رغم تقليل إيران من أهمية التهديدات الإسرائيلية بشن ضربة عسكرية ضدها, إلا أن التطورات في الساعات الأخيرة وخاصة ما يتعلق منها بإعلان كوريا الشمالية عن موافقتها على تعليق أنشطتها النووية من شأنها أن تضع طهران في ورطة كبيرة. فمعروف أن أمريكا وإسرائيل سارعتا منذ الإعلان عن رحيل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل في ديسمبر من العام الماضي لإحداث اختراق في التحالف الوثيق بين بيونج يانج وطهران والذي طالما شكل دعمًا لكل منهما في مواجهة الضغوط الغربية للتخلي عن برامجهما النووية. ولعل هذا ما ظهر واضحًا في تقرير نشرته صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية في وقت سابق وجاء فيه أن وفاة كيم جونغ إيل ونقل السلطة إلى نجله كيم جونج أون لا يضمن ذوبان جليد في العلاقات بين الكوريتين أو أي خفض في العداء بين بيونج يانج وتل أبيب، إلا أن التغيير يثير إمكانية حدوث فتور فى التحالف الوثيق بين كوريا الشمالية وإيران. ويبدو أن المساعي الأمريكية والإسرائيلية كللت بالنجاح أخيرا, حيث فوجئ العالم في 29 فبراير بموافقة كوريا الشمالية على تعليق برنامجها النووي وذلك في أعقاب محادثات جرت مؤخرا بين دبلوماسيين أمريكيين وكوريين شماليين في بكين. وأعلنت الولاياتالمتحدة وكوريا الشمالية عن موافقة الأخيرة على تعليق أنشطتها النووية, مقابل الحصول فورا على 240 ألف طن من المساعدات الغذائية من الولاياتالمتحدة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند إن بيونج يانج ستسمح لمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقق من التعليق ومراقبة الأنشطة النووية في مفاعلها النووي الرئيسي. ومن جانبها, أعلنت بيونج يانج أن المفتشين سيراجعون أنشطة التخصيب في محطة "يونغبيون" والإشراف على إغلاق المفاعل البالغ قدرته 5 ميجاوات في المحطة. ويقضي الاتفاق الموقع بين واشنطن وبيونج يانج أيضا بتخلص كوريا الشمالية من برامجها النووية, مقابل مزايا دبلوماسية واقتصادية مهمة، والتوصل إلى معاهدة سلام تنهي رسميا الحرب بين الكوريتين, كما وافقت واشنطن على "احترام" رغبة كوريا الشمالية في امتلاك مفاعلات تعمل بالماء الخفيف لتوليد الطاقة الكهربائية. ونقلت وكالة "رويترز" عن جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض القول إن هذه إجراءات ملموسة تعتبرها بلاده خطوة أولى إيجابية نحو "نزع شامل ويمكن التحقق منه" للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية بطريقة سلمية. وبالنظر إلى أن إيران طالما اعتمدت على كوريا الشمالية في تطوير برنامجها النووي فإن التطور الأخير من شأنه أن يضع تحديات جديدة أمامها، بل وستستغله إسرائيل أيضا في حشد دعم الغرب لعمل عسكري استباقي ضد طهران, بزعم أنها الوحيدة المتبقية التي تشكل تهديدا للعالم بإصرارها على المضي قدمًا في برنامجها النووي. ولعل ما يضاعف من ورطة إيران أن التغير المفاجئ في الموقف الكوري الشمالي تزامن أيضا مع تقارير أمريكية متزايدة حول أن إسرائيل قد تشن عملا عسكريا ضد إيران دون إبلاغ واشنطن. ففي مطلع مارس, أشارت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية إلى ما وصفته بتبنى إسرائيل سياسة جديدة بشأن إيران تتمثل في عدم إخبارها واشنطن بما قد تفعله إزاءها، قائلة :" إن ذلك ربما يجعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حيرة من أمره إزاء ما قد يفعله الإسرائيليون". وتابعت الصحيفة أن إسرائيل لن تخبر الولاياتالمتحدة أو تتشاور معها في حال قررت قصف المنشآت النووية الإيرانية، وأن كبار المسئولين الإسرائيليين أخبروا نظراءهم الأمريكيين بأنهم لن يعطوا واشنطن أي تحذيرات مسبقة قبل أي هجوم عسكري محتمل ضد طهران. واستطردت " إسرائيل ترمي إلى تخليص الولاياتالمتحدة من أي ردود فعل قد تنتج عن تداعيات أي هجوم إسرائيلي ضد إيران، وكي تظهر تل أبيب بمظهر المسئول الوحيد عن قرارها". ونسبت الصحيفة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القول في هذا الصدد إنه يدرك أن واشنطن لن تساند أي إجراء تتخذه تل أبيب ضد طهران، ومن هنا، فلا داعي لإخبار الأمريكيين بأي خطط إسرائيلية محتملة، لأن إخبارهم بالأمر لا يقدم ولا يؤخر. والخلاصة أن موافقة كوريا الشمالية على تعليق برنامجها النووي جاءت بمثابة صفعة قوية لإيران في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.