يجلس الشيخ «حسين» آخر الممر المؤدي لمدخل السيدات بمسجد السيدة نفيسة، يرتدي جلباباً أبيض من النوع الممتاز "خامة ولونا وتطريزا" وفوقه سويتر كت أكثر تميزاً وفخامة مع صندل بني جلد طبيعي يبدو عليه أول لابسة وطاقية تظهر شعره أكثر مما تخفيه.. وفي يده اليمني ساعة باهظة الثمن.. تفوح رائحة عطره علي بعد أمتار منه. بداية.. كل من قابلناهم من سكان المنطقة وأصحاب المحلات حتي الشحاذين أجمعوا علي أن الرجل نصاب وبيسترزق، ومع ذلك فإنه أشهر من نار علي علم وتتدفق عليه الزائرات من جميع أنحاء البلاد. زيارتي له استغرقت يومين.. اليوم الأول لم أجده وعندما سألت عنه الشحاذات النساء القابعات ليلاً ونهاراً بطول الممر وحول مجلسه قلن: «تليفونه أهو علي الحيطة كلميه واعرفى مواعيده» فوليت وجهي نحو هاتفه وسجلته، ثم اردفت بسؤال أخير هو كويس؟ الله أعلم، كان رد الأغلبية منهن في ذات اليوم اتصلت به متصنعة ان ابنتي تعاني من تغيرات مفاجئة، كثيرة الضحك والبكاء، بادرني بسؤال عن عمرها، وفترة تغيرها، فأجبته، ثم قال أنا موجود يومي الأحد والجمعة، من الظهر للعشاء، نظامك إيه في الفلوس، سألته: يا ستي سبيها علي الله، معاكي أو ممعكيش، يعني لو مش معايا ممكن مدفعش حاجة، أيوه يا ستي، وبدأ علي صوته الرغبة في إنهاء الحديث، فلاحقته بسؤال.. يعني ممكن يكون عليها عفريت أو جان.. أخذ نفساً طويلاً: لما أشوفها واقرأ عليها حيبان. طيب لو عليها حاجة ممكن تطلعها؟ ازداد غضباً وتغيرت نبرة صوته: اطلع ازاي أنا قاعد في الشارع، لو في حاجة ظهرت مش حسيبك وحساعدك، يعني انت اللي بطلع الحاجات دي أم بتستعين بشخص آخر؟ رد بصوت فاض به الكيل: يا ستي وسواسة ليه مينفعش كده قولتلك لما أشوفها، سلام عليكم. المرة الثانية للزيارة توجهت أنا وزميلي المصور أحمد حمدي مستغنياً عن عدسته، مكتفياً بكاميرا الموبايل لمكان الشيخ «حسين» إذ به يجلس علي كرسي بلاستيك تجلس أمامه سيدة في الخمسينيات راحته اليمني فوق رأسها واليسري يضعها وسط رجليه، يقرأ بعض آيات من القرآن والسيدة تبكي، وخلفها يصطف كثير من النساء، قليل من الرجال في انتظار دورهم.. تتراوح أعمارهم ما بين العشرينيات والخمسينيات.. يقص كل منهم شكواه وما يعانيه، ثم يقرأ عليه آيات من الذكر الحكيم كل حسب حالته، ولفت نظري سيدة أحضرت له «فانلة داخلية» رجالي وتحدثت معه بصوت منخفض، فوضع الفانلة علي يد الكرسي وضغط براحته عليها ثم قرأ عليها.. انتظرنا حوالي 20 دقيقة حتي جاء دوري، جلست أمامه وهو يرمقني بشدة منصتا ليّ.. أنا جيالك بصفتين، الأولي أشعر دائماً بالوهن وعدم النشاط، مع اكتئاب مستمر، والثانية بصفتي صحفية وعاوزة.. «لأ صحافة.. لأ أنا واخد قرار، كفاية اللي شوفته منهم» قاطعني بالرفض قبل أن أنهي كلامي. فرحت استجديه بعبارات تحتويه.. ليه بس يا شيخ «حسين» انت بتعمل كله لله، وعاوزين ندعمك.. لا أرجوكي أنا شوفت كتير من الصحافة والتليفزيون، أنا لغاية هنا مشيرا إلي أنفه، ثم انتفض فجأة من مكانه وكأن كهرباء لمسته «حروح اشرب ميه وراجع». دقيقتان وعاد مكانه وقال دون أن أسأله.. «أنا دارس فقه وشريعة من الأزهر دفعة 90 ولو مش مصدقاني البطاقة اهي».. وأخرج بطاقته الشخصية وكارنيه يحمل دراسته في لمح البصر ثم دلفهما في جيبه. بعدها مباشرة رفع راحته فوق رأسي وقرأ آيات من القرآن استغرق حوالي 10 دقائق، ختمها بالفاتحة، جزاك الله خيرا، بصوت هادئ شكرته وسألته ايه أصعب حالة عدت عليك؟ واحدة كان عندها 20 سنة ويخرج من جسمها كله دم، وبفضل الله عالجتها وتم شفاؤها بعد 6 جلسات. كان عليها حاجة. - طبعا وخرج بصعوبة والبنت عانت كثيرا. يعني انت بتعرف تطلع الجان؟ - الجان والمارد وحاجات كتير. وايه أغرب حالة صدفتك؟ - واحدة مصرية عاجزة عن الكلام ولا تنطق الا الفرنسية رغم عدم علامها. وكم عدد الحالات من هذا النوع يومياً؟ - تغيرت ملامحه وكظم غيظه وقال انتي كده عاوزة تعملي موضوع كبير، معلش أنا ممكن أمشي من هنا حالا، ثم تدخلت سيدة كانت في انتظاره.. «خلاص يا ابلة والنبي متزعليهوش ليمشي أنا قاعدة من بدري مستنياه». أخرجت من حقيبتي المقسوم وأعطيته، تصنع بالرفض وسرعان ما نظر فيها وأولجها في جيبه. الغريب في الأمر وجدت ورقة بيضاء كبيرة ملصوقة داخل المسجد وبالأحري علي مدخل باب ضريح نفيسة العلم ومكتوب عليها بالبونط العريض ثلاث جمل تحذيرية «ممنوع التعامل مع أي شخص يمارس الرقية أو العلاج بالقرآن». إدارة المسجد لا تمارس أعمال الرقية أو العلاج بالقرآن. إدارة المسجد تحذركم من الاستغلال والخداع باسم الرقية والعلاج.