عاش يرسم الضحكة على الوجوه.. ومات مبتسماً أصيب بالضغط والسكر.. ولم يهتم بالعلاج ويقول: «خليها ع الله» أخواتى يحفظن كتاب الله.. ويرتدين الحجاب من الصغر بعد فترة خطوبة قصيرة، قرر سيد زيان الزواج من تلك الفتاة التى تسمى «زهيرة» بعد الزواج كان يناديها بنانا واستعدت أسرتها وأسرته للزواج. وبالفعل تم توجيه الدعوة للمعازيم وعلقت الزينة، وغنى من غنى، وهو نفسه كان يغنى الموال الذى اشتهر بأدائه «طلعت فوق السطوح أنده على طيرى» وهو لمطربة شعبية تسمى بدرية السيد. والطير الذى كان يبحث وينادى عليه، جاء إليه، والليلة عقد القران. الكل فى انتظار المأذون.. جاء المأذون! جلس سيد زيان وعروسه فى «الكوشة» والأهل يغنون ويرقصون ويفرحون بالخارج. داخل البيت فى حى الزيتون شرق القاهرة الأجواء ملتهبة. المأذون يرفض إتمام الزواج. لماذا يا مولانا؟ هكذا يسأل سيد. يا مولانا العروسة فى «الكوشة» تجلس وسط الأهل هكذا يقول أبوها. اتكلم يا مولانا. يرد بهدوء عجيب. عمرها صغير، فهى لم تتجاوز ال16 سنة ينفعل سيد ويقول: أنا عمرى 17 سنة. يرد المأذون: أنا أتحدث عن العروس. الموقف اشتعل. وبدأ الصوت يتسرب للفرح خارج الحجرة التى يجلسون فيها.. الأجواء توترت. أم العروسة أنزعجت. العروس ارتبكت. والعريس لم يعد لديه القدرة على الكلام.. وبعد دقائق تدخل أولاد الحلال، وحاولوا ونجحوا فى اقناع المأذون فى أن يكتب الكتاب، ليخرج بعدها سيد زيان إلى عروسه، ويجلس بجوارها يغنى ويرقص ويفرح بالفتاة التى خطفت قلبه، لدرجة جعلته يتزوج وهو مازال صغيرًا فى السن. إنه الحب عندما يخطف ويحرج القلب ويجعله يتحدى الظروف مهما كانت صعبة للوصول للحبيب. فى هذه الحلقة من سلسلة حوارات «أبى.. الذى لا يعرفه أحد» ذهبت إلى عالم فنان الكوميديا سيد زيان الذى رحل عن دنيانا بعد سنوات صعبة قضاها وراء أسوار المرض، وتنقل بين مطارات دول عديدة فى رحلة بحثه عن الشفاء، من مطار جدة إلى مطار برلين والعودة للقاهرة. وفى هذه الرحلات العلاجية التى بدأت من عام 2003 كانت ابنته إيمان مصاحبة له، تسهر على علاجه، وتجلس بجواره بالتبادل مع باقى أخواته البنات، وهو بعد هذا المشوار كان يبتسم وكأنه يريد أن يقول لهم: «الحمد لله.. على أننى علمت وربيت بناتى بالصورة التى أراهن عليها الآن. اتصلت بالابنة إيمان، واتفقنا على الحوار، كانت تسكن فى عمارة بشارع البحر الأعظم، قالت: أنا بعت شقتى فى العمارة، وانتقلت إلى عمارات الإمارات فى نفس الشارع على النيل، فى الموعد المتفق عليه بيننا وصلت، تعيش بمفردها، فهى لم تتزوج، تقرأ القرآن تعيش فى حالة عبادة كاملة، جلست وبعد دقائق جاءت وقلت لها: ألم تحزنى على مضى قطار العمر دون زواج؟ قالت: الحمد لله.. هذه إرادة الله.. ثم نظرت إلى صورة لأبيها معلقة بالقرب منا وقالت: يبدو أن إرادة الله رسمت لى طريقى هذا، حتى أكون بلا زوج أو ابن، حتى أكون بجوار أبى فى رحلة مرضه الطويلة التى استمرت سنوات طويلة، قلت لها هل كان يعيش معكم؟ تبتسم وتقول: بل نحن الذين كنا نعيش معه فى عمارة البحر الأعظم وبعد مرضه أصبحت أنا المصاحبة له فى كل رحلات علاجه داخل مصر وخارجها. الأرض.. أرض الله. فيها الشجر طارح. المانجة جنب العنب. جارهم ليمون طارح. والمية واحدة. بتسقى الحلو والمالح. قلت لها: كان صوته جميلًا فى الموال.. فهل كان يغنى لكم وأنتم أطفال فى البيت؟ ردت: فى البيت كان شخصية قوية بعض الشىء، صحيح دمه خفيف وحنون ويضحك ويقلب الحياة هزار، هذا بالفعل كان طبعه، لكن فى نفس الوقت كان فى أوقات جادا جدا، اذا ما تعلق الأمر بشئون الأسرة، أو فيما يخص دراستنا أو تعاملاتنا مع الدين والحياة. أذكر أننى وكنت طفلة فى المرحلة الابتدائية، وعرف من شقيقتى اننى لم أصلى صلاة العشاء.. فنظر لى نظرة لها معنى وقال لى «أنت محرومة من المصروف لمدة أسبوع»، لقد كان يرى الحياة بنظرة فلسفية فيها تصوف وقرب من الله، لذلك حرص على أن يحفظ القرآن الكريم كاملًا ومرتلًا وبإجازة أيضًا و كان يتمنى أن يكون مقرئا.. وكان فى قمة سعادته عندما ارتدت شقيقتى الأكبر مني الحجاب لتكون ثانى فتاة أو طالبة فى الجامعة الأمريكية ترتدى الحجاب، وهى الحاصلة على إعلام من الجامعة الأمريكية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. وعندما سألوه عن حجاب منى. قال: حجابها يسعدنى. ومثلما كان حريصًا على أن نعرف ديننا فى السر والعلن، كان أيضًا أكثر حرصًا على أن نحب الفنون والثقافة وأذكر أنه كان كلما سافر لأى بلد، كان عندما يعو د يأتى لنا بآلات موسيقية حقيقية لنتعلم عليها الغناء. وكان ومازال فى بيتنا بيانو، ونحن أطفال جاء لنا بمحفظ القرآن، وفى نفس الوقت بمدرس الموسيقى. اسمه: سيد زيان عطية.. ولد فى 17 أغسطس 1942 فى مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، ثم انتقلت الأسرة للعيش فى القاهرة فى حى حلمية الزيتون.. التحق بمدرسة الميكانيكا فى سلاح الطيران وبعد فترة التدريبات الأساسية، انضم إلى المسرح العسكرى، قدم فيه أدوارا مميزة وأثناء وجوده انضم إلى فريق عمل مسرحية سيدتى الجميلة أمام الفنان فؤاد المهندس. وفى هذا العمل لفت الأنظار إليه، فتقدم باستقالته من المسرح العسكرى وتفرغ للتمثيل تمامًا، تزوج مرتين، أنجب من زوجته الأولى أولاده، منى خريجة الجامعة الأمريكية، كلية إعلام، محمد كلية الحقوق وسامية فنون جميلة والتوأم حنان كلية زراعة وايمان وهى حاصلة ليسانس اللغة الانجليزية من الجامعة الأمريكية أيضًا، جميع بناته يحفظن القرآن الكريم كاملًا. *قلت لها ماذا ترك لكم في الحياة؟ اسمه وتاريخه وحب الجمهور له ونحن نقبل ألا يكون لدينا من ميراثه أى شىء، ولا نقبل أى يمس اسمه ويكفينا منه اسمه فقط، فأنا لا أذهب إلى أى مكان فى مصر أو الوطن العربى أو حتى الجاليات المصرية بالخارج، إلا وأجد حبهم لأبى وأعماله مسيطرًا ومتغلغلًا فى صدورهم، وهذا أهم ميراث تركه أبى الفنان أو المبدع يترك أهم ما يترك اسمه وتاريخه، أهم من أى شىء، من الوارد أن يكون هناك أغنياء يتركون العمارات والأراضى والأرصدة فى البنوك، لكن لا أحد يسمع عنهم، وليس عندهم تاريخ يذكر مثل الفنان أو الأديب، ستجد عندهم المال.. لكنك لن تجد أى شىء آخر.. وسكتت قليلًا ثم قالت: بصراحة أبى لم يكن يحب جمع الفلوس، بالعكس ما كان فى جيبه، كان من الممكن أن ينفقه على الآخرين..وكثيرا ما كنت أراه ينفق أمواله على الفقراء، ورأيت بعينى أشياء وقفت أمامها فخورة به.. كان مثلًا يأتى بالبواب وزوجته و يطلب منهم أن يختاروا الهدايا التى جاء بها من سفرياته، قبل أن يوزع علينا نحن أولاده.. وعندما كنت أسأله لم هذا يا أبى؟ كان يرد: أجمل شىء فى الدنيا هو جبر الخواطر.. انظري إلى الفرحة فى عيونهم وأنت تشعرين بالسعادة وبالمناسبة هو كتب وصيته قبل وفاته، لكنها اختفت فى ظروف غامضة. قلت لها رحلته مع المرض.. متى بدأت؟ قالت: بدأت منذ سنوات بعد إصابته بالسكر والضغط، وكان يرفض أن يلتزم بالعلاج.. وذات ليلة بعدما انتهى من تصوير أحد مشاهده فى مسلسل تليفزيونى، قرر أن يسافر إلى شقة الإسكندرية واستقل السيارة، وجعل السائق يجلس بجواره، وانطلق بالسيارة، وصل فى ساعة متأخرة بالليل. هو والسائق فقط. جاء له السائق بالعشاء وتناولاه معًا ثم قال له: إننى أشعر بألم في ذراعي، قال له السائق.. نذهب للطبيب.. رفض ودخل إلى حجرته لينام وبعد ساعات دخل عليه السائق فوجده غير قادر على الحركة وغير قادر على الكلام، استدعى الطبيب وفى نفس الوقت وصلنا نحن من القاهرة.. ومن هنا تمكنت منه الجلطة «جلطة المخ» فتأثر لسانه وجسده، وبدأنا رحلات العلاج ما بين جدةوالقاهرةوبرلين وأذكر أن الأمير فيصل بن سلطان بن عبدالعزيز، تفضل مشكورًا بعلاجه فى المملكة لمدة سبعة أشهر وكنت أنا، مصاحبة له فى رحلة علاجه فى مصر والسعودية وحتى عندما سافرنا إلى ألمانيا. وظل على حالته حتى عام 2011 ويومها استطعنا بفضل الله وبمساعدة «أشرف زكى» الذى لم يتركه لحظة. واستمر العلاج إلى أن نجعله يتماسك ويقف على قدميه ويتحرك بصورة عادية. الموت علينا حق. ده الموت علينا حق. فى مسرحية العسكرى الأخضر، ظهر سيد زيان يغنى فى فرح.. وكلما أشار عليه العر يس أنه فى فرح، ويجب أن يغنى أغانى الأفراح وجدناه يغنى.. الموت علينا حق.. ويكررها.. تقول ابنته إنه كان كثيرًا ما يتذكر الموت ويقول الدنيا هكذا.. ناس تأتى.. وناس ترحل.. وفى أيامه الأخيرة قبل وفاته ذهب إلى منزل ابنته حنان فى مدينة الشيخ زايد غرب القاهرة.. وفى ليلته الأخيرة.. دخل حجرته يمشى على قدميه.. وكلامه محدود.. تمدد على سريره.. نظر إلى السقف .. تحدث مع نفسه.. دخل عليه مساعده.. سأله.. هل تريد شيئا يا أستاذ؟ أشار له أن يصمت.. فهو الآن ليس هنا.. هو الآن يتحدث مع ما وراء الطبيعة.. ما وراء الحجب.. نادى بصوته الذى لم يخرج من فمه على زوجته أم أولاده.. سلم بصوت ضعيف على شخصيات لم يحددها. مساعده مازال يقف بجواره الشاب بدأ يرتجف من شدة الموقف.. عم سيد.. عم سيد.. لم يعد عمه وأستاذه يسمعه.. اعتدل فى جلسته.. شعر بحنجرته تختنق، فقد كان يعانى من متاعب فى القصبة الهوائية.. شهق.. مرة.. مرتين فى الثالثة.. مات. لماذا نحن شعوب تصفق فقط؟ سؤال ظل سيد زيان لا يجد له إجابة حتى مات.. وطرحه بشكل مباشر فى مسرحية الفهلوى عام 1984. و منذ ذلك التاريخ، والى أن مات لم يعرف لماذا نحن شعوب نصفق لزعمائنا ليلًا ونهارًا. إذا أصلحوا نصفق؟ إذا ما فشلوا نصفق، يومها وعلى خشبة المسرح تمنى ألا نصفق إلا بعد ما نحرر القدس والجولان. إلا بعد ما نحرر عقولنا.. وقلوبنا إلا بعد أن ننفق على الأمن الغذائى ما ننفقه على الأمن المركزى إلا بعد ما نحرر ونطور التعليم.. ونرصف الطرق، ونعرف قيمة الإنسان.. يومها فقط يحق لنا أن نقف ونصفق «أما قبل ذلك.. من وجهة نظره.. لا! وفى 14 إبريل 2013 رحل الفنان الشامل سيد زيان.. الذى أحبه الجمهور فى أدوار الكوميديا.. وأحب هو نفسه فى كل دور قدمه.. مات بعد ما كان يتمنى منذ 23 سنة أن نصفق عندما نحرر القدس والجولان، لنجد أنفسنا بعد كل هذه السنوات فى انتظار أن نحرر القدس والجولان وطرابلس، ودمشق وبغداد وعدن وصنعاء من سطوة الاستعمار والإرهاب.. ومن حسن حظه أنه بسبب المرض التزم الصمت قبل أن يموت أو بمعنى أدق أصبحت الحروف على لسانه صعبة.. حتى لا يصاب بجلطة جديدة.. خاصة عندما يدرك أننا رغم فشلنا فى أن نحرر مدننا العربية.. من القهر والخوف والجهل والبطش ورغم ذلك مازلنا.. نصفق وسنظل نصفق.