من لحظة اجتماع السقيفة لاختيار خليفة للرسول مرورا بالردة ثم قيام الدولتين الاموية والعباسية حتى إلغاء الخلافة في عشرينيات القرن الماضي وصولا إلى تسونامي ثورة 25 يناير الذي اقتلع حكما مستبدا وحاكما ظل في صمت ومكر يخطط لتوريث ابنه .. كل هذه الحوادث حكمتها المصالح والأوضاع الاقتصادية وخلال كل هذه المفاصل التاريخية تلون الخطاب الديني ليتواءم مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومن التضليل والضلال أن يدفع بعض جنرالات الفقه والفتوى بمقولة أن هذا وقت للحكم بشريعة الله لأن الدين كمعتقد ووحي وبنية ثقافية لم يتغير والمتغير دائما هم من يطرحون على الناس تصوراتهم عن الدين وهي في مجملها تصورات متغيره بتغير الأزمان ومنحوته من مستجدات السياسة والاقتصاد وأحوال المجتمعات وليس من وهم طهر المجتمعات الأولى .. لقد كان ظهور حركة الاخوان المسلمين عام 1928 ردة فعل لالغاء الخلافة الاسلامية رغم ماهو معروف وثابت من مظالم تلك الخلافة وافقارها للبلاد والعباد الى الحد الذي تم فيه عبر قرون نزح وتجفيف مصر من حرفييها ونهب ثرواتها ومحاصيلها ، كما كانت ردة فعل الخوارج ضد على بن ابي طالب تعود إلى أن هؤلاء المقاتلين رفضوا مركزية الحكم وأرادوا الاستئثار بالأراضي التي فتحوها واستفادوا منها .. والخوارج يعتبرهم معظم المؤرخين والدارسين ظاهرة عربية عسكرية تعتبر أن الغزو يمنح الغازي الحق في قطف ثمار غزوه ويعطيه منزله خاصة في المجتمع .. وماأشبه اليوم بالبارحة اذا تأملنا الخوارج الجدد على عصر العلم والحضارة والمدنية سنجدهم من أول لحظة في جلسة افتتاح برلمان مابعد الثورة يصرون على القسم بعدم مخالفة شرع الله رغم أن غالبيتهم كانوا جزءا من عقيدة الرئيس الراحل أنور السادات الاقتصادية والسياسية والثقافية الى الحد الذي دفع حتى ىشيخ الأزهر آنذاك عبد الحليم محمود أن يكتب مبررا سياسة الانفتاح الساداتية قائلا بأن العشرة المبشرين بالجنة كلهم من الأغنياء وليس بينهم بلال أو مصعب – وكأن شيخ الأزهر يبرر للأثرياء تفحش ثرائهم وللفقراء استمرار قهرهم وفقرهم .. ومن يبحث في جذور نشأة التيارات الاسلامية مثل الجهاد والجماعة الاسلامية من مطلع السبعينيات وحتى تربعهم فوق مقاعد البرلمان ورفعهم للآذان داخل قاعته سيجد كل طلائعها من الشباب الذي انضم لها وهو دون العشرين عاما قدم من الريف في غالبيته ليسكن أفقر أحياء القاهرة والاسكندرية والمنيا وأسيوط ومن هذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي المذري لايمكن أن نفصل بين خطاب هذه الجماعات اليوم ومكونها وجذورها ولايعتبر الدين أبدا هو المحرك الفعلى لهذه الجماعات حتى اليوم ولكنه الغطاء الشرعي لخطابهم ومايطرحونه من رؤى تبدو في مجملها متمسكة بزمن الطهر والنقاء فى صدر الاسلام كما يتصورونه ، وهنا تظهر الهوة الشاسعة بين ظاهر الايمان وحقيقة العمل لدى هؤلاء لأنهم بلا استثناء يواجهون معضلة التباين الى حد التناقض بين المثل العليا لمجتمع الصحراء ومثل المدنية وضرورات عيشها وباختصار فإن الدين لو تصوره بعض علماء الاجتماع الديني حجرا مقذوفا على العالم فإنه لايمكن فهم الاسلام مع النبي من دون العلماء ورواد المذاهب والفرق الاسلامية المتعاقبة من الخوارج والمعتزلة وابن حنبل وابن تيمية وصولا لحزب النور والقرضاوى ومحمد حسان وهذا مايدعونا لأن يكون هناك تيار تنويري قوى يصل الى القواعد الشعبية بالذات الفقيرة والتي لم يتوفر لها حظ من التعليم وذلك من خلال وسائل متعددة وقنوات ثقافية وفنية واعلامية وايضا دعوية تصل بالناس الى فهم معتدل جديد لحقيقة الدين والتراث وأن يتقبل الوعي الجمعي للمصريين فكرة أن الدين الذي يطرحه كثير من المتشددين ساسة ودعاه ليس الحجر المقذوف على العالم ولكنها كتلة المصالح السياسية والاقتصادية التي يقذف بها هؤلاء بوجه المساكين والمقهورين والخصوم مرة في صورة عبوة سكر او زيت او بطانية قديمة أو فكرة حزبية وسياسية بها من الغواية أكثر مما بها من القيم الفوقية المفارقة .. ولايمكن على الاطلاق تجاهل أن المؤثر الأكبر والمشترك في فكر جماعات الاسلام السياسي ورموزها هو العامل الاقتصادي الذي تبدأ خيوطه الحقيقية من الجزيرة العربية حيث الفكره الوبال وغواية الريال ويمكن وصف الأمر بأنه زواج الفتوى بالمال وربط المصير بالأمير ورهن البلاد والعباد بمصالح تمتد الى خارج الحدود متهادية لترسو في الأخير وفي جنح الظلام على شواطيء الخليج النفطي والكل دعاة وأمراء ومخابرات وتجار سلاح في حماية الحليف الأمريكي حتى لو ادعي غير ذلك الاعلامي وفقيه المعونة أو محلل القواعد العسكرية وماكيافيللي الفقه يوسف القرضاوي ..