أغنية أم كلثوم "ثورة الشك" للشاعر عبدالله الفيصل، أغنية عاطفية بحتة، إلا أنني عندما سمعتها مؤخراً شعرت أنها تعبر في الكثير من كلماتها عن الواقع الذي آلت إليه الأحوال في مصر، وكأنه حوار بين ثوار ميدان التحرير وبين المجلس الأعلى العسكري، حيث يقول له الثوار: "يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خنْتَ عَهْدِي وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ وَلَمْ تَصُنِّي، وَمَا أَنَا بِالمُصَدِّقِ فِيكَ قَوْلاً وَلَكِنِّي شَقِيتُ بِحُسْنِ ظَنِّي". كيف تحول المشهد في ميدان التحرير من المطالبة برحيل مبارك في يناير 2011، إلى المطالبة برحيل العسكر في يناير 2012؟ أليس هذا المجلس الذي قيل فيه ما قيل من أنه رمز الوطنية الصادقة وحامي الشعب والثورة؟ كيف وصل به الحال إلى ما هو عليه الآن، بعد أن أصبح محل شكوك لا حصر لها من الشعب والنخب والثوار؟ حتى كارتر الأميركي شكك في رحيل العسكر، ورغم المواعيد المضروبة لهذا الرحيل إلا أن الشكوك كثيرة حول تحقيقه، وهل سيكون رحيلًا نهائياً، أم أن هناك سيناريوهات أخرى تُعد في الخفاء لتفجير الأوضاع وفرض وجود العسكر لدواعٍ أمنية، وهو ما يحذر منه المجلس العسكري مراراً وتكراراً، دون توضيح مصادر التهديدات! الشعب لا يصدق ما يقال عن المجلس العسكري من أنه المسؤول عن تردي الأوضاع وعن المذابح التي جرت في مصر في الشهور القليلة الماضية، وذلك رغم تأكيد البعض لضلوع الجيش في الهجوم على الثوار في ميدان التحرير والقصر العيني وعند مجلس الوزراء وشارع محمد محمود، بينما ينفي الجيش ذلك ليبقى عند حسن ظن الشعب، ولكن الشعب يخشى أن يشقى بحسن ظنه. ثورة الشك لا تنطبق فقط على حالة العلاقة بين الثورة والمجلس الأعلى العسكري، بل تسري على مختلف العلاقات بين أركان المجتمع الرئيسية الموجودة على الساحة في مصر الآن، والتي يمكن حصرها في ستة أركان؛ الثورة، والجيش، والتيار الإسلامي، والنخبة، والشعب، والإعلام. العلاقات بين هذه الأركان الستة تسودها حالة من الشك وسوء الظن، فالشعب الذي يعاني من مشكلات لا حصر لها بات كثير منه يشك في الثورة التي أضافت له مشكلات أخرى لا طاقة له بها، وعلى رأسها المشكلة الأمنية، والشعب لا يثق في النخبة من السياسيين والأحزاب. ويعتبرهم من بقايا العهد البائد الذين لا يهمهم سوى السلطة ومقاعد الحكم، والتيار الإسلامي بفرقه المختلفة، يلعب على ورقة "النزعة الدينية عند الشعب" ويقاتل باستماتة على السلطة والبرلمان، لدرجة أنه على استعداد للتحالف مع الشيطان الأميركي وأن يحلل ما حرَم الله من خمور وغيرها، وبين الإسلاميين والنخبة السياسية شكوك واتهامات متبادلة لا حصر لها، والإعلام يحظى بأكبر قدر من الشكوك والاتهامات من الجميع، بمن فيهم المجلس الأعلى العسكري. الشكوك تصل حتى إلى داخل هذه الأركان الستة نفسها، النخبة منقسمة كعادتها وتشكك في وطنية وولاء بعضها البعض للثورة، والتيار الإسلامي يشهد حرباً غير معلنة بين السلفيين والإخوان المسلمين يتوقع أن تشتعل وتتأجج قريباً، وجماعة الإخوان تشهد صراعات داخلية لم تشهدها في تاريخها، بين جيلين أحدهما الأصغر يشك في الأكبر . وفي نواياه، وظهرت خلافاتهم هذه بوضوح مؤخراً على صفحات الفيس بوك. وحتى المجلس الأعلى العسكري ظهرت فيه بوادر الخلافات، مع قرار المشير طنطاوي البالغ من العمر 76 عاما بإحالة اللواء إسماعيل عتمان البالغ من العمر 60 عاماً، للتقاعد بسبب تقصيره في أداء مهامه، وهذه هي البداية والبقية تأتي. هذا هو المشهد العام الذي تحولت فيه الثورة المصرية "بفعل فاعل" إلى ثورة شك كبيرة، ولن ينصلح الحال إلا بصدق النوايا، والتخلي عن الأجندات الخاصة والخارجية، وإعادة الثورة لمسارها الصحيح. نقلا عن صحيفة صحيفة البييان الاماراتية