الشتائم والسباب، واستباحة أعراض الناس.. أصبحت من الأمور العادية والمباحة لدى الكثير من الناس بل يراها الكثير أنها قمة الحرية والاستقلال. فمع كل صباح نجد ناشطة سياسية أو رئيس ائتلاف ما يلقى بوابل من الشتائم تجاه أفراد بعينهم وليس ذلك فقط بل نجد من يتطاول أكثر ويحكم على الشعب كله بالغباء ويصفه بصفات لا تقبلها الفطرة السليمة..وغير ذلك الكثير والكثير. ونحن في شهر مولد رسول الله..رأت "بوابة الوفد" أن تجعل من هذا الشهر دعوة لإحداث ثورة أخلاقية بالدعوة إلى العودة لقيم ومبادئ رسول الله ، فقامت باستطلاع آراء العلماء من أجل التذكير بهدف الرسالة المحمدية العظمي التي جاء بها الرسول الأكرم في المقام الأول وهي "إتمام مكارم الأخلاق". يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق إن الله أرسل لنا الرسول الكريم ليكون لنا قدوة ونموذجا ومثلا، وليس مجرد إنسان فقط يبلغ رسالة ويقول الله تعالى " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"، لذا كان المطلوب على كل مسلم أن يتأسى برسول الله في أفعاله وسلوكه فيقول النبي الأكرم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وأوضح عاشور أن الرسول الكريم طالبنا بحسن الأخلاق حتى يظل الناس على القيم متحابين وليس بيننا وبين بعض أي بغضاء نعيش في سلم وأمان، فعندما سأله سائل عن الإيمان قال صلى الله عليه وسلم قال "اتق الله حيثما كنت. وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". وأشار إلى أن الأخلاق الحسنة تزيد من الصلة بين الأفراد، لهذا الأمر حفز الرسول الكريم فيها بقوله "إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" فهكذا جعل الرسول الكريم أصحاب الخلق في ثاني مرتبة له، مضيفا من منا لا يريد أن يكون في منزلة قريبة من الرسول الكريم. وطالب عاشور المسلم أن يعلي من صورة الإسلام بأن يلتزم بسنة النبي الأكرم مما يعكس الصورة السمحة للإسلام. ورأى وكيل الأزهر السابق أن الحرية في الإسلام هي أن يتصرف الإنسان وفقا لأخلاق الإسلام ووفقا لما جاء به النبي الأكرم، نافيا أن تكون الحرية هي الانفلات والبعد عن الأخلاق وقول ما لا ترتضيه الفطرة السليمة للإنسان وأنما هي التمسك بالقيم والأخلاق، لأن كمال الإيمان في حسن الأخلاق. بدوره يقول دكتور حمدي عبيد الأمين العام العام ل"الهيئة العالمية للسنة النبوية" أن ما نعيش به من انحدار أخلاقي سببه أننا قصرنا الاحتفال بذكرى النبي الأكرم في يوم واحد في العام، مما خلق نوعا من الانفصال بيننا وبين المبادئ التي دعا إليها الرسول الكريم . وأضاف:"حتى نقوم بثورة أخلاقية يجب علينا أن نحتفل بذكرى النبي كل يوم بجعل أخلاقه ومبادئه أمامنا نتأسى ونقتدي بها لنستطيع أن ننتصر على نزعات وشهوات النفس" . ويرى عبيد أن الرسول جاء برسالته ليتمم مكارم الأخلاق ، مشيرا إلى أن صلاح الأخلاق هي قمة العبودية لله ، موضحا أن قمة الأخلاق أن يتحرر المسلم من الهوى والشهوات بكل صورها . وأضاف أنه على الرغم مما حققته ثورة 25 يناير من إنجازات ونجاحات ، إلا أن هناك سلبيات أخلاقية هي نتائج سنوات القمع التي أوجدت لدى الشعب نوعا من اللامبالاة والسلبية .
وفيما يتعلق بالمؤسسات المنوط بها القيام بإحداث ثورة أخلاقية، أكد عبيد أن كل المؤسسات المجتمعية مسئولة عن هذا الأمر ، إلا أن المؤسسة الدينية عليها دور أكبر لأن الدين كله أخلاق وما جعلت عبادة إلا لتحقيق التقوى والتقوى هي الأخلاق في شتى مجالات الحياة، وأعلى مراتب الدين هي الإحسان وهو عبارة عن مراقبة الله في كل الأفعال والتصرفات والمناصب . ولفت إلى أن التقوى أقوى من القوانين لأن التقوى تتحقق بضمير متيقظ يرفض كل ما لا يرضي الله عز وجل ، مقارنة بالقانون الذي يمكن أن يكسره الناس ، خاتما قوله بأن الثورة الحقيقية متمثلة في الوصول إلى أخلاق حسنة والتي تعتبر قمة الإصلاح ومحاربة الفساد مطالبا أن تتكامل كل المنظمات لإحداث ثورة أخلاقية كاملة. من جانبها شددت الدكتورة زينب عبد الحافظ الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر على أن الحرية في الإسلام لها ضوابط وشروط فالإسلام لم يعرف الحرية المطلقة . وأشارت عبد الحافظ إلى أن رسولنا الكريم رسالته جاءت لإتمام مكارم الأخلاق ، وان القرآن والسنة اهتموا اهتماما كبيرا بحسن الخلق باعتباره منظماً لكافة سلوكيات الإنسان ضاربة مثلا بالعالم ذو الأخلاق العالية فأنه استحالة أن يصل علمه إلى شي مضاد للدين والشريعة الإسلامية . وأكدت أستاذ الفقه أن الدين ليس عبادة فقط بدليل أن الصلاة جعلها الله 5 مرات في اليوم والحج مرة واحدة في العمر والصوم مرة في العام ، ولكن أخلاقنا لم يحدد لها وقت أو زمن فالإنسان يجب أن يكون محافظا على خلقه القويم طوال الوقت وليس في وقتا معينا . ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن المقصود الأعظم من الدين الحق هو تقويم السلوكيات وإتمام ما سبقه من شرائع ، المقاصد العامة للشرائع السماوية هي المحافظة على محامد الصفات وعلى الشمائل والسلوكيات التي تتفق مع العرف ويقرها المنطق ، مضيفا لأجل هذا ربى الرسول القلوب قبل أن يربي الظواهر وقال عليه الصلاة والسلام " أن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" ، والرسول ربي العقول قبل أن يأمر بإطلاق اللحى لأن الإسلام ينظر إلى الجوهر لا إلى المنظر ، من أجل ذلك ضرب الرسول الكريم لنا مثاليين بالمرأة الصوامة القوامة التي عذبت بسبب حبسها لهرة لم تتركها لتأكل وتشرب من خشاش الأرض ولم تقدم لها طعاماً أو شراباً . وفي المقابل رجلا يسير في الصحراء وأبصر كلبا يلهث من شدة العطش فنزل بخفه لبئر ماء وشرب الكلب ، فنظر الله لصنيع هذا الرجل فغفر له وأدخله الجنة. وأضاف كريمة أننا دخلنا في جيل الغثاء (فقاقيع الصابون على وجه الماء) لأن الأخلاقيات في تدهور مستمر في عالمنا الثالث وبصفة خاصة في البلدان العربية، لأن الدعاة خدروا عقول الناس وغيبوها بالخوض في الغيبيات كذات الله تعالى، التغني بالكرامات والاشتغال بتفسير الأحلام، ومنهم من يسعى لأمجاد سياسية وهناك من هو حائر وشارد ليس تابع لخطة معينة والكل انصرف عن المقصد الأعظم من الرسالة المحمدية ألا وهي "الأخلاق الحميدة" وركز على المظاهر فقط.