يبدو أن هناك مجموعة من الأصول والبديهيات لابد من التذكير بها، فالثقافة الغالية والسائدة التى تقدم إجابات عن أسئلة وإشكاليات معاصرة وتستجيب استجابات إيجابية وفعلية لتحديات الراهن تدفع أصحاب الثقافات الأخرى بجغرافيتها المختلفة الى الاقتباس من إبداعاتها ومنجزاتها المعرفية والفكرية وهى تؤسس بهذه العملية علاقة او نمطا محددا فى علاقة الثقافة الذاتية بالاخريات الثقافية... والاقتباس كعملية ثقافية تعنى الاستفادة من المنجزات التى حدثت وتطورات فى فضاء ثقافى مغاير والعمل على إدخاله وهضمه... وعلى مر العصور كانت الشعوب المتأخرة ثقافيا أو سياسياً تقتبس وتتلقى من ثقافات الشعوب المتقدمة.. فالأهداف الثقافية المتضاربة والمزدوجة التى لا هى بالتقليدية ولا بالمحدثة تشل كل المؤسسات وتغذى العلاقات السلبية من هيمنة وقهر واستغلال وبالتالى تعجز هذه الثقافات عن التحرك العقلانى فى وجه المعضلات التى تواجهها.. وعلينا أن نعى خطورة حركة التاريخ فقبل أن يمر الزمن ويضيع العمر علينا البحث عن مكانة فى عالم اليوم أو عالم الغد.. فالمعرفة التى لا توظف لكسب معرفة جديدة هى معرفة غير قادرة على البقاء ويكون مصيرها الانحلال ثم الاختفاء.. لماذا هذه المقدمة؟.. لأننا يبدو وكأننا نتحرك فى عالم لا يحيا فيه إلا نحن.. أمة تحاول أن تتجاهل العالم ومقوماته وإنجازاته.. أمة يتفتق ذهنها أو ذهنية نخبها الى فتح جديد واختراع عظيم اسمه «الديمقراطية التوافقية» من خلال ما يسمى الآن الرئيس التوافقى.. «ياللعجب». نحن نتابع الآن افتكاسات واختراعات البعض فيما يخص «الرئيس التوافقى».. أى توافق هذا على رئيس «المفترض انه منتخب او سينتخب؟» هل المقصود توافق اضلاع السلطة الحالية فى مصر.. «المجلس العسكرى الانتقالى – البرلمان المنتخب فى ظل المرحلة الانتقالية قبل صياغة دستور الوطن – جماعة الاخوان والسلفيين، أى التيار الاسلامى بجناحيه، وبعض الاحزاب والقوى السياسية العرجاء».. توافق مِن من.. وعلى من. هذا يذكرنا بالحكمة الشهيرة التى تقول الرجال ثلاثة: «رجل ذو عقل ورأى، ورجل إذا حز به أمر أتى وذا رأى فاستشاره، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً» هل تحولت الديمقراطية الى «جلسة عرب».. هل أمة بحجم مصر وفى أول انتخابات حقيقية كان من المفترض أن تجسد أول معايير الدولة العصرية أن تتحول انتخابات الرئاسة فيها الى إحدى جلسات «العك السياسى» الذين يطلقون عليه رئيساً توافقياً.. مع احترامنا للسيد نبيل العربى وخبراته الدبلوماسية. ولكننى على يقين أنه هو ذاته يرفض أن يقال عنه ذلك فى دولة تسعى لبناء هيكلها الحداثى والعصرى.. دولة تسعى او يسعى مواطنوها الى البدء فى بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، فكفانا ما حدث فى الانتخابات البرلمانية ونتيجتها ومستقبل المدنية الذى يكتنفه الغموض مع صعود تيارات سياسية بعينها وقبل ذلك إشهار أحزابهم التى استندت الى خلفيات دينية رغم عدم دستورية هذا.. إلا أنه حدث فى غيبة المؤسسات القانونية والدستورية. إن الديمقراطية عبر آلياتها وقيمها هى المفهوم السياسى والرئيسى الذى يخطو بالمجتمع خطوات فعالة الى البناء الديمقراطى المتكامل، فالديمقراطية ليست فقط الآلية التى تجسدها صناديق الاقتراع وإنما هى الوسيلة التى تستطيع من خلالها كل القوى السياسية والأحزاب الشرعية على أن تقول كلمتها وتؤكد من خلالها ترسيخ قيم المشاركة السياسة، فإذا اعترفنا بأهمية الديمقراطية فعلينا أيضاً أن نقيس المخاطر التى تحدق ببنية المجتمع قيد التحول على المدى القصير – كما يحدث فى مصر – من خلال تجاوز هذه الآلية بوعى وشفافية.. ولذلك يجب تعزيز الجهات المعنية والمؤسسات الضرورية لإنجاح العملية الديمقراطية، فلا ديمقراطية ولا تنمية من دون رأسمال اجتماعى أى مجموعة علاقات ثقة بين أنصار مجتمع واحد تجعلهم يتضامنون لمصلحة الوطن بدلا من التعايش سجناء النزعة الأيدلوجية الخاصة والتى تفسد العملية الديمقراطية برمتها.. ولذلك مازال الامل معقوداً على أن تتفاعل القوى السياسية المختلفة والأحزاب السياسية الشرعية مع هذا الحراك بإيجابية أكثر وإلا تتهاون فى حقها بالمشاركة، فالأصل ليس النتيجة ولكن تفعيل قيمة الاختلاف وإبداء الرأى، ان المشاركة السياسية الفعالة هى أسلوب إدارة سلمية للصراع والاختلاف وهى القيمة التى تتمحور حولها فضاء الحريات ليلتقى الناس فيها بإرادتهم الحرة ويأخذون المبادرات من أجل أهداف أو مصالح أو تعبير عن مشاعر مشتركة وليس بتوافق على رئيس توافقى فى جلسة من جلسات وقعدات العرب. بقلم: صبرى سعيد E-mail: