إخوتنا ضباط الشرطة - المحترمون الأتقياء الصالحون والوطنيون دونما شك - الذين يثيرون الآن قضية إطلاق لحاهم وفى هذا الوقت بالذات. وكأن الوطن قد استقر تماما واكتفى ونال ما يريده من أمن بينما هم أول من يدركون حجم العدد الهائل المنفلت من البلطجية وحجم الهاربين من السجون وحجم كمية السلاح المسروق والمختطف والمهرب وكمية المخدرات التى تسربت أو التى تنتظر غفلة من عيونهم كى تدخل إلينا فتقتل شبابنا. كما أنهم أول المقتحمين للمخاطر وأول المضحين بأنفسهم متصدّين للخطر الذى يتابعنا ويترصدنا ويهددنا فى أى وقت وفى أى مكان. والذين نعرف أنه ما من عملية ضبط لمجرم أو حملة تعقب لهارب أو قبض على مسجل خطر، إلا وحمل كل واحد منهم روحه على كفيه - وردد الشهادة أو استودع الله أهله ووطنه وأحباءه - قبل أن ينطلق إلى معركة ندعو الله جميعا لهم بالسلامة لأننا على حساب يقظتهم نغفل، وعلى حسّ سهرهم ننام. وعلى قدر تعريضهم أنفسهم المخاطر نشعر بالأمن. فلماذا إذن فى هذه اللحظة بالذات يرفعون أصواتهم للمطالبة بمسألة شكلية تماما وأنتم تعلمون أن اللحية لا تزيد من هيبة الملتحى ولا ترفع من شأنه. مثلما لا تنقص من قدر من لا يتمتع بها. أقول لكم أيها الرجال الصالحون: إنكم تعرفون تماما أن إطلاق اللحى ليس فرضا على الإطلاق. بل أزعم أنه لم يعد أمراً مستحباً فى زمن اختلطت فيه الأمور وتشابهت. لأن اليهود المتزمتين يطلقون لحاهم. ورجال الدين المسيحيين الورعين يطلقون لحاهم. والسلفيون المسلمون يطلقون لحاهم. والهنود السيخ الذين ليسوا على أية ملة سماوية يطلقون لحاهم بل يحرمون قص شعورهم بالمرة. كما أن كثيرا من الذين ليست لهم أى علاقة بأى دين – وضعيا كان أو سماويا - يطلقونها أيضا. مثلما يطلقها عدد كبير من الفنانين وجاهة أو تعمدا للغرابة كى يدون عباقرة أو منظرة. وكذلك يفعل البوهيميون الذين لم تمس وجوههم شفرة الموس كسلا منهم وتشبثا بالصعلكة. وبناء عليه فالمسألة شكلية إذن وغير جوهرية بل تتعلق بمجرد المظهر. فى حين أنكم متأكدون من أن التقوى تكمن فى القلوب. وأن الورع يتحلى فى التصرفات ويتجسد فى الأفعال والمعاملات. ولأننى أعلم تماما أنكم تعرفون ذلك كله ولا تحتاجون لمن يردده على مسامعكم، فاسمحوا لى أن أطالبكم بتأجيل قضيتكم – الجمالية أو الدينية - هذه إذن إلى حين تطمئنوا معنا على استقرار الوطن وعودة حياتنا إلى طبيعتها. وحين تعود السياحة وتدور عجلات رأس المال ويذهب أطفالكم وأطفال مواطنيكم إلى مدارسهم النظيفة مطمئنين. وحين تأمنوا أن تخرج بناتكم وزوجاتكم وبناتنا وزوجاتنا ثم يعدن إلى بيوتهن مطمئنات. وحين يتمشى ضيوفنا فى الليل على شاطئ النيل دون خوف. وتتحرك العربات والقطارات بنا وبزوارنا على طرقنا البعيدة والقريبة دون تهديد.. وحين تكفى مرتباتكم – بعد أن تزيد بإذن الله دخولنا جميعا – لأن نستمتع بحياتنا ونشكر الله سبحانه وتعالى على نجاح الثورة التى حققت المطالب ووفت بوعود كان تحقيقها أصعب من تحقق الأحلام! حينما يتم تحقيق ذلك كله فسوف نؤدى – جماعة - «الفروض الواجبة» من عمل وتدين واستقرار. سوف نتّجه إلى أداء «السنن والنوافل» فى الاستمتاع بالكماليات المشروعة فى الحياة. وسوف تستمتعون كذلك بإطلاق لحاكم الأنيقة وتمشيطها وتعطيرها – والتقرب بها إلى الله كما تحبون - ولكن فى بلد مطمئن ووطن جميل يبدى فيه الآن دفع الأضرار كى تجلب المنافع لاحقا. وسوف تستمتعون برؤية نظرات الإعجاب فى عيون مواطنيكم. وبسماع دعواتهم لكم بأن يحفظ الله شرطة مصر ويبقيها فى خدمة شعبها دائما سواء كان رجالها ملتحين أو حليقى الذقون! (2) قرار أى مجلس عرفى أو شعبى أو أى قعدة عرب أو جلسة صلح أياً ما كانت التسمية – إذا كان يقضى بطرد أو تهجير أو ترحيل أو حتى مجرد تحريك أسر مصرية مسيحية أو مسلمة من بيوتها أو مدنها أو قراها. سواء كان ذلك فى قرية أو مدينة على شاطئ البحر أو فى قلب الصحراء أو فى أى مكان على أرض الوطن، لا يمكن وصفه إلا بكونه جريمة سافرة ارتكبتها «محكمة ملاكى» منتزعة بذلك سلطة القضاء ومتحدية للقانون. وحتى لو افترضنا وكان قرار مثل هذه المجالس يمثل إعادة حق لأصحابه الشرعيين، إلا أن مجرد صدوره من خارج منصة القضاء – يصمه بكونه اعتداءً سافرا على هيبة الدولة وانتزاعا لسلطاتها. علاوة على كونه تصرفا همجيا يلوث أى بلد يعترف به وأى مجتمع أو حكومة تغمض عيونها عنه أو تعترف به وتضعه موضع التنفيذ. أقول ذلك بمناسبة حادث العامرية وما أشيع عن طرد وإبعاد مواطن مسيحى – اسمه أبو سليمان – مع أسرته. وأتمنى أن يكون كل ما تردد عن ذلك مجرد تهويل من إعلام يلجأ إلى المبالغة حينما لا يجد ما يغذى به صفحاته وقنواته الفضائية من إثارة عندما يعانى إفلاسا من الأخبار المثيرة. أو مجرد تهييج متعمد وتحريض على الفتنة فى حال كونه إعلاما مستأجرا أو عميلا. مثلما حدث فى حادث فتاة قرية فى منيا القمح. فى حادث – أريد له أن يكون فتنة دينية - فأسرع مدير أمن الشرقية ورجاله مع العقلاء الشجعان باحتوائه قبل أن يحوله الخونة والمغرضون والجهلة أيضا – من الجانبين – إلى حريق. وكذلك معارك الحميدات والأشراف فى قنا. وما أصعب المهمة على المخلصين والشرفاء المهمومين بالأمن من رجاله الذين أسرعوا لاحتواء الفتنة وتأكيد هيبة الأمن وسلطة الدولة وقد أنهكهم الجرى خلف جرائم تقع وملاحقة جرائم على وشك الوقوع. فى وقت كثر فيه العملاء وتضاعفت أعداد المجرمين والخونة والمشبوهين حتى امتلأت بهم ساحات الوطن المسكين وشوارعه وميادينه ومبانيه ومؤسساته. وما أقبحهم وأدناهم قد انكبوا على جسده المنهك تساقط الذباب، وتدافعوا عليه تدافع الضباع والكلاب كل يريد تمزيقه والظفر بقطعة منه وقد اختبأوا تحت مسميات مضللة وتواروا خلف سواتر كاذبة وشعارات مضللة ومخاتلة. وهكذا شأنهم جميعا بلا استثناء: الذين اندفعوا خارجين من الجحور بعد أن لجئوا إليها مؤقتا حتى تنطفئ شعلة الثورة وقد ظنوها لا بد أن تخمد. والذين شجعتهم حالة الضعف وحالة الاضطراب والارتباك فظنوا أيامهم «السعيدة» القديمة من الممكن لها أن تعود. والذين سرعان ما دهنوا الوجوه المنافقة وارتدوا أقنعة الثوار فهتفوا للثورة كذباً ونفاقاً ليغرفوا من أطباقها بعد ما غرفوا من براميل العمالة فى عهد فاسد قديم. كذلك الذين تمتعوا بوقاحة أكبر فبدأوا يعيدون إنتاج صورهم وقد ظنوا الصور القديمة قد محلت أو لحق بها النسيان. والذين يزرعون الفتنة ويشعلون الحرائق ويدعون إلى التخريب تحت ستار من دعوات حق أريد بها باطل. والذين هربوا من السجون أو دفعتهم نزعات الإجرام الكامنة فيهم فانطلقوا مسلحين يغتصبون وينهبون ويفتكون بالآمنين. والذين ينتهزون الفرصة للأخذ – بالإحراج أو بالابتزاز - فى وقت نحن فيه أشد ما نكون حاجة للعطاء. (3) كلنا نكره البلطجة ونعانى منها. ليس بيننا من لا يرتجف رعبا على حياته وحياة أسرته وحياة أى إنسان فى هذا البلد كلما سمع بحادث اعتداء أو شاهد منظرا لإجرام. ليس منا من لا يطالب بالعقاب على جريمة أو بالقصاص من قاتل أو إعادة هارب إلى السجون. لكن انتقاما جماعياً بحرق المجرمين علناً كالذى حدث فى قرية الشبول لا ينبغى أن نفرح له أو أن نطمئن إليه حتى ولو كان الضحايا مجرمين خطرين. لأن حدوث ذلك هو احتلال لموقع الدولة إن لم يكن إسقاطا همجيا لهيبتها وإنذاراً لها بنفى القانون حتى ولو حدث من موتورين أصحاب حق وضحايا متضررين أو ذويهم. ومثل هذا التصرف إذا انتشر ومر دون تحقيق فننتظر إذن من كل من له ذراع تضرب أو عائلة تساند أو حق لا يستطيع أخذه أن ينصب من نفسه – أو ممن يستأجره - قاضياً وشرطياً وسجاناً وجلاداً وهو ما يريده لنا المترصدون المتربصون. --------- بقلم-د. أسامة أبوطالب