البابا تواضروس يهنئ بالأعياد الوطنية ويشيد بفيلم "السرب"    للتهنئة بعيد القيامة.. البابا تواضروس يستقبل رئيس الكنيسة الأسقفية    وزير الأعمال الإيطالي ل«الشروق»: مصر و8 دول تستفيد من المرحلة الأولى لخطة ماتي التنموية    عاجل - متى موعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 وكيفية ضبط الساعة يدويا؟    زيلينسكي يعرب عن ارتياحه إزاء حزمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا    زيلينسكي: روسيا تسعى لعرقلة قمة السلام في سويسرا    مفاجأة مدوية بشأن مستقبل تشافي مع برشلونة    نوران جوهر تتأهل لنصف نهائى بطولة الجونة الدولية للإسكواش    بالأسماء.. إصابة 9 أشخاص إثر اندلاع حريق بمنزل في أسيوط    ما هي نتاج اجتماع نقابتي الصحفيين والمهن التمثيلية بشأن تغطية الجنازات؟    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    هل تقتحم إسرائيل رفح الفلسطينية ولماذا استقال قادة بجيش الاحتلال.. اللواء سمير فرج يوضح    إدخال 215 شاحنة إلى قطاع غزة من معبري رفح البري وكرم أبو سالم    "كولومبيا" لها تاريخ نضالي من فيتنام إلى غزة... كل ما تريد معرفته عن جامعة الثوار في أمريكا    مخاوف في تل أبيب من اعتقال نتنياهو وقيادات إسرائيلية .. تفاصيل    مستقبل وطن يكرم أوائل الطلبة والمتفوقين على مستوى محافظة الأقصر    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    سبورت: برشلونة أغلق الباب أمام سان جيرمان بشأن لامين جمال    متابعات ميدانية مكثفة ل 30 هيئة شبابية ورياضية بالقليوبية    نقلًا عن مصادر حكومية.. عزة مصطفى تكشف موعد وقف تخفيف أحمال الكهرباء    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    بدءا من الجمعة، مواعيد تشغيل جديدة للخط الثالث للمترو تعرف عليها    مهرجان أسوان يناقش صورة المرأة في السينما العربية خلال عام في دورته الثامنة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    محافظ الإسكندرية أمام مؤتمر المناعة: مستعدون لتخصيص أرض لإنشاء مستشفى متكامل لعلاج أمراض الصدر والحساسية (صور)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    أزمة الضمير الرياضى    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    سيناء من التحرير للتعمير    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    قريبا.. مباريات الدوري الإسباني ستقام في أمريكا    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    وداعاً للبرازيلي.. صدى البلد ترصد حصاد محصول البن بالقناطر| صور    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سكك حديد مصر».. خارج القضبان!
كانت الأولى فى الشرق الأوسط والثانية على العالم

قبل أن تقع كوارث جديدة، ويذهب عشرات الضحايا والمصابين ونستمر كثيرًا فى البحث عن المقصر والسبب الرئيسى وتسيل الدماء على قضبان، ها نحن ندق «ناقوس خطر» مجدداً بشأن قطارات سكة حديد مصر.
وخاضت «الوفد» رحلتين فى قطارين، الأولى رحلة فى خط المناشى لمدة تقترب من أربع ساعات، والأخرى تخص الغلابة من وجه قبلى فى رحلة من رمسيس إلى أسوان، وتسلط «الوفد» الضوء على عدد كبير من السلبيات والكوارث فى الرحلتين.
عانت منظومة السكك الحديدية فى مصر كثيرًا من الإهمال وعدم التطوير والتأهيل تصل إلى خمسين عامًا ماضية، ولم يحرك أحد ساكنًا، مما جعلها تحتاج أموالًا طائلة، حتى يتم إعادة تأهيلها مرة أخرى وتبقى صالحة للاستخدام المناسب للمواطنين، الذين باتوا معرضين لأخطار كبيرة جدًا بداية من التكدس وعدم إحكام الأبواب، إذا كانت موجودة من الأساس، والشبابيك التى لم تعد موجودة فى أغلب القطارات.
احتياج مرفق السكك الحديدية إلى التطوير أكدته تصريحات الدكتور هشام عرفات وزير النقل الذى قال إن الجرارات الموجودة حالياً مر عليها أكثر من 35 عاماً، ومن المفترض أن تعمل فى الورش فقط، كما صرح فى اجتماع برئاسة الوزراء الأخير بأن خطة تطوير السكك الحديدية تشمل البنية الأساسية والإشارات الإلكترونية بطول 1400 كيلو وبتكلفة 21 مليار جنيه، فيما أن تطوير القطاع بأكمله يحتاج 70 مليار جنيه.
أما تقرير هيئة السكة الحديد الصادر فى سبتمبر 2016، فكشف أن إجمالى عدد حوادث القطارات فى آخر 5 سنوات بلغ 4777 حادثة، وأسوأها فى 2015.
وأشار التقرير المبدئى إلى أن الوجه البحرى والدلتا، كان فى المرتبة الأولى فى عدد حوادث العام الماضى ب277 حادثة، وجاء الوجه القبلى من المنيا لأسوان ب205 حوادث، ثم المنطقة المركزية القاهرة وبنى سويف ب158 حادثة.
أما العام الماضى فشهد عدة حوادث أولها فى فبراير، عندما انقلب قطار 933 الإكسبريس وتسبب فى إصابة 70 راكبًا فى قرية الشناوية بمركز ناصر ببنى سويف، والثانى 11 أغسطس بخروج قطار 80 من على القضبان بعد دخوله التحويلة الفرعية، وأدى إلى إصابة 17 ومصرع 5 ركاب.
وخرج علينا هشام عرفات وزير النقل، ليعلن أن تطوير مرفق السكة الحديد يحتاج ل45 مليار جنيه، وأن الوزارة قدرت ما تحتاجه لتطوير المرفق جيدًا وأنها ستعمل على إنجازه من خلال عدد من الإجراءات منها القروض الميسرة المتوفرة من البنك الدولى والصندوق الكويتى للتنمية المستخدمة فى مشروع تطوير الإشارات الجارى تنفيذها.
وأضاف: أن الوزارة تشرع فى تنفيذ خطة تطوير، من خلال تجديد القضبان والإشارات وشراء جرارات جديدة لدعم قطارات قطاعى نقل الركاب والبضائع، مؤكدًا أن تطوير المرفق واستخدام التكنولوجيا فى إدارة المرفق هو السبيل الوحيد لتقليل الأخطاء البشرية وتفادى حوادث القطارات، وأن العالم يلجأ حالياً للتكنولوجيا لمواجهة الأخطاء البشرية.
كما سيتم الانتهاء من تطوير السكة الحديد خلال 4 سنوات فى عام 2021، ويتم الانتهاء من كهرباء إشارات القاهرة الإسكندرية نهاية العام القادم 2018.
انطلق مع حفل افتتاح قناة السويس
«حلم الخديو».. أصبح مرفق «قتل جماعى»!
شأنها شأن القاهرة، التى كان يريدها قطعة من باريس، كانت سكك حديد مصر خطوة حضارية حققت بها مصر على يد الخديو إسماعيل سبقاً فى أفريقيا والشرق الأوسط، فسكك حديد مصر هى أول خطوط سكك حديد تم إنشاؤها فى أفريقيا والشرق الأوسط كله، والثانية على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة، حيث بدأ العمل فيها فى خمسينيات القرن التاسع عشر حيث تمتد عبر محافظات مصر من شمالها إلى جنوبها.
بدأ إنشاء أول خط حديدى فى مصر يوم 12 يولية عام 1851، وبدأ التشغيل إبان الاحتفالات بافتتاح قناة السويس عام 1854 فى عهد الخديو إسماعيل باشا، والمشرف على مشروع بناء السكك الحديدية المصرية آنذاك كان المهندس الإنجليزى روبرت ستيفنسون وهو ابن مخترع القاطرة الشهير جورج ستيفنسون.
ويبلغ طول الشبكة الحديدية حوالى 6700كم منها حوالى 4872كم تشكل مجموع أطوال الخطوط الطولى، ويبلغ عدد المحطات والمواقف (الهلتات) ونقط البلوك على الشبكة أكثر من 820 محطة، منها عشرون محطة رئيسية فى عواصم المحافظات فى الدلتا والقناة والوجه القبلى، وبذلك تربط شبكة السكك الحديدية الوادى من أقصاه إلى أدناه على طول أكثر من 1000كم، وتصل الخطوط الحديدية بين معظم المراكز العمرانية والاقتصادية.
ويعمل بسكك حديد مصر 86000 عامل من جميع التخصصات ينتظمون فى عدة إدارات فنية مركزية، وتنقسم الهيئة إدارياً إلى سبع مناطق جغرافية تمتد شمالاً وجنوباً وغرباً بامتداد شبكة الخطوط الحديدية، وتضم الهيئة عدداً من الورش الإنتاجية الكبيرة للوفاء باحتياجات ومتطلبات التشغيل مثل الصيانة والتجديد للوحدات المتحركة والمبانى والأثاثات وغيرها، كما يتبعها سنترال خاص بها بسعة ألف خط يربط بين جميع مراكز النشاط بها مباشرة، كما أن لدى الهيئة مطبعتها التى تمدها باحتياجاتها من المطبوعات كما تعمل أحياناً تجارياً لحساب الغير.
ويواجه قطارات السكك الحديدية ضغطاً شديداً حيث يفضلها المواطنون خاصة فى المحافظات البعيدة، وفى المقابل فإن أعداد ضحايا حوادث القطارات تتزايد ومنذ 5 سنوات فقط لقى ما يقرب من 5 آلاف شخص مصرعهم على القضبان!! فتحولت بذلك السكك الحديدية من حلم بالتحضر ومنافسة دول أوروبا فى تطوير وسائل النقل إلى أداة قتل جماعى ضحاياها بالآلاف!!
36 محطة وعشرات المزلقانات دون «عسكرى واحد»
4 ساعات موت بطىء فى «قطار المناشى»
مئات الركاب، أغلبهم من الفئات البسيطة والفقيرة، يركبون القطار لرخص ثمنه فى رحلة الذهاب إلى «مصر» كما يطلقون عليها.
محطة رمسيس بالقاهرة، وسط البلد والعتبة والسبتية هى مقاصدهم ليبيعوا فيها بضاعتهم أو يمارسوا عملهم البسيط، وفى نهاية اليوم يعودون إلى قراهم بعيداً عن استغلال سائقى «الميكروباص» وزحمة المواصلات ولكنهم يواجهون مشاكل كثيرة مختلفة.
رجال ونساء يرتدون الجلاليب ويحملون فوق رؤوسهم وفى أيديهم بضاعتهم واحتياجاتهم يهربون من غلاء المواصلات الخاصة والتكدس المرورى القاتل فى أغلب الطرق، ويلجأون لقطار المناشى ليوفروا جنيهات قليلة يكملون بها باقى مسيرة اليوم.
ولكنهم لا يعلمون أن قطار الموت هذا من الممكن ألا يوصلهم إلى منازلهم أو ربما يعلمون.. لكن ما باليد حيلة.
ذهبت «الوفد» فى العاشرة صباحا إلى رصيف 11 وهو آخر رصيف فى محطة سكة حديد مصر والمخصص لركاب قطار المناشى، ووجدنا فى واجهة شباك التذاكر ورقة كتبت منذ ثلاث سنوات على الأرجح، وبخط اليد، لا تفهم منها شيئا،
من المفترض أنها تعلن عن أرقام القطارات وأوقات انطلاقها.
وبعد سؤال عمال داخل «الكشك» أكدوا أن القطار القادم سينطلق فى العاشرة والنصف.
دقائق وبدأ عشرات الركاب يتدفقون على الرصيف، انتظرنا حتى دقت الساعة الحادية عشرة إلا الربع حتى دخل القطار رصيف المحطة، وكان أول الصاعدين إلى القطار عمال النظافة مما يجعلك تشعر بالأمل لوهلة، خمس عاملات للنظافة.. لكل عربة عاملة مخصصة لنظافتها ولكن جميعهن صعدن إلى القطار وعقب نزولهن كأن شيئا لم يتغير وظل القطار محملا بالقمامة التى حملها أسفل الكراسى وداخل الحمامات.
قطار المناشى يتخذ اسمه من إحدى المحطات التى يمر بها، هو قطار غير آدمى بالمرة، مكون من خمس عربات أكثر من متهالكة، بعد أن باتت لا يمكن استخدامها فى خطوط طنطا والزقازيق وغيرها.
جاءوا بهذه العربات إلى الغلابة والمساكين فى خط المناشى ستجد كل عربة فى القطار لها شكل مختلف ونظام للكراسى غير التى تليها ومكتوب على طرفها محافظة ومدينة مختلفة، تشترك فقط فيما بينها فى أن جميع العربات لا تصلح للسير خطوة واحدة، ودون شبابيك أو أبواب، حتى الحمامات لا تصلح لأى شىء، ومليئة بالروائح والقمامة، وحتى إذا صلحت لن تجد بابا تغلقه عليك لتستخدم بيت الراحة، وستجبر على استخدامه دون أبواب نظرا لطول المسافة.
بدأت الرحلة فى تمام الحادية عشرة بعد تأخر موعد انطلاق القطار نصف ساعة كاملة مما جعل الركاب يتململون للغاية وتمنوا لو قاموا باستقلال وسيلة أخرى توفيرا للوقت الذى ضاع منه نصف ساعة.
ومن يعلم ما الذى سيضيع بعد ذلك؟ آخرون لم يظهر عليهم الانزعاج بعد تأكيدهم لنا أن هذا التأخير طبيعى جدا بالنسبة لخط المناشى، وأن أغلب القطارات تتأخر بهذا الشكل.
تندهش عندما تعرف أن ثمن تذكرة هذا الخط كاملا وحتى الوصول إلى آخر محطاته 3 جنيهات ونصف الجنيه، إذا استقللت الخط من أوله إلى آخره وإذا كان مكان وصولك لا يتعدى 4 محطات فقط أو حتى نصف المسافة ستدفع جنيها ونصف الجنيه فقط.
وسريعا وصلنا إلى أول المحطات بمنطقة إمبابة لتجد الكوارث مجرد نظرك فقط من داخل القاطر، باعة يجلسون على الأرصفة بمحطة إمبابة قريبا جدا من أماكن سير القطار، ولا تعرف كيف لا يخافون على أرواحهم بهذه الطريقة، وأين الشرطة والأمن من هذا؟
يتراوح الزمن الذى يقطعه القطار من محطة إلى أخرى بين 5 و7 دقائق تقريبا، إذا عبر فى طريقه الطبيعى دون انتظار القطارات المقابلة أو الأعطال والمشاكل وما شابه، وفى كل محطة تجد هجوما جديدا على الأبواب من الركاب المنتظرين على مختلف المحطات مما جعل القطار يزدحم بشكل مريب، ولا تجد موطئ قدم واحدة تقف عليها داخل القطار.
شباب اخترعوا أماكن جلوس جديدة هربا من الازدحام الخانق داخل القطار، يقضون رحلتهم كاملة وهم يجلسون فى الهواء الطلق أعلى عربات القطار، وعلى الأبواب التى لا توجد من الأساس، وفى طرف العربة الأخيرة يديرون وجوههم إلى الهواء والقضبان وفى الحد الفاصل الرابط بين الجرار والعربات، تندهش عندما تراهم ولا تعرف كيف جاءتهم هذه الجرأة ليتحملوا السرعة الجنونية للقطار أثناء سيره وهم جالسين وواقفين هكذا.
لا يوجد فى عربات القطار الخمس مصباح إضاءة واحد، الأمر الذى يجعلك لا ترى مترا واحدا أمامك فى عز الظهر، فما بالك بسير هذا القطار ليلا؟ وماذا يشعر الركاب فى الرحلات الليلية؟ ورغم كل هذا الاختناق والازدحام لا يراعى المدخنون أحدا، تجلس وكأنك فى «غرزة» يعتمدون على أن القطار لا يوجد به شباك واحد ويدخنون كما يشاءون فى نصف القطار وبجوار الركاب دون مراعاة الأطفال وكبار السن.
مررنا سريعا لا تعرف كيف بهذا القطار المتهالك على محطات بشتيل وبشتيل البلد والكوم الأحمر وأوسيم وبرطس والجلاتمة ومنطقة المناشى، والذى سمى الخط باسمها، وذات الكوم ونكلا وبرقاش ووجدنا محطة أوسيم يتم إعادة تأهيلها فى الوقت الحالى دون أن تكتمل بعد.
«بخاف أطلع بالليل لو معايا أهلى وحتى لوحدى».. هكذا قال لنا محمود إبراهيم، أحد الركاب موضحا أن إمبابة لا توجد بها إنارة كافية أو أمن ليلا ويخشى أن يركب هذا القطار بسبب البلطجية والحرامية، مؤكدا أن قطار المناشى لا يعرف له أحد موعداً، فقط تخرج من بيتك وتجلس على الرصيف وتنتظره إلى أن يأتى وأن أقل مدة ينتظره فيها هى ساعة إلا ربع وينتظره غالبا أكثر من ساعتين.
ويؤكد محمود أن جميع القطارات يتم تجديدها وتغيير الجرار الخاص بها وصيانتها عدا قطار المناشى، لأن أهل جميع المناطق التى يمر بها من الغلابة والبسطاء.
مشيرا إلى أنه لا يمر يوم إلا وتسمع أن هذا القطار تسبب فى موت أو إصابة شخص بسبب الإهمال فى المزلقانات أو داخل القطار نفسه.
وصلنا إلى محطة «القطا» و«القطا البلد» ثم بعد ذلك الجزيرة الوسطانية وأبوغالب ووردان وبنى سلامة والخطاطبة والأخماس وفى كل محطة تأتى تزداد مظاهر الفقر معها واحتياج المحطة والقرى التى تمر عليها وكأن المسئولين لا يعرفون جيدا أن أهالى هذه البلدان من البسطاء وبالتالى لا يهم من الأساس رفع مستوى القطارات والمحطات.
انتهت نصف الرحلة تقريبا، ولم يمر محصل التذاكر سوى مرتين فقط، لا تدرى أنه لا يقدر على المرور وسط هذا الازدحام أو يتكاسل عن عمله ولكنه عمل فى النهاية مكلف به، ويجب أن ينتهى منه مقابل ما تدفعه له الدولة وتأخذه من ضرائب المواطنين.
«حالات تحرش كتير اوى بتحصل وسرقة»، بهذه العبارة يستهل على إبراهيم، 45 عاما، أحد الركاب، حديثه موضحا أنه يستقل قطار المناشى منذ ما يقرب من 15 عاما ولم ير فى أى من المحطات أو حتى القطار تجديدا أو إعادة هيكلة، إضافة إلى أنه وقعت أكثر من حالة تحرش فى كل رحلة، قائلا: محطة أوسيم مثلا بيجددوا فيها منذ 3 سنوات ومخلصتش لحد دلوقتى، كل شوية تلاقى واحد أو واحدة بتصوت فى حاجة منها اتسرقت.
وقال عامل المزلقان الخاص بمحطة أوسيم إنه فى أوقات كثيرة يقوم المواطنون باختراق المزلقان والمرور من أسفل القائم الموجود ليعبروا طريقهم رغم اقتراب القطار من المزلقان وسماع صوت جرس الإنذار باقتراب القطار قائلا: أوسيم بلد ريفية ويمر أغلب الفلاحين بالماشية الخاصة بهم وبالتالى تزيد الكارثة إذا سيطر على نفسه من الصعوبة أن يسيطر على الحيوانات التى يسير بها خصوصا أنها تفزع عند سماع صوت القطار.
شارفت الرحلة على الانتهاء بعد أن مررنا بمحطة الطرانة وكفر داود والبريجات ومديرية التحرير وأبوالخاوى وصولا إلى محطة الطيرية والطيرية البلد، والاتحاد ومنشأة أبورية وواقد ولم تقابل «الوفد» جنديا واحدا طوال الرحلة أو أمين شرطة رغم أن القطار يشهد العشرات من المشادات الكلامية والى تتطور إلى اشتباكات بالأيدى بسبب الازدحام، ناهيك عن السرقات والتحرش.
«بنستخبى من العيال بيحدفوا بالطوب».. قالها برعب إبراهيم السيد، مؤكدا أن طلاب المدارس فى محطة بشتيل وأبوغالب يقذفون الركاب بالطوب عقب هروبهم من المدارس، قائلا: الناس أول ما بتشوف أطفال واقفة بتستخبى تحت الشباك عشان متجيش حاجة فيهم.
وأثناء مرورنا بمحطة كفر بولين وكوم حمادة والنقيدى وصفط العنب وقليشان، انتهت الرحلة فى محطة القطار الأخيرة إيتاى البارود ولاحظنا وجود أكثر من سوق قريب جدا من مزلقانات يمر بها القطار منها إمبابة وبرطس وكوم حمادة، الأمر الذى ينذر بكارثة إذا اقترب منهم القطار أو انحرف قليلا.
انتهت الرحلة بعد أن مر القطار على 36 محطة، أولها رمسيس بالقاهرة وآخرها إيتاى البارود فى البحيرة، في رحلة طولها ما يقرب من120 كيلو مترا، قطعها القطار فى أربع ساعات، لا يقف كل قطار بكل هذه المحطات بل يتم تحديد المحطات التى يقف بها كل قطار من قبل هيئة سكة حديد مصر.
وفي رحلة العودة ليلًا تجد القطار أكثر هدوءًا، ولا يتسم بالازدحام، ولكن الوضع يزداد سوءًا بسبب الظلام الدامس الذي يقابلك في أغلب عربات القطار، وعلى أكثر من محطة قطار، إضافة إلى عدم وجود الأمن والشرطة، مما يجعلك تترقب كثيرًا وتخاف من سرقتك، أو الاستيلاء عليك كاملًا لمساومة أهلك أو لبيع أعضائك، ولن يسمع لك صوتًا واحدًا وسط الهدوء والظلام التام في كافة القطار.
خبير نقل: تطوير المزلقانات لوقف نزيف الدم
«خطة استراتيجية» وضعها إبراهيم مبروك، أستاذ هندسة النقل والمرور بجامعة الأزهر، مؤكدًا أن السكة الحديد تعانى بشكل واضح الكثير من الأمور مما يستوجب خطة استراتيجية لحل المشاكل، أولها معرفة أين نحن وما نريد أن نكون عليه، ونقوم بوضع خطة على ذلك يسير عليها ويتابعها وزير النقل، وما يليه إذا تم الاستغناء عنه، على أن يتم إدراج توقيتات محددة وما يربطها بالأموال.
أشار «مبروك»، فى تصريحات ل«الوفد»، إلى أن الخطة يجب أن تبدأ بالتحسينات والتجهيزات اللازمة للسكة الحديد منها المزلقانات والإشارات وتجهيز المحطات، إضافة إلى تدريب دورى لجميع العاملين حتى يعملوا بوعى كامل، وتكون فرص الحوادث أقل كثيرَا، مشيرًا إلى ضرورة ميكنة المزلقانات حتى لا يتدخل فيها الانسان تمامًا ويكون العمل فيها بشكل تكنولوجى كامل، فضلًا عن التخلص من جميع المزلقانات العشوائية والمصنوعة بشكل يدوى من قبل الأهالى والمواطنين، والتى يقترب عددها من 200 مزلقان، يستخدمها المواطنون لقضاء حاجتهم عبر المرور من خلالها.
وأضاف أنه من الضرورى أن يتم إدراج عدد من «المطبات» قبل كل مزلقان حتى يمر المواطنون والسيارات بشكل بطيء ويعى السائق ما يقابله، ومن الضرورى أيضاً إدخال عدد من الشركات الخاصة للمساهمة فى هذا القطاع الكبير، والاستفادة من تجربة اليابان فى هذا الملف، والتى أدخلت 12 شركة خاصة فى قطاع النقل الخاص بها، قائلًا: «صحيح ذلك سيؤدى إلى ارتفاع ثمن التذكرة ولكن سيؤمن حياة المواطنين ويحسن الخدمة بشكل كبير».
رئيس الهيئة الأسبق: نحتاج استثمارات ضخمة
قال سمير نوار، رئيس هيئة السكة الحديد الأسبق، إنه من حق المصريين أن يحلموا بشكل أوسع من مجرد تطوير الإشارات وخطوط السكك الحديدية فقط، وإنه ليس من المستحيل بالتزامن مع العمل والاجتهاد أن نصل إلى القطارات فائقة السرعة والتكنولوجيا الضخمة التى ظهرت فى دول عربية وخليجية شقيقة، مؤكدًا أن سكة حديد مصر تحتاج إلى استثمارات قوية للغاية، وتدخل كبير من الدولة حتى يتم النهوض بهذا الملف.
«قطاعات منذ 50 عامًا» أوضح نوار، فى تصريحات ل«الوفد»، أن هناك أنظمة وقطاعات بالسكة الحديد لم يتم تحديثها أو النظر إليها منذ أن تم إنشاؤها من 50 سنة وأكثر، وأن القطاع يحتاج إلى قدرة جمة وإمكانيات مادية طائلة، خاصة وأن هناك عجزاً فى إيرادات ومصروفات السكة الحديد، موضحًا بأنه بالإضافة إلى تطوير الإشارات والبنية الأساسية، يجب أن يتم الارتفاع والتوسع الأفقى وإدراج خطوط جديدة دون الاكتفاء بالخطوط الموجودة، لأن الخطوط القديمة تم تدشينها عندما كان التعداد السكانى أقل من ذلك بكثير وعندما أصبح عدد السكان أكثر من 100 مليون نسمة، كيف لهم أن يستخدموا نفس الخطوط، وبالتالى على الدولة تسخير جزء كبير من احتياجات السكك الحديدة لأنه بات يخدم قطاعاً كبيراً من المواطنين ويجب الحفاظ على حياتهم.
تحرش وسرقات وأسلحة ومخدرات وتسول .. المعذبون فى «قشاش الصعيد»
من الصعب أن تعثر على مواطن يمتدح حالة قطارات الصعيد؛ بسبب كثرة الحوادث والمخاطر والمشكلات التى يمر بها هذا الخط الحديدى. فالأهالى يعانون ويذهبون ضحايا للإهمال المنتشر فى القطارات رغم الحياة المأساوية.
تجولت كاميرا «الوفد» فى محطة السكة الحديد بالقاهرة، والتى يبدأ خط سير قطارات الصعيد منها، وينتهى عند «أسوان».
عند دخولنا إلى محطة مصر يجذبك المنظر الرائع التراثى للمحطة؛ حيث يوجد فى وسط صالة المحطة دائرة تشبه اللوحة الفنية يتوسطها مثلث رائع المنظر وصندوق يصف جمال القاهرة وحضارتها.
وعندما اتجهنا إلى رصيف «11» لنركب قطار الصعيد الدرجة الثانية مميز والذى يسمى بقطار (الفقراء أو الغلابة) سرعان ما تغير الحال.. فوصولنا للرصيف يحتاح إلى النزول من نفق شديد الازدحام، حيث يجر المسافرون أمتعتهم الثقيلة على درجات السلم فى تعب ومشقة.
عند وصولنا إلى الرصيف شاهدنا اصطفاف مئات الأشخاص ينتظرون وصول القطار، وكأنهم فى حالة من الذهول، أسر كثيرة ومتزاحمة، وأطفال يلعبون على الرصيف، وتظهر على وجوههم الابتسامة والفرحة لرجوعهم إلى بلادهم.. الوقت لا يمر، وبدأ يظهر على الأشخاص الملل، وهم يرددون العبارات الغاضبة: «كل دا تأخير». الساعة حالياً الواحدة.. لكنه لم يأتِ حتى الآن.
بعض الشيوخ يجلسون على أمتعتهم بجوار غرف المحطة؛ تجنباً لأشعة الشمس عليهم، ومن وقت لآخر يذهب بعض الأشخاص إلى غرفة ناظر المحطة ليسألوه عن موعد وصول القطار، والناظر يرد عليهم قائلا: «جاى حالاً» وبعد حوالى ساعتين ونصف الساعة من الموعد المحدد للوصول أعلنت المحطة عن قدوم القطار على الرصيف.
هذه العبارة كانت على لسان أحد الركاب.. فالناس يتكدسون على أبواب القطارات؛ من أجل أن يصل أحدهم إلى داخل القطار ليحجز المقاعد للنساء والشيوخ.. وبعد معاناة صعبة وصلنا داخل عربات القطار والناس فى حالة صعبة يتصببون العرق من كل ناحية، وكأنهم يقفون داخل مخبز عيش، لا يطيق أحد منهم الحديث مع الآخر، وكأن المنظر يشبه الغابة.
وبعد المعاناة الصعبة فى الوصول إلى القطار، تأتى رحلة البحث عن المقاعد الخالية لنجلس عليها لعدم قدرتنا فى الوقوف طوال الرحلة والتى تستغرق أكثر من 18 ساعة.
بدأنا التنقل من عربة إلى أخرى، ونحن مصدومون من بشاعة المنظر، وكأنه يشبه بتكدس الناس عند دخولهم إلى السينما لقضاء وقت جميل، ولكن الناس هنا يتسللون إلى عربات القطار طامعين فى رضا الله للوصول إلى أهلهم سالمين.. فهنا ركاب يجلسون على الأرضيات وآخرون معلقون على أبواب القطار.
نوافد القطار معظمها «مشروخة» قابلة للانهيار فى أى وقت.. وكل ما مضى عذاب ودورات المياه عذاب آخر.
فعندما تنتقل من عربة إلى أخرى لا تتحمل تلك الرائحة البشعة التى تشبه مقالب الخرابات.
هذه الدورات مزدحمة والناس يقفون فيها فى الداخل ومن هنا لا نرى إلا حلاً واحداً أن نتسلل على «الرف» بجانب الأمتعة والحقائب، فوجدنا كثيراً من الناس يفعلون ذلك.
القاذورات تنتشر فى كل القطار، لا يستطيع أحد أن يتحمل رائحتها، فلا أبواب تفصل بين عربات القطار.. وبعد كل تلك المعاناة بدأنا النظر فى وجوه الناس.. «كل منهم يبدو عليه علامات المشقة والتعب».
وجدنا امرأة تبكى من بشاعة المنظر وشدة التزاحم.. فرد عليها جليسها قائلاً «أنتِ أول مرة تركبى القطار ولا إيه؟ دا الطبيعى بتاع القطار كل يوم.. احمدى ربنا إنك واقفة أساساً، وساعات فى ناس بتتسرق» بينما المرأة فى حالة من الانهيار ودموعها تسيل على خدها.
وبعد وقت قصير وجدنا شخصين جالسين ينظران إلى البنات والسيدات وتظهر على وجهيهما علامات التحرش بالعين والغمز.. والنساء فى حالة من الخجل. وعندما تحول التحرش من العين إلى الكلام رد عليهم أحد الشيوخ قائلاً «عيب يا شباب». ودار حديث طويل واقتنعا بكلام الشيخ واعترفا بأن تصرفاتهما خطأ.
وهناك مجموعة من الأشخاص يجلسون معاً، ويدخنون بكثرة، لدرجة أن بعض الشيوخ انزعجوا من رائحة السجائر، وعندما قال لهم أحد الشيوخ «كفاية تدخين إحنا تعبانين لوحدنا».. ردوا عليه قائلين: «ابقى اركب المكيف يا حاج ما فيش حد بيدخن هناك»، الشيخ فى حالة صعبة ويعانى من تعب فى الصدر والشباب لم تستجب لأى شىء.
وآخرون يتحدثون عن الفقر وقلة الحيلة وعن هجرتهم طوال حياتهم، والبعض الآخر فضلوا النوم؛ هرباً من التعاملات الصعبة داخل القطار.
آخرون يلجأون إلى وسائل التسلية وهى «السودانى» للتسلية وقضاء الوقت.
وبعد نحو خمس ساعات وجدنا الناس داخل القطار فى حالة تشبه أفلام السينما، فكل منهم بدأ يتعرف على الآخر، ويتبادلون الحديث وكأنهم يمثلون فيلماً قصيراً، ويتبادلون المأكولات والمشروبات، والأطفال يلعبون مع بعضهم وبدأوا يتكيفون مع الحالة التى يمرون بها.
وأثناء جلوسى بجانب الأمتعة والنظر فى وجوه الناس وجدنا مجموعة من الشباب تظهر عليهم علامات البلطجة. قمت بمتابعتهم حتى رأيتهم انتشروا داخل القطار وفى دورات المياه، وبعد مرور دقائق اتضح أن هناك أكثر من حالة سرقة داخل القطار، فبدأنا بالبحث عنهم، ولكن لم نرهم مرة أخرى.
حالة أخرى لفتاة تجلس وبجانبها شاب بدأ يتعرف عليها ويسألها بعض الأسئلة: «إنتى منين؟ اسمك ايه؟ انتى بتدرسى ولا لأ؟» بينما الفتاة لم ترد عليه فى أى سؤال، وبدأ الشاب يقترب منها والفتاة تبعد عنه حتى بدأ الشاب بالتحرش فى الخفاء لا يعلم أحد ما يفعله، حتى صرخت البنت مرة واحد وقالت: «انت بتعمل إيه انت أهبل؟» فقام أحد الشباب الجالسين بصفعه ب«القلم».
مجموعة أخرى من الشباب يحملون أسلحة يجالسون الناس ويهددون أشخاصاً تشاجروا معهم لمنعهم من عرقلة حركة القطار بسحب «الفرامل وتفريغ الهواء فى منتصف الطريق».
فاندهشت من بشاعة الموقف ووجدت أحدهم يهدد الناس ويقول «إحنا محدش يقدر علينا» مؤكدين أن الشرطة لا تسيطر عليهم، خصوصاً فى الصعيد والناس يرددون «حسبنا الله ونعم الوكيل.. ربنا ينتقم من كل ظالم».
الباعة الجائلون كأنهم احتلوا القطار، والركاب أصبحوا عهدة لهم، فمن حين وآخر تأتى امرأة تحمل على رأسها صندوق مياه، سعر الزجاجة 4 جنيهات، فيسرع عدد من المسافرين للشراء منها، وكانت المياه لونها غريب تظهر عليها علامات اصفرار وكأنها زجاجات مستعملة فارغة ملئت لتباع مرة أخرى، ولكن الناس يشترون دون وعى من شدة العطش وصعوبة الجو.
فلا تمر دقائق ويأتى صبى عمره يتراوح بين 12 و15 عاماً يحمل على كتفه «براد شاى» ومعه أكواب من البلاستيك وينادى «الكوب بجنيه ونصف» ويبيع فى كل عربه أكثر من ثلاثين كوباً.
وهناك شخص آخر فى الأربعينيات من عمره ومعه مجموعة من الأحذية وينادى «حد عاوز حزام شباب أو أطفال، ويرزقه الله من كل عربة، كل دقيقة يمر أحد الباعة حتى مر شخص فى العشرينيات من عمره، يحمل مجموعة من ملابس الأطفال وينادى الطقم ب30 جنيهاً، والصغير ب20 جنيهاً، رغم رخص بضاعته لكن لا يتشجع الكثير من الأفراد لشرائها.
وآخر يحمل ساندوتشات فلافل، وجبنه بالطماطم، وينادى بصوت مرتفع الساندوتش ب2 جنيه.
واثناء حديثى مع أحد المسافرين ويدعى «إبراهيم على»، مقيم فى بنى سويف، أكد أن قطارات الصعيد أصبحت مليئة بأعمال السرقة والتحرش؛ نظراً إلى ضعف التواجد الأمنى داخل العربات.
وأشار إلى أن الإهمال وصل للحد الأدنى للحماية المدنية للفرامل الهوائية وبالتالى خلل وشل حركه القطار، وهو ما يعرض حياة الركاب للخطر.
وقال محمود صبحى، مقيم بالأقصر: تحدث مثل هذه الأمور كثيراً، مؤكداً أنه يسافر كل ثلاثة أشهر للاطمئنان على أهله.
وفجأة سمعنا صوت امرأة، وسرعان ما تحركنا إلى العربة الأخرى، وجدناها تبكى، وتقول هذا الشخص كان يتحرش بى، وأنا فى دوره المياه، فصرخت ليلحقنى أحد من الركاب وبدأ أحد الركاب فى البحث عن نقطة الشرطة المقامة داخل القطار، ولكن لم نر أحداً منهم، ونشبت مشاجرة بين أحد الركاب والشخص الذى اتهمته السيدة حتى أصيب أحدهما فى ذراعه.
بعد مرور فترة بدأت تظهر روائح بشعة وكأنه «حريق» وتوقف القطار، وبالفعل تبين أن تيل الفرامل فى حالة تشبه الحريق، وبدأ الأهالى يعيشون حالة قلق ومعظمهم يتلون الشهادة على أرواحهم مرددين الدعوات بأن يستطيع السائق إصلاح القطار وبعد حوالى 25 دقيقة انطلق القطار مرة أخرى.
وبدأ الباعة الجائلون يترددون مرة أخرى داخل القطار، فهناك بائع يقول «حد عاوز شاى وسجارة ب2 جنيه»، وبدأ الشباب يتوجهون إليه للشراء وهناك الشيوخ ينظرون إليه فى حالة من الاستغراب وآخرون غضبوا من المنظر.
لم يكن الباعة الجائلون وحدهم المتواجدون بشكل كبير فى عربات القطار، فكان هناك حضور واضح للشحاذين، فمن حين وآخر يأتى رجل عجوز أو امرأة تتسول عن طريق تردد مجموعة من الأدعية، فسرعان ما يعطف عليها أحد الركاب ويعطيها «صدقة».
بدأ الناس يرددون «أهو الكمسرى جه»، بعض الأشخاص يحملون تذاكر، والبعض الآخر لا يحملونها، فيطالبهم الكمسرى بدفع التذكرة ويقول لهم إنها أمانة.
وهناك أشخاص يهربون من عربة إلى عربة، وآخرون يشتبكون معه، وعندما حدثته عن تلك المشكلة قال إن خط الصعيد ملىء بالمشاكل، وإنه دائماً يتجنب الوقوع فى المشاكل؛ خوفاً من الاعتداء عليه، مؤكداً أن أكثر من 70% يهربون من دفع التذكرة، وإنه يعجز عن السيطرة عليهم لعدم توفير الحماية الكافية له من نقطة الشرطة داخل القطار، وسرعان ما ينقلب الحال فيقابل الكمسرى أحد معارفه ولا يطالبهم بالتذاكر.
مرت ساعات طويلة ودخل الليل علينا.. والركاب بدأوا يغطون فى النوم من شدة التعب والمشقة، ينام بعضهم على أرضيات القطار وتحت المقاعد وعلى الأبواب وكأنهم فى بيوتهم.
منظر بشع، رجل كبير السن فى حالة سيئة يحتك بالناس ويتنقل بينهم، والأمر الأكثر غرابة ليس فقط تلك المناظر البشعة، لكن هناك مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاماً يقفون بين العربات وكأن وجوههم تتحدث ويشيرون بنظرات غريبة لمجموعة من الركاب الشباب، تواصلت فى متابعتهم وسرعان ما سألت شخصاً يدعى «حسام لطفى» عن النظرات الغريبة وعن الصبية فيرد: «دول بائعى المخدرات هما موجودين ديماً فى كل رحلة».
سمعت أحد الركاب يتحدث عن الآثار والسلاح والمخدرات فى أسوان ويؤكد أن معظم قرى أسوان مليئة بالسلاح وأن معظم الأهالى تعمل بالآثار.
وصل القطار أخيراً لمحافظة أسوان، تسود الملامح السوداء داخل القطار، حتى الكمسرى بملامحه السوداء، ويرتدى تحت بدلته الزرقاء ذلك «القفطان الصعيدى»، جلس ليستريح فى العربة الأولى، إلى جوار عدد من أصحاب الجلابيب، وأخذ يروى لهم عن حكاياته مع الركاب المتهربين من قطع التذاكر، ومشاجراته معهم، يشكو من حقوقهم المهدرة؛ بسبب قانون السكة الحديد الذى يرفع شعار: «الراكب على حق»، حتى إن الرجل فى مواجهات دائمة مع الركاب، مضيفاً: «ولا مرة عرفت آخد حقى».
تطرق الحديث بين قاطع التذاكر والركاب الثلاثة للتعارف، جلس إلى جوارهم رجل ذو بشرة سمراء، وجلباب أبيض عرف نفسهم لهم بأنه من أسوان، من خلف الخزان، وهنا فُتحت حكاية النوبة وأهلها، وكأن الرجل الأسمر كان فى انتظار تلك اللحظة، تدخل قاطع التذاكر، الذى كشف أنه أيضاً ينتمى للنوبة، وأخذ يروى كيف صعد عقرب إلى عنقه، وأن أحد جيرانه أنقذه من مصير مأسوف عليه، ولكن يعتبر ذلك كله هيناً، فالرجل أكثر ما يشتاق إليه هو قربه من نهر النيل: «خيالية»، وأخيراً القطار وصل والأهالى فى حالة من الفرح.
قانون الإنقاذ:لائحة تأديبية للعاملين.. وغرامات وحبس ل«التزويغ والتسطيح»
ويتكون مشروع القانون من 6 مواد إصدار، نصت على أن يعمل بأحكام قانون الهيئة القومية لسكك حديد مصر ومترو الأنفاق المرافق، وأن يعاد تنظيم الهيئة القومية لسكك حديد مصر، والهيئة القومية للأنفاق على النحو المبين بالقانون، وأن يصدر رئيس مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به، وعلى الجهات القائمة بالعمل بالهيئة القومية لسكك حديد مصر والهيئة القومية للأنفاق، أن توفق أوضاعها طبقاً لأحكام القانون المرافق خلال ستة أشهر من تاريخ صدور لائحته التنفيذية ما لم يحدد هذا القانون مدد أخرى.
ونصت مواد الإصدار على أن يلغى القرار بقانون رقم 277 لسنة 1959 فى شأن نظام السفر بالسكك الحديدية، كما يلغى القانون رقم 113 لسنة 1983 بإنشاء الهيئة القومية للأنفاق، كما يلغى قرار وزير المواصلات للإقليم الجنوبى رقم 108 بتاريخ 18/12/1960، بإصدار لائحة الجزاءات التأديبية لموظفى هيئة سكك حديد مصر، كما يلغى كل حكم يخالف أحكام القانون المرافق.
وتقضى المادة الخامسة من مواد الإصدار بأن ينقل الموظفون المعينون الموجودون بالخدمة بهيئة سكك حديد مصر والهيئة القومية لمترو الأنفاق قبل العمل بأحكام هذا القانون إلى الوظائف المعادلة لوظائفهم الحالية الصادر بها قرار من مجلس إدارة الهيئة، ويكون ترتيب الأقدمية بين المنقولين لوظيفة واحدة بحسب أوضاعهم السابقة، ويحتفظ كل منهم بالأجر المقرر له قانوناً والذى كان يتقاضاه قبل العمل بأحكام القانون المرافق، وذلك كله مع عدم الإخلال بالقوانين والقرارات المنظمة للحدين الأدنى والأقصى للدخول.
ويتضمن الاقتراح بقانون دمج هيئتى السكك الحديدية ومترو الأنفاق فى هيئة واحدة، وجاء الباب الأول فيه تحت عنوان «تنظيم هيئة سكك حديد مصر ومترو الأنفاق، ونصت المادة رقم (1) على أنها هيئة عامة مستقلة، وتكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع وزير النقل ومقرها الرئيسى فى القاهرة، ويجوز أن يكون لها بالعاصمة الجديدة مقر ولها فروع بجميع المحافظات وتخضع لأحكام هذا القانون.
ووفقاً للمادة (2)، يشكل مجلس إدارة الهيئة برئاسة وزير النقل وعضوية تسعة أعضاء يشغل كل منهم المستوى الوظيفى نائب وزير أو الدرجة الممتازة أو العالية أو ما يعادلها من وزارات الدفاع والداخلية والتجارة والصناعة والتموين والمالية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعليم العالى والبحث العلمى والإنتاج الحربى والكهرباء والطاقة، ويصدر قرار بتشكيل أعضائه وتحديد النصاب القانونى لصدور قراراته ومواعيد اجتماعات جلساته والأجور والمكافآت والبدلات المحددة لكل عضو من أعضائه قرار من رئيس الجمهورية بعد عرض رئيس مجلس الوزراء.
وتعد المادة (5) من أهم مواد هذا المشروع، والتى تفتح مجال الاستثمار فى مرفق السكة الحديد والمترو، إذ تنص على أنه «مع عدم الإخلال بأحكام المادة (4) من هذا القانون، يجوز منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين من المصريين أو الأجانب أشخاصاً طبيعيين أو أشخاصاً اعتبارية لإنشاء خطوط وشبكات السكك الحديد الجديدة وكذلك لمترو الأنفاق وتشغيلها وصيانتها، دون التقيد بأحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة، والقانون رقم 61 لسنة 1958 فى شأن منح الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة وتعديل شروط الامتياز، وذلك وفقاً للقواعد الآتية، أن يتم اختيار الملتزم فى إطار من المنافسة والعلانية، ألا تقل حصة الحكومة عن 60% من رأس المال فى أى مشروع، ألا تزيد مدة الالتزام على مدة لا تتجاوز ثلاثين عاماً ميلادية، تحديد وسائل الإشراف والمتابعة الفنية والمالية التى تكفل حسن سير المرفق بانتظام، ولا يجوز للملتزم أن ينزل عن الالتزام لغيره دون موافقة مجلس الوزراء.
ويختص الباب الثانى من هذا القانون بنظام السفر بالسكك الحديدية ومترو الأنفاق والعقوبات المقررة والحفاظ على مساحة الأرض ملك الهيئة، فتنص مادة 16 على أنه لا يجوز تملك الأموال المملوكة للهيئة أو كسب أى حق عينى عليها بالتقادم، ويكون لمجلس إدارة الهيئة حق إزالته إدارياً، وتنص مادة 17، على أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة التى تجاوز عشرين ألف جنيه كل من اعتدى على عقار ملك الهيئة بقصد حيازته بالقوة، ويعاقب بذات العقوبة كل من خرب أو أتلف عمداً أموالاً ثابتة أو منقولة ملك الهيئة وجعلها غير صالحة للاستعمال أو عطلها بأية طريقة، فإذا ترتب على الفعل ضرر مالى قيمته ألف جنيه أو أكثر، كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، فضلاً عن التعويض عن الضرر إذا كان له محل.
ونصت المادة «18»، على أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها أى قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب الأفعال الآتية: كل من ركب فى عربات السكك الحديدية أو مترو الأنفاق وامتنع عن دفع الأجرة أو الغرامة أو ركب فى درجة أعلى من درجة التذكرة التى يحملها وامتنع عن دفع الفرق، وكل من ركب فى غير الأماكن المعدة للركوب، والركوب على أسطح القطارات أو بين وحداتها أو فى أى مكان من شأنه تعريض مسيرها للخطر، والتعدى على الحرم المخصص لمحطات أو خطوط السكك الحديدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.