الله يرحمك يا نجاة يا بنت الناس، لماذا لم تقولي لي من بدري حتي لا أقول الكلام الذي قلته مساء الخميس الماضي في برنامج «نظرة» مع الأستاذ حمدي رزق في قناة «صدي بلدنا؟» سألني الأستاذ حمدي ضمن أسئلته المثيرة عن موقفي من المجلس العسكري، وحضرتني الآية الكريمة «خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَي اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (102) فانبريت أقول: إنّه مجلس له وعليه، وأن أخطاءه لا ينبغي أن تنسينا موقفه الذي أنقذنا من حمامات دم كان يمكن أن يقدم عليها النظام الآفِل دون تردد، فهو نظام ليس أذكي من المرحوم القذافي، لا هو أرحم من الأسد، فإذا جاء مجلسنا العسكري هذا، ووقف بجوار الناس لا الحاكم، فهذا فضل لا يجوز إنكاره أمام أي خطأ ارتكبوه لقلة الخبرة أو بحسن النية، ثم إن علينا أن نتذكر أن السياسة ليست هي العمل الأصلي لهذا المجلس، فالجيش للحرب، وجيشنا العظيم لم يقصّر في أي حرب منذ 1948، وكل الهزائم، بما في ذلك الهزيمة السرية سنة 1956، كانت نتيجة لخيبة الساسة واستذكائهم، وليست لتقصير الجيش أو جبن أفراده، ثم إنه لا ينبغي خلط الأوراق بين الجيش المصري العظيم، والمجلس العسكري المؤقت، كما أشرت في الحديث إلي أنني أتوقع قريبا أن يتفرغ الجيش لمهمته الأصلية، فالجيش للحرب، مثل كل جيش في دولة حديثة محترمة، وحتي اشتغاله عندنا حاليا ببعض المهام المتعلقة بالتنمية الاقتصادية ينبغي أن يقتصر علي الإنتاج الحربي الذي يحتاج لسرية خاصة، تاركا السياسة والاقتصاد لأهل السياسة والاقتصاد، وأضفتُ متطوعا أنني أعتقد أنه لا أحد في هذا المجلس مهتم بأن يبقي جالسا علي هذا الكرسي المزعج يقود الناس إلي ما لا يتقنه، ثم إنني نبهت إلي ما كتبته هنا الأسبوع الماضي عن «ثقافة الحرب»، وهي مهمة الجيش الأولي سواء أعلنت الحرب أم لا، وذلك بتوعية أفراده جميعا بأن الحياة حرب متصلة مع كل أعداء الحياة، وعلي رأسهم مشروع الدولة العالمية، والمالية الشرسة المحتكرة، وأن ثقافة الحرب لا تعني إعلان الحرب، وإنما تفيد ضرورة أن يعيش كل فرد ينتمي إليها طول الوقت يقظا مستعدا جاهزا، وحين يكون الجيش قدوة في هذا الصدد، سوف يمكن نشر ثقافة الحرب إلي كل أفراد الشعب ليصبح بمثابة الاحتياطي الجاهز لأي احتمال إغارة علي الوطن، وعلي الحياة، وعلي عامة الناس، بأي أسلوب في أي مكان. كنت متحمسا في البرنامج أحاول أن أعطي هذا المجلس العسكري حقه، وأن أعترف بجميله، وأن أوصي باستكمال دوره لهذه الشهور المتبقية وهو يحظي بالاحترام اللائق، ولم أكن أعرف – لفرط انشغالي نهاراً - أنه في نفس نهار الخميس (كان الحديث حوالي العاشرة مساء) كان هذا المجلس نفسه قد أقدم علي تلك «العَمْلة المهببة» التي لم أجد لها تفسيراً إلا في أغنية نجاة الصغيرة التي عنونت بها هذا المقال، حتي أغنية نجاة لم تسعفني لأفهم بعض الذي جري، فنجاة تعزو ما يحدث لها هي وحبيبها إلي «عمايل الأيام»، (مهما الأيام تعمل فينا..ما بنستغناش عن بعضينا!)، لكن الأيام هنا لم تعمل في المجلس وأمريكا شيئا نعلمه حتي يعودا إلي بعضهما البعض هكذا بهذه المفاجأة وهذه السرعة، فيضرب المجلس عرض الحائط بكل إنجازاته هو شخصيا، وبهيبة القضاء، وبالكرامة الوطنية، وبالقانون، وبالاتساق الأخلاقي، وبالذكاء المعقول. تذكرت أغنية نجاة وقلت وأنا أتحسر ألماً: «نحن مالنا نحن»، هم يتخاصمون ثم يتصالحون سرا وعلانية، هم أحرار، إيش حشرنا ولا مؤاخذة ما داموا لا يستغنون عن بعضهم هكذا، كا تقول نجاة؟.. لكن يبدو أن القياس غير دقيق، فهم الذين أدخلونا في خصامهم غصبا عنا، دون أن نطلب، ودون حتي أن يفهمونا: لماذا الآن؟.. وما قصدهم؟.. ومَنْ مع مَنْ؟.. وإلي أي مدي؟.. نجاة تتحدث في الأغنية عن أنه مهما بلغ الخصام، فأطرافه أدري بكيفية حله، لكننا نحن – الشعب - (وليس بالضرورة مجلس الشعب، لعل أغلبه يعلم!!) لم ينمُ إلي علمنا أنه كان ثَمَّ خصام، ناهيك عن طبيعة هذا الخصام، كما أنه لم ينم إلي علمنا صراحة، من فرط الشفافية!، أنه كان هناك ودّ خاص قبل هذا الخصام حتي نستطيع أن نتابع القصة الغرامية ونحن نتوقع خصاما ثم صلحاً ثم خصاماً، فنقوم بدور العوازل نزكي نار الشقاق، أو دور أهل الخير نصلح ذات البين، صحيح أنه ثارت شائعات وشائعات تشير إلي احتمال وجود مثل هذا الود من تحت لتحت، وجوده من قبل الأحداث، ومع أطراف كُثر لا يجمعهم إلا الرغبة في خرابنا لصالح من لا يرحم، لكن شعبنا الطيب لا يستسلم لمثل هذه الشائعات بسهولة!! طيب دعونا نفترض أنه كان هناك تحت الأمور أمور، فما هذا الذي حدث علي حين غِرة، فأثار كل هذه الزوبعة، دون سبب مرسِّب واضح؟.. أما كان أوْلي بهم أن «يخلوا الطريق مستور»؟ بدون تمهيد إلا إرهاصات غامضة، واتهامات هادئة متبادلة، وجد الناس، كل الناس، أنفسهم مشاركين في قضية قديمة، تجددت فجأة حتي الاشتعال، نفس هذه القضية كانت أحداثها ووقائعها تجري همسا بما يشبه الاتفاق العرفي أنه «فوّت وأنا أفوّت»، وشعبنا طيب لم يدقّ كثيرا، ولعله قال: المهم أن يكتمل ما بدأ لصالحنا مهما كان الدافع غامضا، أو مشبوها، ومهما كانت الاتفاقات التحتية جارية تدّعي الذكاء، المهم أن نكمل نحن بناء مصر، و«اللي ييجي منّه أحسن منّه» أو حتي استشهادا بمثل أقسي يقول «شعرة من دقن الخنزير»، أو مثل أنذل يقول: «خد بنت الندل وخاصمه»، وبرغم كل هذه الاحتمالات علي المستوي الأعلي، وبرغم كل هذا التفويت علي المستوي الشعبي، فوجئنا بالسادة الذين هم فوق، يشعلون حريقا كنا نحسب أنه ليس لنا فيه ناقة ولا جمل، صحيح أننا كنا نتمني أن تكون الأمور بهذه الصراحة، وفي إطار الشرعية، لكن أحدا لم يكن يعرف تفاصيلها، ولا أحد طالب بتعريتها هكذا في هذا الوقت بالذات، فجأة وجدنا عنترية وفروسية تأتي من فوق، وكلاماً عن الاستقلال التام أو الرفض الزؤام، فجأة وجدنا لنا وزيرة رأسها برأس السيدة كلينتون نفسها، وحتي كونداليزا رايس، ولا يهمها، فجأة وجدنا عندنا رئيس وزراء يقول ما يردده الشباب الحر الآن، وهو ما كان محظورا أيام الانحناء غير المعلن، فجأة وجدنا النور الأخضر يفتح أمام قضائنا الشامخ، فيبادر باستعمال قانون واضح وقديم وغير استثنائي ولا طوارئ، فتحزّمنا ورقصنا وقلت ما قلته في سهرة الأستاذ رزق ومن بينه أنه لا بد أن المجلس العسكري وراء هذا الموقف البالغ القوة المشع بالكرامة والعزة والاستقلال، قلت ذلك وأنا أذكر أنه بدأ خير بداية، ويبدو أنه سوف ينهيها خير نهاية بهذه الخطوة الشجاعة غير المنتظرة!! لم أعرف أن العكس كان ينتظرني، وأنها أسوأ نهاية، لم أعرف هذا الذي جري إلا من صحف اليوم التالي (الجمعة) مع أن المصيبة كانت قد تمت بكل فصولها في نهار الخميس! ألم يكن أولي بكِ يا ست نجاة، وأنت تطربيننا بكلمات عبدالوهاب محمد قبل هذه الفضيحة حتي السادة الذين هم فوق أن يكون التنازل واحدة واحدة كما كنت تغنين ادّ ما نتخاصم ياعواذل اهو حبة بحبة بنتنازل! أمّا أن يعلن الخصام هكذا دون أن نطلب نحن إعلانه، ثم نفاجأ بهذا التنازل الفضيحة يهبط علينا كله هكذا مرة واحدة من أفواه القرب، وليس «حيّة بحبّه» فلا بد أن تفسيرا سيأتي مع صياغة الدستور (أولاً)!!، مع أن مجلة ميكي تضع حل اللغز في نفس العدد في أسفل الصفحة بالمقلوب هل أحدٌ (غير بطوط) عنده تفسير؟ ما الذي جعلهم يشعلونها هكذا؟ هل أحد منا طلب منهم ذلك، لا سمح الله؟ وما الذي جعلهم يطفئونها هكذا فجأة فيهب علينا رمادها يعمينا فلا نفهم أكثر؟ ونحن لا ينقصنا العمي. هل جاء دورهم ليطلبوا منا هم أيضا أن «نتسلي» بحل هذا اللغز؟ ومن هم أطراف اللعبة الحقيقيون؟ وما فائدة انتخاب مجلس الشعب؟ وكيف نطلب من الشارع احترام القضاء وأحكامه في حين أن السلطات الأعلي لا تحترمه هكذا؟ هل نحيل المسألة كلها إلي «المفتش سرور»؟ أم إلي عصابة القناع؟ أم إلي «أبوزنة»؟ www.rakhawy.org