بعد أن قست عليه الدنيا، توجَّه إلى مقلب قمامة كبير، ونصب خيمته بجواره، ووضع داخلها ملابسه وقطعة خشب على هيئة سرير، وعددًا من الأكياس البلاستيكية تحوي احتياجاته البسيطة، والتي تعتبر كل ما يمتلك في هذه الحياة. اتخذ عادل رضا، 48 عامًا، من صناديق القمامة بالقرب من مدرسة أحمد عرابي، في منطقة الكيت كات بالجيزة، مسكنًا وعملًا، بعد أن قست عليه الحياة، وبات لا يملك عملًا أو مسكنًا، أوحتى أقارب، وجلس بالقرب من قسم إمبابة، للحماية من البلطجية الذين يعتدون عليه كما يقول، وبجوار صناديق القمامة لأنها العمل الوحيد الذي لايحتاج إلى رأس مال أو محل خاص. ظل يعمل طوال حياته في حرفة الأحذية، وبدأت مسيرة سقوطه عندما نشبت مشادات كلامية مع عدد من التجار تطورت إلى مشاجرة كبيرة دخل على إثرها السجن لمدة ثلاث سنوات، وعندما خرج من السجن أغلقت أمامه جميع الأبواب، وتبرأ منه جميع أقاربه، حتى إخوته الأشقاء وزملائه، وبات مكروهًا في المنطقة ولم يعد يتحمل الجلوس في المكان الذي ترعرع فيه وعاش به طوال حياته، ولجأ للهروب منه. يخرج من خيمته في الصباح الباكر، ولا يستغرق خطوتين حتى يصل إلى عمله، يبدأ يومه حاملًا في يده اليسرى "شوال"، وباليمنى ينبش في القمامة ليستخرج المواد البلاستيكية، والأوراق المقواة، وعلب "الكانز" الفارغة، وعندما يأتي الزبائن حاملين القمامة ينطلق نحوهم بحماس، ويأخذ "الرزق" الذين أتوا به قبل أن يضعونه هم داخل الصندوق، وكأنه ينتظرهم، وكأنهم يحملون ذهبًا مثلًا، ويبدأ بعد ذلك في الفرز. ينهمك في العمل حتى يحل الظلام، ويذهب بعد ذلك بحصيلة يومه ليبيعها ليأخذ في النهاية ثلاثين جنيهًا حصيلة عمل يوم، ويدخل الخيمة ليستريح على سريره الخاص، يحتمي من وجوه الناس داخل خيمته، حتى تشرق الشمس لتعلن يوم عمل جديد، ويرافقه أغلب رجال شوارع المنطقة، الذين ليس لهم مأوى مثله، يأتون لزيارته على فترات متباعدة خلال اليوم، يجالسونه ويعتبرهم أهله وأصدقاءه الوحيدين في هذه الحياة. وإذا مررت فقط بجوار صناديق القمامة تلك، ستركض سريعًا هروبًا من الرائحة الكريهة التي تخرج منها، ولكن يبدو أنه اعتاد عليها، ربما لأنها مصدر رزقه الوحيد، الذي يجعله قادرًا على مواصلة الحياة. يعيش "عادل" حياته اليومية بين رائحة القمامة الكريهة، ومنظرها البشع، وينبش داخلها طوال النهار، ما يجعله يعرض بشكل مباشر للإصابات والحوادث طوال الوقت، خاصة وأنه لا يعرف ما يوجد داخلها من زجاج مكسور، ما أدى إلى جرح أصابع يديه جروح عميقة، وأشياء تسبب الأمراض مجرد لمسها، وعينيه التي بات لا يرى بها إلا قليلًا بسبب رؤية ورائحة القمامة.