محدش بيحضر منذ أكثر من 14 يوماً والمناهج كبيرة جداً». فيما أكد محمد حسين، طالب بالصف الثانى الثانوى، أن المدرسين توقفوا عن الشرح منذ 10 أيام بسبب اقتراب مواعيد الامتحانات والتى تبدأ مع بداية العام الميلادي الجديد، ومعظمنا يلجأ للدروس الخصوصية للنجاح فقط لأن الصف الثانى الثانوى ليس شهادة عكس الصف الثالث وهى سنة الثانوية العامة والتى تحدد مصيرنا كطلبة. وتابع "حسين" حديثه: أنه كان يحضر بشكل متقطع للفصل الدراسى الأول لاعتماده على الدروس.. وعن سر مجيئه للمدرسة اليوم قال: «أتينا إلى المدرسة اليوم للامتحان العملى فى مادة الكيمياء وعلشان اتفقنا أنا وزمايلى نلعب كرة قبل الامتحانات وضغط المذاكرة». وفى هذا السياق، قال سلطان عبدالعال، مدرس لغة إنجليزية بالمرحلة الثانوية: الطلبة لا تأتى للمدرسة لاعتمادهم على الدروس الخصوصية ومشكلة الدروس تتفاقم كل عام أكثر بسبب ضَعف المقابل المادى للمعلم، وبالتالى هو مجبر على إعطاء الدروس لالتزاماته الأسرية فهو مسئول ويعول أسرة، والسبب الآخر هو اعتماد الطلبة على الدروس لقلة العدد وسهولة الفهم والاستيعاب، ولكن المدرس يدخل الفصل ويشرح وهناك أجزاء صغيرة فقط بالمناهج لم تشرح للاستعداد لنهاية الفصل الدراسى سريعاً وكبر حجم المناهج مقارنة بعدد الأيام الدراسية، بل أحياناً ندخل الفصول ولا نجد أحداً من الطلبة خاصة طلاب الصفين الثانى والثالث الثانوى قائلاً: «المدرسين مظلومين يأتون يومياً وطلبة الثانوى مابيحضروش إلا فى الامتحانات». وهناك ملفات أخرى أثارت الجدل أثناء الفصل الدراسى الأول، وعلى رأسها ملف التغذية المدرسية الذى يعد من أكثر ملفات وزارة التعليم جدلاً فى النصف الأول من الموسم الدراسى لهذا العام، وشهدت الوزارة حالة من التوتر، بعد الاتهامات الموجهة إليها بتأخرها فى صرف وجبات التغذية المدرسية للعام الدراسى الحالى، حيث انتهى الفصل الدراسى الأول، وتم إعلان جداول امتحانات منتصف العام أواخر ديسمبر الجارى دون صرف وجبات التغذية المدرسية باستثناء مدارس المتفوقين والمدارس الداخلية. ومن جانبها، أكدت وزارة التربية والتعليم فى تصريحات صحفية سابقة، أن تأخر صرف الوجبات المدرسية يرجع لمراجعة جميع الاشتراطات الخاصة بعدم تكرار حوادث التسمم التى تكررت بكثرة خلال العام الدراسى الماضى، وأن جميع الاتهامات التى توجه للوزارة بإلغاء التغذية المدرسية عار تماماً من الصحة. فى الوقت الذى شكا فيه أولياء الأمور من استمرار مشكلة الباص المدرسى ومنها الأوتوبيسات الخاصة التى تعمل على نقل الطلبة إلى مدارسهم، حيث شهدت ارتفاعاً كبيراً فى اشتراكها الشهرى مع بداية التيرم الأول لهذا العام وصل إلى 40%. نفس المشكلة كانت مع السيارات الخاصة لنقل الطلبة وفى بعض المناطق فى ضواحى وأطراف القاهرة الكبرى لجأ الطلبة إلى عربات نصف نقل غير آدمية والتوك توك فى المناطق الشعبية للذهاب إلى مدارسهم وهو ما يعبر عن معاناة 18 مليون طالب فى مرحلة التعليم ما قبل الجامعى. وشهدت الشهور القليلة الماضية حوادث راح ضحيتها تلاميذ أبرياء، وكان أبرزها ضحايا التوك توك من تلاميذ البحيرة، ورغم ما أحدثتها تلك الكارثة المروعة من ضجيج وإثارة للرأى العام، إلا أن الواقع يؤكد استمرار المهزلة، خاصة فى الأحياء الشعبية وقرى مصر. الدروس تتحدى وبالنسبة لملف الدروس الخصوصية كالمعتاد لم تنجح الوزارة فى مواجهة أباطرة الدروس ونجوم الحوائط مثل «فارس اللغة العربية» و«طبرى الرياضيات» و«حاوى الأحياء» و«مانيتون التاريخ»، وتعتبر الدروس الخصوصية المشكلة الأولى التى تعانى منها منظومة التعليم فى مصر، وربما تكون أكثرها خطورة على المنظومة بأكملها، وعلى الطلاب أنفسهم، وعلى أسرهم، حيث إنها تجرد التعليم المصرى من مجانيته، وتؤكد الدراسات الحديثة أن 42.1% من إنفاق الأسرة يذهب على الدروس الخصوصية، حيث تنفق الأسر المصرية 17 مليار جنيه على الدروس الخصوصية رغم ارتفاع معدلات الفقر، وذلك خلال 34 أسبوعاً هو عمر عام دراسى يقدم فيه 119 منهجاً، حيث يدفع الطالب على الأقل 50 جنيهاً فى الحصة الواحدة، وقد تصل إلى 100 جنيه فى شهادة الثانوية العامة، طبقاً لما جاء فى دراسة الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2016. خبراء التعليم أكدوا أن الفصل الدراسى الأول له إيجابياته وسلبياته، حيث قال طارق نورالدين، معاون وزير التعليم السابق: الفصل الدراسى الأول شهد طرح ملفات لوزارة التعليم مثيرة للجدل ولكن أهمها كان تأخر حل مشكلة التغذية المدرسية والذى يعتبر عامل جذب كبيراً فى المناطق الفقيرة خاصة فى الأقاليم لطلبة المدارس وهو ما أكد على حلها رئيس الوزراء فى أكثر من حديث له، وهناك مشكلة أخرى ظهرت فى الجزء الأول من العام الدراسى وهى الأمن الصناعى والخاص بأمان الطلاب فظهرت أكثر من مشكلة وإصابات بين الطلبة فى بعض المدارس لافتقادها وسائل الأمان. وعلى الرغم من ذلك كان هناك ما هو إيجابى، وكما قال نورالدين: إن أكثر شىء إيجابى كان فى الفصل الدراسى الأول هو نجاح وزارة التعليم بشكل كبير فى مراقبة وإجبار المدارس الخاصة على بند الزيادة ال7% سنوياً فقط، وهناك بعض المدارس لجأت لزيادات كبيرة بحجة زيادة أسعار البنزين فى يونية الماضى، ولكن سرعان ما تراجع أصحاب تلك المدارس بعد تدخل وزارة التعليم، حيث يمثل قطاع التعليم الخاص نسبة 30% من المنظومة التعليمية وهو شريك أساسى فى تطوير التعليم فى مصر. فيما قالت ماجدة نصر، وكيل لجنة التعليم بمجلس النواب: إن مستوى عمل الوزارة للفصل الدراسى الأول كان مقبولاً، على الرغم من تزايد ظاهرة الدروس الخصوصية بشكل واضح وكبير فى الفصل الدراسى الأول هذا العام، ولكن المشكلة تراكمت منذ عقود ولن نستطيع القضاء عليها فعلياً فى وقت قصير، ولكن هناك طرقاً لتقليل ومواجهة الظاهرة تتمثل فى دور الوزارة، حيث يجب عليها الاعتناء باختيار المدرسين المؤهلين للمواد العلمية وصقلهم بدورات تطويرية، وإعادة النظر فى محتوى الكتاب المدرسى، وإعادة النظر فى توزيع الحصص على المعلم، وخفض أعداد الطلاب داخل الفصول ورواتب المعلمين، وإذا تم حل هذه المشكلة من الممكن أن ينجذب الطلاب إلى المدرسة لتقوم بدورها وينتظم التلاميذ فى الفصول لآخر يوم فى الدراسة. وفيما يخص مشكلة التغذية المدرسية، قالت نصر: ظهرت بشكل واضح فى الجزء الأول من العام الدراسى لعام 2017/2018 ولكنها فى طريقها للحل بعد إصدار مجلس الوزراء، قرار تشكيل لجنة وطنية للتغذية المدرسية تضم ممثلين من جميع الوزارات والجهات المعنية، لمراجعة الخطط السنوية للتغذية المدرسية والتوسع فى التطبيق مع وضع آليات صارمة للتدقيق والمتابعة والتقييم. .