لكنى كنت جالساً ظهر ذلك اليوم مع صاحبى «عم على سالم» كعادة السنوات، فى أحد مقاهى القاهرة، عندما بدأ يروى بطريقته المسرحية حكاية «السندباد البحرى وشيخ البحر»! قال: كان ياما كان وما يحلى الكلام، إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام أن السندباد كان يخترق الغابة فى طريقه لركوب البحر عندما شاهد عجوزاً مسكيناً فى حالة يرثى لها راقداً تحت شجرة وارفة الظلال وكانت أوراق الشجرة المتدلية من غصونها تغطى قدمى العجوز. أشفق السندباد على الرجل الكهل المريض. وسأله: تقدر تقوم وتمشى على رجليك يا حاج؟ - رد العجوز فى أسى: يا ريت.. أنا رجلى يا ابنى مشلولة ولا أستطيع أن أقف عليها ولا أن أمشى خطوة واحدة، اعمل معروف يا ابنى وشيلنى لغاية البيت بس! تأثر قلب السندباد وغلبته مشاعر الشفقة فحمل العجوز على كتفيه وانطلق يمشى داخل الغابة وعندما بدأ يشعر بالتعب من هذه الحمولة التى ليست بسيطة نظر إلى قدمى العجوز وفوجئ بأنها ليست قدما بشرية وإنما لها حوافر مثل الحيوانات. وطال الطريق.. وشيئاً فشيئاً كان الجنى قد تربع فوق أكتاف السندباد وأحاط صدره بقدميه وحوافره والتصق به وكأنه جزء منه، مرغم على حمله طوال عمره، وليس مجرد مشوار بسيط! وهذا ما حدث تماماً، فقد ظل العجوز فى مكانه «فوق» السندباد، راكباً طوال الوقت على كتفيه، إذا جلس فهو معه وإذا مشى أو وقف فهو معه، وإذا نام ينام معه، كل ذلك وهو متربع فوق كتفيه لا يغادرهما ولا بالطبل البلدي! كان على سالم مؤلف «مدرسة المشاغبين» قد سحرنى واستولى على اهتمامى وأثار فى نفسى الشغف والفضول. - «هيه.. وبعد كده حصل إيه»؟ سألته: قال: ولا حاجة.. فى الطريق عثر السندباد على «كرمة عنب»، أخذ بعضه وتركه يختمر، ويصبح نبيذاً، أخذ يشرب منه فى تلذذ واضح. سأله العفريت: بتشرب إيه يا سندباد؟ - دى خمرة. أجابه السندباد: طلب العفريت من السندباد أن يجعله يجرب شرب النبيذ، وأعجبه فبدأ يحتسى المزيد والمزيد، وأخذ مفعول الخمر يسرى فى جسده، فبدأت قدماه التى تطوف جسد السندباد ترتخيان قليلاً قليلاً، وكذلك قبضته على كتفيه. وعندما استولت الخمر على العجوز، ألقاه السندباد من على ظهره، والتقط حجراً كبيراً أخذ يضرب به العجوز الملعون حتى أرداه صريعاً. وعندما وصل السندباد أخيراً إلى السفينة فى البحر وروى ما حدث للبحارة. - قالوا له: احمد ربك.. هذا العجوز اسمه «شيخ البحر» وهو ليس إنساناً، بل هو جنى شرير، يتظاهر بغير حقيقته ويتنكر على هيئة عجوز، ويتمسكن حتى يتمكن، لكنه ما إن «يركب» فوق إنسان، حتى يحتل المكان ويظل فوقه حتى النهاية. قال على سالم: ومن هنا يقولون «ده راكبه عفريت» ويقولون «الرجل ده مراته راكباه» ويقولون أيضاً «ده الهم راكبه». - سألته: وانت مين راكبك؟ ضحك المسرحى الشهير. وقال بطريقة غير مسرحية: تقصد.. مين راكبنا؟! -------- بقلم - محمود صلاح