لم يحدث في تاريخ كرة القدم، أن سقط عدد هائل من القتلى بسبب لعبة، كما جرى في بورسعيد المصرية، في مذبحة مبيّتة ومخطط لها بإحكام، هدفت إلى حرف مسار الثورة وكسر البوصلة، وإغراق مصر في مستنقع الفوضى لإعادتها قروناً إلى الوراء وإلهائها عن تأدية دورها الريادي في قيادة الأمة العربية . المذبحة لا علاقة لها بالرياضة أو التشجيع، وإنما جاءت مناسبتها في ملعب لكرة القدم بعد أن اتضح لخفافيش الليل أنها مكان ناجح لتنفيذ مخططهم التدميري وسفك المزيد من الدماء المصرية الزكية على أمل أن ينجحوا في مخططهم الذي لم ينفك منذ اليوم الأول للثورة في البحث عن أفكار جديدة لوأد الثورة، والانتقام من الشعب المصري الأبي . في عرف العادة، فإن جمهور الفريق الخاسر هو الذي يصاب بالإحباط ويسعى إلى الانتقام من الخصم، مشجعاً كان أم فريقاً، لكن ما جرى في بورسعيد هو العكس، ما يؤكد أن سيناريو المجزرة كان معداً سلفاً، وأن الأيادي الخفية لعبت دورها ونجحت في إيقاظ الفتنة، وقتل الأرواح البريئة، وجعل أرض الملعب ومدرجاته والشوارع المحيطة به، ساحة حرب حقيقية وتحولت إلى برك من الدماء . المؤسف أن بعض اللاعبين الذين يفترض بهم التمتع بالروح الرياضية والتنبه لما يجري، حمّلوا الفريق الخصم وحتى المدينة ذاتها مسؤولية ما جرى، رغم أن الوقائع أثبتت جلياً أن ما كان هو جزء من الثورة المضادة، وفصلاً جديداً من فصولها التي لم تنته بعد، وأن المدينة وملعبها استخدما أداة لحاملي راية الفتنة الذين ينفثون سمومهم في جسد مصر في كل حين لتركها جسداً بلا روح . ما جرى، بغض النظر عمن يقف وراءه، فإن المجلس العسكري الحاكم يجب أن يتحمل وزره، إضافة إلى الأجهزة الأمنية المختلفة والحكومة وحتى البرلمان، لأن هؤلاء قصّروا في حماية البلاد من الفتنة، وتركوا رؤوسها من غير حسيب أو رقيب . ومجزرة كهذه من الصعب حصولها لو أن هناك الحد الأدنى من الإجراءات الأمنية، والاستخباراتية، وإذا لم نستطع أن نثبت أن هناك تواطئاً، فإن الثابت أن هناك تقصيراً من جانب هؤلاء جميعاً . الأهم من ذلك، أن المطالب التي انطلقت منذ الأيام الأولى لإطاحة النظام، لتطهير وزارة الداخلية من القيادات الأمنية المتورطة في القتل والموالية للنظام السابق، لم تطبق بشكل عميق، والتغييرات لم تطل رؤوساً كبيرة لها باع طويل في القتل والتآمر، ما حدا بتوجيه الأصابع إلى القيادات الأمنية الموالية لوزير الداخلية السابق حبيب العادلي في واقعة بورسعيد، والأكيد أنه “لا دخان من دون نار”، لذا على القيادات الأمنية الجديدة البحث عن كل متورط في هذه الفتنة وتقديمه للعدالة بأسرع وقت . كان أحد فصول المؤامرة على مصر هذه المرة في ملعب لكرة القدم، وقد يكون الفصل المقبل داخل مسجد أو كنيسة أو جامعة، لأن المؤامرة التي تحاك ضد مصر ومستقبلها، خيوطها في مصر وبالتأكيد أن من يمسك بأطرافها موجود في “تل أبيب” وواشنطن وقد تمتد بعض الخيوط إلى بعض العواصم العربية، ما يتطلب وقفة مسؤولة من المصريين جميعاً، مسؤولين وأفراداً، لوأد الفتنة ووضع الأيدي على الجرح، لإنقاذ مصر من محنتها، وإعادتها إلى دورها التاريخي والريادي . نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية