في خطوة غير مسبوقة، قام الأزهر الشريف، في يناير عام 1978م، بتشكل لجنة عليا من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ومجموعة من المستشارين والعلماء وخبراء القانون لوضع مشروع دستور إسلامي، يكون تحت طلب أية دولة إسلامية تريد أن تأخذ الشريعة الإسلامية منهاجاً لحياتها، على أن يؤخذ في الاعتبار الاعتماد على المبادئ المتفق عليها بين المذاهب الإسلامية كلما أمكن ذلك. وقد جاءت هذه الخطوة تنفيذا لقرارات وتوصيات المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامية الذي انعقد بالقاهرة في ذي القعدة سنة 1397 ه الموافق أكتوبر سنة 1977م، والتي طالبت الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بصفة خاصة بوضع هذا الدستور الإسلامي. وتنفيذاً لهذه التوصية قرر مجلس مجمع البحوث الإسلامية إسناد وضع هذا المشروع الى لجنة الأبحاث الدستورية الإسلامية بالمجمع، على أن يدعى لهذه اللجنة الشخصيات التي يمكن أن تسهم في وضع هذا المشروع. وبناء على ذلك قام فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية آنذاك، بتأليف لجنة عليا بجانب السادة أعضاء لجنة الأبحاث الدستورية بالمجمع، لتكون من نخبة من كبار الشخصيات المشتغلين بالفقه الإسلامي والقانون الدستوري لتتولى هذه المهمة. وضمت هذه اللجنة العليا كلاً من الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود (رئيساً)، والدكتور الحسيني هاشم، والمستشار السيد عبد العزيز هندي، والشيخ حسين محمد مخلوف، والدكتور عبد الجليل شلبي، والشيخ عبد الجليل عيسى، والمستشار عبد الحليم الجندي، والمستشار عبد الفتاح نصر، والمستشار الوزير عبد المنعم عمارة، والمستشار علي علي منصور، والدكتور محمد حسن فايد، والشيخ محمد خاطر، والمحامي محمد عطية خميس، والدكتور محمود شوكت العدوي، والمستشار مصطفى عفيفي، والمستشار الدكتور مصطفى كمال وصفي. وقررت اللجنة العليا عند اجتماعها برئاسة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، تأليف لجنة فرعية منبثقة عن اللجنة العليا تقوم بوضع الدراسات والبحوث وإعداد مشروع هذا الدستور، على أن يعرض بعد إنجازه على اللجنة العليا. وتابعت اللجنة الفرعية اجتماعاتها أسبوعيا بصفة دورية حتى انتهت من إعداد المشروع ووضعه في صيغته النهائية، وأعد الدستور الإسلامي على أتم وجه وأكمله، وقام الإمام الأكبر،الشيخ عبد الحليم محمود، رحمه الله، بتسليم وثيقته للجهات المسئولة آنئذ. وقد تضمن هذا المشروع تسعة أبواب، تحتوي على ثلاث وتسعين مادة مفصلة على الوجه الآتي: الباب الأول: الأمة الإسلامية، 4 مواد الباب الثاني: أسس المجتمع الإسلامي، 13 مادة الباب الثالث: الاقتصاد الإسلامي، 10 مواد الباب الرابع: الحقوق والحريات الفردية، 16 مادة الباب الخامس: الإمام، 17 مادة الباب السادس: القضاء، 23 مادة الباب السابع: الشورى والرقابة وسن القوانين، مادتان الباب الثامن: الحكومة، مادتان الباب التاسع: أحكام عاملة انتقالية، 7مواد وهذا المشروع للدستور الإسلامي، يعد بلا شك، وثيقة تاريخية مهمة، ذات قيمة علمية ومنهجية، فهو جهد كبير لا ينكر، قام به مجموعة من صفوة العلماء والمتخصصين ونخبة من خبراء القانون والدستور وأساتذة الفقه والشريعة الإسلامية، وصاغه كل من الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، بما يعني أنه صادر عن الأزهر أكبر مؤسسة إسلامية، ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع، وهي مؤسسة صاحبة تاريخ طويل يصعب على أي منصف إنكاره. وإذا كنا اليوم على أعتاب وضع دستور جديد لمصر بعد الثورة، فلا يجب أبدا على لجنة الدستور، التي سوف يتم اختيارها، أن تهمل مثل هذه المشاريع التي سهرت عليها نخبة من كبار العلماء والمتخصصين في الفقه والشريعة والدستور والقانون، بل يجب أن تستفيد من هذا المشروع الكبير، وأن يطرح للنقاش العام، وينظر بجدية في كيفية تطبيقه، أو الاستفادة من مواده، فهو يحدد بلا شك هوية مصر الإسلامية، ويحقق ما تصبو إليه الغالبية العظمى من جموع الشعب المصري الذين يشتاقون إلى تحكيم الشريعة الإسلامية.