محافظ أسيوط : المعلم هو أساس بناء الإنسان وصانع الأمل في مستقبل الوطن    بتكلفة 34 مليون جنيه.. محافظ الغربية يفتتح مدرسة الفرستق الإبتدائية    بدء أعمال لجنة الكشف الطبي للمتقدمين لعضوية مجلس النواب بسوهاج    رئيس اقتصادية قناة السويس يشهد توقيع عقد مشروع شركة للتكنولوجيا الطبية    توقيع بروتوكول تعاون بين "صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري" و"بنك نكست"    وزير العمل و "هواوي مصر" يبحثان التحول الرقمي و تنظيم ملتقى توظيفي    11 شهيدًا في قصف إسرائيلي على غزة.. وتصعيد عسكري رغم الدعوات الأمريكية    الحكومة السودانية: استهداف الدعم السريع «الأبيض» بالمسيرات انتهاك خطير    القاهرة تعوّل على اجتماع الإثنين لتنفيذ خطة ترامب وإنهاء الحرب في غزة    بعد تسليم نفسه.. رحلة فضل شاكر المتأرجحة بين العنف والغناء    بعد الفوز كهرباء الإسماعيلية.. الأهلي راحة «3 أيام»    موعد مباراة برشلونة أمام إشبيلية في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    تشواميني: ألعب في أفضل فريق بالعالم منذ 4 سنوات وأتمنى الاستمرار    محافظة الجيزة ترفع الاشغالات بطريق المريوطية واللبيني بحي الهرم    محافظ المنوفية يلتقى المتضررين جراء ارتفاع منسوب مياه النيل لحل مشاكلهم    ضياء الميرغني يتلقى التكريم متكئًا على زملائه.. ويكشف عن معاناته    بيومي فؤاد ينضم لأبطال مسلسل من أول وجديد بطولة عمرو سعد    أمين المجلس الأعلى للجامعات يشارك في احتفالية اليوم العالمي لسلامة المريض    انخفاض طفيف بأسعار الأسماك في أسواق المنيا وسط تذبذب في بعض الأصناف اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    الأهلي: الشحات لا ينتظر حديث أي شخص.. وهذه كواليس تألقه في القمة    3 عقبات تعرقل إقالة يانيك فيريرا المدير الفني للزمالك .. تعرف عليها    "الجمهور زهق".. أحمد شوبير يشن هجوم ناري على الزمالك    وزيرة البيئة تبحث مع محافظ الفيوم الموقف التنفيذي للمشروعات التنموية والخدمية    جرّوها من شعرها وفعلوا بها كل ما يمكن تخيله.. كيف عذّبت إسرائيل الناشطة جريتا ثونبرج بعد احتجازها؟    وفد من الوزارة لمناقشة ما يخص مدارس التعليم الفني لتطوير البرامج الدراسية    طفل يقود سيارة برعونة في الجيزة.. والأمن يضبط الواقعة ووالده المقاول    اللجنة المصرية بغزة: المخيم التاسع لإيواء النازحين يعد الأكبر على مستوى القطاع    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    قصور الثقافة في الأقصر وأسوان وقنا والبحر الأحمر تحتفل بذكرى نصر أكتوبر المجيد    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    هل قصّ الأظافر ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يوضح الحكم الشرعي    واعظة بالأوقاف توضح كيفية التعامل مع «مشكلة الخيانة الزوجية»    سعر صرف العملة الخضراء.. أسعار الدولار مقابل الجنيه اليوم الأحد 5-10-2025    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام بيرنتفورد.. غياب مرموش    فاتن حمامة تهتم بالصورة وسعاد حسني بالتعبير.. سامح سليم يكشف سر النجمات أمام الكاميرا    بعد توليه رئاسة تحرير مجلة «الفكر المعاصر»: د. مصطفى النشار: أقتفى خطى زكى نجيب محمود    نجوم المشروع الوطني للقراءة يضيئون معرض دمنهور الثامن للكتاب    نائب وزير الصحة يشيد بخدمات «جراحات اليوم الواحد» وموقع مستشفى دمياط التخصصي    بالتعاون مع «الصحة».. مطار القاهرة الدولي يطلق خدمة لتعزيز الجاهزية الطبية    موعد مباراة يوفنتوس ضد ميلان والقناة الناقلة    أسعار مواد البناء اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    الخميس المقبل إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة ذكرى 6 أكتوبر    «تعليم القاهرة» تهنئ المعلمين في اليوم العالمى للمعلم    بدء أول انتخابات لاختيار أعضاء مجلس الشعب في سوريا منذ سقوط نظام الأسد    تركت رسالة وانتحرت.. التصريح بدفن عروس أنهت حياتها بالفيوم    إصابة 9 فتيات في حادث تصادم بطريق بني سويف – الفيوم    تاجيل طعن إبراهيم سعيد لجلسة 19 أكتوبر    مسئول فلسطيني: إسرائيل تصادق على مخطط استيطاني جديد شرق قلقيلية    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    صحة الأقصر... بدء حملة التطعيم المدرسي للعام الدراسي 2024 / 2025    أيقونات نصر أكتوبر    136 يومًا تفصلنا عن رمضان 2026.. أول أيام الشهر الكريم فلكيًا الخميس 19 فبراير    "فيها إيه يعني" يكتسح السينمات.. وماجد الكدواني يتصدر الإيرادات ويحقق 14 مليون جنيه في 4 أيام فقط    اليوم.. محاكمة 5 متهمين في قضية «خلية النزهة الإرهابية» أمام جنايات أمن الدولة    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقب «الطيار المجنون».. شرف يسعدنى
اللواء أحمد المنصورى يكشف ل«الوفد» أسرار أطول معركة جوية
نشر في الوفد يوم 11 - 10 - 2017

اشتركت فى جميع معارك الاستنزاف.. وكنت صاحب أطول معركة جوية من 67 إلى 73
كنا نحلم باشتباكات حقيقية مع العدو تمحو آثار النكسة
خططنا لكل شىء فى المعركة بدءًا من «نظرة العين» فى وجه الجندى الإسرائيلى
الحوار مع بطل من أبطال القوات المسلحة هو حالة فريدة من حالات الحوار، لأننى أجد نفسى أمام إنسان معدنه من فولاذ، مقاتل شرس ضد الأعداء، عذب رقيق وديع، ينطبق عليه قول المولى عز وجل «أشداء على الكفار رحماء بينهم» بطلنا فى هذا الحوار يقول إنه فارس وليس محارباً، لأن الفارس يحارب فى سبيل الله، ونؤيده فى هذا، ونقول: ولم لا؟ وهو البطل المغوار الذى قدم بطولات وتضحيات فاقت الوصف، لكن وصفها الأعداء بالجنون، لأنه استمر فى معركة طيران 13 دقيقة بإمكانيات لا تقارن بإمكانيات عدوه، ونفذ محاولة الموت الأخيرة على ارتفاع 3 آلاف قدم، فى حين أنها تتطلب 6 آلاف قدم ارتفاعاً، فكان جنونًا آخر، بل وهبط بطائرته المقاتلة على مدق عرضه ثمانية أمتار، رغم أن ممر الطائرة الفعلى 100 متر، فما هذا غير الجنون فى عين العداء، ولكنها البطولة والتضحية والفداء، فهذا هو الطيار المجنون أو النسر الفرعونى، فارس يتمتع بنقاء النفس وصفاء السريرة، قوى الشكيمة شجاع جرىء، صادق العزم والنية، لا تلين له قناة ولا تفل له عزيمة، وطنى مخلص يستحق تمام الاحترام، حطم الصعب وقهر المستحيل وصنع الإعجاز، يقول: إن مصر معشوقته وتستحق أن يقدم لها عمره وحياته.
لنعرف حجم الملحمة البطولية فى أكتوبر لا بد أن نعرف موقف القوات الجوية بعد 1967؟
- منذ قبول مصر لمبادرة «روجرز»، حدث شبه اتفاق بين أمريكا والاتحاد السوفيتى على بقاء الوضع فى الشرق الوسط كما هو، أى فى حالة اللاحرب واللاسلم، ولهذا السوفيت كانوا يمنحوننا سلاحاً ولكن بشروطهم، ويساعدوننا بالطريقة التى يرونها، وكانوا يتعاملون معنا بمنطق أن الطيار السوفيتى هو فقط من يفهم فى الطائرات التى يوردونها لنا، وكان الجميع يتعامل معنا على أننا جثة هامدة، ولذا كنا نحلم كل يوم باشتباكات حقيقية مع العدو لتصحيح ما حدث فى يونيو 1967 لأن طائراتنا ضربت على الأرض ولم نطر بها، وكانت تدريباتنا اليومية عبارة عن سيناريوهات لمعاركنا المقبلة مع الطيران الإسرائيلى، وكنا ننتظر الأخذ بثأرنا، ولهذا كنا نخطط لكل شىء فى المعركة حتى نظرة العين التى سننظر بها لأى عسكرى إسرائيلى.
وكيف كانت معارك الاستنزاف؟
- معارك الاستنزاف كانت 1000 يوم منهم 500 يوم قتال ولولا مصيبة 67 وحرب الاستنزاف ما كان نصر أكتوبر العظيم، والحمد لله اشتركت فى جميع معارك الاستنزاف وأنعم الله علىً بأن أكون صاحب أطول معركة جوية من 67، وحتى قبل أكتوبر 73.
ولماذا وصفت هذه المعركة بأطول معركة جوية؟
- أطول معركة جوية جرت فى الفترة من عام 1967 إلى عام 1973 فقد حدد لى أمر الإقلاع مع زميلى الشهيد طيار حسن لطفى لاعتراض 6 طائرات فانتوم عند منطقة السخنة والزعفرانة، وكنا طائرتين «ميج21» معنا 4 صواريخ و400 طلقة، ومدى طيران كل طائرة ساعة أمام ست طائرات فانتوم إسرائيلى، أمريكية الصنع، بل أحدث ما فى التكنولوجيا الأمريكية فقد كانت أمريكا مع إسرائيل والله مع مصر، وكل طائرة بها 8 صواريخ وطيارين واحد يقاتل، والآخر يقود الطائرة، أى 12 طيارًا يعنى 24 عينًا، و12 عقلًا يفكر ومدى طيران الطائرة 3 ساعات، ولا قبل لأى عاقل أن يدخل فى هذه المعركة لكن كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله وقد كان الله مع مصر، لكنه الغل والثأر الموجود لدينا للانتقام لشهدائنا، فانطلقنا بالطائرتين فى أقل من 3 دقائق فنحن فى رباط إلى يوم الدين، والطيار المصرى هو المقاتل الوحيد المكلف بحماية شبكة مصر كى تظل عذراء ولا تخترق، ولهذا فهو متواجد على مدى 24 ساعة فى رباط لحماية سماء مصر، المعارك الجوية تحسم فى أول 30 ثانية، حيث لا تستمر المعركة أكثر من 3 دقائق، لكن هذه المعركة استمرت 13 دقيقة وبنجاح ولم يستطع العدو أن ينال منا فى بداية المعركة، وأول 30 ثانية استطعت بعون الله من إسقاط طائرة قائد التشكيل الإسرائيلى فى مياه الخليج بمن عليها، لتصاب بقية الطائرات بحالة من الهياج، فقاموا بإطلاق الصواريخ علينا بطريقة عشوائية، ولكن الطائرة الميج ورغم قلة الإمكانيات تمتاز برشاقة الطيران عن الفانتوم، واستمررنا فى القتال حتى نهاية المعركة إلى أن نفذ الوقود وتوقفت المحركات والنتيجة 1/ صفر لصالحنا، لأننا كنا نحارب منتخب العالم، وفاجأونا بالانسحاب فى اتجاه سيناء وكنا طائرين فوق البحر، فقررنا عدم الملاحقة، خشية من وجود كمين كما أن ما تبقى معنا من وقود لم يعد يكفى حتى للعودة إلى القاعدة.
وماذا فعلت فى هذه اللحظة؟
- لم أفكر فى القفز من الطائرة، وكنت أفكر فى قسمى أمام الرئيس عبدالناصر بأننى لن أترك سلاحى أبدًا حتى أذوق الموت، وكنت حريصًا على سلاحى قدر حرصى على حياتى، خاصة أننا لم نكن نملك الكثير من الطائرات ولم تكن يد العون ممدودة لنا لمنحنا أسلحة، وخرجت من مناورة الموت بفضل الله سليمًا معافى تماماً، وقررت الهبوط بالطائرة فى الشارع فى مدق عند فنار الزعفرانة عرضه 8 أمتار وممر الطائر عرضه 100 متر وطوله 4500 متر، وبعون الله لمست عجلات الطائرة أرض الطريق بعد متر أو اثنين من حافة الطريق لتندفع الطائرة على سرعتها لأفاجأ بعربة نقل كبيرة بمقطورة أمامى يقفز ركابها منها فى منتهى الرعب، ويتركونها أمامى على الطريق فرفعت مجموعه العجلات الخلفية فورًا ليبدأ باطن الطائرة فى الاحتكاك بالأرض وتتوقف الطائرة فورًا وسط الرمال على جانب الطريق، وهبطت من الطائرة ساجدًا لله لتنهار قواى وأنا ساجد ويغمى علىّ، بينما استشهد زميلى حسن لطفى فى هذه المعركة، لتعود الأصوات إلى سمعى ببطء على صوت طائرة هيلكوبتر إسرائيلية تقترب منى محاولة أن تأسرنى، لكن المضادات المصرية طردتها بسرعة، ثم وصلت طائرة هيلكوبتر مصرية لالتقاطى وبها عدد من الفنيين للاطمئنان على طائرتى يقودها الطيار عمر لطفى والذى كان فى دهشة مما يراه، فلأول مرة يشاهد طيار مصرى طائرة مقاتلة تهبط فى الشارع وتظل سليمة خاصة طريقاً بهذا السوء مليئاً بالحفر، فما كان منه إلا أنه قام بترديد «سبحان الله»، وهو مندهش، وعدت إلى مطار بنى سويف، وتم وضع شباك تمويه على الطائرة لحمايتها وإخفائها حتى الصباح التالى، حيث إن الطريق يؤدى إلى الكريمات ثم حلوان، حيث ورشة إصلاح الطائرات التى بدورها أرسلت سيارة نقل وجرار قطر طائرات لشحن الطائرة لصيانتها.
ما الذى حدث معك بعد هذه المعركة على مستوى القيادة؟
- تمت مناقشة نتائج المعركة مع اللواء محمد نبيه المسيرى فورًا بعد أن تلقيت منه التهانى، وتلا ذلك تكريم من اللواء محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية المصرية حينها، ثم من المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، ثم من الرئيس محمد أنور السادات نفسه حيث أخبرته بأنه لو عاد بى الزمن لقمت بنفس العمل لأن كل شىء يهون فى سبيل مصر وكرامة مصر وبسبب هذا الاشتباك نلت وسام الشجاعة ووسام النجمة العسكرية، وحاليًا ترقد طائرتى التى شاركت فى هذه المعركة فى بانوراما حرب أكتوبر وأرقامها 8040.
كيف حصلت على لقب الطيار المجنون؟
- لقب الطيار المجنون أتشرف به طالما أطلقه علىّ جيش العدو بعد حرب أكتوبر، فحينما كنت أحلق بطائرتى رقم 8040 خلال أيام الحرب، وجدت طائرة إسرائيلية تحلق خلفى وتوجه مدافعها وصواريخها نحوى، وصاروخ الطائرة الإسرائيلى أطلقوا عليه اضرب وانسى، لأنه طالما أطلق على الطائرة ستدمر وتسقط، فقمت بمناورة الموت الأخير التى يلجأ إليها الطيار حينما يواجه الموت المحقق، وبها خطورة عالية، ويلزم لهذه الحركة أن تتم على ارتفاع ستة آلاف قدم، ونظرت إلى عداد الارتفاع فوجدت أننى على ارتفاع 300 قدم ولم أستطع فعل شىء سوى الدعاء والرجاء من الله أن أظل حيًا لآخر الحرب وإن كان قدرى هو الموت فليشاركنى فيه الطيار الصهيونى، وبالفعل وجهت مقدمة الطائرة إلى الأسفل واندفعت بأقصى سرعة باتجاه الأرض فاعتقد الإسرائيليون أننى سأنتحر، وحينما اقتربت من الأرض ظهرت هالة من الأتربة جعلت العدو الصهيونى يعتقد بأن الطائرة دُمرت، ولكن هذا لم يحدث وانطلقت الطائرة من جديد إلى السماء بعد استجابة الله لى ونجاتى بمعجزة، وفى الجو وجدت الطيار الغبى فى الفضاء، فأطلقت عليه صاروخاً ودمرت طائرته، وأنا أبتسم له وأقول أنت تموت الآن.
ولكنك أيضًا وصفت داخل القوات الجوية المصرية بأنك كنت طيارًا بلا قلب؟
- نعم.. هذا بسبب الثأر والغل اللذين جعلانى أقرر أن أكون بلا قلب أمام العدو، وكنت أردد لهم دومًا بأننى سأقتل العدو، ولن أسمح لهم بقتلى لأن مصر تحتاجنى، لأننى أعلم مدى ندرة الطيارين المقاتلين، فكيف أموت وأترك بلدى.
ولكنك أصبت بنسبة عجز 30%.. كيف عدت للقتال فى حرب أكتوبر؟
- بالفعل الأطباء وجدوا أننى أصبت فى الفقرات القطنية من العمود الفقرى بنسبة عجز 30% مكثت فى المستشفى للعلاج 3 أشهر، وقتها دعوت الله وطلبت منه ألا يتركنى كسيحاً، لأننى أريد مواصلة الحرب، وبإرادة الله عدت للطيران فى شهر مايو، ليكون شرف مشاركتى فى حرب أكتوبر العظيم، وأذكر أننا كنا نكتب على صواريخ الطائرات والقنابل، قبل وضعها كلمات «باسم الله الشافى المعافى» حتى تصيب الهدف الذى طرنا من أجله.
ما أسعد لحظاتك خلال أيام المعركة؟
- ما زلت أذكر ليلة الخامس من أكتوبر، حيث وصلتنا معلومات بأن المعركة موعدها غدًا، شعرت بسعادة غامرة وشكرت الله على أن ساعة الفرج قد أتت بعد طول انتظار، وفى هذه اللحظة أعلن قائد اللواء، أن التشكيل الأول فى الضربة الجوية الأولى على إسرائيل هو تشكيل الفهود السوداء للمنصورى، وكانت هذه اللحظة هى الأسعد فى حياتى، ولحظتها تلاقت عيناى بعيون زملائى وكنا نتساءل فيما بيننا عن المصير، من سيعود ومن سيلقى حتفه، خاصة أننا وقعنا على أوراق تفيد بأن 50 % من المشاركين فى العملية الأولى سيكونون فى عداد الشهداء، ولكن الثأر كان هو كل همنا.
وكيف علمت بقرار العبور؟
- قبل الحرب بعشرة أيام بدأت القيادة فى القوات الجوية بالمرور علينا فى قواعدنا الجوية، وكنت فى قاعدة بنى سويف، وتم التأكيد علينا بتطبيق أقصى حالات الاستعداد، وأننا أصبحنا فى مواجهة متحفزة مع العدو، ولكن لم يخبرونا أى شىء عن موعد الحرب، وقبل الساعة الواحدة يوم 6 أكتوبر، جاء قائد القاعدة وجلس معنا ونحن نأكل رغم رغبتنا فى الصيام وقتها، ولكنه أمر مستحيل بالنسبة للطيار المقاتل خوفًا من حدوث هبوط فى نسبة السكر. وجمعنا فى دشم تحت الأرض، وكنا سربين بكل سرب حوالى 25 طائرة، وقال لنا إن لحظة الأخذ بالثأر قد حانت، وإنه يجب علينا أن نكون مستعدين للانطلاق بطائراتنا منذ الساعة الثانية إلا الربع، ومن دون إثارة أى ضوضاء، حتى الدشم صدرت لنا الأوامر بفتحها بأيدينا وليس بالماكينات حتى لا نلفت الأنظار، وكنا ننظر لبعضنا دون أن نعلم من سيذهب ولن يعود ومن سيعود؟، وكان كل طيار قد كتب وصيته لأهله ورسالة وداع وتركها فى القيادة وكانت العيون مليئة بالكلمات، ولكن لا أحد يجرؤ على التحدث، وكانت مشاعر الغل تملأ النفوس ما ضاعفت قوتنا، ولذا أتعجب ممن يقول إن الحرب كان متفقًا عليها بين مصر وأمريكا، كيف وأول شهيد طيار كان عاطف السادات شقيق الرئيس محمد أنور السادات؟ وهؤلاء لن أتوقف أمام كلماتهم كثيراً، لأن ما يعنينى أننا انتقمنا وأعدنا الأرض.
وكيف تم تنفيذ الضربة الجوية التى كانت مفتاح النصر؟
- فى اللحظة المحددة انطلقت 220 طائرة كان جزء منها مهمته إلقاء القاذفات، وهى الطائرات «السوخوى»، وطائرات أخرى من بينها طائرتى مهمتها حماية الطائرات القاذفة لحين بلوغها الهدف وتدميره، ثم العودة مرة أخرى، كان الوقت المحدد لنا هو 20 دقيقة لتنفيذ المهمة، ومشكلة «السوخوى» أنها بطيئة فى الجو، خاصة أنها محملة بنحو 5 أطنان متفجرات، ولكننا كنا نعلم طريقنا ولم تعترضنا طائرات العدو الذى ضربنا له أجهزة الإرسال والاتصال ومراكز القيادة فى شمال ووسط وجنوب سيناء، ودمرنا الأهداف المحددة لنا، وفى اثنتين وعشرين دقيقة كنا قد عدنا لتبدأ بعدها شبكة الصواريخ فى الضرب، وتدمير أى طائرة غير مصرية فى حال اختراقها المجال الجوى المصرى.
كيف أصبحت آخر طيار هبط من السماء يوم 24 أكتوبر رغم تنفيذ قرار وقف إطلاق النار منذ يوم 22 أكتوبر؟
- الصهاينة لا يحترمون عهودهم، ورغم قبولهم قرار وقف إطلاق النار، والتزام مصر بوقف إطلاق النار، إلا أنهم حاولوا الحصول على أية مكاسب جديدة، ولكننا لم نسمح لهم بذلك فكنا نتصدى لهم، وكانوا يضغطون بمنتهى القوة لدخول السويس عبر الدفرسوار، وكانوا قد حصلوا على سلاح جديد من أمريكا ومن جنوب أفريقيا، فكنا نطير لحماية الهجوم الشرس على الجيش الثالث وجنود الجيش الثانى غرب القنال، وكنا نحلق فى السماء فى طلعات انتحارية لمواجهة أى عدد من الطائرات بهدف حماية قواتنا، وفى يوم 24 أكتوبر، صدرت لنا الأوامر بالطيران لتخفيف الضغط على القوات الموجودة فى جبل عويبد، وطريق الدفرسوار، وكنا أربع طائرات، وكان هناك نحو 20 طائرة ميراج إسرائيلية، دخلنا وسط هذا العدد وكان معى زميلى الشهيد طيار سليمان فيض الله، ويومها أسقطنا 7 طائرات إسرائيلية، وأذكر أننى شاهدت طائرة سليمان وقد أصاب جناحها صاروخ أشعل النار فى جزء منها فطلبت منه أن يقفز قبل أن تنفجر به فى غضون 30 ثانية، ولكنه قال لى إن فى مرماه طائرة إسرائيلية، وقال لى عبر اللاسلكى فى صوت لا أنساه: «وحياة أمى ما حاسيبه»، ثم أطلق عليها صاروخًا ففجرها، ثم قفز من الطائرة التى انفجرت بعدها بثوان قليلة، ولكنهم أطلقوا عليه النار رغم أن ذلك ممنوع، وبعد الهبوط وجدته وقد مزقت ساقه وخرجت أحشاؤه، وكان لا يزال على قيد الحياة، فلقنته الشهادة ومات بين يدى، وكان سليمان قد تزوج يوم 1 أكتوبر قبل الحرب بخمسة أيام، قضى يوماً واحداً مع عروسه وعاد، حتى إنه لم يعلم بحمل زوجته فيما بعد ولم ير ابنه ولكنه كان رجلاً.
ماذا كان شعورك خلال المعركة؟
- طوال فترة الحرب لم نكن نرى عائلاتنا، وفى هذه اللحظة لم أتذكر سوى الرغبة فى الثأر، وحينما أضع قدمى فى طائرتى يغيب عن ناظرى كل شىء إلا الوطن، كان كل أملى تحرير أرض مصر ولم أفكر فى مال أو عائلة فولائى وانتمائى لمصر.
ما درجة إصاباتك من جراء تلك المعارك الشرسة؟
- لقد تعرضت للإصابة خلال حياتى كطيار مرتين ووصلت نسبة العجز لدىّ إلى 50%، ومع هذا فأنا على أهبة الاستعداد وجاهز للقتال مرة أخرى وفى أى مكان أو زمان تحتاجنى فيه مصر، وجاهز للقاء ربى.
ما التكريم والتقدير الذى حصلت عليه؟
- أكرمنى الله أولًا بنجاتى من موت محقق أثناء المناورة، وبمنحى حياة طويلة مديدة شهدت فيها تكريماً من القوات المسلحة، بمنحى كل الأوسمة والنياشين بدءًا من وسام الشجاعة مرورًا بميدالية جرحى الحرب والتدريب والواجب وكذلك وسام النجمة العسكرية، كما كرمنى الرئيس المحترم عبدالفتاح السيسى فى العيد الأربعين لحرب أكتوبر، والذى قال: عاوز الطيار المصرى أبوعينين زرقاء، وكان هذا أكبر تقدير من وطنى مصر، مؤكدًا أن أبطال حرب أكتوبر لا يريدون شيئًا، إلا شموخ الوطن وعلية شأنه وهو أهم تقدير وتكريم وهذا سيتم بفضل رجالها وشبابها، فهم الأمل والربيع ونحن الخريف والشموع التى تنطفئ.
كيف ترى تسليح الجيش الحالى بعد صفقات السلاح الجديدة؟
- الرئيس عبدالفتاح السيسى نوّع مصادر السلاح المصرى، وأضاف إلى القوات المسلحة أسلحة غاية فى الأهمية، متمثلة فى فرقاطات ومدمرات وطائرات الرافال، وأول حاملات طائرات فى الشرق الأوسط، هذا بخلاف غواصات الدولفين القادمة من ألمانيا، حتى لا يجرؤ أحد فى المساس بأمن مصر وسلامتها.
وكيف ترى الرئيس أنور السادات صاحب قرار العبور؟
- الرئيس الراحل أنور السادات كان سياسياً داهية، ومثل الثعلب الماكر الجرىء وبطل الحرب والسلام تمكن بذكائه وبنظرته ذات المدى البعيد، ورؤيته الثاقبة من إعادة أرضنا المسلوبة فقط من خلال ورقة وهى معاهدة السلام التى استطاع أن يخدع بها مناحم بيجين.
وهل غيرت وصيتك بعد نصر أكتوبر؟
- لا.. لأن دمائى هى مزيج من كرات الدم البيضاء والحمراء وأخرى سوداء بألوان على مصر، التى تستحق أن أقدم لها عمرى وحياتى، ولقد أوصيت أبنائى وأحفادى بأن يدفنوا معى صورى وتسجيلاتى ونياشينى وأجزاء من الطائرات التى أوقعتها وورقة بيضاء كتبت بها رجاء إلى الله بتخفيض حسابى لدخول الجنة لأننى جاهدت فى سبيله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.